الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمسحى دموعك يا حكومة!

سعد هجرس

2011 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


دموع رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزورى، عزيزة والأرقام الجافة هى المفردات الاساسية السائدة فى حديثه سواء فى المحافل العامة أو حتى فى المجالس الخاصة، والتخطيط الصارم هو منهجه فى التفكير فى كافة القضايا.
ولذلك فوجئ الكثيرون بدموعه تنهمر أثناء حديثه مع الصحفيين يوم الأحد الماضى، ولعل سبب المفاجأة هو ان الصورة الشائعة عن الرجل أنه "ماكينة" أرقام صماء، كما ان الصورة الشائعة عن الارقام أنها بلا قلب، فضلا عن ان الصورة الشائعة عن الاقتصاد عموما أنه لوغاريتمات ومعادلات تستعصى على الفهم.
والحقيقة هى ان هذه كلها أوهام أو انطباعات مشوهة، فالاقتصاد – وأرقامه- هو "الحياة" بكل تفاصيلها، وبكل ما فيها من دراما وتراجيديا ومشاعر انسانية نبيلة ومنحطة.. صراع من أجل البقاء والدفاع عن الكرامة الانسانية، والحق فى الحياة، والجشع والبخل والولع باكتناز الثروات حتى دون الاستمتاع بملذاتها، مع الاستعداد لارتكاب الجرائم وشن الحروب وسفك الدماء، وهو ما حذر منه مؤسس علم الاقتصاد آدم سميث بقوله "إن المجتمع الحر والاسواق باتت مهددة بسبب إهمال الأساسيات وفى مقدمتها ضمان العدالة وغرس الفضيلة".
هذه العبارة تبدو غريبة عن صاحب الكتاب الشهير "بحث فى طبيعة وأسباب ثروة الأمم" والداعية الأكثر شهرة لمبدأ حرية التجارة والاعمال وصاحب مقولة "اليد الخفية" وشعار "دعه يعمل دعه يمر"، لكنه أيضا صاحب العبارة الحكيمة التى تقول "إن الناس مهتمون بالثروة فى حين أن عليهم التساؤل عما إذا كانت الثروة هى الهدف النهائى".
وربما يفاجئ هذا البعد "الاخلاقى" كثيرين ممن قرأوا آدم سميث قراءة سطحية وتصوروا أنه يقدس حرية الاسواق ويعتبرها "أم الحريات" ولكن ها هو يقول: إن حرية الانسان أهم من حرية الأسواق.
وهذا كلام يقع على طرفى نقيض مع من يسميهم الدكتور جودة عبد الخالق – وزير التموين والمفكر الاقتصادى المرموق – بـ "كهنة الأسواق" الذين يلعبون دورا بارزا اليوم فى تشكيل مصير الأمم والشعوب ونشر الفقر والبؤس على أوسع نطاق باسم الإصلاح الاقتصادى.
***
فإذا عدنا إلى دموع الدكتور كمال الجنزورى سنجدها تعبر عن الجانب الرومانسى والانسانى فى الاقتصاد الذى يحاول جعل حياة الناس أكثر بهجة وسعادة، وهذا هو هدف الثورة – أى ثورة- وهو بالتأكيد أحد الأهداف البارزة لثورة 25 يناير، لكنه جانب تم التشويش عليه بحجج سياسية متهافتة، ولذلك أصبحت حياة الناس بعد 25 يناير أسوأ مما كانت عليه قبلها.
وليس هذا عيب الثورة وإنما هو يعبر عن التركة المثقلة التى خلفها لنا نظام حسنى مبارك والتى وصل فيها معدل الفقر إلى 70% ، ويعبر ثانياً عن سوء إدارة المرحلة الانتقالية سواء من جانب المجلس العسكرى أو حكوماته.
وقد فوجئ الجنزورى بأن سوء الأوضاع الاقتصادية أكثر من كل تصور .. وأن سوء أحوال المصريين يفوق الخيال.. ولهذا انهمرت دموعه.
وإذا كانت هذه الدموع دليل على إنسانية الرجل ورقة مشاعره.. فإنها لا تكفى لإطعام جائع أو إنقاذ عاطل أو إقامة أود أسرة تبيت دون عشاء.
والاقتصاد الذى خلفه لنا حسنى مبارك لم يعد يفيد معه "إصلاح"، وإنما هو يحتاج إلى "ثورة"، وهذا ما بقيت أكتب عنه بعد 25 يناير دون جدوى تحت عنوان "ثورة الاقتصاد: الفريضة الغائبة"، وهذه الثورة المنشودة لا تستدعى فقط تحرير الاقتصاد المصرى من قبضة "رجال مبارك" الذين مازالوا يهيمنون على كل المؤسسات والهيئات الاقتصادية والمالية وإنما أيضا تحريره من "السياسات" المباركية التى أدت إلى تقنين "الاحتكار" و"الفساد" وتدمير الاقتصاد العينى، الانتاجى، فى الصناعة والزراعة، وتشجيع الأنشطة الطفيلية والخدمية وما يسمى عموما بـ "رأسمالية المحاسيب".
وما يجب فعله على طريق إقامة اقتصاد بديل يلبى مطالب الثورة والثوار.. كثير وممكن ويجدر البدء فى وضعه موضع التنفيذ اليوم قبل الغد، ليس فقط منعا لمزيد من الدموع وإنما حقنا لدماء كثيرة يمكن أن تسيل بسبب الفقر الكافر والفساد الفاجر والثورة المضادة التى توجد جذورها ومصالحها الجشعة فى تلافيف الاقتصاد.. وتكشر عن أنيابها فى السياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صوت صارخ في صحراء الجهل
د. ليلي غطاس ( 2011 / 12 / 12 - 18:58 )
ليس بالدموع والكلام يحيا الفقراء... لدينا العقول والحلول ومازال النظام متخبطا يعمل بنظام السلحفاه علي خطي المخلوع ... الثوره مستمره حتي تتحرر العقول من اثار الاعاقه التي تسبب فيها النظام الكارثي لمصر ... استمر في كتاباتك فربما تصل يوما لمن يهمه الامر .


2 - نظام المخلوع
على سالم ( 2011 / 12 / 13 - 03:07 )
عزيزى الكارثه واضحه وضوح الشمس وهو ان المجلس العسكرى الفاسد سئ الذكر هو جزء اساسى ومحورى من نظام الفاجر مبارك ,هؤلاء اللصوص لايريدوا ثوره وعداله وكرامه ,انهم متوحشون ومصاصى دماء وقتله ولصوص وانهم ومبارك شئ واحد ,اتمنى من كل قلبى ان يفهم الضباط الشرفاء فى الجيش المصرى هذه الكارثه وان يتحركوا لتصحيح المسار ويقبضوا على المشير المجرم وعصابه اللواءات الفجره ويتم تقديمهم لمحاكمه عسكريه عاجله مع زعيم عصابتهم السافل الوغد مبارك ,اذا لم يتم هذا فسوف تحل المصائب والكوارث والمجاعات مصر بسبب عناد العسكر الفجره عديمى الضمير


3 - مظلومه يا ثوره
بوسى ( 2011 / 12 / 13 - 11:03 )
أستاذى سعد بيه هجرس نعم فوالله ماقلته بالحرف هوا مانحن به الان ليس هذا من فعل الثوره النبيله التى كانت مناجل لقمه العيش والحياه الكريمه التى كادو ينسونها بل كل هذا التركة المثقلة التى خلفها لنا نظام حسنى مبارك والتى وصل فيها معدل الفقر إلى 70% ، لى معك عتاب لماذا انت ومن مثلك لاترشحون انفسكم الى المجلس او الى الرئاسه ومن غيركم نأتمنه على هذه البلد وشعبها اليائس حتى ترسمو البسمه ى على شفاه كل مواطن من جديد ( تحياتى ليك استاذى سعد هجرس


4 - بلد اللا طفو و اللا غرق
عماد عبد الملك بولس ( 2011 / 12 / 14 - 05:20 )
بلد اللا طفو و اللا غرق: هذا تعبير لم أعد أتذكر مبدعه للأسف، و هو ما حضرني من أول الأحداث و التي أسميتها (حرب المخابرات) حتي و إن أدت إلي ثورة حقيقية و لكنها ثورة محكومة !!! فإن مالت يمينا أعيد توجيهها يسارا و العكس

أنا لست مثقفا و لا متعمقا في الاقتصاد فلا أملك إلا عقلا أحاول استخدامه، كل النظريات تفترض افتراضا أساسيا و هو أن القوي الاقتصادية و الاجتماعية منظمة و أن المجتمع يعمل في اتجاه أو اثنين، و لكن للأسف نحن لم نرق إلي هذه النظريات

يا سيدي و يا جميع سادتي المفكرين و المنظرين - مع كامل احترامي - نحن تنقصنا الأساسيات، فمثلا في الاقتصاد: نحن لا نهدف إلي العمل علي الإطلاق، و إن عملتا فانتاجنا ضئيل هزيل و الأدهي أننا نظن أننا نعمل حقا، نحن في الاقتصاد نطيق نظام الغزوات، فنحن نخطف أو نغزو الخ... و لكننا لا نزرع و لا نصنع بنظام و لكن كيفما اتفق

المصيبة أن هذا البلد أغني بلاد الدنيا بشعبه (و بكل موارده) و لكننا لا ندرك هذا و لا يهمنا

آسف للإطالة، و لكن الحل في كلمة واحدة: العمل و العمل فقط بدلا من الدوران حول أنفسنا كما يراد بنا و نوجه لنلعب لعبة المفعول به

خالص احترامي

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير