الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الحريديم والعلمانيين على المدن في إسرائيل

جعفر هادي حسن

2012 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



يرى اليهود الحريديم(المتشددون في يهوديتهم) ضرورة أن يكون لهم مناطق سكناهم الخاصة بهم ، فهم يشعرون بالخطر من غيرهم وبالإطمئنان عندما يكونوا في محيطهم وحدهم ، حيث يتمكنون من ممارسة الشريعة طبقا لأفكارهم ومعتقداتهم . وفكرة الإنعزال عن الآخرين عند الحريديم ، هي جزء من الأفكار التي يتمسكون بها ويعتبرونها ضرورية لتحقيق يهوديتهم. .وقد عبر عن ذلك أحد حاخاميهم بالقول "إن اليهود الحقيقيين يرغبون في أن يعيشوا كيهود، وليس لهم خيار إلا أن يفصلوا أنفسهم في أماكن منعزلة خاصة بهم". ومنذ هجرتهم إلى فلسطين قبل ظهور إسرائيل ، أصبحت لهم مناطقهم التي لايسكنها غيرهم .وعندما كثر عددهم أخذوا يزاحمون العلمانيين (والفلسطينيين أيضا) على المدن ، حيث تطور ذلك منذ سنين غير قليلة إلى صراع بين المجموعتين .وهم عادة يسكنون في منطقة معينة من المدينة او البلدة المختلطة ، ثم يبدأ زحفهم تدريجيا على الأحياء الأخرى،كما يحدث في القدس حيث كانوا يتركزون في حي "مئة شعاريم" وحده في القدس لعقود. وغالبا ماتكون البداية نزاعا حول قضية واحدة كبناء كنيس او مدرسة دينية يرفضهما العلمانيون أو مسبح مختلط يرفضه الحريديم ، ثم تتطور هذه القضايا إلى قضية أوسع تتعلق بسلوك الناس والطبيعة التي يجب أن تكون عليها البلدة أو المدينة . وكلما ازداد عدد الحريديم ازداد الصراع حدة وشدة ،كما الحال في مدينة بيت شمش التي عرض نموذج من الصراع عليها في الفضائيات قبل فترة ليست بعيدة . وكانت هذه المدينة - التي يبلغ عدد سكانها ثمانين ألفا والتي سميت باسم مدينة كنعانية قديمة أنشئت في المكان نفسه- قد سكنها اولا علمانيون ،ثم هاجر إليها عدد من المتينين غير الحريديم ، ولكن في بداية التسعينات ازدادت هجرة الحريديم إليها وكان أكثرهم من مجموعات اليهود الحسيديم (وهم يهود حريديم)، فزادت قوتهم وأخذوا يفرضون على العلمانين أفكارهم وارادتهم بحجج مختلفة. كوضع ملصقات في الشوارع ، يطلبون من النساء عدم المشي على رصيف واحد مع الرجال ، ومطالتهن باللباس المحتشم ،إلى غير ذلك. ولكن العلمانيين يمانعون .وانتقد رئيس الدولة –شمعون بيريس- الحريديم وقال " إن البلد ليس ملكا للحريديم" ودعا الناس للمشاركة في المظاهرة التي خرجت في حينها في بيت شمش ضدهم .وما رأيناه في بيت شمش من صراع هوليس الأول وسوف لايكون الأخير.فقد حدث في مدن أخرى طيلة العقود الماضية ، وإذا ما أخذنا ما حدث سابقا كمقياس لهذه الظاهرة فإن الغلبة ستكون للحريدم ، وستصبح هوية مدينة بيت شمش هوية دينية ، كما حدث في عدد من المدن والبلدات الأخرى، إلا إذا قسمت المدينة إلى قسمين كما يقترح نتنياهو كحل لهذا الصراع، الذي أصبح عصيا على الحل ، ولكن هذا يجد معارضة شديدة. ولابد من الإشارة بأن الحريديم كثيرا مايهددون معارضيهم بالعنف،واليوم نسمع أن مجموعة منهم تسمى سكريكيم(وهي كلمة مأخوذة من كلمة سيكاري القديمة التي أطلقت على اليهودي الذي يخفي خنجره ليغتال به الروماني أو اليهودي المتعاون معه).
ومن المدن التي أصبحت حريدية مدينة "نتيفوت" و"الداد" و"بيطار عيليت" التي أصبح شعارها مدينة التوراة على تلال يهودا، وكتب الشعار على أعلام مرفوعة على أعمدة الكهرباء،وقد كان صراع العلمانيين في هذه المدينة قاسيا، ولكنهم خسروا المعركة، ومن هذه المدن "قريات سوفر". ومن البلدات التي تشهد صراعا حادا اليوم بين المجموعتين مدينة "يفنئيل" التي تقع جنوب غرب بحيرة طبرية ،وكان رئيس بلديتها العلماني قد قال عند اشتداد الصراع" إذا حاول الحريديم السيطرة على أمورنا فإن شيئا خطيرا سيحدث وإن على الحكومة أن تحل الصراع الآن". ويدور صراع في "قريات شالوم" ، بل وحتى في القدس التي أخذ الحريديم يجتاحونها، والتي يعتقد أنها ستصبح مدينة حريدية خالصة في المستقبل القريب،فهي اليوم تتسم بالطابع الحريدي أكثر مما كانت عليه قبل خمس سنوات مضت، وهم يمنعون أي إعلان تجاري فيه صورة امرأة. وكان بعض العلمانيين قد هاجروا منها إلى بيت شمش هربا من الحريديم. والان يدور صراع في مناطق تعتبرجزءا من القدس الكبرى مثل "قريات يوبل".ويقوم السيكيريم في القدس بحملات لفرض إرادتهم، حتى أنهم أخذوا يمنعون أكل "الآيس كريم" أمام الناس. ".
وإضافة إلى البلدات والمدن هناك مستوطنات خاصة بالحريديم، بعضها بني في وقت مبكر من إنشاء الدولة مثل "كفر خبد" و"نحلة خبد" وغيرهما ، ومنها حديثة مثل "كوخب يعقوب" .ومما يجعل هذا الصراع مستمرا أن الحريديم يحتاجون إلى عدد كبير من الوحدات السكنية كل سنة ، بسبب نسبة الولادة العالية عندهم. فمدينة بني برق الحريدية- التي يبلغ عدد نفوسها أكثر من مائة وستين الفا وهي أكثر المدن الإسرائيلية ازدحاما وأكثرها فقرا- تفيض وحدها بعدة آلاف من الحريديم كل سنة ، يبحثون عن أماكن يسكنون فيها.وقد جاء في تقرير إحدى اللجان المختصة بالسكان عام 1999 إن الحريديم يحتاجون إلى خمسة آلاف وحدة سكنية كل سنة. وقد أقرت الحكومة إنشاء أول مدينة خاصة بالحريديم تستوعب أكثر من مائة وخمسين ألفا منهم في فلسطين 1948 ،على الرغم من الإحتجاج الشديد من العرب وغيرهم من السكان .وقد توصل خبير علم السكان أرنون سوفر في دراسة له إلى أن الحريديم سيكونون المسيطرين على إسرائيل والمتحكمين في سياستها من عام 2030م إذا استمر الوضع على حاله، ويقول إن ذلك سيكون نهاية تراجيدية للصهيونية، و إذا ما حدث ذلك فإن احفاده سيغادرون البلد.
وتختلف المدينة الحريدية في طابعها عن المدينة العلمانية ،فهي تتميز بكثرة كنسها ومدارسها الدينية( أليشيفوت) وحمامتها الشرعية،واحيانا بمخازنها الخاصة بالنساء، وكذلك بالفصل بينهن وبين الرجال في وسائل النقل العامة، أما في يوم السبت فالحركة تنعدم فيها تماما. وكذلك يختلف سكانها في منظرهم ولباسهم وسلوكهم ، حيث يتميز لباسهم عادة باللون الأسود إضافة إلى ضفائرهم على جانبي الرأس وإلتحاؤهم والخيوط البيضاء التي تخرج من تحت قمصانهم. وتتميز النساء أيضا بلباسهن الطويل وبغطاء الرأس أو الشعر الإصطناعي عليه، وبالفصل بينهن وبين الرجال في وسائل النقل العامة . وبرزت ظاهرة حديثة بين الحريديم حيث أخذت بعض النساء ينميزن بوضع عدة ثياب على أجسامهن ، بل ايضا بوضع نقاب على وجوههن ويجبرن البنات الصغيرات على ذلك،واصبحت هذه الظاهرة تثير حنق العلمانيين وغضبهم. أما في يوم السبت فالحركة في المدينة الحريدية تنعدم تماما. وتقول أستاذة علم الإجتماع السياسي في جامعة بارإيلان إيفا عصيون هاليفي عن هذا الصراع بين يهود إسرائيل بأنه إذا استمر الحال هكذا فإنه سوف لايبقى شعبا واحدا بل سيكون شعبين.وكان عنوان إحدى المقالات في صحيفة هآرتس "سنستمر جميعا في التدهور في مسار بطئ ولكن بالتأكيد إلى الإنتحار."...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على