الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروع فى قتل أقدم دولة فى التاريخ

سعد هجرس

2011 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


"تسونامى العنف" الذى يجتاح مصر من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها أخطر من أن يوضع تحت لافتة "الانفلات الأمنى" الممجوجة، وأعمق من حصره فى الحدود الضيقة للحسابات الانتخابية البرلمانية الوشيكة.
فهذا عنف يحمل سمات وملامح جديدة.
فلم تعرف مصر فى السنوات والعقود الماضية مثلا قيام قرية بفرض "حصار" على قرية أخرى وعدم السماح بدخول أى شىء إليها سوى الاحتياجات الضرورية من السلع التموينية . ويحدث ذلك على مرأى ومسمع من قوات الأمن والشرطة العسكرية التى تقف مكتوفة الايدى لا حول لها ولا قوة، ويزداد العجب عندما نرى فى خلفية هذا الحصار العسكرى عودة الى الجذور القبلية والعشائرية من "هوارة" إلى "أشراف" و"عرب".
ولم تعرف مصر فى السنوات والعقود الماضية مثلا تهديداً بقطع خط السكك الحديدية والطرق الدولية والسريعة مع ما يترافق مع ذلك من اختطاف رهائن فى وضح النهار.
ولم تعرف مصر فى السنوات والعقود الماضية مثلا ان يندلع هذا العنف فى سبع محافظات فى وقت واحد، وأن تدور رحاه فى الوجهين البحرى والقبلى سواء بسواء.
وفى ذات الوقت جرى تفجير أنبوب الغاز الطبيعى المتجه الى الاردن واسرائيل فى سياق حملة متصاعدة لتيارات أصولية من بينها جماعة التكفير والهجرة، التى لم تعد بعضها تخفى تخطيطها لاقامة "إمارة إسلامية" على أرض الفيروز.
***
وبالطبع .. فانه يمكن استنتاج أن "الفراغ الأمنى" الحادث منذ 28 يناير الماضى، قد أغرى أطرافا كثيرة على "ملء" هذا الفراغ.
لكن يبدو ان "خصخصة الفضاء الأمنى" يتجاوز حكاية "البلطجية" الملتوتة.
فالواضح ان النسبة الأكبر مما يطلق عليه بـ "الانفلات الامنى" ليست النسبة "الإجرامية" المعتادة أى اللصوص وقطاع الطرق وعصابات الجريمة المنظمة أو شبه المنظمة فى الريف والحضر.
بل ان النسبة الأكبر ينخرط فيها "ناس" من خارج دائرة الجريمة، قرروا ان يأخذوا حقهم، أو ما يتصورون انه حقهم، بأيديهم، سواء من "أهالى" آخرين، أو من "الحكومة" التى مازالت بسياساتها وأشخاصها نسخة كربونية من حكومات نظام حسنى مبارك فى الأغلب الأعم.
وهذا معناه ان "الاهالى" كسروا احتكار الدولة ل_ "العنف" وقاموا بخصخصة هذا العنف خارج دائرة القانون وخارج نطاق الشرعية القديمة التى سقطت مع سقوط حسنى مبارك، أو فقدت أنيابها ومخالبها مع ترنح نظامه.
وهذا هو أخطر ما فى الأمر، لان المسألة لم تعد مقتصرة على إسقاط "نظام" بل تجاوزت ذلك الان الى بدايات "تفكيك دولة".
وبالتوازى مع الذبول – المتعمد – لـ "الرابطة الوطنية" عادت الحياة تدب فى "الانتماءات الأولية" قبلية وعشائرية ومذهبية واثنية وعرقية وخلافه.
ومع عودة الروح الى هذه الانتماءات الأولية، ما قبل الوطنية، نشطت "جرثومة التفكك" وبدأت تنخر فى الاندماج الوطنى.
ولو ان المسألة كانت – كما يتصور البعض – مقدمات لتعطيل الانتخابات البرلمانية المقبلة أو التأثير فى مسارها لصالح هذا الطرف أو ذاك، لهانت وأمكن تدارك مضاعفاتها وتوابعها بصورة أو اخرى. أو حتى لامكن تحمل تكلفتها ودفع فاتورتها.
لكن "تسونامى العنف" المتسلسل والمتصاعد على النحو الذى نراه يكتسب خطورته الاستثنائية من كونه مقدمة لتفكيك الدولة المصرية.
فمن هذا المنظور المخيف يجب البحث عن الخيط الرفيع جدا الذى يربط الاحداث المتفرقة التى تجرى على أرض شبه جزيرة سيناء، حيث سيناريو الانفصال – بصورة أو أخرى – لم يعد أضغاث أحلام اعتبرناها مجرد "تخاريف" فى السابق.
ومن نفس هذا المنظور تصبح الأحداث المتفرقة التى تجرى فى أسوان مجرد المشهد الافتتاحى لحركة نوبية ساعية الى اكتساب حق تقرير المصير.
ومن نفس هذا المنظور يصبح الظهور المسرحى لـ "هواره" و"أشراف" و"عرب"، وقبائل وعشائر شتى مثل العبابدة والجعافرة وغيرهما، ومؤتمرات تحمل لافتات غير مألوفة من قبيل، مثل "اتقوا شر الصعيد إذا غضب"، وتلوح بإضرام حريق بطول البلاد وعرضها إذا لم يتم الاستجابة لاملاءات بعينها، وبدأت تمارس العنف بالفعل بما فى ذلك حفر الخنادق حول القرى وفرض الحصار واختطاف الرهائن وقطع خطوط الإمداد والتموين وتشكيل "محاكم أهلية" ، يصبح كل ذلك شروعاً فى القتل لـ "الدولة – الأمة".
فإذا أضفنا الى ذلك الإحياء المتعمد للنعرات الطائفية، والأبعاد التصعيدية لهذا المنحنى الطائفى خاصة بعد أحداث ماسبيرو، تصبح الدولة وكل قيم الحداثة فى مهب الريح.
وإذا وضعنا فى الاعتبار – بعد ذلك كله – ان هناك قوى اقليمية ودولية من مصلحتها تفكيك أوصال الدولة المصرية، ولم تتوقف يوما عن تغذية وتمويل المخططات المؤدية الى ذلك، لأدركنا ان الخطر ماثل، خاصة فى سياق محاولات إعادة رسم خرائط الجغرافيا السياسية للمنطقة بأسرها.
***
هذا الخطر المحدق ليس نتيجة ثورة 25 يناير كما يروج البعض لكنه بالأحرى الثمرة المرة لسنوات وعقود من الاستبداد من جانب، وفاتورة التلكؤ عن إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة من جانب أخر. ولم يعد بالامكان التسامح مع مزيد من التلكؤ أو التواطؤ مع جرثومة التفكك مهما كانت المظاهر التى تتجلى بها دينية كانت أو مذهبية أو عرقية أو طائفية أو قبلية وعشائرية.. أو غير ذلك من انتماءات وهويات سابقة على الرابطة الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العراق هو أقدم دولة في التاريخ
غسان نامق ( 2011 / 11 / 15 - 15:17 )
مقال ممتاز يا أستاذ سعد هجرس، وتشخيص دقيق وموفق للأوضاع في الشقيقة مصر. ولكني أود أن ألفت النظر إلى عنوان مقالك الذي أشرت فيه إلى أن مصر هي أقدم دولة في التاريخ. لا أظن أن هذا صحيح. فكافة المعطيات التاريخية والآثارية تشير إلى وتؤكد على أن العراق هو أقدم دولة في التاريخ وأقدم حضارة في التاريخ وفيه أقدم استيطان بشري في التاريخ. وأن أول دولة، بمعنى دولة، في التاريخ كانت في العراق. مع تحياتي.


2 - تحية للأستاذ سعد هجرس
مريم نجمه ( 2011 / 11 / 15 - 23:09 )
مساء الخير للزميل الكاتب سعد هجرس المحترم

لا أصدّق ما أقرأ يا صديقنا الفاضل سعد شئ مخيف فعلاً .. !؟ لأنها مصر أم الدنيا أعطت أنصع صورة ومشهد ثوري شعبي حر هكذا تكسّر الصورة وتخرّب البلد لا شك إنها نهاية العالم! !!
فالأعداء والأشرار والرجعية وووو ... ألم يشبعوا 50 عاما إحتلال وديكتاتورية وفساد وسرقات وإبعاد الشعوب وشل أحلام الناس والبسطاء والمضطهدين والأحرار .. يعني ممنوع علينا نتنسم الحرية ولو يوم أو شهر أو سنة ؟ إما الإستبداد أو المليشيات الدينية أو الخراب ؟
كان الله في عونكم وعوننا يا أخ سعد .. سنبقى نناضل حتى اّخر يوم في حياتنا هذا قدرنا ..
محبة وسلام


3 - السيد سعد هجرس
حاتم عبد العزيز ( 2011 / 11 / 16 - 02:11 )
مقال حضرتك افزعنى جدا ياترى يامصر رايحه على فين

اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي