الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كيف نلغي الجاذبية
هشام غصيب
2012 / 1 / 4الطب , والعلوم
اتخذ آينشتاين من تساوي الكتلة الجاذبية مع الكتلة القصورية منطلقاً لما يسمى مبدأ التكافؤ. ونعني بمبدأ التكافؤ تكافؤ القوى القصورية، الناتجة عن تسارع مرجع الإسناد الذي نجري منه قياساتنا بالنسبة إلى مادة الكون، تماماً مع قوة الجاذبية. فهذا التكافؤ هو أساس هذا التساوي المذهل والمحير بين الكتلة الجاذبية والكتلة القصورية. لكن هذا التساوي ليس المظهر الوحيد لهذا التكافؤ. فهو تكافؤ شامل كامل يغطي جميع الظاهرات الممكنة، بما في ذلك الظاهرات الكهرمغناطيسية. وقد استعمل آينشتاين هذا المبدأ، بالمعنى المطروح أعلاه، مفتاحاً لحلّ لغز المجال الجاذبي، أي لمعرفة الطبيعة الجوهرية لهذا المجال ممثلة بمنظومة المعادلات المجالية التي تحكمه. ولكن، وقبل الولوج في هذا المسألة، فلنشرح بمزيد من التفصيل العلاقة بين مبدأ التكافؤ ومبدأ النسبية العامة الآنف ذكره.
لنفترض أن هناك غرفة مغلقة في بقعة في الكون بعيدة عن التجمعات الكثيفة للمادة (المجرات). ولنفترض أن هذه الغرفة تسير بسرعة ثابتة في خط مستقيم بالنسبة إلى مادة الكون. إن هذه الغرفة تشكل مرجع إسناد قصوريا، وفيه ينطبق تماماً قانون نيوتن الأول في الحركة، الذي ينص على أنه إذا كان مجموع القوى محددة المصادر المؤثرة عليه يساوي صفراً، فإما أن يكون الجسم ساكناً وإما أن يتحرك بسرعة ثابتة في خط مستقيم.
ولنفترض أن هناك عشرة أجسام ساكنة متنوعة الكتل تقع ما بين “أرض” الغرفة “وسقفها”. والآن، إذا بدأت الأجسام العشرة تتحرك بالتسارع ذاته صوب أرض الغرفة، فان المشاهد في داخل الغرفة يمكن أن يعزو هذه الحركة إلى أي من السببين الآتيين: فإما أن تكون الغرفة قد بدأت تتسارع بالنسبة إلى مادة الكون صوب السقف، وإما أن تكون قد تعرّضت إلى مجال جاذبي يجعل أجسام الغرفة تسقط صوب أرض الغرفة. ولما كانت الكتلة القصورية مساوية للكتلة الجاذبية، فلا سبيل إلى التمييز بين هذين التفسيرين. فالتسارع في هذه الحال مكافىء كليا لمجال جاذبي. فلا وسيلة من أي نوع (ميكانيكي، حراري، كهربائي، ضوئي، مغناطيسي) يمكن أن تكشف عن الفرق. إن الجاذبية مكافئة تماماً للتسارع. وهذا يؤكد ما ذهب إليه ماخ وآينشتاين من أن القوى القصورية وقوى الجاذبية تنتمي جميعا إلى المجال الجاذبي ذاته، أي إن القوة القصورية وقوة الجاذبية هما من طينة واحدة ويمكن أن تتحول الواحدة منهما إلى الأخرى بتغيير مرجع الإسناد. فلدينا مجال واحد يظهر بمظاهر مختلفة. كذلك، فإن مبدأ التكافؤ يؤكد على أن مراجع الإسناد جميعاً مكافئة لبعضها من حيث صلاحيتها لبيان قوانين الطبيعة. فليس هناك فرق جوهري بين مرجع إسناد قصوري وآخر يتسارع بالنسبة إليه، حيث إن تسارع الثاني يمكن أن “يزال” باعتباره مجالاً جاذبيا يؤثر على الأجسام. وعليه، فإن مبدأ التكافؤ يقود في الواقع إلى مبدأ النسبية العامة من جهة، ويوحد بين القوى القصورية وقوة الجاذبية في مجال واحد موحّد من جهة أخرى. لكنه يدعو أيضاً إلى بناء نظرية جديدة في الجاذبية تتخطى نظرية نيوتن في الجاذبية، حيث إنه يشير إلى إمكانية وجود مجالات جاذبية لا تطيع قانون نيوتن في الجاذبية.
ويمكن إلقاء مزيد من الضوء على هذه النقطة بتصور الغرفة المذكورة أعلاه تسقط سقوطاً حرّاً في مجال جاذبي لكوكب أو نجم من دون إعاقة لحركتها. عندها سيجد المشاهد الجالس في داخل الغرفة أن قانون نيوتن الأول المذكور آنفاً ينطبق كليا، تماماً كما هو الحال مع مراجع الإسناد القصورية البعيدة عن التجمعات الكثيفة للمادة. وبصورة خاصة، فإن الأجسام العشرة المذكورة أعلاه تظل معلقة في حالة السكون بين أرض الغرفة وسقفها. من ثم، فإنه يمكن اعتبار الغرفة مرجع إسناد قصوريا، مع أنها تتسارع بالنسبة إلى مراجع الإسناد القصورية البعيدة عن المجرّات. وهذا يؤكد مرة أخرى مبدأ النسبية العامة، أي تكافؤ مراجع الإسناد جميعاً معاً وعدم مشروعية التمييز بين مراجع الإسناد القصورية والأخرى المتسارعة، ومن ثم انعدام الحاجة إلى مكان مطلق.
والحق أنه يمكن النظر إلى مسألة المكان المطلق من منظور آخر كالآتي: لئن اعتقد نيوتن أن القوى القصورية تعود إلى تسارع مراجع الإسناد بالنسبة إلى المكان المطلق، فلا بدّ أن يكون هذا المكان، القادر على التأثير على المادة بهذه الصورة الجلية، كياناً ماديا أو مجالاً من نوع ما. ولكن، إذا كان كذلك، فلا بدّ أن تؤثر المادة عليه، مثلما يؤثر هو عليها. فلا بدّ أن يكون التأثير متبادلاً. فلئن حدد المكان الكيفية الحركية لسلوك المادة، فلا بدّ أن تحدد المادة طبيعة المكان. ولكن، كيف تحدد المادة طبيعة المكان؟ هذا ما أجاب عنه آينشتاين في نظرية النسبية العامة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الجاذبية
جمشيد ابراهيم
(
2012 / 1 / 4 - 07:20
)
الاخ هشام
اليست الجاذبية وفق اينشتاين انحناء في المكان طبقا لكتلة او ثقل الجسم فقط؟ هل هذا يعني ليست هناك قوة تسمى الجاذبية ماعدا الانحناء التي تسببه و الاجسام الصغيرة التي تقع في الانحناء لا تجتذب بل تدور بسبب الانحناء و هذا يعني لا توجد هناك جاذبية و ان هذا المصلح لخطأ و ان نيوتن كان على خطأ لانه لم يفهم الجاذبية
هل للجاذبية معاني اخرى مثل الكهرومغناطيسي؟
ارجو منك اعطاء المصطلحات الانجليزية الى جانب العربية لان عبارات مثل الكتلة القصورية غير واضحة
شكرا على مقالاتك المهمة
تحياتي
2 - رد على الأستاذ جمشيد
هشام غصيب
(
2012 / 1 / 4 - 08:31
)
وفق آينشتاين، فإن الجاذبية هي في جوهرها انحناء في الزمكان، وليس في المكان وحده. وفيما عزا نيوتن الجاذبية إلى التفاعل اللحظي عن بعد بين الأجسام المادية، فقد عزاها آينشتاين إلى التفاعل بين الأجسام المادية والزمكان، الذي عده آينشتاين مجالا متصلا. وهذا لا يعني أن نظرية نيوتن خاطئة. فهي صحيحة ضمن حدود معينة تحددها نظرية آينشتاين. وقد سبق أن حققت إنجازات مذهلة بحق، وما زلنا نستعملها في كثير من التطبيقات. لكنها تخفق خارج هذه الحدود، وبخاصة في حالة المجالات الجاذبية الشديدة جدا وعند السرع القريبة من سرعة الضوء. أما فيما يتعلق بالمجال الكهرمغناطيسي، فهو يختلف كيفيا عن المجال الجاذبي. وقد حاول آينشتاين وفايل وكالوتزا وغيرهم التوحيد بين المجالين، لكن محاولاتهم لم تكن مرضية تماما. وما زالت المحاولات مستمرة في هذا الصدد. والتعبير الإنغليزي للكتلة القصورية هو
Inertial Mass
وشكرا.
3 - الجاذبية والانحناء في الزمكان
محمد عبد الكريم
(
2012 / 1 / 28 - 08:00
)
أستاذ هشام،
قولك: -فإن الجاذبية هي في جوهرها انحناء في الزمكان- هي معناه أنَّ الانحناء المذكور هو سبب انجذاب الجسم (أ) إلى (ب) مثلاً؟
أو هو عين الحركة الانجذابيَّة؟ فيكون مصداق الانحناء الزمكانيِّ هو الانجذاب؟
شكراً
.. وفاة الطفل محمد النجار في مشفى كمال عدوان بسبب سوء التغذية و
.. رضع فلسطينيون يعانون من سوء التغذية في غزة
.. استمعوا إلى أول تصريح عام للملك تشارلز منذ تشخيص إصابة كيت ب
.. إذاعة فرنسا الدولية ووزارة الجيوش الفرنسية: أهداف لحملة تضلي
.. مصادر طبية: وفاة طفل في مستشفى كمال عدوان بسبب سوء التغذية