الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست ثورات عربية، إنها ثورات الديمقراطية والمساواة

يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)

2011 / 11 / 12
حقوق الانسان


عرفت مجموعة من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط في السنة الحالية، 2011 مجموعة ثورات كان شعارها إسقاط الأنظمة الديكتاتورية والقضاء على جميع أشكال الفساد من أجل تثبيت دعائم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان. وقد شاركت في هذه الثورات كل المكونات البشرية لهذه الشعوب، نساء ورجالا،ا أكرادا وأمازيغا وعربا وتروكمانا وأقباطا...فعلى الرغم من اختلافاتهم اللغوية أو الثقافية أو الجنسية أو الدينية، هناك محرك أساسي مشترك لحراكهم هذا، ألا وهو البؤس والفقر والقهر والظلم...لكن ودون سابق إعلان ودون سند منطقي ومشروع، أطلقت جهة مجهولة -تحسن القفز على المكتسبات-على كل هذه العمليات النضالية تسمية، (الثورات العربية أو الربيع العربي). وإن كنت لا أود أن أمارس الوصاية على مشاعر أي كان، فأنا متأكدة تقريبا أن هذه الصفة أو التسمية قد جرحت مشاعر ملايين المحتجين والثوار سواء في تونس أو ليبيا (الجبل الغربي) أوسوريا أو العراق أو المغرب أو الجزائر كما عملت على إحياء جراح قديمة. إنه إجراء تسبب في تهميش وتحقير وإقصاء فئة واسعة إن لم نقل أغلبية الثوار والمناضلين الذين خاضوا غمار هذه التجربة جنبا إلى جنب مع مواطنيهم العرب. فضلا عن كونه ضربا لكل شعارات المساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي رفعت خلال هذه الثورات. فكيف أن الثورات تدعوا للديمقراطية وفي نفس الوقت تعيد إنتاج سياسة الإقصاء والتغييب وحتى تحقير شريحة واسعة من أبنائها وبناتها لا زالت إلى يومنا هذا واقفة في ساحات النضال؟ إنها جريمة إنسانية ومغالطة تاريخية تذكرنا بالتضحيات التي قدمها الأمازيغ منذ أن حطت الحماية رحالها على أرض الوطن -برضاء ومباركة النخبة البرجوازية- وحتى رحيلها،لكن في الأخير، الفئات التي كانت عميلة الاستعمار ضد مصلحة الوطن هي التي استفادت من مكتسبات العمل النضالي( الرجوع لتاريخ المقاومة وحركات التحرير في المغرب). ونفس الشيء، حدث في الجزائر التي يشهد التاريخ على أن أهل القبايل رجالا ونساء كانوا في مقدمة كل الحركات التي قاومت الإستعمار الفرنسي لكن بعد الاستقلال قفز القوميون والمتأسلمون على كل الإنجازات وعزل القبائليون في جبالهم ليواجهوا الفقر والتهميش والإقبار . إنه استمرار لسياسة "القومية العربية"، التي لم تجني من ورائها الشعوب الموضوع، سوى ويلات التمييز والتخلف والتبعية. و كان عليها أمام فشلها أن تغير خطابها وتعيد حساباتها، حتى تتيح الفرصة لغيرها لكي يقدم ما لديه من خبرات و كفاءات، لربما ينجح في تحسين وتطوير الأوضاع، وبذلك تتحقق الديمقراطية الحقيقة عوض وضع سيف الردة على رقبة كل مواطن غير عربي طالب ويطالب برفع الحيف والظلم عنه كحق من حقوقه المشروعة. وفي هذا الباب و-باستثناء السخط والسب والشتم الفاضح- أستحضر نموذجا عن الاتهامات التي تلقيتها على الفايس بوك، عندما قلت بأن تسمية "الثورات بالربيع العربي" تسمية غير صحيحة: (إن الغرب والصهيونية ركزو ا خلال الفترة الأخيرة على إحداث تغييرات في بنية العقل العربي على المستوى الفردي، وذلك من خلال تحويل اهتمامات الفرد العربي وتركيزه من القضايا الأساسية والجوهرية إلى المطالب الثانوية وإعادة انتاجها بشكل جديد بحيث تحتل المطالب الفردية أعلى سلم الأولويات بينما تتراجع أو تضيع الحقوق العامة والمصالح المشتركة للأمة). هذا الخطاب هو خطاب قديم -حديث تعود عليه غير العرب سماعه على مر 14 قرنا ويدخل في إطار ما يعرف بسيف الردة. ويرى أصحابه على أن كل من طالب بحقه من غير العرب هو عميل للغرب والصهاينة وكافر، حتى وإن كان التاريخ يشهد على أن ذلك الفرد قد ساهم في نشر الإسلام و حارب الاستعمار وقت كان القوميون يساندون المستعمر لإحباط المقاومة وجيش التحرير التي كانوا يسمونها "السيبة". أما المعتدلون فرأيهم هو أن : (هذا المشكل ليس بالامر العسير اذا ما توفر لها الجو الديمقراطي). ولهؤلاء أقول، نعم، فعلا، ليس مشكلا عسيرا لأنه مطلب في منتهى الموضوعية والمصداقية بل حق من الحقوق التي يعتبر المس بها جريمة يعاقب عليها القانون. لكنه أمر لم يتحقق للشعوب غير العربية منذ الغزوات العربية إلى يومنا هذا لأن المسألة سياسية وسلطوية وبالتالي عندما يكون هناك التشبث الأعمى بالسلطة والجاه فكل الأمور تصبح عسيرة وصعبة المنال مهما كانت بساطتها ومصداقيتها. ومنه، فالحقوق لا تجزئ كما لا تأجل. والديمقراطية لن تجد جوا مناسبا لتفعيلها من أيامنا هذه. الآن وإلا أبدا.
وبالتالي يجب حذف هذه التسمية أو المفهوم من القاموس التاريخي لثورات 2011 في شمال إفريقيا والمشرق العربي الإسلامي، لأنه قفز عنصري عربي على مكتسبات الثورات، وإقصاء وتهميش للمكونات البشرية غير العربية التي شاركت في الثورات. والسكوت وعدم تدارك الخطأ يفتح الباب واسعا أمام المغالطات والأكاذيب التاريخية التي هي سرقة لحق الآخر في معرفة الحقيقة. ويكفينا مغالطات و سرقات القرنيين 19 و20 التي لا زالت الأجيال الحالية تؤدي ثمنها غاليا سواء على المستوى السياسي أوالاجتماعي أوالثقافي أوالتعليمي.
إنها ليست ثورات عربية، إنها ثورات الديمقراطية والمساواة، هذا إذا لم تكن مجرد ورش إمبريالي تعيد من خلاله البلدان الرأسمالية ترتيب ضيعاتها وتجديد خدام أعتابها الشريفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الديمقراطية هي شكل من أشكال الدولة
جلال البحراني ( 2011 / 11 / 13 - 22:43 )
لأول مرة مقال يلامس الحقيقة
أين تضحيات الأكراد، الأمازيغ التركمان و غيرهم، الكل يمسي هذه الثورات بالربيع العربي و سارعوا لإقتباس البروبجاندا الرأسمالية التي تريد الحفاظ على السيد العربي و شكل دولته
هي ربيع الفقراء العمال و الكادحين و المهمشين من أبناء المنطقه، هكذا كانت في تونس مصر سوريا اليمن البحرين
لكن يا سيدي الديمقراطية هي شكل من أشكال الدولة، و هي دولة العرب الفاشية التي يريد الغرب الحفاظ على شكلها لأنها تخدم مصلحته، فالتنويه لثورة الفقراء و الكادحين و من ثم ديمقراطيتهم تعني شيء أخر مضاد لمصالح الغرب

اخر الافلام

.. التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية: العالم على حافة الهاوية


.. برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة ستتجاوز عتبات المجاعة الثلا




.. القسام تنشر فيديو أسير إسرائيلي يندد بتعامل نتنياهو مع ملف ا


.. احتجاجات واعتقالات في جامعات أمريكية على خلفية احتجاجات طلاب




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - ألمانيا تعلن استئناف التعاون مع