الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضل إنتعاش المقاومة على الثورات العربية

فتحي الحبوبي

2012 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


على مدى سنوات طويلة شنف العرب" المعتدلون"، المنبطحون، آذاننا بسمفونية "السلام خيار إستراتيجي للعرب" فيما لم يكن خيارهم سوى إستسلام مهين ونفض لأيديهم القذرة -كما عنون بذلك " جون بول سارتر" أحد كتبه- عن قضية فلسطين. وقد أطربونا بطرب يصم الآذان بمعزوفة "عبثية المقاومة" التي روجوا لها حتى بحت حناجرهم .ولم تغب السلطة الفلسطينية المنصبة برام الله عن هذه الجوقة، بل أخذت مكانا بارزا ضمنها. وكانوا جميعا يدعون إلى ضرورة الإنخراط في جوقة عرابي السلام ، والإصطفاف صفا واحدا وراءها، لا بل وبضرورة "مقاومة" المقاومة –إستعارة من محمود درويش في قصيدته" حاصر حصارك"- ومحاربتها بكل السبل المتاحة وغير المتاحة أيضا ،علاوة على تحقيرها صباح مساء "ويوم الأحد"، وذلك تضمينا من قصيدة "أحب البلاد " للشاعر أولاد أحمد، إن في وسائل الإعلام المختلفة أو في كل المهرجانات الخطابية وغيرها من اللقاءات السياسية الكثيرة التي ليس أقلها مؤتمر القمة العربية في نسخها الركيكة المتجددة التي لا تميزها سوى ملاسنات الرؤساء والملوك وليس القرارات الجريئة التي تخدم المواطن العربي أينما كان.
إلا أنه، وبعد الإنتصار المبين التي حققته المقاومة الإسلامية في صدها للعدوان الهمجي الفاشي لبني صهيون في محرقة غزة الفضيعة ، بفضل صمودها الأسطوري والخرافي أيضا أمام عملية الرصاص المسكوب التي خطط لها ونفذها العدو الصهيوني بوحشية لا توصف . وللذين ما زالوا يشككون فإني أذكرهم فقط أن الصمود في حد ذاته يعد إنتصارا، وليتذكروا-من باب المقارنة فحسب- انهيار الجيوش العربية سنة 1967 في ستة أيام، وانهيار الجيش العراقي القوي،سنة 2003 في واحد وعشرين يوما والأمثلة كثيرة.
اليوم يبرز جليا، بما لا يدع مجالا للشك، أن حماس لم تسجل إنتصارا على إسرئيل وحسب، بل وكذلك على السلطة في رام الله، ثم- وهو الأهم- على خط الإستسلام الذي تزعمته مصر والسعودية قبل إنتصار ثورة 25 جانفي 2011. وهذه هي الصفعة المذلة الثانية، بعد صفعة الإذلال الأولى في حرب لبنان2006 ، التي يتلقاها عرابوا هذا النهج الإستسلامي الذي كثيرا ما صوروا الكيان الصهيوني كبعبع قد تخرجه المقاومة بصواريخها العبثية من قمقمه فيفتك في الأرض ويصول ويجول صولات وجولات ولا يستطيع أن يقف أمامه أحد؛مما يضعف،حسب زعمهم، الموقف العربي -الضعيف أصلا- في المفاوضات الماراطونية التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، و لكنها لا تثمر أية نتائج على أرض الواقع. وهي مفاوضات لا يمكن وصفها اليوم إلا بكونها عبثية بامتياز وقريبة جدا من العبثية التي صورها Albert Camus في أثره "الغريب" . أما الصواريخ التي تطلقها حماس على سديروت وغيرها من المدن الإسرائيلية فإنها أثبتت جدواها، بإنجازها النوعي الذي حققته في حرب غزة الصمود والعزة، بإمكانات اقل من القليلة بالنظر إلى عدد العدة أو نوعيتها. فهل بعد هذا، يمكن لكل ذي عقل مدرك وقلب بصير وعينين مبصرتين أن يصدق ما يروج عن وهم حماس وعبثية مشروعها وكذا صواريخها البدائية ؟ بعد أن أقضت مضجع العدو وبإعترافه هو، لا بغيره، من المستكرشين المتعاونين مع العدو من أجل حفنة دولارات ، البائعين لضمائرهم للشيطان، المتاجرين دوما بالقضية الفلسطينية و بدماء إخوانهم من المدنيين العزل ؛ أطفالا وشيوخا ونساء، المفرطين في الحقوق الأساسية لشعب فلسطين الذي خذلته الأنظمة العربية منذ نكبة 1948مرورا بنكسة1967 ومؤتمر مدريد و مفاوضات أوسلو ثم حرب غزة2008، التي نعيش اليوم على ذكراها الأليمة والسعيدة في آن. لأن حرب غزة ومن قبلها حرب لبنان، شكلت إرهاصات حقيقية، بمعية إنتفاضة الحوض المنجمي في تونس، للثورات العربية الراهنة التي يصفها الغرب بالربيع العربي، الذي أملنا أن لا يتحول إلى خريف عربي كما توحي به بعض المؤشرات الواردة من مصر وثورتها المتعثرة وليبيا وفوضى السلاح وعدم انضباط الثوار واليمن وأنصاف الحلول وسوريا وتواصل المجزرة الأسدية.ليس هذا فقط، بل إن الأوضاع الاقتصادية التونسية المتدهورة جدا، هي الأخرى مؤشر إضافي على إمكانية تحول الربيع السياسي العربي إلى خريف إقتصادي يثقل كاهل المواطن العربي المنهك أصلا بفعل الإبتزاز و النهب الممنهج الذي مارسه عليه حكامه منذ بدايات استقلال الوطن العربي إلى هروب الطاغية بن علي. لا بل وربما إلى اليوم.
فتحي الحبوبي/مهندس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على