الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا لحوارالأديان في ظل إنحباز بابا الفتيكان

فتحي الحبوبي

2011 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بابا الفاتيكان بين تبرئة الذات وإتهام الآخر

قد يكون بديهي جدا، عندما يكون البابا بنديكتوس16، قد انضم في شبابه، أيام حدوث المحرقة النازية، إلى ما كان يسمى بحزب الشباب النازي، أن يستنكر المحرقة بشكل مبالغ فيه بما يتماهى مع التقديس فيؤكد أن أي تشكيك أو تقليل من حجم المحرقة اليهودية على يد النازيين يعتبر أمرا لا تقبله الكنيسة ولا تتسامح معه أيا كانت الأسباب باعتبارها جريمة بحق الله والإنسانية . لذلك فهو يصلي ويطلب الصفح أيضا من اليهود الذين اضطهدتهم أوروبا المسيحية عبر السنين على خلفية اتهامهم بقتل السيد المسيح عليه السلام. إلا أن الأسقف ريتشارد ويليامسون صاحب الآراء الحرة والجريئة قال منذ نحو سنتين بوجود مبالغة كبيرة في عدد ضحايا اليهود الذين قضوا في المحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، مؤكدا أن الأدلة التاريخية تقول بأن عدد الضحايا لم يتجاوز 300 ألف وليس ستة ملايين يهودي كما يدعي بنو إسرائيل. ليس هذا فقط بل إنه ينفي نهائيا وجود غرف الغاز. ولعله على حق، ولم لا؟
أما في ما يتعلق بمحرقة غزة سنة 2008، فقد مر عليها البابا بسلام ودون أن يتوقف عندها، فيما وصف أحد كرادلة الكنيسة الكاثوليكية الوضع في قطاع غزة أنذاك بسبب الحصار الإسرائيلي بأنه أشبه بمعسكر اعتقال كبير، في إشارة منه ولا شك إلى معسكرات النازية إبان الحرب العالمية الثانية.ولا ريب في أنه على حق. يقول السيّد المسيح أنا الطريق والحقّ والحياة (يوحنّا 14، 6). أفلا يعني ذلك، أن يعمل المسيحيّ ما بوسعه لأجل إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، حيث يرى ظلماً أو عدواناً أو قهرا؟ . فلا معنى لعقيدة لا تكون راهنة، أي أنها منقطعة عن حياة الناس وواقعهم ومعاناتهم الآن.
واللافت في هذا السياق ما ورد في إنجيل متّى حول معايير الدينونة، حيث يُسأل الناس المحشورون سؤالاً واحداً يتوقف على جوابه نيلهم الخلاص ماذا فعلتَ بأخيك الإنسان؟ .
المثير للإنتباه في ما سبق، أن هذين الموقفين المتباينين، يعنيان فيما يعنيان أن الفاتيكان ليس له الموقف الموحد من المحرقة، سواء كان اليهود ضحاياها أم مرتكبيها. بل ان أصواتا داخله- منها ريتشارد ويليامسون- متهمة منذ حوالي عشريتين، بتهديد وحدة الكنيسة، تنادي بعكس الموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية الذي قد يكون اتخذه البابا تنصلا من ماضيه الأسود عندما كان مستظلا بالفكر النازي. والحقيقة أن البابا يفعل ذلك لأنه مسكون حد الهوس بعقدة الذنب والخوف من مكائد اليهود، حتى لا تلتفت إليه أعين اللوبي الصهيوني فتفتح ملفاته وتفتعل له المشاكل والصعوبات ثم تطارده بها مثلما فعلت مع بيوس الثاني عشر حيث اعترضت على توليه البابوية وأطلقت حوله الأراجيف، لا لشيء سوى لأنه كان متحفظا على فكرة قيام إسرائيل وسط الأماكن المسيحية المقدسة مما قد يضعف سيطرة الفاتيكان عليها.ومثلما يقع اليوم لمسيحي إسرائيل فقد اكد الاساقفة الكاثوليك هناك انه منذ سنوات تبذل المسيحية جهودا كبيرة لوقف بعض المظاهر المعادية للسامية الا أن المسيحيين في اسرائيل هم من اصبحوا ضحايا معاداة المسيحية حتى أنه تم احراق نسخ من العهد الجديد على العلن منذ بضعة اشهر في باحة إحدى الكنائس قرب تل ابيب.
ولكن ما لا يمكن وضعه في خانة البداهة، إنما هو عداء البابا الشديد للعرب؛ مسلمين كانوا أو مسيحيين. لقد برز ذلك واضحا وضوح الشمس في محاضرته الشهيرة بألمانيا سنة 2006 وكان وقتئذ حديث عهد بتسلمه مقاليد السلطة البابوية. وقد أثارت هذه المحاضرة في حينها جدلا واسعا واعتراضا شديدا في الأوساط الدينية والثقافية نظرا لما ورد فيها من عداء وهجوم سافر على الإسلام لا يمكن أن يصدر إلا عن عنصري.فقد اتهم فيها الإسلام - مستندا إلى أقوال لإمبراطور بيزنطي- بأنه دين يخاصم العقل مما ينفي العلاقة بين الإسلام والعقل، مؤكدا في ذات السياق، أنه لا يعرف للعقل مكانا في الإيمان الإسلامي ولا حتى في الإيمان المسيحي الشرقي. كما يعوزمفهوم الإيمان عند البروتستانت لتأسيس العلاقة بين الإيمان والعقل، في الوقت الذي تقوم فيه علاقة قوية بين الإيمان المسيحي الغربي وبين العقل، ويعود ذلك في رأي البابا للعلاقة التي سادت بين المسيحية الكاثوليكية والفكر والحضارة والفلسفة اليونانية واستفادت المسيحية منها.
وهنا تبرز بجلاء اتهامات بالجملة لكل من الإسلام كخصم رئيسي وتاريخي، وللمسيحية الشرقية باعتبارها حاضنة للأماكن المقدسة وهي أصل وجوهر المسيحية؛ ضرورة أن المسيحية الغربية بشكلها الحالي ليست سوى فرع سيطر في غفلة من التاريخ على الأصل. ولم يغفل البابا عن الحركة الإصلاحية البروتستانتية أتهمها هي الأخرى بذات الإتهام، لتبقى بعد ذلك فقط المسيحية الكاثوليكية أو كنيسة روما هي المتميزة على الكل، وهي صاحبة الفضل على الجميع باعتبارها المنارة الوحيدة المؤسسة على العلاقة بين الإيمان والعقل. وهذه القراءة لتاريخ الأديان ليست في واقع الأمر سوى استبلاه للآخر واستكبار واستعلاء على الغير، وهي في نهاية التحليل ليست سوى إعادة إنتاج للفكر الصليبي والفكر النازي الكارثي وهي لا تختلف في شيء عن الخطابات المتشنجة لبعض الأصوليين. في زمن ما زالت تدعو فيه بعض الحركات الإسلامية إلى حوار الأديان .فهل يعقل أن ينجح حوار بين فريقين يدعي أحدهما تفوقه على الآخر. أشك في ذلك لاسيما إن كان هذا الخطاب صادر عن رأس الكنيسة التي تدعي فيما تدعيه أن المسيحية تحث على المحبة والإخاء والتسامح ونبذ العنف، وأنها تقف دائماً إلى جانب الحق. فمتى كانت المحبة والتسامح هي التهجم على الآخر؟ ومتى كان العدل والوقوف ً إلى جانب الحق إنتقائيا ويعني فقط استحضار المحرقة النازية والتغافل عن استنكار محارق الفلسطينيين وآخرها محرقة غزة؟ أم أن الكيل بكميالين طال أيضا المحارق، وهي جرائم إنسانية تدينها جميع الأديان. لعله قد غاب عن البابا أن التآخي والمحبة بين المسلمين والمسيحيين تكليف من الله، ذلك أن حجر الزاوية في الاسلام إنما هو السلام فنقرأ في القرآن في سورة الأنفال وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ، كذلك فإن حجر الزاوية في المسيحية هو السلام فنقرأ في إنجيل متي وأي بيت دخلتموه فألقوا على أهله سلاما فلماذا إذن معاداة الآخر ومحاولة زرع الفتنة وبث السم في الدسم باسم المسيحية بما هو مخالف لتعاليمها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن نرفضه ايضا
وليد حنا بيداويد ( 2011 / 12 / 19 - 23:23 )
فى ظل استمرار هذا التفاهم الذى لايؤدى الى التفاهم االحقيقى بسبب تمسك المسلمين فى فرض ارائهم المرفوضه على الاخر وعدائهم المستمر لليهود والمسيحين المتجذر فى الاسلام فاى نتيجة يمكن ان تتمخض عنه هكذا تفاهمات
فانكم المسلمين تعادون البشرية جميعا وخاصة اولئك اللذين يواجهونكم بالحقائق
انا اعتقد انه عليك الابتعاد فى مقالتك عن ما يخص الكاتوليك او البروتستانت وغيرهم، فهذه المعلومات اعتقد لاتخدم هدف مقالتك والهدف الذى تبغيه المنشور اعلاه ك عنوان المقالة


2 - البابا يرفض النوم
إيليا سعادة ( 2011 / 12 / 20 - 01:15 )
البابا قرأ مقالتك
وخبرني انو مش قادر ينام بسببك وبسبب دعوتك
بعدم الحوار مع الفاتيكان وقرر قبل قليل اغلاق
الفاتيكان نهائياً.


3 - العلمانية
سليم عبد الاحد ( 2011 / 12 / 20 - 02:30 )
السيد الكاتب المحترم , احيي فيك روح المحبة والنقاش البناء . سيدي , ما نحتاجه هو العلمانية وترك العقيدة كشيء شخصي حيث يؤمن من يشاء وباي دين او عقيدة او لايؤمن باي شيء .الدين يتداخل بالسياسة وبالتالي تنتهك خصوصياتنا وتنشأ الخصومات , فلو تحولت دولة اسرائيل الى نظام علماني على النمط الغربي بدل الديني لانتهت نصف مشاكل العالم . احترامي لشخصكم الكريم


4 - مقال رائع
zoma ( 2011 / 12 / 20 - 05:44 )
اعتقد ان السبب هو تسييس الدين او دخول الدين في السياسه
الفلسطينيين اهدروا حقهم عندما اسلموا القضيه
فكيف تطالب بالاعتراف بحركه اسلاميه في غزه
و لا تريد منهم الاعتراف بيهوديه اسرائيل
ده غير القوه الاقتصاديه و الاعلاميه الكبيره التي يمتلكها اليهود
تجبر الجميع علي احترامهم حتي لو كانوا يكرهوهم بداخلهم
الحل الوحيد هو ابعاد الدين عن السياسه


5 - عن ماذا تتحدث؟
عصام المالح ( 2011 / 12 / 20 - 13:59 )
ياسيدي البابا ان قال ام ان لم يقل فهو ليس بسياسي وليست له سلطة عسكرية على الارض ولذلك ما يقوله هو مجرد راي الكنيسة التي لاتتدخل في السياسة واذا كان لما يقوله اي تأثير لكان بمقدوره ان يحمي مسيحي الشرق . ثم والله الذي تؤمن به ان امام صغيرا من أآمة المسلمين له تأثيرا اكبر بكثير من كلام البابا فبمجرد خطبة جمعة واحدة يستطيع ان يقلب الامور رأسا على عقب. فينتفض المؤمنون ليحرقوا ويقتلوا الكفار والملحدين والمشركين فعن ماذا تتحدث بالله عليك؟

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah