الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين هروب محمود درويش وهروب القادة العرب المهزومين

فتحي الحبوبي

2012 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


بين هروب محمود درويش وهروب القادة العرب الطراطير


يا فلسطين لا تنادي قريشاً
فقريش ماتت بها الخيلاء
لا تنادي الرجال من عبد شمس
لا تنادي.. لم يبق إلا النساءُ
"نزار قباني"

في أواخر السبعينات، وعندما فرغ شاعر المقاومة الفلسطينية، الراحل محمود درويش، من إلقاء رائعته الجديدة آنذاك قصيدة "سجل أنا عربي" ، بأحد الفضاءات الثقافية العربية، وهم بالإنصراف، طلبت منه الجماهير الغفيرة الحاضرة بإلحاح-وكنت من بينها- إعادة قراءة القصيدة ثانية؛ ولما كان مستعجلا، فقد تنصل من ذلك بذكاء ورهافة حس الشاعر وديبلوماسية المثقف، وقال ضاحكا للحضور "سجل أنا هارب". فكان هروبه مشرفا على غير هروب سارقي الشعوب وناهبيها من الذين يضفون على أنفسهم- تجاوزا- ألقابا تشريفاتية رنانة، لا تليق بشخوصهم الكريهة، من قبيل الرؤساء والملوك والأمراء والسلاطين.
فهذا المخلوع الأول، زين العابدين بن علي، الذي لم يكن يوما زينا على تونس، بل كان شؤما ووبالا،على كل الأصعدة، عليها وعلى أبنائها، خاصة من الجيل الصاعد، سجل هروبا مهينا لا يليق إلا بسارق محترف ضبط في حالة تلبس. وهو اليوم يعيش لاجئا في السعودية وخلفه مئات القضايا المرفوعة عليه ويحاكم غيابيا من أجلها.
وهذا المخلوع الثاني، مبارك -الذي لم يكن يوما مباركا، لا على مصر ولا على القضية الفلسطينية ولا على العرب عموما- سجل هروبا أو انسحابا مذلا من الحياة السياسية أكره عليه إكراها، بعد تلكؤ ومراوغات عديدة، لم تفده في شيء. وهو اليوم يحاكم على فترة حكمه الفاسد، وهو محتقر وممدد على سرير، استدرارا للشفقة عليه. ولكن لا أحد يتعاطف معه.
وهذا عبد الله صالح، الذي لم يكن يوما صالحا لبلاده اليمن، بل حارب الجنوبيين والحوثيين معا، وبلغ باليمن درجة من البؤس شديدة، سجل هروبا إلى السعودية، وهو شبه محروق بالكامل ومشوه، في صورة تبعث على الغثيان وتثير الشفقة عليه، وهو الذي لا يستحقها بالمرة. ثم سجل عودة إلى بلاده متسللا مع وجوه الفجر، تماما كاللص المتخفي بقناع، حتى لا يكشفه أحد من معارضيه المسلحين من قبيلة الشيخ الأحمر الحاشدي. وها هو اليوم يعامل بازدراء من حليفته أمريكا التي فرضت عليه شروطا لقبوله للعلاج بمصحاتها، لانها تعلم جيدا أن صلوحيته قد إنتهت.
وهذا القذافي، الذي أعاد ليبيا إلى ما يشبه بلدان القرون الوسطى، واستأثر بثروة بلاده لنفسه ولأبنائه الكثر سجل هروبا من طرابلس، تماما كجرذ صغير يتخفى بالبالوعات الكبيرة، ولم يترك الحكم إلا وهو مقتول بفضاعة تحاكي فضاعاته مع معارضيه الذين أبادهم دون رحمة ولا شفقة، ودون حسيب ولا رقيب. لانه ببساطة، لم يكن يحكم دولة، بل كان رئيس عصابة إقطاعية، ادعى أنها جماهيرية عظمى. وهي قطعا كذلك في الفساد والفوضى فحسب.
كان محمود درويش قد سجل هروبه المشرف في الثلث الأخير من القرن الماضي، زمن العزة والشموخ، زمن قطعت فيه السعودية نفطها عن الغرب، أما اليوم، في زمن الرداءة السياسية، زمن عز فيه الرجال في العالم العربي، فإن بعض دول ما يسمى تجازوا بدول المواجهة، تسجل موقفا بالهروب إلى الأمام من التزاماتها القومية دون ديبلوماسية وبشكل مفضوح ووقح، لا ينم عن حس وطني ولا على وعي وإدراك جيد لصعوبة المرحلة الراهنة ولا يعبر عن ضمير إنساني ولا عن تعاطف مع القضايا العربية الملتهبة والمصيرية التي لا يفيد معها "تسجيل" الهروب، بل لا يفيدها سوى تسجيل الحضور الفاعل والقوي على الساحة الدولية بمواقف جريئة ومشرفة، تحسب لأصحابها ويسجلها لهم التاريخ وتعود بالنفع على أوطانهم.
وهو ما قام ويقوم به، دوما، قادة البلدان الغربية عموما. ولعلنا ما زلنا نتذكر بإعجاب، الملاسنة التي جدت أثناء فعاليات منتدى دافوس الدولي، بين الثعلب السياسي المخضرم، الصهيوني شيمون بيريز رئيس الكيان الإسرائيلي، والقائد الوطني المحنك رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، الملتزم أخلاقيا بالدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية والعربية، الذي انتصر لخيار المقاومة ولحماس أثناء محرقة غزة2008/2009 . وهو خيار لا تنتهجه مصر الرسمية قبل الثورة، المهرولة واللاهثة دوما وراء وساطات لمحادثات السلام الهلامية، التي لم تثمر شيئا لفائدة الفلسطينيين منذ مؤتمر 1989 إلى اليوم وإلى المستقبل المنظور وغير المنظور أيضا. تلك الملاسنة التي عقبها الموقف النبيل والشجاع الذي عبّر عنه أردوغان، إن بالقول، بعبارات دقيقة نافذة إلى الصميم، أو بالانسحاب ومغادرة المكان.
لذلك، فإني أقر اليوم، ونحن نعيش الحراك الشعبي العربي الهادر، في غياب الزعامات العربية التقليدية، أنّي لم أعد أميّز بجلاء من هو الأجدر والأحق بقيادة الأمة العربية؟ أهو الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز أم الوزير الأول التركي رجب طيب أردوغان؟! وكلاهما غير عربي ولكنه مستعرب يحمل هموم الأمة العربية أكثر من العرب ذاتهم.
ولو لا أن الجامعة العربية لم يعد لها أي وزن سياسي فعلي، باعتبارها أفرغت من محتواها وأضحت هيكلا دون روح مثلها مثل منظمة التحرير الفلسطينية واتفاقية الدفاع العربي المشترك، لاقترحت أن تتحصل تركيا على عضوية الجامعة العربية شأنها في ذلك شأن فنزويلا.
لقد كان موقف رجب طيب أردوغان في منتدى دافوس، موقفا سياسيا جريئا، قويا ومدويا بل وشجاعا ورائعا بكل معاني الروعة، ونبيلا بكل معاني النبل، خاليا من كل الحسابات الآنية منها والمستقبلية. لذلك لقي تأييدا واسعا في الشارعين التركي والعربي وهتفوا له "تركيا معك" و"تركيا فخورة بك"، حتى قال أحد الأتراك "في دافوس شاهد العالم ما لم يحدث لسنوات، لقد شاهدوا قوة الأتراك وأظهر "تصرف أردوغان" أن لنا مكاننا في أوروبا وفي العالم".
فيا ليتنا نعتبر برجب طيب أردوغان، وتصدر عنا، أحيانا، مواقف مشرفة، تظهرنا أقوياء أمام العالم، ليقرأ لنا حساب، وأي حساب، في معاملاته معنا، ولا يصدر الأوامر-كما هو الحال اليوم- لرؤسائنا وملوكنا الطراطير، الخصيان، لمجرد التنفيذ العاجل مع المراقبة عبر البعثات الديبلوماسية المنتشرة كالسرطان في كامل أرجاء الوطن العربي من الماء إلى الماء.
لعلها أمنية عزيزة التحقق، على أيدي القادة العرب، العملاء، الضعفاء بالنتيجة، ولكنها ليست كذلك على الشعوب العربية التي علمت شعوب العالم كيف تجبر القادة على الهروب المذل والإرتماء، تلقائيا وعن جدارة، في مزبلة التاريخ التي هي مكانهم الطبيعي لو لم يستولوا على مقاليد الحكم في غفلة من الزمن.
فتحي الحبوبي/مهندس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة