الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤامرات أم ثورات ؟!!

ليث حميد العاني

2011 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يثير الاهتمامَ ما ينشر في العديد من وسائل الإعلام الورقية والالكترونية من مقالات تتحدث عن أن كل ما حصل مؤخراً من متغيرات في بعض البلدان العربية ليس ثورات، بل هي مؤامرة كبيرة ضد العالم العربي خططت لها الدوائر الامبريالية، وأنها في نهاية المطاف تستهدف بسط الهيمنة على شعوب هذه البلدان واستغلال أكبر لثرواتها من خلال فسح المجال لقوى الإسلام السياسي باستلام السلطة لتبقى هذه البلدان ضعيفة ومفككة بعد دفعها الى حروب دينية أو طائفية تنخر بنيتها السياسية والاجتماعية؛ وعندها ستتمكن تلك الدوائر المرتبطة بالمصالح العليا للرأسمالية العالمية من تسويق سلاحها المكدس ومن امتصاص ثروات تلك البلدان بالطريقة التي تروق لها لكي تتمكن من الخروج من أزماتها الاقتصادية المتعاقبة.
من هنا، وحسب هذا التصور فقد فُسِح المجال للقوى الاسلامية أن تصل إلى سدة الحكم، وهذا ما حصل بالفعل في تونس التي تصدر فيها حزب النهضة الإسلامية الانتخابات البرلمانية للجمعية التأسيسية. وكذلك اكتسح الأخوان المسلمون والسلفيون الانتخابات في مصر، فيما يبدو بوضوح أن للإسلاميين اليد المتنفذة في المجلس الانتقالي في ليبيا. كما إن البديل المطروح لحكم اليمن هو حزب الإصلاح وهو إسم يتخفى خلفه الإخوان المسلمون، والأمر ذاته يحدث في سوريا إذ يحتل الأخوان المسلمون مكان الصدارة في صفوف المعارضة القادمة إلى السلطة قريباً.
تشير غالبية تلك المقالات إلى أن هناك تنسيقاً أو قل تواطؤاً سهّل بطريقة أو بأخرى سقوط الديكتاتوريات العربية التي قدمت جليل خدماتها لحماية المصالح الغربية، ولكنها لم تعد قادرة على تقديم المزيد، ومن هنا جاء وقت التغيير وفسح المجال لمجئ "عملاء" جدد حسب تعبيرها.
إن وجهة النظر التبسيطية هذه والمشبعة بفكرة أن التأريخ تصنعه المؤامرات لا التطور الاجتماعي للبشر، يمكن دحضها بسهولة عبر التحليل المتأني المستند إلى منظور الاقتصاد السياسي. فالإدارات الرأسمالية الكبرى ليست بحاجة إلى وسائل جديدة لابتزاز الثروات العربية، فالدكتاتوريات العربية فسحت المجال لتحقيق ذلك مقابل الحفاظ على عروشها؛ والغرب ليس بحاجة إلى إشعال حروب طائفية لكي يبيع منتجاته من السلاح، فقد باع كميات خيالية منه بالفعل في ظل تواجد تلك الأنظمة الدكتاتورية لكبح جماح الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والديقراطية والعدل الاجتماعي.
الأصح هو القول إن مؤسسات القرار السياسي في الغرب وقعت في حيرة وبلبلة عندما تفجرت الثورة في تونس ومصر، وكانت مترددة في تحديد مواقفها ومرتبكة إلى حد بعيد مما حصل. وهناك أمر آخر يؤكد أصالة هذه الثورات، إذ إن إسرائيل الحليف الستراتيجي لواشنطن أفصحت صراحةً عن خشيتها من الضرر الذي سيصيبها من الثورة المصرية وسقوط نظام مبارك الذي أخلص في ولائه لواشنطن وتل أبيب، وكذا بالنسبة لنظام بن علي في تونس الذي قمع شعبه تحت مبرر مكافحة الإرهاب وبهذا كان يحاول كسب ود الغرب، ونظام صالح في اليمن لم يوفر جهداً في تقديم التسهيلات الأمنية والاستخباراتية لواشنطن التي لم تتمكن من مساعدته لكبح ثورة الشعب اليمني.
الأمثلة كثيرة وواضحة وتؤكد بالملموس إن واشنطن ولندن وباريس لم ولن تتمكن من التحكم بما يجري في المنطقة العربية، لكنها دون شك تبذل جهودا مضنية لتأمين مصالحها في ظل المستجدات. لاشك أن ما حرك ويحرك الشعوب العربية هو الظلم والقهر والفساد وحكم الجمهوريات التوريثية التي عاملت بلدانها كما لو إنها إقطاعيات أبدية لها، ولم تضع حلولاً واقعية لمعالجة البطالة والفقر, واستمرت بتكميم الأفواه وخنق الحريات الديمقراطية. هذه هي الأسباب الحقيقية التي تراكمت طيلة عقود، وأدت إلى الانفجار في تونس، وانتقلت العدوى الثورية وبسرعة البرق إلى مصر، ومن ثم اجتاحت ليبيا واليمن وسوريا، ولا يستثنى العراق من هذا الإعصار، لأن كل أسباب الثورة موجودة بعمق فيه، أي البطالة والفقر وحرمان الناس من ابسط الخدمات، والأنكى من كل هذا هو أن النخبة السياسية التي جاءت للحكم عن طريق الانتخابات تنكرت لكل وعودها ولم تعد تفكر إلا بامتيازاتها، والشعب يعاني الأمرين من الحرمان وفقدان الأمن بسبب استمرار مسلسل الصراع السياسي الدموي دونما نهاية. لذا فالعراق لن يكون استثناءً، ورياح التغيير آتية لا ريب إلى بغداد رغم غياب الأحزاب الطليعية عن الساحة السياسية. السيل اكتسح سوريا ويهدد البحرين، وهو قادم إلى الملكيات القبلية المطلقة التي تحاول جاهدة التنازل عن بعض امتيازاتها لتتحول بصعوبة إلى ملكيات دستورية، وهذا ما بات يحصل تدريجياً في الأردن والمغرب وعُمان.
إن سر فوز الأحزاب الإسلامية في تونس ومصر والمغرب، وتبوءها مكاناً قيادياً في المجلس الانتقالي الليبي، وتصدرها الكفاح المعارض في اليمن وسوريا وغيرها، مرتبط بالدرجة الأولى بغياب أو تراجع الأحزاب اليسارية والليبرالية والقومية عن الساحة السياسية، إذ بات خطابها السياسي مستهلكاً ما زاد من صعوبة تواصلها مع الجماهير نظراً لفشل النماذج التي اقتدت بها. فاليسار يستحيل عليه الآن أن يروج للنموذج الاشتراكي بعد فشل التجربة في الاتحاد السوفيتي وشرق أوربا؛ أما القوى القومية فهي الأخرى غير قادرة على الترويج للنموذج القومي البعثي الفاشل في العراق وسوريا أو للنموذج الناصري في مصر وليبيا وغيرها؛ وتعاني القوى الليبرالية من جدة ظهورها في المنطقة ومن ضعف جذورها لتنافس الأحزاب الاسلامية. وبالمقابل، تمكنت قوى الإسلام السياسي من مراجعة اطروحاتها واهتدت بالنموذج التركي المعتدل الذي يوفق بين الدين والديمقراطية ويتبنى نهج اقتصاد السوق الحر، إذ أكدت الأحزاب الإسلامية الفائزة في انتخابات تونس ومصر والمغرب وفي بلدان أخرى تبني النهج نفسه.
الثورات العربية هي نتاج لشعوبها المظلومة، وهي ثورات حولت مجرى التاريخ وغيرت من تصورات الغرب والعالم عن الشعوب العربية، إذ كان ينظر إليها بأنها شعوب متخلفة ونائمة، فأثبت الواقع عكس ذلك ما سيعزز من مكانة الشعوب العربية ودورها في صناعة التأريخ المعاصر.
إن صعود الإسلام السياسي لا يعني نهاية الدور التأريخي للقوى الليبرالية واليسارية والقومية في البلدان العربية، بل يعني تحفيزاً لها لتحقيق وحدتها بغية تشكيل جبهة معارضة ضاغطة على الأحزاب الإسلامية التي ستحكم، لتحترم التزامها بمباديء الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والالتزام باقتصاد السوق الحر وثنيها عن الانتقال إلى مايشبة النموذج الإسلامي الإيراني، وإلزامها بتبني النموذج التركي المعتدل.
هذا هو الممكن في هذة الحقبة التأريخية التي نعيشها الآن، فأقصى ما تستطيع أن تفعله ثوراتٌ تندلع في بلدان غير مستكملة لعوامل التراكم الاقتصادي والثقافي، هو أن تطورَ الوعيَ السياسي لشعوبها خطوةً واحدة على الأقل إلى الأمام، وهذا ما فعلته الثورات العربية مؤخراً. ويبقى الطريق طويلاً وطويلاً جداً نحو مستقبلٍ لا بد أن يشهد نهضةً شاملة للوعي تحقق دمقرطةً سياسيةً واجتماعيةً جذريةً لواقع الفرد العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا