الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنت الشوارع

كافي علي

2011 / 12 / 16
الادب والفن


اشتد الظلام وتمردت الاصوات في تلك الشوارع المحاصرة بناطحات السحاب. وحيدة أخرج من الحانة التي أعمل فيها غسالة صحون كأفعى سلخت جلدها وجعلت من تأريخها وجبة للدود. نعم وحيدة ولما الأسى اذا كنت وحيدة. الرب وحيد لم يتخذ صاحبة ولا ولد وأنا وحيدة تخلى عني الصاحب والولد. ولان طريقي طويل وعذابي وافر سأبعثر الباقي من وقتي مخيرة لا مسيرة في ليل تلك الشوارع الصاخبة. أحدث نفسي وارتجف مع أغصان الاشجار المترامية على جانبي الطريق. اشجار طلعها كرؤوس شياطين تصارع قوام مومسات منحنيات بغنج على جذوعها ويأمن بظلها خوف تجار مخدرات وقوادين.
العذاب كالسعادة تجربة في معدل الزمن خالية من الألم اذا تحرر الخيال وأنا محض خيال في هذا الوجود. انها الثانية بعد منصف الليل في شوارع الداون تاون , العالم حولي يحترق شهوة وجنون ويستفز رغبتي في أمتلاك انف طويل كأنف ساحرة لأدسه في الضياع, استنشقه وألمسه. ارغب بهتك سر الحكمة في تلك الشوارع التي لا يتقن لغتها سوى هؤلاء المشردين الذين يحتضنون بقاياهم ويغفون على الارصفة بعد سكرة وهبت لهم ما يقولون وما يشتهون. أحدانا عليه أن يستسلم أما ناطحة السحاب تلك واما أنا التي تدور كحمار الساقية حول هذا الوجود. احدث نفسي واتغلغل في بهاء الوهم وحتميته. ولم لا!!! السراب وهم لا يتبعه الا من اشتد عطشه والتهبت لهفته للحياة. فاذا كانت الارض التي ترسب طينها في عروقي... سراب. واذا كانت الشهادة التي بدت ورقة غير هامة منذ أن علقتها امي متباهية على جدار غرفة الضيوف...سراب. واذا كانت الغربة التي وصلت اليها بعد كفاح عظيم ...سراب . اذن ما علية الا ان اواصل السير واتوهم. سأتوهم انني كائن بلا رأس وبلا جسد واهي بعد انتهاء يوم عمل شاق لا يختلف عن امسه. سأتوهم بأن ليس هناك ما ينتظرني وعلية أنجازه وليس هناك اجار وفواتير علية دفعها كل اخر شهر. سأتوهم ان الساعة بلا عقارب وأن تكاتها المنتظمة هي نبض قلبي ولهفته للحب والزوج والعائلة . سأتوهم أنني جنين في رحم الحياة وكل ما علية فعله هو أن أغمض عيني واتيه. نعم اغمض عيني واتيه رغم انف غربتي وحاجتي في هذا العالم الذي يبدو بلا حدود.
يتساقط الثلج معلنا بدء العاصفة فترتعش الاضواء وتنحجب الرؤيا. يسرع المشاة في خطاهم ويتلاشون في هندسية مباني تكتم انفاسها الروائح والذكريات. ابقى وحيدة اواصل سيري بنفس الهدوء والرتابة, اغرس حوافري بقوة في الثلج واحصي ايامي الثملة بخمرة الانحطاط وأنا ادندن بأغنيتي المفضلة لحسين نعمة:
غريبة الروح
غريبة الروح
لا طيفك يمر بيه
ولا ديرة التلفيها
وغدت وي ليل هجرانك ترد وتروح
عذبها الجفا وتاهت حمامة دوح
تحن مثل العطش للماي تحن ويهزها المكابر ويطويها
وانت ولا يجي بالك تمر مرة غرب بيها
ادندن بها وادعو العالم لغسل عفنه بملح عيناي المليئة بالدموع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار