الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء

عادل بشير الصاري

2012 / 1 / 12
كتابات ساخرة


في آخر العام الدراسي الماضي أذكر أني عبَّرت لطلاب كلية التربية عن ضيقي واشمئزازي من بعض أسماء وألقاب الأفراد والعائلات في ليبيا وفي غيرها من بلدان العالم العربي ، وقلت إن بعض العائلات تجني على أولادها وبناتها حين تسميهم بأسماء تذلهم وتعرضهم للسخرية والمهانة حين يكبرون ويدخلون معترك الحياة ، وأذكر أني ذكرت بعض تلك الأسماء والألقاب ، وشاهدت حينها عددا من الطلاب والطالبات يبتسمون ، بل منهم من أخفى عني ملامحه وهو مستغرق في ضحك متواصل .
وأنا ممن يستهويهم جمع الأسماء والألقاب الغريبة والمضحكة ، ولدي قوائم منها جمعتها من الأصدقاء ومن دليل الهاتف في كل بلد عربي أزوره ، وأعترف أن لدي حساسية منها ، فأنا لا أستطيع تمالك نفسي من الضحك إذا قرأت أو استمعت إلى أسماء من فصيلة الأسماء التي تندر بها الفنان عادل إمام في أفلامه مثل : سلومة الأقرع ـ عطوة المفك ـ بخيت المهيطل .
كنت أضحك وأستغرب حين اسمع اسم رئيس وزراء تونس السابق ( الباجي قايد السبسي ) ، وقبله في عهد الحبيب أبو رقيبة ( الباهي الأدغم ) ووزير الكهرباء في ليبيا ( احتيوش أحمد احتيوش ) ، والآن تتناقل الأنباء اسم وزير تعليم عربي لقبه ( الدحيات ) .
ومنذ سنوات اعتذرت عن حضور اجتماع صلح عائلي قيل لي إن من بين الحضور رجلين مسنين أحدهما لقبه اليابس والثاني لقبه المحكوك ، ولو حضرت فلن أتوقف عن الضحك ومراقبة سحنة وملامح اليابس والمحكوك وهما يتكلمان أو يضحكان .
وفي العاصمة تونس وقريبا من نهج روسيا على ما أذكر قرأت يافطة معلقة مكتوب فيها : ( مقهى الحاج شَمنْططو ) .
وفي مدينة سوسة التونسية ظللتُ مرة الطريق ، فتوقفتُ وسألتُ أحد الأطفال عن وجهتي فدلني عليها ، وأخرجت له من جيبي قطعة شكولاته ، ثم سألته عن اسمه فأجاب : خلفون ، ولما لاحظ استغرابي من اسمه قال : اسمي خلفون المنجي بن خليفة بن خلف الله ، فشكرته وقلت : عشت يا خلفون .
ومنذ بضع سنين كاد يغمى علي من الضحك حين قرأت لكاتب ظريف في أحد المواقع يتصور فيه أن اسم وزير الزراعة الإيراني هو : ( زارع أكبر باذنجاني ) ، واسم أحد وزراء المملكة المغربية هو ( الطويل بو تمرة ) .
وشاهدت العام الماضي الفنان المصري حمدي غيث في مقابلة تلفزيونية يقول معرفا بنفسه : أنا من قرية في صعيد مصر عادة ما يتندر باسمها ممثلو الكوميديا ، وهي ( شلشلمون ) ، والنسبة إليها شلشلموني .
وفي ساعة متأخرة من الليلة الماضية هاتفني صديق قائلا : سجِّلْ عندك هذا الاسم ... هو اسم جندي من الجنود : ( دربال حفالش ) ، فقلت له : يا رجل توقعت أن الاسم من تأليفك أو من تأليف عادل إمام .
ويعلم الله كم سعدت حين تولى منذ سنوات الدكتور ( شكري غانم ) رئاسة الحكومة في ليبيا ، وقلت بيني وبين نفسي : إن اسمه يجمع بين الأناقة والموسيقية ، لأني سأصدم إذا جاء بدلا منه من يحمل لقب بطاطا أو المنتوش أو شلافيط أو الملحوس أو سباطة أو الرخروخ أو شيخ القفة أو شيخ الركب أو بوطقة أو قذاف الدم أو فحيل البوم .... إلخ .
ويمكن القول إن كثيرا من أسماء الأسر العربية هي أسماء حيوان أو نبات أو فاكهة أو صنف من الشجر أو الألوان ، وبعض أسماء الأسر لها دلالة على مهنة ما ، فاسم ( السنفاز) مثلا يعني في الدارجة الليبية طاهي نوع من عجين الطعام يُرقَّق ويدوَّر ويُقلىَ في زيت الذرة ، أما اسم ( البرطاع ) أو ( الرخروخ ) أو ( عفط ) أو ( المشروك ) ، فهي أوصاف قصد بها مطلقوها السخرية من أشخاص رأوا أن هذه الأوصاف تنطبق عليهم ، وهذا شائع في المجتمعات القروية والبدوية ، حيث يتندر الناس فيما بينهم في أوقات السمر، فقد يُسمى الفلاح المولع بزراعة البطاطا بـ ( البطاطا ) ، وقد يُسمى النزق ومن به سفهٌ بـ ( البرطاع ) ، والرجل الضعيف ومن يمشي مشية الهوينى بـ ( الرخروخ ) .
وبرغم أن إطلاق مثل هذه الأسماء كان لغرض التندر والسخرية ، لكن مع هذا شاعت حتى حلت محل الأسماء الأصلية ، وانتقلت بمرور الوقت وازدياد أفراد الأسرة وتفرعها إلى الأحفاد ، وهكذا حمل أبناء الأحفاد وزر اسم جدهم الأول الذي أطلقه عليه أصدقاؤه تندرا به وسخرية منه ، وحين تأتي الآن إلى الكلية أو للعمل فتاة من ذرية ذاك الجد ويُطلب منها تدوين اسمها واسم عائلتها ترتبك وتخجل ، وتزداد المأساة حين يكون اسم الفتاة شعبيا مثل : مَشْهية ـ يِزه ـ سِدْينة ـ بطة ـ عطيات ـ طماطم ، لأنها تشعر في قرارة نفسها أن اسمها دون الأسماء العصرية ذات الوقع الموسيقي الجذاب .
ومن الملاحظ أن بعض العائلات التي تحمل أسماء غريبة ومضحكة تحاول أن تخفف من وطأة اسمها بتسمية أبنائها أسماء عصرية ، ولكن مع هذا الترقيع ، فإن الاسم العصري تبدو موسيقاه ودلالته متنافرة مع اسم الأب والأسرة ، مثل : سامي هيبلو البرطاع أو باسكال بلعيد السنفاز .
ولو أن هذه الأسر تسمت بأفضل اسم من أسماء جدودها لكان أفضل لها من هذا الترقيع ، فمن الخطأ الفادح أن أسرة تعود أصولها إلى قبائل تميم أو وائل أو ربيعة أو بني وليد أو بني سليم أو بني هلال ، أو تعود إلى أسماء مدن وبلدان مثل : طرابلس ـ نابلس ـ المغرب ـ مصر ، يحمل أبناؤها الآن ألقاب تثير الضحك والأسى معا مثل : الكرداش ـ كرموس ـ المنفوخ ـ صيصة ـ المزايطة ـ اللفع ـ العجول ـ مرمروني ـ مهمهاني ـ السكران ـ المحش ـ حتش ـ البالطة ـ البطمة ـ ذكر البط ـ الدجاجة ـ الجحيشان ـ بو طلاق ، بو غماز .
أخيرا ... أقول إن حسن وجمال الأسماء دليل على حسن وجمال نفسية مسميها ، ودليل أيضا على نضج وعيه وثقافته ورفعة ذائقته الفنية ، لذا فإني أدعو أن تستبدل الأسر التي تورطت في أسماء غير مقبولة بأسماء مألوفة ومأنوسة ، وأن يختاروا لأبنائهم وبناتهم أعذب الأسماء وأخفها وقعا على الأذن ، ولا تشي بإيحاءات مقززة أو مضحكة أو مخجلة ، وليعلم من لا يعلم أن هناك ذكورا وإناثا يعانون نفسيا من أسمائهم أو من أسماء عائلاتهم أو من الاثنين معا ، وليتقبل الجميع اعتذاري ، فما أردت من مقالتي هذه إلاَّ إبداء الرأي وإدخال السرور على النفوس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا