الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحناء الضوء بفعل الجاذبية

هشام غصيب

2011 / 12 / 31
الطب , والعلوم


وضع آينشتاين مبدأ التكافؤ المذكور سابقاً عام 1911، وما لبث أن شكل هذا المبدأ المهم مفتاحاً لنظرية النسبية العامة وأداة لبناء أفكارها الأساسية. فهو يشكل دعامة أساسية لمبدأ النسبية العامة الذي يشكل عصب نظرية النسبية العامة. وقد بينا في المقالة السابقة كيف قاد مبدأ التكافؤ آينشتاين إلى نتيجة في غاية الأهمية تتعلق بطبيعة الزمان، وهي أن سرعة مضي الزمن تتغيرمن نقطة مكانية إلى أخرى في المجال الجاذبي. فالمجال الجاذبي يبطىء الزمن حسب شدته. بذلك، فلا يكفي تحديد الزمن في كل مرجع إسناد قصوري، كما هو الحال في نظرية النسبية الخاصة، وإنما علينا أيضاً تعيين الزمن في كل نقطة مكانية بالنظر إلى كونية المجال الجاذبي وشيوعه. ويمكن اختبار هذه النتيجة بالطريقة الآتية:



من المعلوم أن كل صنف من الذرات يبث أو يمتص ألوانا معينة من الضوء تميزه عن غيره. ويتحدد كل لون بتردد موجي معين، ونعني بالتردد الموجي عدد الذبذبات في الثانية الواحدة. والآن، لنفترض أننا وضعنا ذرات عنصر محدد على سطح نجم كثيف شديد الجاذبية. كيف يتمظهر الأثر الزمني للجاذبية الوارد ذكره على الألوان المميزة التي تبثها أو تمتصها هذه الذرات؟ بالنظر إلى بطء الزمن عند سطح النجم والناتج عن شدة المجال الجاذبي هناك، فإن الترددات الموجية للأضواء المنبعثة أو الممتصة من الذرات تقل عن المعتاد على سطح الأرض الضعيف الجاذبية مثلا. وهذا يعني أن الألوان المميزة لهذه الذرات تنزاح صوب اللون الأحمر، صاحب أدنى تردد موجي. وهذا ما يسمى في الأدبيات الفيزيائية الانزياح الأحمر. وعليه، فإن المجال الجاذبي الشديد عند سطح النجم يؤدي إلى انزياح أحمر للأضواء المنبعثة أو الممتصة من ذرات العناصر هناك. ويمكن بالطبع التحقق من ذلك بقياس الترددات الموجية المناظرة عند سطح الأرض. فإذا أبدت هذه الترددات انزياحاً أحمر بالقدر الذي نتوقعه على أساس بدأ التكافؤ، كان ذلك اختباراً لصحة هذا المبدأ ولأفكار نظرية النسبية العامة، وبصورة خاصة لفكرة أثر الجاذبية على سرعة مضي الزمن الآنف ذكرها. وقد أجري بالفعل عدد من التجارب الفلكية والأخرى الأرضية للكشف عن الانزياح الأحمر الجاذبي. وجاءت نتائجها متطابقة تماماً مع توقعات مبدأ التكافؤ، الأمر الذي يؤكد أيضا أن البعد الزماني يتغير من نقطة مكانية إلى أخرى. كيف يتغير بالضبط، وهل يتغير بالعلاقة مع الأبعاد المكانية؟ هذا ما انبرت نظرية النسبية العامة للإجابة عنه.



والآن نترك الزمان جانبا لنعود إليه لاحقاً، وننتقل إلى المكان والعلاقات المكانية في ضوء مبدأ التكافؤ. ولنتصور الغرفة المغلقة التي ابتدأنا بها وهي ساكنة بالنسبة إلى النجوم الثابتة، أي مادة الكون. والآن إذا سلطنا شعاعاً ضوئيا على الغرفة ومرّ هذا الشعاع من فتحة في أعلى الغرفة، فإنه ينطلق في أعلى الغرفة في خط مستقيم حتى يقع على النقطة المقابلة تماماً للفتحة التي اخترقها، أي يكون مسار الضوء المستقيم موازياً لأرض الغرفة. ولكن، إذا كانت الغرفة متسارعة، فإن مسار الضوء لا يكون مستقيماً، وإنما منحنيا، كما إنه لا يقع على النقطة المقابلة، وإنما على نقطة أخرى دون النقطة المقابلة، تماماً كما هو الحال مع مسار قذيفة تطلق من سطح عمارة على سطح الأرض. ذلك أن المشاهد الجالس على أرض الغرفة المتسارعة يصعد بسرعة متزايدة صوب الشعاع، فيبدو له الشعاع على شكل منحنى إلى أسفل، أي يبدو منحرفاً إلى أسفل. وإذا طبقنا الآن مبدأ التكافؤ على هذا الوضع، خلصنا إلى نتيجة مفادها أن الظاهرة نفسها ينبغي أن تحدث في الغرفة المثبتة على سطح الأرض بفعل الجاذبية الأرضية. وهذا يعني أن الجاذبية الأرضية تجذب الشعاع الضوئي وتحنيه صوب الأرض. واستنتج آينشتاين من ذلك أن المجال الجاذبي لا يؤثر على الأجسام المادية حسب، وإنما يؤثر أيضاً على الأشعة الضوئية فيجذبها ويحنيها، وذلك خلافاً لما تتوقعه نظرية نيوتن في الجاذبية. وبالطبع، فإن الانحناء الذي ينجم عن الجاذبية الأرضية أصغر من أن يقاس. لذلك، إذا أردنا التحقق من هذه النتيجة، فعلينا أن نقيس أثر مجال جاذبي كبير نسبيا، كمجال جاذبية الشمس. وبالفعل، فقد كانت أول تجربة أجريت في هذا المضمار تلك التي أجراها فريق بريطاني بقيادة الفلكي الإنجليزي المعروف، السير آرثر إدنغتون، عام 1919، أي بعد أربع سنوات من وضع نظرية النسبية العامة، على انحراف أشعة الضوء قرب سطح الشمس. إذ استغنم هذا الفريق فرصة كسوف شمسي كامل في أميركا الجنوبية آنذاك لقياس زاوية انحراف شعاع ضوئي، قادم من نجم معروف الموضع، ويمر قرب سطح الشمس. وقد تبين بالفعل أن زاوية الانحراف مماثلة تماماً للقيمة المتوقعة على أساس نظرية النسبية العامة المكتملة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القيمة المتوقعة على أساس مبدأ التكافؤ تساوي نصف القيمة المتوقعة على أساس نظرية النسبية العامة المكتملة. بذلك، فإن نتيجة التجربة المذكورة جاءت مؤيدة للأخيرة، لا لمبدأ التكافؤ. لكن آينشتاين كان يعلم أن مبدأ التكافؤ هو مبدأ تقريبي، وأن أهميته تكمن في كونه مرشداً ومفتاحاً لنظرية النسبية العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر تستعد لإعادة إحياء نشاط صناعة الهواتف الذكية بعد توق


.. أبو عبيدة: فاتورة الدماء التي دفعها شعبنا لن يكون مقابلها سو




.. صور الأقمار الاصطناعية تظهر إقامة عشرات الخيام الجديدة في جن


.. باستخدام الذكاء الاصطناعي.. تقنية جديدة الحمض النووي قد تجنب




.. لماذا شدّد القضاء عقوبة مدوّن مغربي في قضية -إسكوبار الصحراء