الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة العربية، الثورة العالمية و عصر العولمة

منير العبيدي

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011



بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيسها تطرح مؤسسة الحوار المتمدن ملفا عن دور القوى اليسارية و التقدمية و مكانتها في ثورات الربيع العربي و الاوضاع الناشئة بعدها.
و في الوقت الذي اجد فيه نفسي منشغلا بمعرضي القادم الذي يحمل اسم "الربيع العربي" و الذي سيقام في اوائل شهر أيار من العام القادم 2012، لم يسعني ان اقاوم اغراء الكتابة عن هذه الظاهرة المثيرة بعد ان انشغلت بها بصريا، اي بعد ان انجزت العديد من اللوحات التي ترقب المشهد المثير للحراك الجماهيري الكاسح الذي اجده فاتنا بشكل غير مسبوق، يجدد الدماء و يعطي شحنة من أمل جديد بعد ان انحدار الى هاوية اليأس و القنوط و الشك في امكانية الحراك الجماهيري الحاسم الذي اطاح بالعديد من صروح الطغيان.
و هكذا اقتطعت من وقت الرسم ساعات اجلس فيها لاكتب ما رسمته قبلها كلوحة. فيما يلي يجد القارئ اجاباتي على اسئلة الحوار المتمدن.
مقدمة
نشبت الثورات العربية لاسباب داخلية قبل كل شيء، و تتعرض الآن لتشويه مقصود أو غير مقصود، يتعلق بأسباب نشوءها. ما الذي قاد الى هذا الغضب العارم و الواسع، ما الذي جعل هذه الجماهير الواسعة التي انتظرت طويلا تنتفض و كأنما بفعل ساحر و تنتقل عدوى انتفاضتها سريعا بين شعوب الدول العربية بل حتى الى بعض اطراف الكوكب القصية؟
اعتبرت بعض الاوساط أن كل هذه الثورات هي من صنع الغرب و الولايات المتحدة الامريكية. و إلى جانب المبالغة في قدرة الولايات المتحدة و الغرب في تحريك جماهير واسعة، و إلى جانب اهمال ان اوربا و الولايات المتحدة تواجهان اكبر ازمة مالية اقتصادية بنيوية منذ الثلاثينات من القرن الماضي، فإن هذا التفسير المبسط لاسباب الثورات يزدري الجماهير. لا شك ان هذه الدول بقدراتها الاقتصادية و الاعلامية و خبرتها في مجال الاتصال كما و علاقاتها باوساط نافذة و قوية في الشرق الاوسط تحاول و تنجح احيانا في احتواء الانتفاضات العربية و تغيير مسارتها و امتصاص زخمها، لكنها في كل الاحوال لم تكن السبب في نشوبها، و لا هي بقادرة على أن تفعل ما تشاء.
و على خلفيات هذه الثورات يُثار الآن السؤال القديم الجديد: هل كانت التغييرات التي قادها ضباط في الجيش المصري و العراقي و السوري و اليمني ... الخ في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي ثوراتٍ حقا؟ ألم يكن الضباط الذي قادوا هذه "الثورات" أو الذين شاركوا فيها ضباطا محبطين شارك اغلبهم في حرب فلسطين التي هزمت فيها الجيوش العربية؟
كانت معاداة الغرب و مجموعة اجراءات ثورية في مجال العدالة الاجتماعية مثل قوانين الاصلاح الزراعي و توزيع الاراضي على الفلاحين و تخليص مصادر الثروات من ايدي الاحتكارات الاجنبية مثل قانون النفط رقم 80 في العراق و تأميم قناة السويس في مصر .. الخ سببا رئيسيا لاعتبار هذه التغييرات ثورات.
لكن الشيء الذي برز الان على السطح و أضاء زاوية معتمة من تاريخ هذه " الثورات" و خصوصيتها يتعلق باداة التنفيد، فطرح السؤال نفسه بقوة: ماهي أهمية اداة التنفيذ، وهل هناك فرق في أن تكون هذه الاداة الجماهير ام تكون مجموعة من الضباط و هل لهذا الامر أي دور في ديمومة الثورة و الحفاظ عليها؟
لاشك ان اداة التنفيذ مهمة، فحين يشارك ملايين الناس في اسقاط ديكتاتور او اقامة سلطة جديدة فإنهم سيتمتعون بقدر كبير من الثقة بالنفس يرتكز على عدم وجود منقذ غيرهم فيطرحوا انفسهم، عندئذٍ كمرجعية، و عندها لن يكون بمقدار جنرالٍ ان يصدع رأسهم بالخطابات باعتباره منقذا و يروي على مسامعهم بلا كلل كيف انهم مدينون له مدى الحياة و كيف أن عليهم طاعته صاغرين فيتحول الى ديكتاتور بشع كلما مرت الايام محتقرا الجماهير " الناكرة للجميل". هذا ما حصل فعلا مع "ثوريي" الخمسينات من العسكريين الذين لم يتركوا السلطة الا بالموت لأنهم لم يقوموا بالانتقال الى الشرعية الدستورية بل ظل متعكزين على شرعية ثورية اصبحت عرجاء ثم مشلولة حتى تم في الغالب الانقضاض عليها بنفس الاسلوب التآمري أو الانقلابي أو "الثوري" سمه ما شئت.
اليوم ينشأ وضع جديد تقوم فيه الجماهير نفسها بالتغيير بدون منقذ فرد و يتاح لها ان تفرض رقابتها و سوف تلجأ الى الحسم كلما رأت ان الثورة التي حققتها دماؤها و تضحياتها قد انحرفت عن اهدافها أو أن الثورة تنكرت لضرورة معالجة اسباب الاستياء و خصوصا بين الشباب و في مقدمة ذلك البطالة و انعدام الافق و انعدام حرية التعبير في وقت بات فيه عالمنا قرية صغيرة و اصبح شبابنا يرى و يسمع فيتساءل: لماذا نسير في نهاية الركب العالمي و لا نتوفر على شيء انساني يحفظ كرامتنا اسوة بالآخرين؟
على أن الأمر الآخر الذي ينبغي نوليه اهتمامنا هو أن ثورات ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي هي اول ثورات جماهيرية تنشأ في ظروف العولمة حيث ازداد ترابط عالمنا و تداخلت علاقاته و اتضحت فيه التأثيرات المتبادلة بشكل غير مسبوق.
و بالرغم من المرارات التي يحملها الثوار و قادتهم من الموقف الدولي الداعم للديكتاتوريات و الذي هرع لمساعدة الثوار بعد ان اقتربوا من انجاز المهمة، الا ان السلطات الجديدة ليس بوسعها ان تتجاهل العامل الدولي و ليس بوسعها ان تسقط مرة اخرى ضحية انعزالية ثورية و سنجد في مثال جنوب افريقيا و قيادة نلسون مانديلا مثالا ملهما كما سيرد في سياق الاجابات.
و في ادناه اجاباتي على اسئلة الزملاء في الحوار المتمدن:

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
 
1. لم تكن مشاركة القوى اليسارية في الثورات العربية مؤثرة و فعالة بالقدر الذي يتناسب مع تراثها النضالي و تجربتها. السؤال الثاني الذي يطرحه الزملاء في الحوار المتمدن و الذي انقل نصه للقارئ فيما يلي بين قويسات: "هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟" هذا السؤال يتضمن اقرارا ضمنيا بذلك. اما مشاركة النقابات و الاتحادات فأظنه اكثر تأثيرا و لكنها لم تكن دائما بوحي البرنامج اليساري و انما بوحي النضال المطلبي و السعي لتحسين ظروف العمل و الاقتناع في نهاية المطاف بأن المشكلة في جوهرها هي مشكلة سياسية. فلكي تتوفر الارضية لشروط عمل افضل و حريات اكثر شمولا .. الخ ينبغي التأسيس لنظام سياسي يتوفر على شروط التداولية و يحارب الفساد، و هذا ما توصل إليه بسطاء الناس فسبقوا فيه بفعلهم الثوري قدرة القيادات على استيعابهم و تمثيلهم. الحقيقة اننا نشهد ظاهرة غير مسبوقة، ان عامة الناس اصبحت اكثر ادراكا لمستلزمات المرحلة القادمة قياسا بقيادة الاحزاب اليسارية
يحضرني في هذا السياق احد التعريفات المشهورة للثورة ضمن ركام العديد من التعريفات حيث كتب لينين " إن الثورة هي تلك اللحظة التاريخية التي يقتنع فيها ملايين الناس ان العيش بالطريقة القديمة لم يعد ممكنا".. لعل هذا التعريف، الذي ينطوي على اقل قدر من التسييس، هو الاكثر انطباقا على وضع الثورات العربية. فحين يتخذ الألوف من الناس المقابر سكنا لهم مثلا، لا يحتاج الامر إلى الكثير من الفذلكات النظرية لاقناع الناس بضرورة التغيير.
2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟

2. يحلو لقادة اليسار، اليسار التقليدي على وجه الخصوص و كذلك لليساريين العقائديين، ان ينحوا باللائمة في ضعف دورهم على الاستبداد و القمع، و رغم ان هذا صحيح جزئيا، الا انه يهدف الى التهرب من المسئولية، فاللوم الاساس في حالة الضعف يقع على عجز هذه القيادات في التأسيس لخطاب يساري يراعي المستجدات، بخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، و يتبنى منجزات الفكر البشري في الحقل السياسي مع عدم التفريط بمبادئ العدالة الاجتماعية و اعادة التوزيع.
ينبغي لهذا الخطاب الجديد المفترض، عدا ذلك، أن يفسح المجال لتغييرات تنظيمية عميقة و خصوصا ما يتعلق بتبني و تعزيز الديمقراطية الداخلية و تعددية المنابر و هو ما اشرت اليه في اكثر من مقال سابق، اشرت فيه على وجه الخصوص الى ضرورة تعددية المنابر التي هي تقليد يساري اصلا.
أقول هنا "تبني و تعزيز الديمقراطية الداخلية".. ما اقصده هنا تبني الديمقراطية الداخلية حيثما كان الحزب اليساري لا يتوفر عليها و تعزيزها حيثما كان معمولا بها و لكن ليس بالقدر الكافي، و هذان الامران اي انعدام الديمقراطية الداخلية او ضعفها و عدم فاعليتها سائدان في احزاب اليسار عموما و يشكلان الامر الاكثر خطورة في العزلة و ضعف الاداء الذي تعاني منه هذه الاحزاب. و لكي تبدأ هذه الاحزاب بالاصلاح عليها ان تبدأ بهذه الخطوة بالذات، أي تعزيز الديمقراطية الداخلية، كل ما يتعلق بتصحيح المسار سيعتمد على هذه الخطوة.
لقد تعرضت القوى الاسلامية لقمع مشابه او لقمع يفوق الذي تعرضت له القوى اليسارية احيانا و لكنها حققت نجاحات كبيرة و حظيت بقناعة اغلبية الجماهير. الامر اذن لا يتعلق بالقمع فقط.
في اعقاب انقلاب الثامن من شباط الدموي عام 1963 تعرض الحزب الشيوعي العراقي مثلا قد الى حملة ابادة غير مسبوقة خسر فيه خيرة قادته و اكثرهم حنكة و تجربة(السكرتير الاول ، كامل اعضاء المكتب السياسي تقريبا و الجزء الأكبر من اللجنة المركزية و آلاف من المناضلين و الاصدقاء) و لكن الحزب نهض رغم ذلك من الازمة بسرعة و استمر في العمل في داخل الوطن و استعاد جماهيرته بسرعة مذهلة.
فبعد الانقلاب باربع سنوات تقريبا اي في عام 1967 فاز الشيوعيون بالاغلبية الساحقة في انتخابات الاتحادات الطلابية في جامعات القطر الثلاثة بغداد و البصرة و الموصل و لم تنافسهم اية قوة اخرى رغم القمع و التضييق. و كان جميع الفائزين بالانتخابات هم من الجيل الجديد الذي لم يكن قد عمل في السياسة سابقا و لكنه مع ذلك حمل الراية و واصل المهمة لان الثقة بالمستقبل و بالحزب كان كبيرة و لم تتعرض لهزة.
ان مشكلة اليسار التقليدي و عزلته عن الجماهير و بالتالي ضعف دوره في الثورات العربية يرجع الى اسباب اغلبها ذاتي، و ما التأكيد على الظروف الموضوعية الا محاولة للتهرب من اعادة المراجعة. و بعض أسباب اخفاق احزاب اليسار في الدول العربية هي:
ـ فقدان البوصلة و الهوية
ـ تأسس على ذلك: التماهي مع الخطاب الديني أو الطائفي أو القومي
ـ غياب الديمقراطية الداخلية و الخوف من النقد و محاربة الناقدين
ـ شيخوخة القيادات و افتقارها للابداع و بالتالي خوفها من الشباب و القيام باقصاءهم او تهميشهم.
3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
للإجابة على هذا السؤال، استميح القارئ عذرا لهذه المقدمة القصيرة:
تخلت بعض الاحزاب الشيوعية عن اللينينة و لكنها لم تتوفر على بديل فكري متكامل، فأحلّت الفراغ و الضياع أو الانتقائية غير المتجانسة محل البنية الفكرية اللينينة. ان الغاء فكر باكمله غير ممكن، على أن من الممكن و من الضروري النظر الى فكرٍ ما نقديا و تحليله، فلا يجوز و لا يمكن ان يرمي فكر ما بأكلمة في القمامة، و اذا ما كان النقد لجوانب اللينينية صائبا في مجالات محددة و خصوصا ديكتاتورية البروليتاريا ( التي هي في الحقيقة ماركسية اكثر منها لينينية) ، فإن افكارا و تعريفات له لا تزال صائبة و فعالة.
قد يتوقف المرء عن ان يكون لينينيا بالمعني العقائدي للكلمة، و لكن لا مناص من الاعتراف، حتى في هذه الحالة، من أن لدى لينين الكثير من الافكار الصائبة. لم تعد اللينينية نظرية هادية كما راق للبعض ان يسميها سابقا، لكنها مع ذلك تبقى جزءا من التراث الفكري الذي لا يمكن الطفر عليه.
هذه المقدمة ضرورية لاسوق للقارئ وصفا للدرس الذي يمكن استخلاصه من الانتفاضات و الثورات قدمه لينين يتوافق مع السؤال المطروح يقول فيه"إن الثورة تثقف بسعة و عمق يبدوان مستحيلين في فترات التطور السلمي، و الاهم من ذلك ان الثورة تثقف القادة و ليس الجماهير فقط".
في هذا الوصف لدور الثورة التثقيفي توجد نقطتان تسترعيان الانتباه " تثقف بسعة و عمق" أي ان التثقيف الذي تقوم به الثورة ينتشر بين اوساط و اسعة لم تكن من قبلُ مهتمةً بما يجري. (هذا ما يخص السعة)، و انها بالقدر نفسه تعمق الثقافة و تسير بها الى مستويات جديدة غير مسبوقة، فيتشكل ادراكٌ جديد.(هذا ما يتعلق بالعمق)
اما النقطة الثانية فيقول لينين ان الثورة تثقف القادة ايضا.
هنا يحتاج الامر الى توقف و تروي، بل الى قدر كبير من عدم اليقين و التمحيص.
فإذا ما فسرنا ذلك بأن قادة اليسار التقليديين سوف يراجعون انفسهم، على ضوء الثورات الحالية، و يتشكل لديهم تبعا لذلك ادراك جديد للمهمات بما يترتب عليه تغيير في اساليب القيادة، فإنني شخصيا أشك في ذلك كثيرا.
اما اذا ما فسرنا ذلك على ان هذه الثورات سوف تفرز قيادات جديدة بدماء جديدة من اوساط الشباب فإن هذا ممكن بل مرغوب. فلفترة طويلة لم تعط القيادات القديمة اي انطباع على انها قادرة على، أو راغبة في تغيير اساليبها.
أن الدرس المستخلص من ثورات الربيع العربي هو أن الكفاح المسلح و الثورات العنيفة قد انحسرت و لم تعد الاسلوب السائد في التغيير و اصبح بديلها الثورة الشعبية السلمية، و العمل على الابقاء على سلمية الثورة قدر المستطاع هو لصالح الثورة، و تكسب الثورة مواقع اكثر و اكثر في قلوب و عقول الناس في كامل كوكبنا كلما كانت سلمية ، حيث تحظي باحترام واسع و كبير لدى ملايين الناس في اوربا و العالم كلما حافظت على طابعها السلمي،رغم ان العنف في كل الاحوال مفروض من قبل الانظمة الديكتاتورية العربية التي واجهت النشاط السلمي و المشروع للجماهير بالحديد و النار. بهذا الصدد كانت ثورة الشعب التونسي هي الاكثر انضباطا، فقد حافظ التونسيون على البنية التحتية و انتزعوا اعجاب العالم في سلاسة الانتقال و باقل قدر من العنف.
يزودنا التاريخ بمثالين جديرين بالتأمل و الاعتبار: انتصار نضال الشعب الهندي في معركة الاستقلال بقيادة غاندي و سياسة "قوس قزح" التي تبناها قادة جنوب افريقيا و في طليعتهم نلسون ما نديلا في اعقاب سقوط نظام الفصل العنصري. هذان المثالان كان ينبغي لهما ان يكونا قدوة لثوار العالم في الانضباط و عدم الميل للانتقام رغم شراسة الانظمة المعادية للثورة و رغم الخسائر الباهضة و الضحايا.
اما اختيار انجع السبل في نضال الجماهير من اجل غد افضل الذي اشار اليه السؤال فهو امر مهم بل و فائق الاهمية.. اظن ان الثوار المصريين كان رياديين في الاستفادة من منجزات المعلوماتية و الاتصالات ( اليوتيوب و الفيس بوك) في تصعيد الثورة و تفعليها. رغم ذلك لا تزال هناك اساليب اخرى ممكنة لتعزيز الثورة و السير بها الى الامام، و هذا ما ينبغي العمل على تحقيقه حسب المتغييرات التي تطرأ على كل وضع ملموس على حدة.
أشير في هذا السياق بشكل خاص إلى الافكار الخاصة باليسار الالكتروني و ثورات اليسار الالكتروني التي خاض فيها و دعا اليها الزميل زركار عقراوي و خصوصا مقاله الموسوم "ثورات اليسار الالكتروني، تونس و مصر" نموذجا.
مرة اخرى يعود الامر للشباب في قضية التجديد ، انهم قادرون على الابداع و اكتشاف اساليب جديدة، و قد كتبت مقالا قبل اسابيع تحت عنوان " الثورة هي اعلى اشكال الابداع". كانت الثورة دائما ابداعا غير مسبوق يباغت الحاكمين الذين تعلموا من الانتفاضات ابتكار طرق جديدة للقمع و الاحتواء. و بواسطة الاساليب الابداعية يمكن للجماهير ان تعطل الارادة الشريرة للانظمة الديكتاتورية فتباغتها من حيث لا تتوقع و بما لا تتوقع..

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
لا توجد وصفة لطرق المشاركة تصلح لكل البلدان التي نشبت او انتصرت فيها الثورات أو توفرت فيها فرص المشاركة كما في العراق. يعتمد الامر على طبيعة القوى القائدة للسلطة الجديدة و مدى جديتها في التغيير و برنامجها. و في مثال العراق سبق لي ان رأيت أن المشاركة في العملية السياسية كان قرارا صائبا و لكن المشاركة في حكومة تقوم على المحاصصة و الفساد يجعل من الحزب شريكا في الفساد حتى لو بقي ممثلوه في السلطة نظيفي الايدي، فالوزارة مسئولية مشتركة.
الجانب الاخر الجدير بالاشارة هو ان المشاركة في العملية السياسية يتضمن الاقرار بالطرق الديمقراطية السلمية و التداولية في الحكم و لكن ينبغي ان لا يكون وسيلة لاسكات الحزب و تحييده، بل على الحزب المشارك في العملية السياسية ان يستعمل وجودة في مؤسساتها و في هيئاتها التمثيلية و كذلك صحافته للنقد و فضح الفساد و الدعوة لاحترام الحريات.


5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
نعم، أظن تحالفا من هذا النوع يضم القوى اليسارية و العلمانية و الديمقراطية مع وجود برنامج مشترك سوف يدفع بالعمل لصالح برنامج اليسار نحو الامام و سوف يحد من انفراد الاحزاب الدينية و الطائفية بمقاليد السلطة.
ان المهم في قضية التحالفات هو المحافظة على الهوية و عدم فقدان البوصلة و عدم الذوبان في الاحزاب الاخرى. ففي التجربة السياسية الماضية رأينا العديد من التحالفات التي لم تجلب الخير للشعب بل استخدمت و سيلة لتحييد احزاب اليسار و تجريدها من جماهيرها و من ثم الانفراد بها. في كل الاحوال ينبغي ان تكون المصلحة العليا و الهدف الذي يوضع نصب الاعين هو مصالح الشعب و ليس المصالح الحزبية الضيقة، فما ينفع الشعب ينفع الحزب في نهاية المطاف.

6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
كما اشرت في جواب سابق، فإن الاحزاب اليسارية اذا ما ارادت ان تخرج من دوامة الفشل و الخسارات المتلاحقة فإن عليها ان تؤمن بدور الشباب و ان توفر لهم فرصة اكبر في المشاركة في رسم سياسة الحزب و اتخاذ القرارات.
في كل حزب يساري تتكون بنية على مستوى قيادي تتمتع بالنفوذ، تميل بمرور الوقت إلى أن تكون محافظة و رجعية و جامدة تحارب الشباب (نساء كانوا ام رجالا) لان هذه الاوساط تخشى على نفوذها و تلازمها خشية مزمنة من ان دورا اكبر للشباب قد يقوض نفوذها، و ليس خافيا أنه لا تزال في قمة احزاب اليسار شخصيات تولت القيادة منذ عقود دون تغيير.
و عليه ارى ان صياغة السؤال اعلاه كان ينبغي ان تكون: هل ينبغي للاحزاب اليسارية قبول قيادات شابة و نسائية تقود حملاتها الانتخابية، بدلا من هل تستطيع... الخ.
فالسؤال بصيغة "هل تستطيع" قد يكون الجواب عليه: كلا لا تستطيع لانها لا ترغب.

7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
أرغب بدمج السؤالين السابع و الثامن معا لانهما مترابطان.
حرية المرأة غير منعزلة عن حرية المجتمع. الامر يتعلق اذن بتحرير المجتمع بأكلمه من الطغيان و التعسف. لا شك أن الجواب على ذلك يكمن في نظام ديمقراطي تعددي. الامور الاخرى مثل الفساد و عدم كفاءة الادارة ..الخ يعتمد على الديمقراطية و لوازمها، اخص بالذكر حرية المعلومات و حرية التعبير.
اما تحرير المرأة من العسف المنزلي فهو امر قد يحتاج الى وقت أطول، مع ذلك ينبغي الشروع بالجانب التشريعي بما يضمن المساواة القانونية و تشريعات حماية اولا، على ان المساواة القانوية للمرأة بالرجل لن تكون الا الخطوة الاولى.
تم التراجع عن التشريعات التقدمية التي قامت بها "ثورة" 14 تموز في العراق بسبب تزايد دور قوى الاسلام السياسي العراقي دون أن تستطيع احزاب اليسار و العلمانية ايقاف ذلك التراجع.
مع ذلك و فيما يخص التعامل مع قوى الاسلام السياسي ارغب ان أقسم ذلك الى مستويين
الاول: الحوار لدفع قوى و شخصيات اسلامية الى مواقف واقعية و اكثر انفتاحا و تقدمية، فمن المعروف ان قوى الاسلام السياسي غير متجانسة، و من الخطأ وضعها جميعا في سلة واحدة، و بما ان هذه القوى ستلعب دورا كبيرا بل ربما حاسما في الحياة السياسية لعقود قادمة، فإن وجودها ودورها لا يمكن الطفر عليه او شطبه
إن تحول شخصيات اسلامية الى مواقع سياسية واقعية و اقتناعها حقا بالعلمانية و التعددية و التداول و الرأي و الرأي الاخر لا يمكن اغفاله و نراه يوميا، و عليه فإن الميول الشاتمة و التبسيطية التي تميل إلى التبويب و عدم ادراك التنوع الطيفي لقوى الاسلام السياسي و التي، بالتالي، تتعامل معها بطريقة واحدة، تلحق الضرر بقوى اليسار قبل غيرها
ثانيا: القوى الاسلامية الظلامية الميالة للعنف و التي تصادر الحريات و تتدخل في الحياة اليومية للناس. هذه القوى ينبغي ان تكون موضع نقد شديد و صريح يتضمن الدعوة لاستخدام القانون و الحقوق المدنية لايقاف تعديها على الحريات

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
ربما اكون قد اجبت على هذا السؤال في جوابي على السؤال الثالث. على ان الجزء الثاني من السؤال " ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟" هذا الجزء مهم و ضروري و الجواب عليه: نعم بكل تأكيد
نحن كنا بحاجة ملحة منذ فترة طويلة إلى نوع جديد من القيادة و آليات جديدة للقيادة في أحزاب اليسار. أما في زمن المعلوماتية و دخول وسائل جديدة للاتصال الجماهيري، فإن الفجوة بين قدرة قيادات احزاب اليسار و مستوى الادراك الجماهيري قد ازدادت و تعمقت. لقد شاخت قيادات اليسار و شاخت اساليبها، لكن التطورات الجديدة اظهرت درجة غير مسبوقة من العجز، و لا ازال اقول ان العلاج يكمن في تولي الشباب المسئوليات و تحديد فترة زمنية قصوى لشغل مركز القيادة في احزاب اليسار. و دراسة معدلات العمر في عموم الحزب اليساري و بالاخص في قياداته و اعتبار انخفاض معدلات العمر مؤشرا ايجابيا على ان الحزب يحظى من جهة بقبول الشباب، كما انه من جهة اخرى يفسح المجال لهم لتولى مراكز قيادية.
بات من المألوف انصراف الشباب عن احزاب اليسار حتى بات اعضاء احزاب اليسار و قياداته من الشيوخ فقط، و هذا مؤشر خطير، و بذلك فإن احزاب اليسار بحاجة الى تجديد جذري.

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
تعرض الحوار المتمدن الى صعوبات كثيرة و خصوصا ما يتعلق بتحديد الهوية، و اثناء ذلك انصرف عنه كتاب و دخل فيه جيل جديد من الكتاب. هذا هو ديدن الحياة. و في كل الاحوال بقي الحوار المتمدن متميزا بطرحه اليساري العلماني و بما يتوفر عليه من مساحة واسعة من الاختلاف ضمن اطار اليسار و كتب فيه كتاب يتحدرون من كل الدول العربية و قرأ مواضيعه الملايين.
كانت هناك حالات قام فيها كتاب بشتم كتاب آخرين بطريقة غير لائقة، و غضت الحوار المتمدن الطرف او سهت عنهم و بمرور الوقت طور الحوار المتمدن ضوابط النشر و التعليق. ان الصدام الفكري هو من الامور المحببة و الضرورية و لكن اعتماد الشتيمة بدلا من النقد كان دائما وسيلة العاجزين.
و في كل الاحوال فإن حياتنا الفكرية لا يمكن تصورها الان بدون دور الحوار المتمدن الذي نريد له ان يستمر و يتعزز.
و كان الحوار المتمدن سباقا في الكثير من المجالات و خصوصا دوره في طرح فكرة اليسار الالكتروني، كما يثير الاعجاب دور الشباب و النساء في ادارة الحوار المتمدن و الكتابة فيه.
اتمنى للحوار المتمدن و لهيئة تحريره و لكتابه الموفقية و النجاح و الف تهنئة من القلب بمناسبة ذكراه العاشرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهد رائع
نادر علاوي ( 2011 / 12 / 6 - 23:29 )
نعم لابدَّ لليسار أن يواكب التطورات الجارية ، وان يرصد ما يحيط العمل النضالي الديمقراطي من معوقات ومخاطر قد تعتريه ، ومن البديهي ان القوى اليسارية تستمد قوتها وحجم تأثيرها من أفكارها ومبادئها الخلاقة ، وأنا أتفق تماماً مع الرأي الذي يرى من الأفكار اللينينية كتعاليم بالإمكان إستلهامها والأخذ بها على مر الأزمنة والعصور ؛ علماً بأن لينين كان من أشد خصوم الجمود الفكري وكان ضد التصوُّف الحزبي والإنغلاق الفكري ، فقد دعى الى اللحاق بركب التقدم والتطور والنجاح حيثُ جسد ذلك بمقولته الشهيرة : - النظرية رمادية اللون لكن شجرة الحياة خضراء الى الأبد -... وعلى هذا الأساس فإن لقوى اليسار مهمة بالغة الأهمية تتمثل في نشر الوعي والفكر التقدمي ، أي بإختصار إتباع إسلوب العمل السياسي مقروناً بالتثقيف النظري ، وكما يُقال فإن :: النظرية عرجاء من دون سياسة ، والسياسة عمياء من دون نظرية :: ... شكراً على هذه الدراسة الرصينة والجادة ؛ مع التحية وفائق التقدير والإحترام

نادر علاوي


2 - شكرا لنادر علاوي
Munir Alubaidi ( 2011 / 12 / 10 - 12:06 )
شكرا للعزيز نادر علاوي على تعليقه و على تفهمه لضرورة التجديد. ان احزاب اليسار كغيرها تعاني من صراع بين الجديد و القديم، و كلما كان تبني التحديث مستمرا و يقوم على اسس الدراسة و النقاش و القناعة توفرت الارضية لان تلعب احزاب اليسار دورا اكبر في الحياة السياسية و ان تكون قادرة على تحقيق اهدافها و مصالح الفئات التي تمثلها بالمزيد من العدالة الاجتماعية و اعادة توزيع الدخل .


3 - اليات جديدة للثوار
يوسف عثمان الدخيري ( 2012 / 5 / 11 - 16:54 )
كل العالم استخدام اليات الفيس وتويتر للقيام الثورة هذا اليات لا تكفي للقيام الثورة في الدول الضعيفه مثل السودان والدول الاخري هنالك ان يكوين اليات جديدة او تثقيف جديد للتحرير الشعوب العالم من الحكم


4 - اليات جديدة للثوار
يوسف عثمان الدخيري ( 2012 / 5 / 11 - 17:02 )
كل العالم استخدام اليات الفيس وتويتر للقيام الثورة هذا اليات لا تكفي للقيام الثورة في الدول الضعيفه مثل السودان والدول الاخري هنالك ان يكوين اليات جديدة او تثقيف جديد للتحرير الشعوب العالم من الحكم

اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة