الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحيفة الغائبة

محمود جلال خليل

2012 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كانت المدينة وقت ان هاجر اليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشهد تنوعا فريدا من الطوائف والقبائل , منها المسلمون الذين ينقسمون الى مهاجرين وانصار ومنها اليهود الذين ينقسمون ايضا الى قبائل , وهناك المشركون والكفار والمجوس وغيرهم , وهذا الامر تحديدا اوجد حالة من التسامح العقائدي لدى سكان المدينة جعلهم اكثر استعدادا من سائر سكان الجزيرة العربية لاستقبال دين جديد لديه كتاب وآيات متقنة ويتصف رسوله بالامانة والفداء ويتحلى بمكارم الاخلاق , فكان اول عمل قام به رسول الله (ص) فور هجرته الى المدينة ان وضع دستورا يهدف بالأساس إلى تنظيم العلاقة بين افراد المجتمع الجديد عُرف هذا الدستور باسماء عديدة منها العهد والميثاق أو ( الصحيفة ) والتي بينت معالم الدولة الإسلامية الجديدة‏ القائمة على كتاب الله وسنة رسوله (ص) والاحكام الاسلامية التي بدات تأخذ شكل تكاليف وحقوق واجبات يخضع لها الافراد الذين ينتمون لهذه الدولة الوليدة , دون تفريق بينهم في الدين أوالعرق أوالجنس‏ أواللون , فأكدت في بنودها على اصل سيادة القانون وأن أطراف الوثيقة عليهم النصر والعون والنصح والتناصح والبر من دون الإثم , وأن الدفاع عن حدود هذه الدولة مسئولية الجميع‏ , وأوضحت ملامح المعاملات التي تحكم علاقة الافراد ببعضهم البعض من جهة وبينهم وبين الدولة ومؤسساتها من جهة أخرى , ورسخت مبدأ العدل والمساواة والحرية والتعاون والتعايش السلمي بين بين أطرافها وهو ما يعرف اليوم باسم المواطنة .
الا انه ‏بعد وفاة رسول الله (ص) غابت هذه الصحيفة عن واقع المسلمين منذ اليوم الاول وعاد حكم الفرد ليحكم بما يراه هو لا بما تمليه عليه الشريعة وتلزمه به , فمثلا عندما ارسلت السيدة فاطمة الزهراء الى أبي بكر تسأله ميراثها من أبيها (ص) قال لها أبو بكر ان رسول الله قال " لا نورث ما تركناه صدقة " واستأثر لبيت المال بكل ما تركه النبي صلى الله عليه وآله , فعارضته السيدة فاطمة وخرجت الى المسجد وهو غاص بالمصلين رافضة حكمه واحتدت عليه وكان مما أدلت به يومئذ ان قالت " أعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) وقال فيما أقتص من خبر زكريا : ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) واحتجت ثانيا : على استحقاقها الإرث من أبيها صلى الله عليه وآله بعموم آيات المواريث وعموم آية الوصية ، منكرة عليهم تخصيص العمومات بلا مخصص شرعي من كتاب أو سنة , فهجرت ابي بكر ولم تكلمه ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا - بوصية منها ولم يؤذن بها أبا بكر.
كذلك كانت قد طلبت من الخليفة حقها في فدك وقد كانت عطاء من ابيها (ص) لها في حياته وهذا ما دعته الزهراء بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وأوقفت في سبيله موقف المحاكمة , لكن الخليفة قال لها : لا أعرف صحة قولك فلا يجوز أن أحكم لك ، فشهدت لها أم أيمن وزوجها الامام علي فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن , فمنعها حقها في فدك , رغم انه كان له ان يستحلفها بدلا عن الشاهد الثاني ، فان حلفت وإلا رد دعواها ، ولكنه رد دعواها رافضا شهادة الامام علي وأم أيمن مع ما لهما من المنزلة والمكانة التي يفترض معها ان يقعا في الكذب او ان يدعيا ما ليس لهما بحق , بل حتى وان غاب هذا كله عن ذهن الخليفة فكان يحق له ان يسلمها فدكا من غير محاكمة فان للإمام أن يفعل ذلك بولايته العامة وهذا ما قد تمناه لأبي بكر كثير من علماء وفقهاء المسلمين , يقول الأستاذ محمود أبو رية : إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي ، وأنه قد ثبت أن النبي صلي الله عليه وآله قد قال : " انه لا يورث " وانه لا تخصيص في عموم هذا الخبر ، فان أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها صلي الله عليه وآله كان يخصها بفدك ، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد ، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما شاء . قال : وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي , علي ان فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان .
كذلك قتال المتريثين في دفع الزكاة لرسول أبي بكر اليهم لارتيابهم في ولايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا في افتراضها عليهم ، فلم يكن منهم من يفرق بين الصلاة والزكاة في شئ ، وإنما كانوا متريثين في النزول على حكمه في الزكاة وغيرها ، إذ لم تكن نيابته عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحكم حينئذ ثابتة لديهم حيث اختلف المهاجرون والأنصار في أمر الخلافة ، فكان كل منهما على رأيين وربما كان الأنصار على ثلاثة آراء , فأهل البيت وبني هاشم وأولياؤهم كانوا فيها على رأى وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم وأتباعهم على رأي آخر , وكذلك الأنصار على رأي ثالث حيث رفض نقيبهم سعد بن عبادة البيعة واعتزلهم وهو يحلف بالله انه لو وجد أعوانا عليهم لقاتلهم , فكان من الطبيعي يومئذ أن يقع الريب في صحة البيعة وانعقاد الإجماع عليها والحال هذه بل كان الحال ابانئذ أفظع مما ذكرناه وأدعى إلى الارتياب والاضطراب , كما ان ما ذكره أبو بكر من كون الزكاة حق المال فليس من التخصيص والتقييد في شئ إذ لا يستفاد منه أكثر من وجوبها على المكلفين بها ، وان لولي الأمر القائم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطالبهم بها ويأخذها منهم فان امتنعوا عن دفعها إليه طائعين أخذها منهم مرغمين بقوته القاهرة لهم مجردة عن القتال , لكن خالد وجنده لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل واستولوا على أسلحتهم وشدوا وثاقهم وساقوهم أسرى إلى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم ، وكانت كما نص عليه أهل الأخبار ( واللفظ للأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية خالد ) من أشهر نساء العرب بالجمال ، ولا سيما جمال العينين والساقين قال : يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها . ففتنت خالدا وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي إلى جنبه ، فكان مما قاله خالد : اني قاتلك . قال له مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ؟ ( يعني أبا بكر ) . قال : والله لأقتلك . وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين ، فكلما خالدا في أمره ، فكره كلامهما . فقال مالك : يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا ، وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة على خالد بأن يبعثهم إلى الخليفة فأبى عليهما ذلك , . وقال : لا أقالني الله ان لم أقتله . وتقدم إلى ضرار بن الازور الأسدي بضرب عنقه . فالتفت مالك إلى زوجته ، وقال لخالد : هذه التي قتلتني , فقال له خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام , فقال له مالك : إني على الإسلام . فقال خالد : يا ضرار اضرب عنقه , فضرب عنقه وقبض خالد على زوجته فبنى بها في تلك الليلة , فغضب أبو قتادة الأنصاري فتركه منصرفا إلى المدينة مقسما أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد ، وقص ماحدث على ابي بكر وعمر , فطلب عمر من ابي بكر ان يعزل خالد وقال له ان سيف خالد رهقا , فرفض ابو بكر وقال له : ما كنت لاشيم سيفا سله الله على المشركين , لكن عندما أقبل خالد من الميدان إلى المدينة ودخل المسجد في عدة الحرب وقد غرز في عمامته أسهما , قام إليه عمر إذ رآه يخطو في المسجد ، فنزع الأسهم من رأسه وحطمها وهو يقول : قتلت امرؤا مسلما ثم نزوت على امرأته ، والله لارجمنك بالاحجار , وأمسك خالد فلم يعتذر ودخل على أبي بكر فقص عليه قصة مالك وتردده ، وجعل يلتمس المعاذير فعذره أبو بكر وتجاوز عما كان منه في الحرب ، لكنه عنفه على الزواج من امرأة لم يجف دم زوجها ، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وترى الاتصال بهن عارا أي عار , هذا ان لم يكن الإسلام يحرم نكاح المتوفي عنها زوجها حتى تعتد فان نكحت وبنى بها الناكح وهي في العدة حرمت عليه مؤبدا ، ولو فرضنا ان خالدا اعتبرها سبية ، فالسبية لا يحل وطؤها إلا بعد الاستبراء الشرعي ، ولا استبراء هنا وانما قتل زوجها ووطئها في تلك الحال , ومن المهم ان نذكر ان عمر لم يتزحزح عن رأيه فيما صنع خالد ، فلما توفي أبو بكر وبويع عمر خليفة له ، كان أول ما صنع أن أرسل إلى الشام ينعي أبا بكر ، وبعث مع البريد الذي حمل النعي رسالة يعزل بها خالدا عن امارة الجيش .
هذا مثالان بسيطان عن شكل الحكم وكيفيته بعد وفاة رسول الله (ص) كيف كان الفرد هو الحاكم وليس القانون او الدستور أو حتى الكتاب والسنة النبوية الشريفة , فهذه بنت رسول الله (ص) تُمنع حقها من ابيها وارثها الذي كفلته له الشريعة بنص الكتاب والسنة ولا يلتفت لشهادتها ولا لشهادة زوجها , كذلك باسم الدين والعمل بما فرضه الله واقامة الحدود يتهم المسلم بالكفر ويقتل وتسبى امراته ويبنى بها في الحال دون وازع من دين ولا نخوة ولا مروءة , ليس هذا فحسب بل انه عندما يوجد من يذكره بحق الله وحق رسوله (ص) وحق المسلم على المسلم وما أمر به الله تعالى يرفض ويستكبر ويملي رأيه وارادته على من حوله وحسب ما يمليه عليه هواه , كان هذا من خالد بن الوليد لما نصحه ابوقتاده وابن عمر الا يقتل مالكا ويأخذه الى ابي بكر ليفصل في أمره , وكان ايضا من أبي بكر لما نصحه ابن الخطاب ان يعزل خالد عن القيادة ويقيم عليه حد الله , وهذا لم يكن لشئ الا لان ابي بكر كان خليفة للمسلمين وكان خالد أميرا له ولهما حق السمع والطاعة على من تحت أيديهما
كذلك ما كان من الخليفة الثالث الذي كان وصولا لأرحامه ولوعا بحبهم وإيثارهم ، حتى لم تأخذه في سبيلهم ملامة اللائمين ، ولا ثوراث الثائرين ، وقد استباح في صلتهم مخالفات كثيرة من أدلة الكتاب الحكيم ، والسنن المقدسة ، والسيرة التي كانت مستمرة من قبله فأوطأ بني أمية رقاب الناس وأولاهم الولايات وأقطعهم القطائع وافتتحت أرمينيا في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن سيره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة ألف درهم , واقطع الحارث بن ابي الحكم أخا مروان موضع سوق بالمدينة يعرف بنهروز , واقطع مروان كذلك فدكا التي كانت طلبتها فاطمة بعد وفاة أبيها (ص) , وحمى المراعي حول المدينة كلها عن مواشي المسلمين كلهم الا عن بني أمية وأعطى عبدالله ابن أبي سرح جميع ما أفاه الله عليه من فتح افريقية ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشرك فيه أحدا من المسلمين وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال
، وقد كان زوجه ابنته أم أبان ، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ووضعها بين يدي عثمان وبكى . فقال عثمان : أتبكي ان وصلت رحمي ! قال : لا ! ولكن أبكي لأني أظنك انك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله والله لو أعطيت مروان مائه درهم لكان كثيرا . فقال عثمان ألق المفاتيح يا ابن أرقم فانا سنجد غيرك.
فكان طبيعيا ان يثور الناس عليه وكان اول من ثار عليه هم اهل مصر بعد ان كثرت محاباته لاقربائه وابناء عمومته كذلك ما كان منه تجاه بعض من صحابة رسول الله (ص) عبد الله بن مسعود ، و أبي ذر ، و عمار بن ياسر , فخرجوا اليه في سبعمائه رجل حتى وصلوا اليه وحاصروه في داره في وجود اهل المدينة ومن بقي من صحابة رسول الله (ص) الذين فاجأهم دخول الثائرين المصريين بهذا الشكل على المدينة في مشهد لم يعتادوا عليه من قبل فطافت خيولهم في طرقات المدينة كأنهم في حالة حرب او غزو واحكموا الحصار عليها طالبين الثار من ابي سرح والي عثمان على مصر وقد قتل رجلا منهم , فكلموا الامام علي في أمره وعرضوا عليه مطالبهم وما فعله والي عثمان بهم وقتله رجلا منهم , فدخل الامام علي على عثمان وقال له انما يسألونك رجلا مكان رجل ويطلبون منك ان تدفع لهم بمروان وهو وزير عثمان والمتصرف الاوحد في امور الدولة وقتئذ , فابى عثمان ان يدفع لهم بمروان , فخرج الامام علي ومن معه من صحابة رسول الله (ص) غاضبين من عنده وابلغوا الثوار رد عثمان فحاصروا المنزل وامهلوا الخليفة اياما الا انه لم يستجب لمطالبهم فكان ما كان , وليس هذا بغريب على اهل مصر الذين عرفوا القانون والدستور ودولة المؤسسات منذ عهد الفراعنة واطلعوا على أمر الديانات والشرائع السماوية ومراد الله تعالى من إرسال الانبياء والمرسلين عليهم السلام جميعا ليس الا ليقيموا الحق والعدل بين الناس والا يقاروا ظالم على ظلمه ولا مجرم على جريمته
استمر الامر على ما هو عليه الحكم للفرد باسم الله او باسم الكتاب والسنة ولو كان هذا الحاكم فاجرا مخمورا قاتلا سفاحا كما كان من ملوك بني امية وبني العباس ومن اظهر معارضة او احتجاج لحكمه او حتى رفض مبايعته والسمع والطاعة له يكون مصيره القتل والذبح والتشريد
كان ايضا من آثار تغييب الصحيفة عن حياة المسلمين بعد وفاة رسول الله (ص) انها نفسها لم يعد لها أثر في الكتب والمراجع الاسلامية التي دونت بعد ذلك في عهد هؤلاء الملوك والقياصرة الجدد اما بأمر وايعاز منهم او اعراضا عنها لما تحمله من موازين للقسط والعدل بين الناس , أو لانها تنفي اي فضيلة او منزلة للحاكم او الراعي على الرعية , لذلك لا يجد الباحث لها اثرا في اي من الكتب المعتمدة والتي تسمى موثقة اللهم الا من اشارة الى انه كان هناك شئ اسمه ( الصحيفة ) تركها رسول الله (ص) عند علي بن ابي طالب , وربما كان هذا هو السبب الاوكد في عدم تدوين الصحيفة بعد ان اعرض الناس عن علي واهل بيته وما تركه عنده رسول الله (ص) من مواريث النبوة , فلم تظهر الا في عهده.
كان من نتيجة تغييب الصحيفة أو الدستور الذي وضعه رسول الله (ص) والذي يمثل من الناحية النظرية والعملية الحكم بما أنزل الله وتحكيم شريعة الاسلام بفقه ورؤية رسول الله (ص) أو ما يمكن ان نطلق عليه ( الاسلام المحمدي ) الذي جاء به الرسول الاكرم (ص) , والذي استبدله الحكام والملوك فيما بعد بدين جديد استنبطه لهم فقهاء السلاطين الذين اصطفوهم من بين الناس وأدنوهم من مجالسهم وأغدقوا عليهم الاموال والعطايا لبراعتهم في تطويع آيات الله وسنة رسول الله (ص) ولي أعناق النصوص لتخدم هؤلاء الحكام وتتمشى مع سياساتهم في السيطرة على بلاد المسلمين ونهب ثرواتها واخضاع رقاب الرعية لهم , ومن ثم افترقت الامة الاسلامية الى فرق وطوائف عديدة لا حصر لها , بعد ان ادعت كل منها العمل بكتاب وسنة رسوله (ص) وأنها وحدها على الحق الذي كان عليه رسول الله (ص) فاختلفوا في دين الله اختلافا شديدا وابتدعوا في شريعته ما لا لم ينزل الله به سلطان , فضربوا كتاب الله بعضه ببعض ورمت كل طائفة أختها بالكفر والضلال , واستمر انقسام هذه الفرق والطوائف بمرور السنوات عليها الى جماعات وكيانات لا يعلم عددها الا الله تعالى , كل منها يدعي أنه المتحدث الشرعي عن الله تعالى او وكيله في الارض , غابت القيم والاخلاقيات الاسلامية الكريمة التي جاء بها خير خلق الله (ص) مع ظهور هذه الجماعات التي عرفت باسم جماعات ( الاسلام السياسي ) , والتي افسدت على الناس حياتهم ومجتمعاتهم وأرقت مضاجعهم خوفا على حاضرهم ومستقبلهم لما رأوه من شطط وتخبط في آرائهم وسلوكياتهم , ونزعة الى التنافر والصدام واستخدام القوة والعنف ضد كل من يعارضهم او يختلف معهم , واستعلاء طائفة على أخرى بدعوى ان جماعتها هي الجماعة الأم أو انها الاعلم بكتاب الله وسنة رسوله (ص) حتى أفتى أحدهم بعدم زواج مسلم من مسلمة من خارج الجماعة
التي ينتمي اليها , كما كان يحدث من اتباع المذاهب الاربعة عندما اختلفوا في حكم تزوج الحنفية بالشافعي فقال احدهم لا يصح لانها تشك في ايمانها , وقال آخر يجوز قياسا على الكتابية , وأعطوا لانفسهم من الحق ما اعطاه الله تعالى لرسوله (ص) واختصه به , فتجد امامهم يأخذ البيعة من اتباعه على السمع والطاعة له وان راى منه ما يكره دون ان يذكر من الذي اعطاه الحق في ان يأخذ البيعة من خلق الله ويرفع نفسه الى منزلة الرسول الخاتم (ص) بل ذهب بعضهم الى القول أن الأخ بين يدي مرشده يجب ان يكون كالميت بين يدي مغسله يقلبه كيف يشاء‏..‏ وليدع الواحد منا رأيه فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه‏ , من اين أتوا بهذا العبث وهذا الانحطاط الذي يجعل من انسان جعل الله له عقلا وقلبا يميز بهما بين الحق والبطل والغث والثمين ويسير بهما بين الناس وبهما يثاب وبهما يعاقب في دنياه وآخرته , فيدع هذا كله ويسلم نفسه لرجل مثله او اقل منه شانا وعلما يسحبه كالدابة او يقلبه بين يديه كجثة هامدة ؟
ان وصول هذه الجماعات الى الحكم والسيطرة على بلاد المسلمين يعني بوضوح عودة الممالك القديمة التي كان الولاة فيها يتوارثون الملك ويوروثونه الى ابنائهم مع العقار والدواب , بل انه ربما ياتي يوم نتندر فيه على هؤلاء الحكام الذين اسقطهم ما يعرف بالربيع العربي ونرى ان رجلا مثل بن علي كان رجلا متواضعا وخلوقا يسمع للعامل والبطال والسياسي لا يقسو على شعبه الا كما يقسو الوالد على ابنه , وان رجلا مثل مبارك كان رجلا دمث الخلق شهما كريما على شعبه وجيرانه ومن حوله , لا حول له ولا قوة وكان يكمل عشاءه نوما , اذا قارناهم بالطغاة الأوّل مثل يزيد بن معاوية الذي قتل سيد شباب اهل الجنة ابن رسول الله (ص) وريحانته الامام الحسين وذبحه واهل بيته ومن معه وسبى نساءه لانه رفض ان يسمع ويطيع له
مثل هذه الجماعات تزعم انها تعمل لاقامة دولة الاسلام الكبرى وعودة الخلافة الراشدة , وأن آخر هذه الأمة لا يصلح الا بما صلح به أولها , نعم هذا صحيح وعليه ان يعودوا الى بداية هذه الامة ليعلموا كيف اقامها رسول الله (ص) وكيف كان يحكمها ويعلم اصحابه واتباعه دائما ان الاحكام لا يمكن ان تصدر الا عن الله تعالى وانها تجري اول ما تجري على الراعي والحاكم قبل ان تسري على الرعية , وان الحكم فيها ليس لفرد كائنا من كان ولا سلطان فيها لراع على رعية ولا حاكم على محكومين وانما يحكمهم جميعا قانون واحد ودستور واحد وهو (الصحيفة ) التي تركها رسول الله (ص) لأمته واتباعه لكيلا يضلوا من بعده ابدا واعتبرها الكثيرون مفخرة من مفاخر الحضارة الاسلامية ومعلما من معالم مجدها السياسي والانساني , إن الاسلام المحمدي الذي جاء خير خلق الله ودولة الحق التي اقامها (ص) قبل رحيله هي دولة المؤسسات والقانون والعدل والمساواة , الذي لافضل فيها لعربي على عجمي ولا عربي على عجمي الا بالتقوى والتي هي الانصياع الكامل والتام للقوانين التي تحكم العلاقة بين الافراد داخل الدولة وبين الافراد والدولة التي ينتمون اليها واخيرا هي الدولة التي يقف فيها راس الدولة وخليفة المسلمين مع اليهودي امام القاضي سواء بسواء يختصمه في درع سرقها منه فيرد القاضي دعوى رئيس الدولة لانه لم يقدم البينة عليها وينصف اليهودي الذي هو كما نطلق عليه اليوم رجل من الاقليات لا يؤمن بهذا الدين ولا برسوله ولا بالذي أرسله ولا الكتاب الذي أنزل.

الاحاديث التي تناولت الصحيفة
في صحيح البخاري عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها ( المدينة حرم ما بين حائر إلى كذا من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل , وقال ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل , ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل) ك صحيح البخاري كتاب :أبواب الجزية والموادعة باب :باب إثم من عاهد ثم غدر وقوله الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون رقم الحديث :3008 الجزء :3 الصفحة 1160, وفي صحيح مسلم عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال خطبنا علي بن أبي طالب فقال من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب ، فيها أسنان الإبل ، وأشياء من الجراحات ، وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبل الله منه ، يوم القيامة ، صرفا ولا عدلا ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه ، يوم القيامة ، صرفا ولا عدلا ) صحيح مسلم كتاب :كتاب العتق باب :باب تحريم تولي العتيق غير مواليه رقم الحديث :3773 الجزء :10 الصفحة :390, انظر مصادر أخرى في الحاشية 11









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل لك ان تطلعنا اين هي الصحيفة الغائبة
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 1 / 9 - 17:01 )
طبعا كل ما ذكرته من احداث فهناك اتفاق عليه ولكن كانت هناك صحيفة لاساس الحكم فهي عارية عن الصحة لان الرسول قال عندما كان على فراش الموت (اؤتوني بدواة وكتف لاكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا) وهذا بحد ذاته يثبت بان ليس هنتك وثيقة لاساس الحكم وكانت وثيقة المدينة هي اتفاق بين اليهود والمسملين والمصالحة بين الاوس والخزرج. لا اعرف الى اي مذهب تنتمي ولكن من لهجة مقالك يتضح بانك شيعي والشيعة يعتقدون بالتنصيب الالاهي ـ ويستندون بذالك الى حديث الغدير ـ للامام علي وبعده ابناءه الاحدا عشر وان ابعادهم كان مخالفة لاوامر الله وما ولاية الفقيه الا امتداد للتنصيب المزعوم. ان نطام الحكم في الاسلام هو نظام وراثي سوى بفرمان الاهي كما يعتقد الشيعة او بالغلبة كما يعتقد السنة باستثناء مدة الخلفاء الاربعة.
اما لا فرق لعربي على عجمي الا بالتقوى فهذا فغير صحيح
الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى والحكم في قريش واللغة العربية لغة الجنة ولا تقبل الصلاة الا بها واالعرب اسياد والمحتلة بلدانهم موالي.
دعنا نتجاهل الصحيفة الغائبة ونعمل بالصحيفة الحاضرة وهي العلمانية وبنتها الديموقراطية وليكن الدين لله والوطن للج


2 - هل لك ان تطلعنا اين هي الصحيفة الغائبة
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 1 / 9 - 17:04 )
طبعا كل ما ذكرته من احداث فهناك اتفاق عليه ولكن كانت هناك صحيفة لاساس الحكم فهي عارية عن الصحة لان الرسول قال عندما كان على فراش الموت (اؤتوني بدواة وكتف لاكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا) وهذا بحد ذاته يثبت بان ليس هنتك وثيقة لاساس الحكم وكانت وثيقة المدينة هي اتفاق بين اليهود والمسملين والمصالحة بين الاوس والخزرج. لا اعرف الى اي مذهب تنتمي ولكن من لهجة مقالك يتضح بانك شيعي والشيعة يعتقدون بالتنصيب الالاهي ـ ويستندون بذالك الى حديث الغدير ـ للامام علي وبعده ابناءه الاحدا عشر وان ابعادهم كان مخالفة لاوامر الله وما ولاية الفقيه الا امتداد للتنصيب المزعوم. ان نطام الحكم في الاسلام هو نظام وراثي سوى بفرمان الاهي كما يعتقد الشيعة او بالغلبة كما يعتقد السنة باستثناء مدة الخلفاء الاربعة.
اما لا فرق لعربي على عجمي الا بالتقوى فهذا فغير صحيح
الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى والحكم في قريش واللغة العربية لغة الجنة ولا تقبل الصلاة الا بها واالعرب اسياد والمحتلة بلدانهم موالي.
دعنا نتجاهل الصحيفة الغائبة ونعمل بالصحيفة الحاضرة وهي العلمانية وبنتها الديموقراطية وليكن الدين لله والوطن للج


3 - الدين لله والوطن للجميع
محمود جلال ( 2012 / 1 / 9 - 23:39 )
تحياتي لك اولا , الصحيفة موجوده وقد ذكرت مقتطفات منها في مقالات سابقة ان تفضلت راجعها , وضعت هذه الصحيفة اول هجرة النبي محمد (ص) الى المدينة فهي تختلف عن ما ذكرته (( قال الرسول (ص) ائتوني بدواة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده )) نعم حدث هذا وقالوا ان النبي ليهجر حسبنا كتاب الله وانصرفوا .. الى آخر الرواية لكن هذا لا يعني انه لم يستودع هذا الكتاب من يعلم ويقدر قول رسول الله (ص) وهو على فراش المرض ومن استخلفه رسول الله (ص) ليكون قائما بالامر من بعده وهو الامام علي , اما الذين رأوا انه (ص) يهجر اي يهذي فقد حرموا انفسهم منها ومن هديه (ص) فكان تخبطهم وتشتتهم الذي استمر من السقيفة حتى اليوم , الشيعة لا يجمعون على ولاية الفقيه وكثير منهم يعارضها وعلى اي حال اعتقد انها شأن خاص بالمسلمين في ايران , اما قولك سيادتك فلندع الصحيفة الغائبة ونعمل بالصحيفة الحاضرة وهي العلمانية وبنتها الديمقراطية فلو اطلعت على الصحيفة والميثاق الذي كتبه الامام علي والمعروف بعهد الاشتر لعلمت اننا ابناء القانون والعدل واهل الديمقراطية اما العلمانية فعندما يتفق اهلها على تعريف لها والدين لله والوطن للجميع حق لا نقاش فيه


4 - دعوة للانصاف
محمود جلال ( 2012 / 1 / 11 - 14:22 )
اذا كانت العلمانية هي الحرية والعدل المساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون فهذه توجهات اصيلة في الاسلام وان كانت غائبة عن ارض الواقع منذ عقود - وان قلت قرون - لتسلط الطغاة على دوله وعبادة كذلك لكثرة الادعياء ممن ينتمون لهذا الدين ولبسوا الاسلام لبس الفرو مقلوبا فاختلفوا فيه واختلف الناس من بعدهم وكانوا اكثر اختلافا وجهلا باحكامه ومقاصده , فالاسلام يقبل بكل التوجهات الفكرية ما ذكرت وما لم تذكر بما فيها العلمانية التي تقبل بالمسلم والمسيحي واليهودي والملحد و.. اما العلمانية التي تقف في مواجهة الاديان كلها وترفضها فماذا قدمت وما هو جدواها وما الذي تمتلكه وحُرم منه الآخرون ؟

اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي