الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوز الإسلاميين ومُختبر التحديات.

رائد الدبس

2011 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



تتوالى النجاحات الانتخابية للحركات الإسلامية في العالم العربي، محققةً فوزاً انتخابياً تلو آخر في البلدان التي جرت فيها انتخابات حرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، وهي تونس والمغرب، ومصر التي أنجزت المرحلة الأولى من انتخاباتها النيابية بفوز كبير للإخوان المسلمين والسلفيين، بلغ ما يزيد عن ستين بالمائة من أصوات الناخبين المصريين. وتشير معظم التوقعات أن هذا المشهد سوف يتكرر بشكل أو بآخر، في بلدان أخرى يمكن أن تحدث فيها لاحقاً انتخابات مثل ليبيا واليمن وغيرهما. في هذه الأثناء، ووسط أجواء الاعتراف بنزاهة الانتخابات، يتركز الحديث عن تنامي ظاهرة الإسلام السياسي، عبر مواقف وتصريحات متباينة.
فمن مواقف وتصريحات تعبّر عن الشعور بنشوة الفوز الكبير، بوصفه استحقاقاً تاريخياً انتظرتهُ الحركات الإسلامية منذ عقود، وخصوصاً حركة الإخوان المسلمين، إلى مواقف تعبّر عن الشعور بالخسارة التي وصلت حدّ الصدمة والحيرة والخوف من المستقبل، وخصوصاً لدى التيارات العلمانية والليبرالية واليسارية والقومية، وكذلك الأمر لدى الأقليات الإثنية والدينية، ومؤسسات المرأة والحقوق المدنية.

المعلوم والواضح تماماً في هذه الظاهرة، أنها برزت ونمت في مجتمعاتنا العربية التي لم تعرف الديمقراطية من قبل، ولم تجرب الانتخابات الحرة بشكلها الإجرائي الحديث إلا في هذه المرحلة. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ العربي الحديث، التي يحدث فيها أن يصطفّ ملايين الناخبين في طوابير هائلة، لأجل الإدلاء بأصواتهم، مدفوعين بقوة اقتناعهم بالأهمية القصوى لذلك، كتعبير عن الرغبة بالمشاركة في الحياة السياسية، وهو إنجاز تاريخي بكل ما للكلمة من معنى. والمعلوم أيضاً، أن الحركات الإسلامية عانت مثل غيرها من الاستبداد خلال العقود الماضية، وأنها بقيت الأكثر تنظيماً وتماسكاً بالمقارنة مع كل التيارات الأخرى، وأنها توظف الدين في خطابها السياسي وحملاتها الانتخابية بشكل حاسم، وأنها تطرح من الشعارات أكثر مما تمتلك من البرامج الاجتماعية والاقتصادية إذا ما قورنت مع غيرها من الأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية، غير أن النتائج الانتخابية تتجاوز حدود هذه التفسيرات المتداولة والمحقّة غالباً، إلى ما هو أبعد من ذلك.

الأمر اللافت للانتباه، هو الاهتمام المتزايد منذ عقدين من الزمن، لدى مراكز البحث الغربية بدراسة ظاهرة الاسلام السياسي في عالمنا العربي. حيث يجري الاهتمام بدراسة أدقّ تفاصيل هذه الظاهرة، ضمن منهج يغلب عليه النمط الاستشراقي الغربي الحديث وما بعد الحديث، وضمن رؤية تبحث عن أفضل السبل لتحقيق المصالح الغربية. في مقابل ذلك نجد القليل من الدراسات والأبحاث العربية والإسلامية الجادة في هذا المجال. وبسبب هذا النقص البحثي والمعرفيّ، تنتج لدينا فجوة معرفية متزايدة ومتبادلة، بين التيارات الإسلامية وباقي التيارات السياسية في عالمنا العربي من جهة، وبين كل هذه التيارات السياسية مجتمعةً، وبين الغرب وأهدافه الاستراتيجية من جهة أخرى. وفي المحصلة، لا يبدو واضحاً تماماً لدى قطاعات واسعة من الناس، ومن ضمنهم تيارات الإسلام السياسي : لماذا تحوّل موقف الغرب من الإسلاميين على هذا النحو، وماذا يريد الغرب منهم على وجه التحديد؟ ولماذا الآن؟

الفصول الأولى من المشهد السياسي في العالم العربي قد حُسمَتْ لصالح فوز تيارات الإسلام السياسي بانتخابات حرة وانتقالهم بالجُمْلة إلى سدة الحكم، في ظل مباركة أمريكية وغربية صريحة ومُعلَنة. لكن الوصول إلى سدة الحكم، سوف يضع هذه التيارات أمام تحدي اختبارات سياسية بالغة التعقيد والصعوبة، لن تنفع فيها المناكفات السجالية والمغالطات التاريخية من قبيل:"لقد جرّبت الشعوب العربية حكم العلمانيين الفاشل، وقد جاء دور الإسلاميين الآن". فتلك مغالطات يمكن أن يروّجها السلفيون بأسلوبهم البدائي الجاهل، تماماً كما يحلو لهم وصف أدب نجيب محفوظ بأنه أدب دعارة.!! لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً. أي أن الشعوب العربية جربت حكم الإسلاميين في أكثر من بلد مثل السودان والصومال وغزة، ولم تكن تلك التجارب ناجحة مهما تذرع القائمون عليها بالتدخلات الخارجية. كما لن تنفع شعارات من قبيل "الإسلام هو الحل"، أو أن "الحكم بالشريعة كفيل بحل كافة القضايا"، ولن تنفع الادعاءات اليقينية الجازمة بأن الإسلاميين سيقدمون النموذج الأفضل في الحكم، مثلما لن تنفع أيضاً، الادعاءات الأخرى الجازمة بصورة مسبقة، أن الإسلاميين سيكونون فاشلين تماماً في الحكم.

إذا ما نظرنا إلى مصر على سبيل المثال، فإن الذين سييجدون أنفسهم في سدة حكمها، سيواجهون مختبراً من التحديات يعجّ بأمهات القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن حلها بالشعارات والمواعظ . ومن أبسط تلك القضايا والأسئلة التي سيبدأ الناس بطرحها : أسئلة عن معاهدة كامب ديفيد، وعن مكافحة الفقر والبطالة والمديونيّة والأمّية والفساد والشحن الطائفي، وعن ضمان الحقوق والحريات، وعن الموقف الفعلي من الدولة المدنيّة التي تضمن حقوق المواطَنَة للجميع. ولن تأتي الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها، إلا عبر الممارسة السياسية والإنجازات الواقعية.. إنه مسار صعب وطويل لا تشبه الانتخابات الحقيقية الأولى فيه سوى الخطوات الأولى التي يخطوها الطفل في حياته.. وربما تُظهر سنوات التجربة السياسية القادمة، بعد المرور بمختبر التحديات الذي يعجّ بأمهات القضايا، أن الخاسرين في هذه الانتخابات قد ربحوا الكثير، وأن الرابحين قد خسروا أكثر..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا