الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتطوعون العرب في الثورة الفلسطينية: الحجم، التأثير، والاستثمار الفلسطيني

حسن شاهين

2011 / 12 / 16
القضية الفلسطينية


استقطبت قضية فلسطين منذ بدايات المشروع الصهيوني على أرضها، أفئدة وعقول الشعب العربي من المحيط إلى الخليج. الذي تابع باهتمام وقلق، تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والصراع الدائر بين شعبها العربي والمستوطنين اليهود الدخلاء. كانت فلسطين حاضرة في المدارس والجوامع والأسواق والمجالس في كل المدن والقرى العربية، وكانت الصحافة العربية في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين تفرد مساحة واسعة لمتابعة آخر أخبار الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والهيمنة المتنامية للمستوطنين اليهود على مجالات الاقتصاد والعمل، والتوسع المستمر لمستوطناتهم، وتواطؤ المستعمر البريطاني معهم.
كانت قضية فلسطين، عاملاً محركاً وحافزاً للشباب العربي في كل البقاع العربية، للمشاركة في العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام حتى على المستوى القطري. وتحت لواء فلسطين وقضيتها، تأسست معظم الأحزاب والجمعيات السياسية العربية في النصف الأول من القرن العشرين. كانت نصرة فلسطين وغوث أهلها قضية جامعة للجماهير العربية في كل مكان. لذا، جاءت المشاركة الشعبية العربية العفوية والطوعية في صفوف الثورة الفلسطينية، مواكبة للبدايات الجنينية للمقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني، بل ولعب بعض المتطوعين العرب دوراً تأسيسياً وقيادياً في العديد من التجارب الثورية ضد الاحتلال البريطاني والمستوطنين الصهاينة. خاصة أولائك الذين لم ينتظموا في حملات التطوع الرسمية، التي أفرغها منظموها من مضمونها وأجهضوا فاعليتها، وإجهاض مشاريع التضامن العربي عادة أثيرة للأنظمة العربية. وكان من أبرز هؤلاء الشيخ عز الدين القسّام، الذي يعود له الفضل في التأسيس والتهيئة والإعداد النضالي لثورة عام 1936، على الرغم من أنه استشهد قبل اندلاعها.
لم يتوقف تدفق المتطوعين العرب الملتحقين بركاب الثورة الفلسطينية عبر تاريخ القضية الفلسطينية، وإن كان الزخم قد تراجع بشكل ملحوظ في السنوات العشرين الأخيرة، خاصة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو. وقد مرت المشاركة العربية الطوعية بالثورة الفلسطينية بمجموعة من المحطات الرئيسية، كان من أبرزها:
ثورة 1936: التي دامت لثلاث سنوات، وشهدت إضراباً عاماً استمر لمدة ستة أشهر، وُصف بأنه الأطول على مر العصور. وقد شاركت في بدايتها أربعة فصائل من المتطوعين العرب، بقيادة فوزي القاوقجي، وهو لبناني الجنسية، كان ضابطاً في الجيش العثماني، وشارك في الحرب العالمية الأولى، كما شارك في الثورة السورية الكبرى (1925 – 1927). وصلت قوات المتطوعين العرب في آب 1936، وخاضت عدداً من المعارك الصغيرة مع القوات البريطانية، حققت فيها بعض الإنجازات، وما لبثت القوات البريطانية أن فرضت طوقاً عليها في منطقة جنين وسهل طوباس، وانتهى الحصار بأن انسحبت نحو الأردن بعد أن وفرت لها القوات المحاصِرة ممراً آمناً للخروج، وكان ذلك في الرابع عشر من تشرين الأول من العام نفسه الذي دخلت هذه الفصائل فلسطين فيه، أي أن مساهتمها في ثورة 36 لم تدم سوى ثلاثة أشهر من أصل سنوات ثلاث، هي عمر الثورة!.
حرب عام 1948: شارك العرب في حرب 1948 بإرسال عدد من جيوشهم النظامية، والتي سبقتها أفواج من المتطوعين، كان قوامهم الأساسي يتوزع على قسمين، القسم الأول وهو الأكبر قاتل تحت لواء ما عُرف بجيش الإنقاذ، الذي تشكل بقرار من اللجنة العسكرية العربية، وضم متطوعين من سوريا والعراق والأردن، وكان تحت القيادة العليا الجنرالين العراقيين إسماعيل صفوت وطه الهاشمي، وتم تعيين اللبناني فوزي القاوقجي -الذي قاد فصائل المتطوعين العرب في ثورة 36 وشارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941- قائداً ميدانياً له. أما القسم الثاني، فكان عبارة عن كتيبة متطوعين من مصر، بقيادة البيكباشي أحمد عبد العزيز.
دخل متطوعو جيش الإنقاذ إلى فلسطين بحماسة وكانت معنوياتهم مرتفعة، لكن، وتحت وطأة الواقع الصعب على الأرض الذي تبدت معالمه سريعاً لهم؛ تبدلت الحماسة إلى فتور، والمعنويات المرتفعة إلى إحباط وثقة مهزوزة بالنفس وبالقيادة. وما لبث أن تعرض "جيش" الإنقاذ لهزائم متكررة في عدد من المعارك الصغيرة التي خاضها، وتكبد فيها خسائر فادحة في أرواح مقاتليه. وبالمجمل كان أداء جيش الإنقاذ ضعيفاً ومُربَكاً، عفوياً وغير منظم إلى حد بعيد، وذلك لأسباب عدة من أهمها: ضعف تدريب وخبرة عناصره وقلة خبرتهم القتالية، وقلة عديدهم، فهم كانوا بحسب وثائق جامعة الدول العربية (3830) مقاتلاً، هذا علاوة على ضعف التسليح وشح المؤن وفساد الذخيرة. كما كانت العلاقة بين جيش الإنقاذ والأهالي الفلسطينيين القاطنين في القرى التي رابط في محيطها ليست جيدة، فلم يثق الأهالي بأنه كان قادراً على حمايتهم، لأحواله المهلهلة البادية للعيان، بالإضافة إلى أنه دأب على مصادرة ما ينقصه من مؤن منهم، وهم فلاحون فقراء معدمين، بالكاد يجدون قوت يومهم.
وفوق ذلك، كانت علاقة جيش الإنقاذ بالقيادة الفلسطينية ممثلة بالهيئة العربية العليا متوترة وفيها الكثير من التنافر. فعند تشكيل جيش الإنقاذ، عارضت الهيئة العربية العليا وعلى رأسها الحاج أمين الحسيني تعيين فوزي القاوقجي قائداً ميدانياً له. حيث كانت القيادة الفلسطينية تُحمّل هذا الأخير مسؤولية الأداء السيئ لفصائل المتطوعين العرب في ثورة 1936. وكان الحاج أمين يرغب في تعيين القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في هذا المنصب، لكن رغبته لم تجد آذاناً صاغية لدى الجامعة العربية. كما أن الحاج أمين كان مهجوساً بقضية القرار الفلسطيني المستقل (الذي ظل هاجساً للذين تلوه)، ولم يكن راضياً عن ما اعتبره تدخلاً من الجامعة العربية في الشأن الفلسطيني. فاتخذت الهيئة العربية العليا قراراً بتأسيس قوة من المتطوعين الفلسطينيين تحت قيادة عبد القادر الحسيني، أُطلق عليها إسم: جيش الجهاد المقدس، وكان قوامها من قادة ومقاتلي ثورة 36. وللظروف والأسباب آنفة الذكر، غاب التنسيق بين "جيشي" المتطوعين.
أما قوات المتطوعين المصريين بقيادة أحمد عبد العزيز، فكان أداؤها أفضل، إلى حد بعيد، من أداء جيش الإنقاذ، وحققت نتائج جيدة في عدد من المعارك التي خاضتها، وربما يعود ذلك إلى أن عمادها كان من العسكريين، وكان هناك إنسجام بين أفرادها، والأهم من كل ذلك أنها اتبعت أسلوب حرب العصابات الذي يناسب قدراتها المتواضعة من حيث العديد والعدة (بعكس جيش الإنقاذ الذي اتبع أساليب الجيوش النظامية)، إلا أن فاعليتها تراجعت بعد استشهاد قائدها أحمد عبد العزيز برصاص جندي مصري عن طريق الخطأ في آب 1948.
الثورة الفلسطينية المعاصرة: لا تتوفر إحصاءات أو تقديرات دقيقة وموثوقة لعدد المتطوعين العرب في فصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة، إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تدلل على الحجم الكبير لمشاركة المتطوعين العرب فيها، منها على سبيل المثال وجود مئات الجثامين لمقاتلين من جنيسات عربية مختلفة محتجزة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي فيما يسمى بمقابر الأرقام، وجزء كبير من هذه الجثامين تعود لمقاتلين عرب ينتمون لفصائل الكفاح المسلح، سقطوا أثناء تنفيذ عمليات فدائية داخل الأرض المحتلة، وقد تم الإفراج عن العشرات منها في صفقة التبادل الأخيرة مع حزب الله.
من الثابت أن أعداداً كبيرة من الشباب العربي من مختلف الجنسيات، التحقت بقوى وفصائل الثورة الفلسطينية، خاصة في الفترة التي تلت هزيمة 1967، والتي شهدت تأججاً للثورة الفلسطينية وتصاعداً حاداً لمنحنى العمل الفدائي، وقد وجد الآلاف من الشباب العربي المحبط من النظام العربي الرسمي والساخط على النتيجة المفجعة لحرب حزيران 67، والباحث عن فرصة لرد الاعتبار؛ ضالته في فصائل الكفاح المسلح الفلسطيني. وشملت حركة التحاق المتطوعين العرب في الثورة كافة الفصائل والقوى الفلسطينية وإن كانت أكثر وضوحاً وبروزاً في المنظمات المنبثقة عن حركات قومية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، وجبهة التحرير العربية.
لقد حملت ظاهرة المتطوعين العرب عبر تاريخ القضية الفلسطينية العديد من قصص البطولة والإباء، وفي الوقت ذاته قصص الإنكسار والهزيمة، حالها كحال القضية الأصل. إن التقدير العميق لبطولات وتضحيات المقاتلين الذين تركوا ديارهم وأهلهم وأعمالهم، وهبّوا للدفاع عن فلسطين ونجدة أهلها؛ لا يجب أن تعمينا عن حقيقة أن هذه الظاهرة -خاصة في شقها الذي نظمته وأشرفت عليه الجامعة العربية إبان حرب 48- كانت محدودة الأثر، ولم تشكل فارقاً حقيقياً في ميزان القوى على الأرض. ومرد ذلك ربما يعود في المقام الأول إلى عدم جدية النظام الرسمي العربي في دعم القضية الفلسطينية، وكان دعمه يتوقف عند الخطب الرنانة، وبعض أشكال العون المادي. ولم تكن حملات تجنيد المتطوعين في حرب 48 لتشكل شذوذاً عن هذه القاعدة، والدليل على ذلك قلة عدد من قُبلوا في هذه الحملات رغم تقدم عشرات الآلاف للتطوع في كافة البلدان العربية، بالإضافة إلى ضعف تسليح المتطوعين، وعدم تزويدهم بما يلزمهم من مؤن وعتاد. وبعد هزيمة 67، ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة؛ بدأت الأنظمة الرسمية العربية بمعظمها تنأى بنفسها شيئاً فشيئاً عن قضية فلسطين، وأصبح من العسير على الشباب العربي أن يعثر على القنوات التي توصله للتطوع في صفوف فصائل الثورة الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، تبنت القيادة الفلسطينية لخطاب "القرار الفلسطيني المستقل"، وهو خطاب يعكس هاجس الكيانية القديم الذي شُغلت به القيادة الرسمية الفلسطينية أكثر مما شُغلت بالأرض التي تضيع من تحت أقدامها، والتي هي الأساس لأي كيان. وبالتالي لم تعد تولي اهتماماً لاستقطاب المتطوعين العرب، وحتى استقطاب الكفاءات العربية لمؤسساتها كما كان يحصل في السابق.
إن ظاهرة المتطوعين العرب تعبر بصدق عن البعد القومي للقضية الفلسطينية، التي وحّدت الشعب العربي وشكلت عنصراً جامعاً له، ربما وصل في فترات معينة، عندما كان التضامن العربي العربي في أوجه، لأن يكون عنصراً إضافياً من عناصر الوحدة القومية العربية، فكان العرب تجمعهم عناصر الامتداد الجغرافي، واللغة، والثقافة والدين، وقضية فلسطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة