الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرقات فكرية وأدبية -وقحة-، على صفحات الفيس بوك ؟!

عماد يوسف

2012 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الإبداع الفكري والثقافي، يُمثل ابداعاً استثنائياً، لا يتساوى معه أي ابداع آخر. فالإبداع العلمي مثلاً يقوم على قانون ومبدأ طبيعي ثمَّ يأتي الإختراع. بينما يقوم الإبداع الفكري والأدبي على الخيال الصرف. لذلك نجده أكثر أهمية من أي ابداع آخر. فهذا يُخاطب الروح، والقلب، والعقل الإنساني، بينما الإبداع الثاني، العلمي، فهو يُخاطب المادة، أو الآلة، أو أي شيء آخر. إلاّ أنه لا يُخاطب الروح أو القلب، أو الفكر الإنساني، الذي هو مصدر الإبداع العلمي بكل أشكاله. وبدون ابداع إنساني في الأصل، لا يوجد ابداع علمي.
يُمكن أن نعدّ في أي مجتمع في العالم آلاف الأطبّاء، عشرات الآلاف المهندسين. وربّما ألوف مؤلفة من التقنيين والفنيين وغيرهم. لكننا لا نرى في أي مجتمع في العالم، مئات او آلاف الشعراء والكتّاب المبدعين، أو المفكرين الكبار. فهؤلاء أعدادهم لا تتجاوز العشرات في أحسن الأحوال. وجديرُ بالذكر أنَّ المفكرّ هو الذي يرسم مستقبل المجتمعات، ويُحدد مساراتها. ولاحقاً تأتي الاختراعات والإبداعات العلمية. لذلك، كان لمفكري عصر التنوير الأوروبي الدور الكبير و الأساسي، في نقل أوروبا من عصر الظلمات إلى عصر النور. فالعقل الذي يعيش في الظلام، لا يُمكن له أن يُبدع. أما العقل المتنوّر فهو سيّد الإبداع وعنوانه. يأتي الإبداع الأدبي والثقافي رافداً للإبداع الفكري. يعرّي هنا، ويكشف هناك. يطرح حلولاً هنا، ويُبيّن هناك، وصولاً إلى قولبة المجتمع وتنظيفه من شروره التي تعيق تطوره. لذلك كان لماركس وكانت وهيجل وفولتير وسميث وستندال وهيجو ومونتسكيو وروسو وشكسبير وبلزالك وديكارت وغيرهم دوراً أساسياً في قيام الثورات الأوروبية وتثبيت أركانها. تلك التي أسست لعصر التنوير الأوروبي الذي مازال يعيش مجده إلى يومنا هذا.
في دول العالم الثالث، لا يعرفون معنى الثقافة. ولايدركون كنهها، أو قيمتها. فالمثقف عرضة للسخرية في الكثير من الحالات، والمفكّر، يعيش ويموت ولا يعرفه أحد. وعندما يموت يخرج في جنازته بضع عشرات من الناس ، من زملائه المثقفين، ولا أحد يسمع به. كما حصل في جنازة الكاتب والروائي الكبير عبد الرحمن منيف عندما مات في دمشق في نهاية عام 2003، وكنّا خلف جنازته ما نُقارب المائة وخمسين شخصاً.
فوق هذا وذاك، يأتي بعض ضِعاف النفوس، وأصحاب عُقد النقص ليحاولوا اظهار أنفسهم بأنهم جهابذة في الفكر، والثقافة. ويريدون أن يبرزوا على صفحات الفيس بوك لجمع أعداد كبيرة من اللايكات، لإظهار أنفسهم بأنهم ذوو مكانة ورفعة، وثقافة فكرية عالية. ولا نرمي هنا، إلى أخذ مقطع شعري من هنا، أو قصيدة نثرية بسيطة أوصغيرة من هناك. بل ما نقصده هو تلك السرقات الفكرية التي تُؤخذ كما هي من أصحابها المفكرين الكِبار وتوضع على صفحات البعض على أنها كلامهم، أو لسانهم الذي ينطق بهذه العبارات، أو هذه النصوص، صغيرة كانت أو كبيرة. وذلك دون أي ذكر للمصدر، أولإسم هذا المفكر العظيم الذي أفنى حياته في الدراسة والقراءة والتحليل والتمحيص ليصل إلى حقيقة فكرية قد تكون من كلمتين ولكنّها تُشكّل نظرية هامة جداُ، ومفصلية. فيأتي أحدهم ممن يقضون أوقاتهم في المقاهي ليل نهار، أو في لعب الورق. ليسرق هذه المقولات، أو العبارت، أو الجمل، ويضعها بإسمه الشخصي على صفحته في الفيس بوك. وعلى أنها من ابداعه، أيُّ صفاقة، وقذارة أكثر من ذلك؟!! إنَّ أدنى حدود الأخلاق الإنسانية تتطلب منّا ذكراً لإسم هذا المفكر الذي نقتبس منه، عقله، وابداعاته الفكرية العظيمة، حتى لو كان ذلك في كلمة واحدة منها.؟! من خلال قراءاتي الكثيرة على صفحات الفيس بوك، لاحظت مقولات يضعها البعض بأسمائهم الشخصية الصريحة وأنها تأليفهم، أو مقولاتهم، وهي للمفكر والشاعر الكبير أدونيس مثلاً، من نظريته، الثابت والمتحوّل. ومواد أخرى، أو نصوص مأخوذة من المفكر الكبير الياس مرقص في نقد العقل العربي. أو ياسين الحافظ. وفي مكانٍ آخر مقولات مسروقة من كتاب طبائع الإستبداد للفيلسوف عبد الرحمن الكواكبي. وأخرى للمفكر محمد عابد الجابري، وغيرها للعروي، وغيره كُثر، وهكذا دواليك. طبعاً هؤلاء لا يجرؤن على قول هذه الأشياء أمام مثقفين كبار. أو أن ينشرونها في مكان خارج الفيس بوك. لأنهم سيُفتضحوا فوراً. ولكنهم يستغلون صفحاتهم على الفيس. ويكونوا على دراية ببساطة وتواضع ثقافة أصدقائهم على الصفحة، وعدم معرفتهم العميقة واطلاعهم، فيرمون بمقولات فكرية عميقة من أقوال، أو من كتب هؤلاء المفكرين الكبار. وتبدأ اللايكات، والتعليقات، ويبدأون بمناداته أستاذنا. أنت عظيم أستاذنا. أنت مبدع أستاذنا. فيأخذ صفة سعى كل تاريخ حياته لإلصاقها بنفسه، ولم يفلح. فيأتى الفيس بوك الافتراضي، ليُحقق له، أستذة أيضاً، افتراضية. عبر سرقته لإبداع الآخرين. أيها السارقون، كفاكم وقاحةً. اتقوا الله في علمائكم، وبمفكريكم الذين لم يجدوا من يسمعهم في حياتهم. وتأتون هنا، لتسرقونهم في مماتهم. إنه زمن الوسخ.. الذي يزداد عفناً يوماً بعد يوماً.. جلّ ما أخشاه، أن يُنتج هذا الوسخ مرض كوليرا شامل قاتل يأخذنا جميعاً في طريقه ..؟؟!!

كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صحيح جدا
ايار العراقي ( 2012 / 1 / 14 - 22:34 )
هحييك واؤيدك اخي العزيز وهذا الامر ملموس في الفيس بوك وربما مبرر كون معارف السارق من محدودي الثقافة طيب ماهو رائيك بسرقات اجتزائية واحيانا مطولة هنا في الحوار ؟
قديما قالوها وهي تصح اليوم ان لم تستح فاسرق عفوا فافعل ماشئت
لك مودتي


2 - زمن الكوليرا الجارف
أحمد التاوتي ( 2012 / 1 / 14 - 23:48 )
هذا حالنا اليوم عزيزي الكاتب..
و لعل الفضاء السبراني له محاسن بالمقابل و هي عدم استئثار أبواق الأنظمة أصحاب امتياز الكتابة في ميديا الأحزاب الحاكمة لعملية الكتابة و التفكير. و مهما كانت السلبيات الواردة في مقالكم و هي صحيحة إلى أبعد الحدود، إلا أنني أعتقد بأن المتضرر الأكبر منها هم أصحاب السرقات الذين يجرفون أنفسهم بدون وعي في حالات شيزوفرينيا تدعو إلى الشفقة.
زمن الكوليرا هذا حتمية، و هو المرحلة المتعفنة في تاريخنا الحديث من أجل انبثاق
نقيضه.
تحياتي


3 - ليس في الفيسبوك فقط
صالح حبيب ( 2012 / 1 / 15 - 02:07 )
المنتديات العربية يا سيدي صارت وبالا على رأس الانترنيت ومستخدمي الانترنيت ففيها اختلط الحابل بالنابل والمثقف والجاهل و المتعلم والأمي و صار التعليق و التلفيق على قدم و ساق شوهوا التراث الأدبي و الفلسفي لشعوبهم و للشعوب الاخرى و صرت كلما تذهب بحثا عن نص او معلومة في الانترنيت يفيض محرك البحث امامك بقمامة من معلومات مشوهة من المنتديات العربية يتناقلوها كالقرود و لن تستطيع الوصول الى معلومتك إلا بشق الانفس و بعد ازالة كل هذه القمامة من النصوص المتناقلة بلا مصادر ولا ضوابط لقاعدة لغوية او نحوية وتحولت اللغة العربية الى لغة أميين من قبيل -أنتي و لكي و معكي
لتستنتج في الاخير انه من الافضل لك ان تبحث عن معلومتك باللغة الانكليزية
مرة و جدت احدى المشتركات بمنتدى عربي و قد لطشت مقطعا لأوستروفسكي و نسبته لنفسها متخيلة ان أحدا لن يعرف لمن هذا الكلام وأما الجهلة الآخرين فقد نزلوا بالتحايا و التبريكات و الدعاء لها
المشكلة ليس فقط بالسراق بل المشكلة بالجمهور المتلقي فالفرد العربي للأسف فرد متخلف و جاهل ثقافيا و معرفيا و في بلادنا ما اسهل ان تضيع الحقوق و يستغل الرعاع ابداعات الآخرين و جهوهم

اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية