الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصور المجالي لجاذبية نيوتن

هشام غصيب

2012 / 1 / 11
الطب , والعلوم



لم يكن نيوتن الوحيد الذي ضاق ذرعاً بمفهوم الفعل عن بعد، ذلك المفهوم المحير الذي ارتكزت إليه نظرية نيوتن الرياضية في الحركة والجاذبية. فما إن أشرف القرن الثامن عشر على الانتهاء حتى أخذ علماء أوروبا ورياضيوها يكثفون جهودهم لخلق بدائل معقولة لهذا المفهوم، سواء بالنسبة إلى الجاذبية أو الكهرمغناطيسية. وكان في طليعتهم لابلاس وبواسان الفرنسيان في حال الجاذبية، وفرادي الإنجليزي وماكسويل السكتلندي في حال الكهرمغناطسية، الذين أسهموا مساهمة أساسية في بناء مفهوم المجال، البديل الحقيقي لمفهوم الجسيم وتفاعلاته اللحظية، مع الإشارة إلى أن مفهوم المجال لم يكتمل ويتبوأ مركز الصدارة إلا على يدي آينشتاين. وحتى يتسنى لنا أن نقهم معنى هذا البديل، فلنلق مزيداً من الضوء على مفهوم الجسيم وخصائصه الميكانيكية.



وجد نيوتن أن قوانين الحركة والجاذبية تأخذ أبسط صورها وأدقها وأوضحها من حيث المعنى الفيزيائي حين يتم صوغها بدلالة الجسيْمات والكميات والخصائص التي تحملها. وهذه هي الصيغة المعيارية لهذه القوانين. والجسيم، وفق نيوتن، هو نقطة هندسية (لا أبعاد لها) تتحرك وتحمل كميات ميكانيكية متنوعة، كالكتلة والزخم الخطي والزخم الزاوي وطاقة الحركة وطاقة الوضع. أما القوة فهي ليست خاصية من خصائص الجسيم، وإنما هي خاصية من خصائص التفاعلات بين الجسيّمات. فالقوة تؤثر على الجسيْمات، لكن الأخيرة لا تملكها ولا تحملها. وحين تؤثر قوة على جسيْم، فإنها تولد في حركته تسارعاً، أي تغيراً في سرعته المتجهة، يساوي القوة المؤثرة مقسومة على كتلة الجسيْم، وذلك وفق قانون نيوتن الثاني في الحركة.



ونعني بالزخم الخطي حاصل ضرب كتلة الجسيم في سرعته المتجهة. وتولد القوى المؤثر تغيراً في هذه الكمية بحيث يساوي المعدّل الزمني لتغير الزخم مجموع القوى المؤثرة. أما الزخم الزاوي، فهو كمية متجهة أخرى تعبر عن مدى انحراف حركة الجسيم عن الخط المستقيم. ووفق ميكانيك نيوتن، فإن طاقة الحركة تساوي نصف حاصل ضرب الكتلة في مربع السرعة، ويكون مجموعها ثابتاً (محفوظاً) في حال التصادمات المرنة بين الجسيْمات. ويعبر التغير فيها عن الشغل الذي تبذله القوى المؤثرة على الجسيْم في أثناء حركته. أما طاقة الوضع، فهي طاقة يكتسبها الجسيم بحكم موضعه في بقعة تخضع لتأثير قوى معينة. وفي حال الجاذبية الأرضية مثلاً، فإن طاقة الوضع هذه تزداد كلما ابتعدنا عن سطح الأرض. وفي غياب الاحتكاك ومقاومة الهواء، يكون مجموع طاقة الحركة وطاقة الوضع ثابتاً، وهذا ما يعرف بقانون حفظ الطاقة الميكانيكية. ويبين القانون كيف تتحول طاقة الوضع إلى طاقة حركة، والعكس بالعكس. وتميل الجسيمات إلى التحرك من مواضع طاقة الوضع العالية إلى مواضع طاقة الوضع المنخفضة. لذلك تسقط الأجسام على سطح الأرض.



وقد أخذ الفيزيائيون في مطلع القرن التاسع عشر ينظرون إلى التفاعل الجاذبي على أنه تفاعل موضعي، وليس تفاعلا عن بعد، على النحو الآتي: تصور أولئك الفيزيائيون أنه يحيط بكل جسيم يحمل كتلة تأثير جاذبي يمتد إلى ما لانهاية. وهذا التأثير أو المجال الجاذبي يتغير من نقطة مكانية إلى أخرى. كما إنه يحمل الكميات الميكانيكية المذكورة أعلاه، لكنها لا تكون متمركزة في نقط معينة، كما هو الحال مع الجسيْمات، وإنما تكون موزعة بصورة متصلة في جميع البقاع الميكانيكية التي يحتلها المجال. فالمجال الجاذبي إذاً هو مخزن ممتد للزخم الخطي والزخم الزاوي والطاقة. وعليه، فإذا وضعنا جسيْما اختياريا في موضع معين في مجال جاذبي، فإنه لا يتفاعل مباشرة مع مصدر هذا المجال تفاعلاً عن بعد، وإنما يتفاعل بصورة مباشرة مع المجال الجاذبي موضعيا، أي في الموضع الذي يكون فيه الجسيْم. أما الكمية الأساسية التي تمثل المجال الجاذبي وتحدد كيفية تغير خصائصه الميكانيكية في المكان، فهي ما يسمى الجهد الجاذبي. وهو اقتران للموضع يمكن اشتقاق جميع الخصائص الميكانيكية للمجال منه. وهو عبارة عن طاقة وضع لكل وحدة كتلة. لذلك تكتسب الجسيمات طاقات وضع بحكم مواضعها في المجال الجاذبي. فإذا وضعنا جسيماً في موضع ما في مجال جاذبي، فإنه يكتسب طاقة وضع مساوية لحاصل ضرب كتلة الجسيم في الجهد الجاذبي عند الموضع المعني. وتؤثر قوة الجاذبية لكل وحدة كتلة على أي جسيْم في الموضع المعني في الاتجاه الذي يبلغ عنده تناقص الجهد الجاذبي أقصى مداه، وهي تساوي معدل تناقص الجهد الجاذبي في هذا الاتجاه. ولكن، لما كانت القوة لكل وحدة كتلة هي التسارع نفسه لأي جسيم في الموضع المعني، فإنه يمكن اعتبار المجال الجاذبي مجال تسارع لجميع الجسيمات يبين تغير التسارع من نقطة مكانية إلى أخرى، واعتبار التسارع في موضع ما مساوياً لمعدل تناقص الجهد الجاذبي في اتجاه أكبر تناقص عند الموضع المعني. بذلك نربط ما بين حركة جسيم والخصائص الموضعية للمجال الجاذبي، أي نبين كيف يحدد المجال الجاذبي حركة الجسيمات المتأثرة به موضعيا.



ويبقى السؤال المهم: كيف يعتمد المجال الجاذبي موضعيا على المادة؟ أي، ما هي المعادلات التي تحكم العلاقة بين الجهد الجاذبي والكثافة الموضعية للمادة التي تولد المجال الجاذبي؟ ما هي العلاقة بين المجال الجاذبي ومصدره؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى


.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟




.. إطلاق مبادرة -تكافؤ- لدعم طلاب الجامعات التكنولوجية النابغين


.. ما أبرز الادعاءات المتداولة على الإنترنت حول العملية العسكري




.. ماهر الأحدب: الانتشار المتزايد لمراكز التجميل أمر سلبي وسبب