الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات -الربيع العربي- وما بعدها

عواد احمد صالح

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011


1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟

في البداية لا بد من تحديد مفهوم (قوى اليسار) لكي ندرك بشكل دقيق دورها السياسي والجماهيري في (الثورات العربية) تلك القوى تمثل الاحزاب الشيوعية التقليدية وبعض منظمات اليسار الجديد مع يسار الحركة القومية العربية التي تحول قسم منه بعد هزيمة حزيران عام 1967 الى تبني النظرية الماركسية وهذه القوى غير متجانسة فكريا وسياسيا ومحافظة عموما وهي من الناحية العملية ليست ( جذرية ) بسبب تركيبتها الطبقية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة وتبنيها لمفاهيم "الديمقراطية والتحرر الوطني" وليس في منظوراتها السياسية افق اشتراكي . فاليسار القائم الان في اكثر اقسامه وتصنيفاته ( يسار شعبوي ) يبني تصوراته النظرية والسياسية على اسس القومية والوطنية اي على اساس ما يسمى مصلحة "الشعب والوطن ".
ان وضع اليسار الفكري والتنظيمي والاجتماعي انعكس على دوره المحدود في التغيرات والحركات الجماهيرية الراهنة هذا ينطبق بشكل واضح على مصر وتونس واليمن وسوريا ويكاد ينعدم وجود مثل هذا اليسار في ليبيا تماما .. هذا التوضيح ضروري لمعرفة دور اليسار وفاعليته السياسية في " الثورات الراهنة".
لعبت قوى اليسار في الثورات رغم امكانياتها المحدودة وكونها احزابا صغيرة دورا هاما فهي اعطت لهذه الثورات في مصر وتونس والعراق خصوصا كثير من شعاراتها وبرامجها التقدمية وقد اعترفت قناة بي بي سي البريطانية في حينها بان تظاهرات واحتجاجات العراق كان يقودها اليسار ويسار الوسط ، وعموما فأنه بصرف النظر عن دور قوى اليسار فان التمايز الطبقي والافقار والاضطهاد الذي تعانية الاغلبية الساحقة من المجتمعات العربية العمال والكادحين والشباب والنساء وجميع الفئات المهمشة كان هو السبب الاساسي فالجماهير المضطهدة انتفضت ضد فساد الطبقات الحاكمة وسرقتها للمال العام وضد قمع الحريات وذلك الفساد المستشري في مفاصل الدول اذ كانت الطبقات المالكة تمتلك الثروة والسلطة في الوقت الذي تضيق مجالات العيش امام الغالبية الكادحة والفقيرة وتنفذ اجندة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتخضع لمصالح الكارتلات والاحتكارات الامبريالية الكبيرة .
ان احزاب اليسار الموجودة في عموم المنطقة العربية احزاب صغيرة وضعيفة ومعظمها ليس لديه برنامج ثوري للوصول السلطة أي برنامج تغيير اشتراكي جذري وقد تعرضت لسنوات طويلة من قمع الانظمة الديكتاتورية وفي الغالب كثير منها محبط سياسيا بسبب اتكاءه على ارث التجربة"الاشتراكية "المجهضة في الاتحاد السوفييتي السابق .هذا اضافة الى انتهازية وبيروقراطية قادة النقابات والحركة العمالية ولهذا فان تاثيرها في الحركات الاجتماعية رغم اهميته كان محدودا . هذا من جهة ومن جهة اخرى يمكن الاشارة بشكل خاص الى دور الطبقة العاملة في مصر منذ 25 يناير حيث نفذ العمال عشرات الاضرابات ودخلوا في صدام مع السلطة وفي تونس كان للاتحاد التونسي للشغل دورا في التأثير على مسار الاحداث السياسية هناك لكنه لم يخرج من اطار المطالب الاصلاحية .. ويمكن القول ان اليسار والحركة العمالية ليسوا منظمين بما يكفي وبالكاد فأن الحركة العمالية غير مسيسة وانحسرت مطالبها بالجانب المهني والمعاشي الصرف ويمكن القول ان بعض القوى الشيوعية واليسارية فوجئت بمسار الاحداث ولم تكن تتوافق مع حركة ومطالب الجماهير التي تقدمت عليها كثيرا .
ان النتائج الحاصلة حتى الان في مصر وتونس خاصة تشير الى ان التطور الثوري لم ينتهي بعد وهناك فترات صعود وهبوط وتراجع وتقدم للحركة الجماهيرية وسينعكس ذلك على دور اليسار كلما تنامى دور الطبقة العاملة وتدخلها في الاحداث مع تجذر الحركة الجماهيرية يوما بعد اخر سينمو اليسار عندما يلتحم بصورة موضوعية مع الحركة العمالية والجماهيرية ويتبنى مطالبها ويقودها نحو تحقيق تلك المطالب ولعله من البديهيات المعروفة وكما اشار تروتسكي ((من المؤكد أنه يمكن لحزب ضعيف، أثناء الثورة، أي عندما تتوالى الأحداث تباعا، أن ينمو بسرعة إلى حزب قوي شرط أن يفهم بجلاء مجرى الثورة وأن يمتلك كوادر صلبة لا تفقد وعيها بالجمل ولا تخاف الملاحقات. ولكن هكذا حزب يجب أن يكون متوفرا قبل الثورة طالما أن عملية تثقيف الكوادر يتطلب فترة من الزمن لا بأس بها وأن الثورة لا تعطي مثل هذه الفترة. . ))(الحزب والطبقة والقيادة ) ان دور القوى اليسارية سيعتمد في التحليل الاخير على مشاركتها الجدية في الثورات وتوافقها مع حركة الجماهير وعلى استيقاض الطبقة العاملة ونزولها الى ميدان الصراع السياسي .
وبما ان الصراع بين القوى السياسية المختلفة لم يحسم بشكل نهائي بعد فهناك معركة سياسية وايديولوجية لليسار مع قوى الاسلام السياسي المتفوق جماهيريا والمدعوم ماديا ومعنويا من الدول الخليجية وبموافقة ضمنية من الولايات المتحدة و الاتحاد الاوربي . والرهان المطروح هل تستطيع القوى اليسارية والشيوعية ممارسة سياسات وتكتيكات وترتكز على تفعيل الصراع الطبقي والاستفادة من اجواء الحرية النسبية في توسيع قاعدتها التنظيمية والاجتماعية والدفاع عن المنجزات الحداثوية والمدنية وحرية المرأة في مواجهة الردات الرجعية المحتملة سياسيا واجتماعيا .؟
ان تطور وتجذر الثورات العربية في مرحلتها الحالية يعتمد بشكل اساسي على نزول الطبقة العاملة الى الميدان وتطور وعيها السياسي وتحزبها الشيوعي والاشتراكي والمعول في هذا الاطار على مصر حيث توجد اكبر طبقة عاملة شبه منظمة وتمتلك تقاليد نضالية ومطلبية وثورية.

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
لقد حكمت الانظمة القومية البرجوازية بمستويات ايديولوجية وسياسية مختلفة في مصر وتونس واليمن والعراق وسوريا منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي وكانت ترتكز في استمرارها وبقائها على جانبين الاول رفعها للشعارات القومية والاشتراكية والثورية والثاني مناهضة الامبريالية والدفاع عن القضية الفلسطينية وبناء على هذين المطلبين مارست القمع والاضطهاد والتصفية ضد قوى اليسار والشيوعية ونتج عن ذلك حدوث فراغ سياسي كبير استثمرته قوى الاسلام السياسي بحكم سيادة النزوع الديني في المجتمعات العربية ورعاية المؤسسات الدينية ودعمهما من قبل الانظمة الحاكمة بهدف توفير غطاء شرعي لاستمرارها وبقاءها في الحكم مما انعكس سلبا على تلك الانظمة فقد توافرت بنية تحتية هائلة للقوى الدينية في مصر الازهر وفروعة والمدارس التابعة له وفي العراق ما سمى حينها بالحملة الايمانية التي امر بها واشرف عليها صدام اضافة الى ان المدارس الدينية للشيعة الحوزة وغيرها كانت تمارس نشاطها بكل حرية ولم يقمع نظام صدام سوى المعارضين السياسيين البارزين من القادة الدينيين لكل الطوائف .. وهذا ينطبق على سوريا التي فتح فيها 1200 معهد باسم (معهد الاسد لتحفيظ القران ) واليمن وتونس وليبيا حيث كان الاسلام السياسي يمد جذوره في المجتمع من خلال دعم الدولة ورعايتها للمؤسسات الدينية واتساع رقعة بناء المساجد والمدارس والمعاهد الدينية . نخلص من هذه المقارنة الى نتيجة هي حلول الاسلام السياسي في الشارع وبشكل واسع مكان القوى اليسارية والشيوعية التي تلقت ضربات قاصمة على يد الانظمة الديكتاتورية البرجوازية الحاكمة كما ان سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991والمجموعة السوفييتية ادعى انكفاء وتراجع دور الاحزاب الشيوعية العربية الاصلاحية أصلا وشعور قياداتها وجماهيرها بالاحباط الشديد مما اثر سلبا على دورها السياسي في الثورات العربية الراهنة التي لم تكن ذات افق اشتراكي او تقدمي بقدر ماكانت الجماهير المشاركة فيها مأخوذة بمجموعة من الشعارات عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان .في سياق الضروف الدولية الراهنة التي تشهد تدخل الدول الامبريالية من اجل اعادة تقسيم مناطق النفوذ والتوسع الاقتصادي والتدخل العسكري أي البحث عن مخارج للتفلت من ازمة الاقتصاد الراسمالي العالمي الخانقة .


3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
ان التغيرات السياسية والاجتماعية العميقة التي حدثت بعد واثناء الاحاجاجات والانتفاضات الجماهيرية ماتزال تلقي بظلالها على الاوضاع السياسية في العالم العربي برمته فهي ماتزال مفتوحة على مزيد من التغيرات والمنعطفات السياسية حتى هذه اللحظة وبالتالي يفترض ان تعطي دروسا ثمينة فعلا للقوى اليسارية – لا اتحدث هنا عن القوى الديمقراطية بشكل عام – فهذا مفهوم غائم ومضلل . اليوم جميع القوى السياسية تدعي انها ديمقراطية بما في ذلك السلفيين الاسلاميين والاخوان المسلمين ومعظم احزاب الشيعة وغيرهم ، اما القوى الليبرالية الديمقراطية التي يفترض ان تكون انعكاس لوجود "برجوازية تقدمية " فهي غير موجودة اصلا وان وجدت هنا او هناك فهي نتاج للانتلجنسيا (المثقفون وأساتذة الجامعات وافراد من البرجوازية التجارية واقسام من اليساريين السابقين ) هؤلاء لايشكلون أي ثقل سياسي في معظم الدول العربية ، فالشارع العربي اليوم منقسم بين يسار ضعيف وهامشي احيانا والاسلام السياسي الواسع الانتشار بمختلف تياراته ومسمياته وتوجهاته الفكرية .
اليسار الثوري والجذري مطالب بتوضيح رؤيته وخطة السياسي وانحيازه وتمثيله لمصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وان يشكل حركة اجتماعية ومطلبية واسعة تدافع عن قيم الحرية والمساواة والمدنية وان ينتقل من هامش المجتمع الى قلب المجتمع وان يبني قاعدة اجتماعية عريضة عن طريق التنظيم والبرنامج ، برنامج واضح يتوافق مع متغيرات الاحداث ويجيب على مختلف تحدياتها .
اما ما المقصود بان تجدد القوى اليسارية خاصة نفسها ؟؟ أمن الناحية السياسية أم الفكرية اذا كان الامر يخص الناحية السياسية فهذا مطلوب وضروري على قوى اليسار ان تمارس الشفافية وتخرج من اطار السرية الى العلنية مستفيدة من اجواء الحرية النسبية ،وان تمارس الديمقراطية المباشرة في المجال التنظيمي والوضوح الفكري والنظري على المستوى السياسي وان تجدد قياداتها باستمرار وان تعيد تقييم دورها السياسي والاجتماعي باستمرار وتتصرف بمرونة عالية تجاه الاحداث وتعيد تشخيص نقاط ضعفها وتمارس النقد الذاتي وتبني قواعد اجتماعية شابة وان يكون للمراة دورا بارزا في صفوفها مساويا لدور الرجل ، واعتقد ان هذه السنن والتقاليد تشكل معالم واضحة وبارزة في حركة الشيوعية العمالية وهي تتفوق بها بحيوية وديناميكية على معظم القوى اليسارية والشيوعية .


4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟؟؟
في واقع الامر ما يسمى بالعملية السياسية في دول مثل مصر تونس العراق اليمن ...الخ تهدف في الاساس الى اقامة شكل جديد للنظام الطبقي البرجوازي شكل يعيد انتاج الراسمالية في ظل الظروف الدولية الراهنة ظروف ازمة النظام الراسمالي العالمي وصراع الدول الكبرى لاقتسام مناطق النفوذ من جديد ، انتاج نظام (ديمقراطي ليبرالي ) يضمن قدر معين من الحريات السياسية والعامة في اطار اللعبة الديمقراطية علما ان النظام الديمقراطي بوصفه التجلي السياسي للنظام الراسمالي يعيش في ازمة خانقة في الدول الام ذلك بسبب ازمة البطالة والفقر الناجمة عن الازمة الخانقة للنظام الاقتصادي الراسمالي الذي لم يعد نظاما صالحا للحياة والاستمرار..
وبناء على ذلك فان التطور السياسي الذي سيحصل في البلدان العربية التي حدثت فيها التغيرات الثورية وان كانت له جوانب ايجابية مثل توسيع الحريات السياسية والاجتماعية الا انه من الناحية الواقعية لايشكل جوابا على الازمات الاجتماعية الخانقة المتمثلة بالتمايز الطبقي والفقر والبطالة والمشكلات الاخرى الصراعات الدينية والطائفية والعرقية بل انه سيعمق الازمات القائمة حاليا ويوسع الفوارق الطبقية في المجتمعات ويفاقم الصراع الاجتماعي والسياسي ، لانه سيكون نتاج لانظمة رأسمالية خاضعة ومندمجة كليا في اطار السوق الراسمالي العالمي ونظام الليبرالية الجديدة .انظمة لم يبلغ فيه التطور السياسي والثقافي مستوى رفيعا كما حدث في العالم الغربي لذلك ستكون الممارسة الديمقراطية مشوهه تشوبها الكثير من الازمات والصراعات .
كيف سيكون شكل مشاركة الاحزاب اليسارية في اللعبة البرلمانية الجديدة التي ستكون لعبة لتقسيم الحصص والنفوذ والمناصب بين مختلف شرائح الطبقة البرجوازية وقواها السياسية ؟؟؟ هذا الامر يتوقف على عدة عوامل منها تطور مجرى الاحداث وقوة الاحزاب اليسارية وامكانياتها السياسية والمادية ووجودة قيادات فاعلة ومؤثرة جماهيريا تقودها ... امكانية المشاركة يجب ان ترتكز على تحقيق اكبر قدر من مطالب العمال والفئات الكادحة وتحسين ظروفهم الاجتماعية والمعاشية ومقارعة الهيمنة الامبريالية هيمنة اقتصاد السوق والليبرالية الجديدة ...ان المشاركة في البرلمانات البرجوازية تظل مرهونة بالسؤال عما يجب ان تحققه تلك المشاركة من نفوذ وتقدم للحركة اليسارية والعمالية سياسيا واجتماعيا باتجاه الوصول الى السلطة السياسية .
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
ان تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية وعلمانية امر مهم وفق برنامج مشترك لكن تجربة السنوات السابقة في العراق خاصة بعد الاحتلال 2003 تؤكد صعوبة تشكيل مثل هذه الجبهة بل استحالتها ذلك بسبب تعدد الرؤى السياسية لمختلف الاطراف التي تدعي اليسارية والعلمانية وتعدد المصالح والانتماءات الطبقية وبالتالي صعوبة الاتفاق على قواسم مشتركة تتفق عليها مختلف الاطراف .
لقد كانت تجربة تأسيس مؤتمر حرية العراق منذ عام 2005 تأكيدا لهذا المسعى السياسي انه شكل ليكون إطارا واسعا للقوى العلمانية واليسارية بمختلف تصوراتها السياسية وطرح المؤتمر في منشوره مشروع برنامج اقامة دولة علمانية وغير اثنية تقوم على اساس دستور يعتمد هوية المواطنة المتساوية وفصل الدين عن الدولة وانهاء المحاصصة الطائفية والقومية لكن تجربة المؤتمر ظلت تتحرك وفق مساحة محددة لا سباب كثيرة منها عدم جدية القوى المحسوبة على اليسار والعلمانية وانجرارها وراء مصالح شخصية وفئوية ضيقة مقابل قوة الاسلام السياسي المدعوم من الاحتلال ودول الجوار والذي يمتلك المال والسلاح والسلطة . ويحاول اليوم الحزب الشيوعي العراقي تشكيل ما يسمى ب ((التيار الديمقراطي )) وهواشبه بجبهة مع بعض القوى الليبرالية التي لا تمتلك أية قاعدة اجتماعية في الساحة السياسية كالحزب الوطني الديمقراطي القديم الذي اعيد تأسيسة بعد احتلال العراق 2003 وقد سبق للحزب الشيوعي العراقي ان ارتبط بتحالفات جبهوية مع هذا الحزب في العهد الملكي في العراق . تدلنا التجربة التاريخية للقوى السياسية في العراق بشكل خاص ان جميع تجارب التحالفات كانت عقيمة وفاشلة بسبب افتراق الرؤى السياسية للاطراف وعدم قيامها على اسس برنامجية واضحة وكذلك بسبب التركيبة الطبقية المتناقضة للقوى المتحالفة .
هناك تساؤل يطرح نفسة كيف يمكن ان يكون شكل الجبهة اليسارية الديمقراطية في ظل تعدد المنابر ؟؟ وهل الدعوة الى بناء ماتسمونه انتم في الحوار المتمدن ((المجتمع المدني الديمقراطي الحديث )) تمثل نهاية المطاف بالنسبة لهكذا جبهة ؟؟ توجد اشكاليات متعددة في مفهوم (المجتمع المدني الديمقراطي الحديث ) ماهو شكله الاقتصادي وماذا يمثل من الطبقات الاجتماعية ؟؟ انه طرح غامض وغير محدد . مفهوم الدولة المدنية والمجتمع الديمقراطي الحديث هذا مطروح ايضا من قبل الاحزاب الدينية كلها تقريبا ، لكنها في الممارسة العملية تنحو باتجاهات طائفية ودينية رجعية ، كما انه مطروح من قبل بعض القوى المحسوبة على اليسار والتي هي من الناحية السياسية والفكرية قوى برجوازية . ان بعض القوى المحسوبة شيوعية ويسارية لا تستطيع حتى طرح برنامج الحد الادنى للتحالفات الممكنة وهو العمل على النقاط التالية في العراق : دولة علمانية غير قومية فصل الدين عن الدولة اعتماد دستور يقوم على اساس هوية المواطنة المتساوية ، مساواة المرأة مع الرجل في كافة الحقوق وانهاء المحاصصة الطائفية والسياسية وتقسيم الانسان على اساس العرق والمذهب والطائفة والدين مع جملة شروط اخرى تصب في هذا الاتجاه .
هذا فيما يخص العراق اما في مصر وتونس حيث توجد لليسار ارضية فمن الممكن اقامة مثل هكذا جبهة فقد شكلت جبهة في تونس من الاحزاب اليسارية والقومية (جبهة 16 جانفي ) على ما اذكر لكنها ظلت غير مؤثرة بدليل فوز حزب النهضة الاسلامي في الانتخابات الاخيرة ، اما في مصر فأن تشيل جبهة يسارية موحدة وفق برنامج مشترك يقوم على نفس المباديء المطروحة في العراق امر ممكن في مواجهة قوى الاسلام السياسي العديدة التي تشير الدلائل الكثيرة على احتمال فوزها بالاغلبية في الانتخابات القادمة . وكذلك في مواجهة الصراع الطائفي- الديني القائم بين المسلمين والأقباط . ولكن يبقى خيار القوى الشيوعية واليسارية الحقيقية تعباة وتنظيم الطبقة العاملة وكل المضهدين والمحرومين وتوحيدهم في صف النضال الطبقي ومن اجل تحقيق الثورة الاشتراكية لا التعويل على انماط الممارسات السياسية السائدة البرلمانية والديمقراطية التي في ظلها يستمر استعباد الجماهير الكادحة وتزييف وعيها بممارسة العملية الانتخابية التي لن تكون في غير صالح البرجوازية وقواها السياسية المختلفة .


6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
هذا امر مهم وضروري وبديهي قيادات شابه لكن بخبرة سياسية ومبدأية تؤمن بالتوجه السياسي والطبقي لليسار بشكل ثابت يمكن ان تؤدي الى تفاعل الجماهير معها ويمكن ان تحقق نتائج ايجابية لكن ترشيح قيادات شابة ونسائية غير ملتزمة حقا ببرنامج وراية اليسار قد يسيء لليسار بدلا من تحقيق نتائج يمكن ان تصب في مصلحة اليسار . ان قيادات بعض القوى التي تسمى شيوعية ويسارية شاخت وتحولت الى قيادات محافظة متمسكة بمكانتها القيادية وارثها التاريخي وهي لا تستطيع كسب الاجيال الجديدة لان برامجها الاصلاحية والنمطية لاتلهم الشباب ولا يجدون فيها حافزا على التغيير الثوري للمجتمع .


7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
يجب على القوى اليسارية وهذا جزء من خطها وتصورها السياسي تبني قضية المرأة ومساواتها وحريتها وتفعيل دورها السياسي والاجتماعي وبشكل مساو للرجل فالمرأة في المجتمعات العربية تعامل على اساس كونها كائن من الدرجة الثانية تسلب منه الحقوق الشخصية والاجتماعية ويتم اخضاعها لمجموعة من الاشتراطات والضوابط والمحرمات الدينية والاجتماعية وبالتالي يتم مسخ شخصيتها الانسانية ويتم ترويضها ككائن تابع ويأتمر باوامر المجتمع الذكوري ويقولب وعيها الاجتماعي والفكري على هذا الاساس وفيما يخص المرأة العاملة فهي تعاني من اضطهاد مزدوج التمييز الاجتماعي المشار الية وعبودية العامل الماجور ولهذا فان تحرير المرأة مهمة انسانية وثورية ملحة وتشكل رافدا هاما من روافد تحرير الطبقات الكادحة والمجتمع من الاضطهاد والاستثمار والعبودية ولابد للقوى اليسارية الجادة ان تكون مؤثرة وفاعلة سياسيا وتنظيميا في قطاع النساء .

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
ان مشاركة قوى الاسلام السياسي وبشكل علني فيما يسمى (العملية السياسية او الديمقراطية ) ووصولها الى الحكم في عدة دول مثل العراق وتونس وربما غدا في مصر ..لن يضيف الى لوحة تاريخ الاسلام السياسي وتجاربه في الحكم في ايران والسودان وافغانستان شيئا ايجابيا فهذه التجارب لم تجلب سوى المآسي والحروب والفقر والويلات ولم تستطع الاجابة على الازمات والمشاكل الاجتماعية لهذه الشعوب ان وصولها الى السلطة سيكشف زيف كثير من ادعاءاتها وبرامجها امام الجماهير التي ماتزال مخدوعة بها وتتحكم بها الديماغوجية الدينية فاحزاب الاسلام السياسي ضد حركة التاريخ والتطور وحرية المجتمع ومن الناحية الاقتصادية هي احزاب برجوازية تتحالف اليوم مع امريكا ودول الغرب الراسمالية بشكل مباشر وغير مباشر وتعتمد فكريا على تحميق الجماهير وقولبتها وفق ممارسات رجعية لا تليق بانسان القرن الحادي والعشرين .لقد اوضحت تجربة العراق بشكل جلي ممارسات القوى الاسلامية باختلاف الوانها وتوجهاتها المعادية للانسان: لحقوق المراة والشباب والمظاهر المدنية والعصرية والحريات العامة والخاصة .وتلك الممارسات موصوفة في الادب السياسي العلماني واليساري في العراق وبشكل واضح ولا يختلف الامر في باقي البلدان العربية والامثلة كثيرة ففي ليبيا بعد سقوط نظام القذافي اعيد فرض الحجاب على المرأة كما فرضت القوى الدينية مايسمى لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وقام السلفيون بنبش قبور الصوفية ..هذا اضافة الى جرائم القتل والابادة الجماعية مما يندرج في عداد الجرائم ضد الانسانية ومشهد الصراع الطائفي بين الاسلاميين المتشددين والاقباط في مصر الان مايزال حاضرا امامنا والصراع بين الطرفين سيستمر ويتفاقم بفعل عوامل كثيرة داخلية وخارجية .
ان دور قوى الاسلام السياسي في المشهد السياسي سيحدده في النهاية مستوى تطور الوعي الجماهيري في ظل مشاركة الملايين من الجماهير في صنع الاحداث وتفتحها على الحياة وسيتفاوت تأثيره من بلد لاخر حسب تدخل الجماهير في تحديد شكل النظام السياسي المطلوب كما سيحد من تأثيره تنامي دور القوى اليسارية المتوقع في ظل تطور الثورات الراهنة في العالم العربي .
المهام الملقاة على عاتق القوى اليسارية الشيوعية والعلمانية في مواجهة تأثير الاسلام السياسي كبيرة وتاريخية : الدفاع عن حقوق المواطنة المتساوية حرية الدين والعقيدة للجميع مساواة المرأة مع الرجل محاربة الطائفية وتعرية مخاطرها على المجتمع وتقسيم البشر، الدعوة الى دولة علمانية تفصل الدين عن السياسة دولة تتعامل بتساو ازاء مواطنيها ، من الناحية التنظيمية والسياسية التوجة الى "الاقليات " والنساء والشباب وضمهم الى القوى اليسارية ..والعلمانية وتبني مطالبهم في الحرية والمساواة.. وبشكل عام الدفاع بلا هوادة عن الحريات الفردية والمدنية ومختلف المظاهر العصرية .. واخيرا التحريض السياسي والعملي لتبيان ان شرور المجتمع الطبقي وكل اشكال اللامساواة والتمييز القائمة اليوم لا يمكن حلها وإنهائها بشكل جذري الا في مجتمع اشتراكي يزيل الفوارق واللامساواة الاقتصادية ويحقق الحرية والمساواة للجميع .


9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
على القوى اليسارية الجادة ان تستثمر هذا التطور العلمي الفني للتحريض والدعاية السياسية والفكرية واظهار شرور ومساويء المجتمع الطبقي الراسمالي هذه التقنيات وسائل هامة يجب ان يجيد اليسار استخدامها بمايخدم تطوره وتقدمة ونجاحة .
ان التطور الهائل في تقنية المعلومات والاخبار وانتشارها وانتقالها بسرعة فائقة لن يعدل من مسار الصراع والتناقض الطبقي في المجتمعات ولذلك تظل الاولوية بالنسبة للقوى اليسارية والشيوعية العمل في الميدان الاجتماعي العمل على الارض ذلك هو الاساس ولابد من اخضاع جميع التقنيات والتطورات لمتطلبات وحاجات النضال الثوري لتغيير العالم نحو نظام انساني وعادل النظام الاشتراكي .


10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس موقع الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المنفتح والمتعدد المنابر؟
سبق ان قلت في مناسبة سابقة لتأسيس موقع الحوار المتمدن ، ان الحوار المتمدن نافذة كبيرة وواسعة لليسار والتقدم والحرية وتقبل الاراء المختلفة وهي ساحة للحوار الجاد بين مختلف القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية والكتاب المستنيرين والعقلانيين وقد اتاحت الحوار المتمدن وفي سابقة تاريخية كشف المسكوت عنة في التاريخ والسياسة والفكر والثقافة في العالم العربي بما يخدم الحقيقة . كما انها منبر للتواصل الفكري والثقافي مع اخر ما ينتج في العالم من معطيات الفكر اليساري والتقدمي والعلماني لهذا تستحق الاحترام والاجلال والتقدير وللقائمين عليها جزيل الثناء ونتمى لهم المزيد من العطاء والتقدم في خدمة الإنسانية .
ملاحظة اخيرة :
تسمية ( الربيع العربي ) اطلقتها وسائل الاعلام الغربية والايديولوجيا البرجوازية على الثورات والاحتجاجات الجماهيرية في العالم العربي بهدف تمويه طابعها الطبقي والاجتماعي المعادي للامبريالية وبهدف اظهار ان هذه الثورات هي ثورات (ديمقراطية وسلمية ) تهدف بالدرجة الاولى الى الحرية السياسية وتأكيد حقوق الانسان ... الخ فالتسمية مغرضة في جوهرها ...فقد خصصت دول مجموعة الثمانية اكثر من 10 مليارات دولار لدعم ما اسمته ( بالربيع العربي ) كما تحاول الامبريالية الامريكية والغربية توجيه مسار الثورات العربية وتفريغها من محتواها الاجتماعي والطبقي بواسطة هيمنتها الاقتصادية وقوتها العسكرية والاعلامية .ان الولايات المتحدة تلعب دور الشرطي العالمي والوصي على الشعوب وهي تستخدم مجلس الامن وما يسمى ((الشرعية الدولية )) لتنفيذ اجندتها الخاصة ومصالحها ومخططاتها المستقبلية . وبواسطة الماكنة الاعلامية الهائلة والتي تشارك فيها وسائل اعلام عربية متعددة تحاول الولايات المتحدة والدول الغربية ركوب اي موجة ثورية جماهيرية وتوجيه مساراتها وممارسة الوصاية على قياداتها وفق ماتريده الامبريالية وهذا مافعله حلف الناتو في ليبيا حيث اصبح هو (قائد الثورة) .
ان محاولات الامبريالية مستمرة للتاثير في اتجاهات الثورتين المصرية والتونسية .
عواد احمد صالح
22/11/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة