الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجاوزات الشرطة المصرية..هل هي حقاً فردية ؟!!

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2012 / 1 / 18
حقوق الانسان


بإرادة حديدية، وبثبات على المبدأ يدعو حقاً للإعجاب، تصر وزارة الداخلية – كجزء من النظام المُمل وعديم الإبداع عموماً – على الدفاع عن نفسها بمًبررات ممطوطة ومُكرورة، لاكتها الأفواه؛ حتى أضحت كـ"لبانة" مُستهلكة، فقدت الطعم والرائحة، وحتى مطاطيتها الفيزيقية؛ لتصبح مُرهقة للفك والأسنان لا أكثر !!

فما لم يمل العادلي ووزارته من تكراره بأن إنتهاكات وتجاوزات الشرطة، ما هى إلا إنحرافات فردية؛ لم يمل تكراره العيسوي أو الوارد الجديد محمد إبراهيم، وكأنه لا يمكن التجديد أو الإبتكار في المُبررات، ولو من باب مُراعاة الجمهور الذي هو نحن !!

الحقيقة هى أن مشكلة مُبرراتهم، ليس كونها لا تتغير، بل كونها تافهة ومتهافتة، بالشكل الذي لم يحفز أحداً لعناء الرد عليها؛ ليتوقفوا عنها ويغيروها، إذ لا يمكن بحال من الاحوال، أخذ تلك المُبررات الواهية، التي تكذبها الوقائع اليومية، على محمل الجد !!

لهذا نعتذر مُقدماً عن إضطرارنا لمُمارسة هذا الملل، فمللاً بملل؛ سنخصص هذه المقالة لمناقشة موضوع ممطوط، وإعادة التأكيد على ما هو بغير حاجة لذلك !!

فأن تصر وزارة الداخلية على كون تجاوزاتها فردية وعرضية، وتصويرها المسألة كما لو كانت مُبالغةً من الإعلام التهييجي التحريضي المتأمر !! لهو أمر يدعو للسخرية من تلك العقلية البائسة التي تدير هكذا جهاز !!

فإذا كنا نقر بدور الإعلام في تكوين "الصورة الذهنية" لدى قطاعات واسعة من الجمهور، فإننا نتحفظ على تلك القدرة غير المحدودة التي تتصورها الداخلية، فلا يمكن لأي قوة إعلامية، مهما كان جبروتها، أن تعطى صورة ذهنية غير حقيقية عن شئ يلمسه واقعياً قطاع عريض من الناس يومياً، إذ تفقد مصداقيتها حتماً إذا ما حاولت إعطاءهم صورة مخالفة لما يتفق عليها أغلبهم !!

وإذا كان للإعلام قوة حقيقية، أثبتها في تشويه صورة تيارات وتنظيمات سياسية عديدة، بكثرة الإلحاح على مدى عشرات السنين، فتمكن من تشويه صورة الإشتراكيين مثلاً، كما تمكن - مُؤخراً - من تشويه صورة حركة 6 إبريل الحديثة جداً، فالحقيقة، هى أن نجاحه في تلك المهام كان مرهوناً فقط بغياب الملامسة الواقعية اليومية ما بين الجمهور المخدوع وتلك التيارات والتنظيمات، فلو كان الإشتراكيون – ومثلهم 6 إبريل - بالعدد الكافي والحركية الكافية؛ لتمكنوا من التعامل اليومي مع الناس؛ ولما تمكنت أي آلة إعلامية، مهما كانت حرفيتها في التشويه وتزييف الحقائق، من تشويه صورتهم، وترسيخ "صورة ذهنية" غير حقيقية لدى الجماهير الواسعة عنهم !!

فإذا كانت هذه هى حدود الأجهزة الإعلامية في التعامل مع التيارات والتنظيمات المُناهضة للسلطة المستبدة؛ فمن باب أولى أن تكون قدرتها تلك في التعامل مع أجهزة تلك السلطة ذاتها، أقل بكثير، فما هو يا تُرى السبب في ذلك النجاح الكاسح في ترسيخ "صورة ذهنية" إجرامية عن أحد أهم أجهزتها، مُمثلاُ في جهاز الشرطة ؟!!

السبب أيها السادة المحترمون في وزارة القانون المُفترضة، هو أن هذه هى الصورة الواقعية لجهازكم لدى القطاع الأوسع من جماهير الشعب، فلا يمكن لأجهزة الإعلام أن تسيد لدى الناس صورة مُخالفة لما إعتادوه، ولا يُعقل أن يكون ما يرونه يومياً – أو على الأقل ما كانوا يرونه يومياً قبل فترة الإستراحة التابعة لإنتفاضة 25 يناير 2011 – تجاوزات فردية، فالتجاوزات الفردية، مهما كان حجمها، لا تُرسخ صوراً ذهنية سوى لدى الأفراد، أما أن تتكون "صورة ذهنية" لدى القطاع الأغلب من الشعب؛ فلا يمكن أن تنطبق هنا قصصاً من نوع "الفيل والعميان الخمسة" !!

وإذا كنتم، ستكذبون – كعادتكم !! – أن تكون تلك هى الصورة الذهنية السائدة لدى الشعب؛ إستناداً لشهادات مواطنيكم الشرفاء القابعين دائماً في هواتف ماسبيرو!! ؛ فسنرد عليكم نحن بالمنطق المبني على الأرقام، وهو منطق لا يُكذب !! فمخرجكم الوحيد معه، هو إختيار إجابة من إثنتين، للآسف ليست أياً منهما في صالحكم !!

فإذا إستعنا بما نعرفه ونذكره من قوانين الإحصاء، فمعروف أنه وفقاً للتوزيع الطبيعي المعياري، أن نسبة الإنحراف أو الجنوح الإعتيادية – السلبية كما الإيجابية - عن متوسط الظاهرة عادة ما تتراوح حول رقم الـ 15 %، وهذا في حالة التوزع الطبيعي غير المحكوم للظاهرة، أما في حالة ضبطها، كما هو مُفترض بالقوانين والنُظم، فالمُتوقع هو ألا تتجاوز – كما في الاجهزة العلمية الدقيقة – حاجز الـ 5 % كحد أقصى، وهو ما يعني أن الشريحة الأسوأ من ضباط الشرطة، يجب ألا تتعدى في أقصى التقديرات الـ 1500 ضابط ، بفرض العدد الكلي لضباط الشرطة النظاميين في مصر هو 30 ألف كما هو معلن .

فإذا أخذنا بالتجاوزات الأكثر قسوة [1] – من تعذيب وقتل وهتك عرض وإغتصاب - التي تم إثباتها وتداولها إعلامياً، والتى لا تمثل بالطبع نسبة ذات قيمة مما لم يثبت ويتم تداوله ؛ سواء لخوف الضحايا من بطش الجناة [2] بهم أو خوفهم من الفضيحة في حالة تعرضهم العنف الجنسي، فسنجد لدينا قائمة سوداء بأكثر من 270 ضابط مُتهمون في وقائع تعذيب [3] متعددة [4] ما بين عامي 2003 و 2006م، ويرصد تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان [5] في عام 2009 – وهو يرصد الحالات التي وصلتها وحدها – 118 حالة تعذيب واضطهاد وإحتجاز تعسفي، وفي عام 2010م [6] أكثر من 750 واقعة تجاوز شرطية تراوحت ما بين قتل وتعذيب حتى مجرد إعتقالات بدون وجه حق، تهديدات بالقتل، وبعض إعتداءات بسيطة [7] !!

هذه مجرد أمثلة سريعة بالأرقام لعينة عشوائية من المتاح من بيانات، لا تمثل الواقع في سواده الحقيقي !! وطبعاً إستبعدنا منها كل ما يتعلق بتجاوزات الامن السياسي والإجتماعي؛ لمزيد من الموضوعية والتساهل !!

وطبعاً واجهتنا مشكلة في الأرقام، فدولة عالم ثالث، عاجزة عن حصر مناطقها العشوائية، هى أعجز من إجراء إحصاء دقيق عن أي شئ آخر، ناهيك طبعاً عما ترغب أساساً في إخفائه !!

فإذا إفترضنا أرقاماً أقل بمعدل النصف للأعوام - ضمن العشرة أعوام الأخيرة - التي لم نجد لها معلومات مُوثقة، فسنصل بسهولة لما يزيد على الألفي حالة تجاوز، من النوع المتوسط والشديد، أي بعد غض البصر عما يُعتبر في العُرف المصري تجاوزات بسيطة !!

هذه الألفي تجاوز التي تزيد عن النسب المُفترضة للإنحراف الطبيعي المضبوط بقوانين، والتي قُدرت بـ 1500 ضابط مُنحرف، تقودنا لإحتمالين لا ثالث لهما :

1. أن تكون وزارة الداخلية تعاقب المُخطئ بعقوبات رادعة !! وفي هذه الحالة فهناك 2000 ضابط مُنحرف - إذ يُفترض بالتالي وجود حالة "تجاوز" واحدة لكل ضابط - وهو ما يتجاوز النسبة المُقدرة لإنحراف طبيعي، ما يعني بالتالي ضرورة مُعالجة المناهج وطرق التربية التي تنتج هؤلاء الضباط، حيث لا يمكن أن تكون إنحرافاتهم نابعة – كما يقضي المنطق الإحصائي – من إنحرافات ذاتية، بل تصبح السادية هنا ظاهرة بحاجة للدراسة والمعالجة !!

2. أن تكون هناك نسبة قليلة مُنحرفة من الضباط هى من إجترحت كل هذه التجاوزات، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تدعي الداخلية كونها تُعاقب أحداً، فلا يمكن أن يكرر ضابط – مهما كانت ساديته وأمراضه الشخصية – تجاوزاتً خطيرة من هذا النوع، إذا ما تلقى عقوباتً رادعة، مع العلم بأنه من المفترض أن تجاوز كبير واحد كافي جداً لإعدامه أو سجنه أو فصله في أقل الأحوال !!

فبالمنطق الإحصائي البسيط : 1) إما أن عدد الضباط الفاسدين الذين يرتكبون تجاوزات بحق المواطنين أكبر من المعدل الطبيعي، فلا يمكن أن يُفسر الأمر علمياً بالإنحرافات الفردية ، 2) وإما أنهم داخل معدل الإنحراف الطبيعي إحصائياً، ولكنهم يكررون تجاوزاتهم بإستمرار، بما يعني أن وزارتهم لا تحاسبهم من الأساس، بل تحميهم، كما يقتضي المنطق، بما يعني في النهاية، أن تجاوزاتهم هى سياسة وزارة وليس إنحرافات فردية !!

فلتفدنا وزارة "الحبايب"؛ فمعرفة المشكلة تقود سريعاً لمعرفة الحل !! نحن لا نعاديكم، فقط نريد أن نصلحكم !! فللآسف أصبحت الشرطة هى الإبن الضال لهذا الشعب المسكين، ولا يعني هذا أن ننسى توجيه التحية للشرفاء من ضباطنا، الذين نثق بوجودهم، ولكننا للآسف لا نراهم كثيراً !!


--------------------------------------------------------------------------------

[1] أي مع غض النظر عن تجاوزات يومية معتادة، وبسيطة من منظور وزارة الحبايب، تتدرج من السباب المُعتاد لمواطن مُسالم لم يفسح الطريق لسيارة الباشا، مروراً بصفعات مُهينة على وجه مواطن كل جريمته أن تصور الضابط رجل قانون وليس رجل عصابات، وانتهاءاً بممارسات أشنع، يدرجونها قانوناً تحت مُسمى سوء المعاملة، فلا ترقى لمستوى التعذيب .

[2] فقد إعتاد الأخيرون على الإستناد لسلطتهم وبمساندة وزارتهم - العادلة - على تهديد المجني عليهم بمزيد من التنكيل، إذا ما أصروا على رفع قضايا !!

[3] التعذيب في مصر ..سياسة دولة : التقرير الثالث لمركز النديم عن التعذيب والعنف المؤسسي ما بين أعوام 2003 – 2006 م – ص 214 : 244.

[4] تعدد وقائع التعذيب لضابط واحد تؤكد أنه لا حساب ولا عقاب على ضباط الشرطة، كما تدعي وزارة "الحبايب أبناء الحبيب" !!

[5] المصرية لحقوق الإنسان : 118 حالة تعذيب واضطهاد واحتجاز تعسفي في 2009 – وائل علي - المصري اليوم عدد 30/7/2010 م

[6] تقرير : يوميات التعذيب وسوء المعاملة..يناير – ديسمبر 2010م – تقرير عن "قوة العمل المناهضة للتعذيب"

[7] فالإكتفاء بمجرد ضرب أحدهم في مكان عام هو أمر بسيط جداً – يحمد الله عليه - بمقاييس الشرطة المصرية !! وكما يقول المثل "من شاف بلاوي الناس تهون عليه بلوته !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر