الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مع الثورة ضد النظام، مع النظام ضد الثورة..؟!-

عماد يوسف

2011 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ثنائية الخيار الصعب عند السوريين
"مع الثورة ضد النظام، مع النظام ضد الثورة..؟!"
هو السؤال الإشكالي الذي أرهق تفكير الكثير من السوريين. هم أولاً، وأصدقائهم، ومعارفهم. إنه سؤال مشروع، ولا يحمل أي نوع من عدم التوازن للشخص الذي يقع في حيرته. فقد أصاب هذا السؤال كافة الشرائح السورية، أميين ومتعلمين، مثقفين ونخب، عمال وفلاحين وموظقين، نساءً ورجالاً. كباراً وصِغاراً.! فلماذا وصلَ الوضع السوري إلى هذا المنعطف الذي يتصف بالتذبذب، واللاقرار. ومن ثمَّ التماهي البيني بين المعارضة والموالاة. مما فرز وأنتج كتلاً اجتماعية جديدة، وتوصيفات غير سياسية، كالرمادي والضبابي، والحيادي، وغيره؟!
يُمكن قراءة الكثير من التناقضات في واقع الحراك السوري، التي تترك أثرها الواضح في جدلية الإختيار بين التغيير، وبين بقاء النظام مع اصلاحاته التي قدّمها. أحد أهم هذه التناقضات هو التنوع الكبير الذي يغتني به المجتمع السوري. تنوعاً إثنياً، دينياً، طائفياً، واجتماعياً. ومن الضروري، في ظلّ هكذا تنوع إنساني واسع، أن يترك ارهاصاته على الحالة السياسية، وبالتالي النظام الذي ترتبط به هذه الفئات بأشكال وتمفصلات متنوعة، تقترب أو تبتعد من النظام وموقعه بحسب بعد هذه الطائفة أو تلك من حصّتها في المشاركة الاجتماعية الفاعلة. فصفة اللاتجانس، الديني والاجتماعي والمديني حتى، والتي هي سمة هامة من سمات المجتمع السوري الصغير نسبياً، شكلّت اختلافات جذرية في قراءة المشهد السياسي عبر الاحتجاجات التي اندلعت في 15 آذار/ مارس هذا العام. ولذلك كان من الطبيعي في حال كهذه أن يكون التباين في الرؤية، والاختلاف في التصورات التي تحدد أشكال التغيير هي الفيصل في عملية الاصطفاف التي تحكم شرائح المجتمع وتنويعاته الكثيرة.
وبالرغم من اتفاق غالبية السوريين المطلقة على ضرورة التغيير الشامل، أو على الأقل الحاجة لإصلاح جذري وبنيوي. إلاّ أنَّ أحداث الأشهر العشرة الأخيرة في سوريا، أثبتت بأنه ليس هناك هوية واحدة جامعة تحتضن الشعب السوري بكلّيته كإنتماء وطني شامل يتشارك في الأحداث المصيرية التي من الممكن أن تعصف به، وبمستقبله. ولذلك كان من الطبيعي أن تكون رؤية كل فئة ذات تصور مختلف عن الأخرى، وهذا بالتالي سينعكس على أفراد هذه الفئة أو تلك في قرارها ورؤيتها التي تراها موضوعية محقّة ولها براهينها ودلالاتها، بينما يراها الآخر اصطفافاً غير طبيعياً، ويتم تخوينه من الغيرعبر موقفه هذا.؟!
بالإضافة إلى التنوع الاجتماعي والديني، هناك التنوع في الإنتماء القومي، والوطني، فسوريا، كانت ومازالت منطقة صراعات عنيفة، ودولة تجاذبات اقليمية ودولية. ولهذا كان من الطبيعي أن يترك هذا التجاذب، وهذه الصراعات أثره على العقل الجمعي السوري، الذي تشدّه قكرة القومية، والإنتماء القومي العروبي. وبذات الوقت، إنَّ جزءاً مهماً منه قد ملَّ هذه الصراعات الإقليمية التي زادت على الستين عاماً، وهو متصالح مع التحوّلات الأمريكية الحالية في المنطقة، ويتماهى مع حقيقة اسرائيل وشروطها في الوجود. فهو يبحث لنفسه عن نمط جديد من العيش علّه يحقق من خلاله بعض الرفاه الذي حُرمَ منه لعشرات السنين الفائتة. وهذا ما تطرحه فلسفة الحراك السوري، وهي رؤية الممثلين له في المجلس الوطني، والتي تتماشى مع نهج المعسكر الأمريكي العربي ممثلاً بقطر ومصر والسعودية والآردن وغيرهم. في الجهة المقابلة نجد أنَّ هناك شريحة كبيرة من السوريين مازالت تتخندق في موقع المدافع الشرس عن مشاريع الصراع هذه، وخاصة المشروع الأمريكي في المنطقة، والذي يظهر ويختفي بين الفينة والأخرى. وفي جانب آخر هناك الصراع العربي الإسرائيلي الذي يعكس تمسك قاعدة عريضة من الشعب في مقارعة هذا المشروع وعدم الرضوخ لشروطه والوقوف في وجهه بكافة السبل ولو كان ذلك على حساب لقمة عيشها ورفاهيتها. وكان هذا العامل هاماً جداً في الاصطفافات الحاصلة تجاه هذه الاحتجاجات، لجهة الوقوف معها أو ضدّها. أو على الحياد ..؟!
عاملاً فاعلاً آخر أرخى بسدوله على الاصطفافات الحاصلة. وهو المشروع الإسلامي الذي بات واقعاً مرّاً يسيطر على العالم العربي كمشروع سياسي بديل عن الأنظمة البائدة التي تركت الساحة بعد أن عاثت فساداً ودماراً في بلادها. ولكن برغم هذا الفساد والخراب إلاّ أنَّ الخوف من الإسلام السياسي، وعدم المقدرة على التنبؤ بما يمكن أن يفعله هذا الإسلام مستقبلاً وخاصة مع الأقليات المختلفة دينياً وطائفياً، جعل هذه الشرائح تتذبذب بين حلم بالتغيير باتجاه دول ديمقراطية وحرّيات، قانون وعدالة، وتكافؤ فرص. وبين نظام يحتمل بين طياته الإقصاء والتخلف المدني، والعودة إلى الوراء سنوات وسنوات.
أمّا العامل الأكثر خطورة، وأكثر تأثيراً هو وعي الناس غير المباشر والمشروع للمآسي التي شهدتها عمليات التحوّل في باقي البلدان العربية،، وخاصة في العراق في 2003 وفي ليبيا حديثاً، واليمن وحتى في مصر لجهة التخبط الحاصل والصراعات التي بدأت بالظهور بين الأقباط والإسلاميين، والإسلاميين أنفسهم والليبراليين، بالرغم من ان المجتمع المصري مجتع أكثر تجانساً من المجتمع السوري ولا يضم هذه التنويعات الغنية كما هو الحال في سوريا، وإن أقرب حالة تتشابه مع الواقع السوري هو الحالة العراقية، وهي الحالة التي فشلت في استعادة الدولة كدولة، وكان نهاية السقوط الحر والفوري للنظام هو دولة محاصصة طائفية، وتخلف وتعمّق كبير للفكر الديني والطائفي في عقول الناس وأذهانهم ما ترك نفوراً لدى غالبية الشعب السوري من احتمال كهذا تتشابه فيه سوريا مع العراق في عملية التغيير المنشودة. لذلك، إرتأت الأغلبية من الشعب السوري أن تراهن على مشروع تغييري يطرحه النظام نفسه، ليتم الوصول من خلاله إلى دولة تعددية تتمتع بنظام ديمقراطي شامل.
هناك عامل آخر بغاية الأهمية سببَّ شروخاً كبيرة في مستوى وعي الناس باتجاه هذا الحراك، ويندرج في غياب الوعي السياسي لدى غالبية السوريين بسبب التصحّر الذي عاناi المجتمع خلال عشرات السنين من حكم النظام. فغيَّب مفاهيم في غاية الأهمية، وأسقط قيماً مدنية عالية لم يعشها السوريون ولم يعرفونها عبر تاريخهم الحديث، مما شكّل خلافات بنيوية عميقة في نظر الناس إليها، وتباينت في التوصيف. زادت المعارضة السورية " بقصورها الثقافي، ووعيها غير الناضج" زادت الطين بلّة من خلال عجزها عن ملاقاة الشارع، وتقديم برامج سياسية شاملة وواضحة تحدد من خلالها تصوراتها المستقبلية لعملية التغيير الشامل، وتحدد مدلولات واضحة لمفاهيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وقضايا الأقلّيات، والنظام الاقتصادي والاجتماعي القادم. مما ترك غالبية شرائح المجتمع السوري ضحّية الفهم الخاطىء للكثير من القضايا التي طُرِحت. وللنظر على عملية التغيير " المحقّة" على أنها عملية فوضى شاملة تهدد البلاد والعباد في مصيرها.
من المؤكد بأن النظام السوري، المعروف جيداً بدهائه السياسي، وحنكته في التعاطي مع هكذا تحوّلات، قد قرأ هذه التعبيرات جيداً ووظفها لمصلحة بقائه ووجوده، عبر تقديمه لقصص وحكايات حاولت أن تشيطن الحراك بكلّيته، ليتحول إلى اعصار بنظر الآخرين وخاصة الأقلّيات منهم..!
ليس الوضع السوري بهذه السلاسة ، وهو حقاً شديد التعقيد، ويترك ارهاصات كبيرة قد لا تكون بمستوى تحمل السوريين، لذلك من الطبيعي أن يكون الموقف منها، متباين، بين مؤيد، ومعارض، و ضبابي، ورمادي، وحيادي، وغيره.. وخاصة عندما تُفتقد البدائل التي تمنح الأمل بمستقبل أفضل، فمابالك عندما تكون البدائل قد رسمت مستقبلاً عاتماً، قبل حتى أن تتسلّم زمام أمورها ...؟؟!

عماد يوسف
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أخي عماد,
درويش السيد ( 2011 / 12 / 23 - 09:06 )
شكرا على هذا الجهد وهذه القراءة التي حاولت فيها احاطتنا , لملمة وجمع الصورة المشعورة المكسورة او المحطمة للمجتمع الوطني السوري ... فالتوصيف الشاقولي والافقي الذي قدمته يؤكد تعقد الحالة السورية التي تتصادم فيها قوى تجاذب وتنافر متعددة ومتنوعة بنفس الوقت الذي لم تكتمل فيه بعد صورة طريقة وئد الاستبداد, مكان وزمان التشيع, والكلفة العالية لذلك, مع عدم وضوح ملامح الوليد الجديد بصورة تقطع الشك باليقين ...ومع كل هذا التعقيد فأنت تكاد تجزم /لذلك,أرتأت الأغلبية من الشعب السوي ان تراهن على مشروع تغييري يطرحه النظام نفسه, ليتم الوصول من خلاله الى دولة تعددية تتمتع بنظام ديمقراطي شامل./....وهنا أخي الكريم أسألك عن مبررات قناعتك واثباتاتك التي تؤكد قناعتك بأن الاغلبية تقف مع قناعتك هذه.. كيف ارتأت الاغلبية .. ماهي المقاييس التي استخدمتها لاثبات هذه الرؤية؟؟؟ فالمبررات والسلوك والطريق الذي اتبعته وتتبعه الطغمة الحاكمة المتسلطة على الوطن في التعامل مع الحالة والازمة الوطنية لاتوحي ولا تشجع على استنتاجك اعلاه في أدنى واحسن تقدير.مع التحية


2 - شبيح إعلامي آخر
معاوية أبو سفيان ( 2011 / 12 / 24 - 14:29 )
للأخ درويش
لاتضيع وقتك
هذا شبيح إعلامي بامتياز
وقد سئمت من قراءة مقالاته
مع التحية لك أنت فقط


3 - شبيح إعلامي آخر
معاوية أبو سفيان ( 2011 / 12 / 24 - 14:34 )
للأخ درويش
لاتضيع وقتك
هذا شبيح إعلامي بامتياز
وقد سئمت من قراءة مقالاته
مع التحية لك أنت فقط

اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي