الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصية ابن الراوندي

عادل بشير الصاري

2012 / 1 / 19
كتابات ساخرة


لما اشتد المرض على احمد بن يحيى بن الراوندي ، وأدرك أن أجله قد آن أوانه طلب إلى خادمته وفاء أن تغير له ثيابه ، وأن تسرع في طلب كاتبه كامل .
لما شاهد ابن الراوندي كاتبه كامل أمامه سأله : أين باقي شلة الأنس ؟ شهاب وحكيم وعباس ومعروف وصادق ؟ .
أجاب كامل : جميعهم هنا يا سيدي ويطلبون الإذن بالدخول عليك .
لما دخلوا عليه بادرهم بالقول :
لماذا تأخرتم وقد علمتم أني سأغادر هذه الدنيا بعد قليل ؟ .
لم يجب أحد منهم بحرف ، فخيم على الحجرة السكون .
طلب ابن الراوندي من كاتبه كامل إحضار قلم وقرطاس ، وقال له اكتب : عني ولا تكتم شيئا مما سأمليه عليك :
أوصيكم بمتابعة البحث عن الحقيقة الأزلية ، حقيقة الوجود وخالقه وأنبيائه ، لا تملوا البحث في هذه القضية الشائكة ، لا أخفيكم أني أشعر بالحزن الشديد لأني لم أصل فيها إلى يقين قط .
اقترب شهاب وقال بصوت شجي :
نعاهدك سيدي على مواصلة البحث عن الحقيقة الأبدية ، ولكن لا تحزن يا سيدي ، فإن الطريق التي سلكتها وسلكناها معك طويلة جدا ومتاهة مضللة لا توصل إلا إلى العدم والفراغ .
هز ابن الراوندي رأسه ، وعندها سأل حكيم قائلا :
بمَ توصي لأبناءك وأحفادك ؟
أجاب : أبنائي ـ عليهم البهلة ـ خذلوني وعصوني حين اتهموني بالخرف والهرطقة ، لذلك لا نصيب لهم فيما سأتركه من مال ، أما أحفادي فأوصيهم بعقوق أبائهم وعدم الاكثرات لما يأمرونهم به .
سأل عباس :
وبم توصي لزوجتك سيدي ؟
تململ ابن الراوندي في مكانه وقال :
أوصيها بإطالة البكاء علي أمام الناس ، وبلطم خديها المكرمشين وشق جيوبها .
بم توصي لبناتك ؟
أوصيهن بالتبرج والغنج في القول والتفنن في الإيقاع بمن يفتن بهن .
وبم توصي لعبيدك فاسق وكافر ملحد ؟
عليهم البهلة ، هم عبيدي إلى يوم تغرب فيه الشمس في عين حمئة .
في هذه اللحظة أحس ابن الراوندي بالضيق من أسئلة عوَّاده فسألهم :
أتعرفون من قائل هذا البيت :
دقات قلب المرء قائلة له .... إن الحياة دقائق وثواني
أجاب معروف : إنه الشاعر المصري أمير الشعراء أحمد شوقي .
اتسعت حدقتا عينيْ ابن الراوندي وقال :
من أحمد شوقي هذا ؟ ومن الذي أمَّره على الشعراء ... لكن على أية حال أبلغوه أو أبلغوا ذريته أنه أشعر أهل مصر .
وقبل أن يهم صادق بالسؤال اتجهت إليه عينا ابن الراوندي وسأله :
من قائل هذه الأبيات :
محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عُربٍ ومن عجمِ
نبينا الآمـر النـاهي فلا أبـرَّ في قـول لا منه ولا نَعـمِ
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هول من الأهوال مقتحمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبل غير منفصمِ
أبان مولده عن طيب عنصره يا طِيـب مبـتدأ منه ومختتمِ
ِقال صادق : هذه الأبيات للبوصيري في مدح محمد .
امتقع وجه ابن الراوندي وقال والألم يعتصره :
أبلغوا العرب جميعهم أن البوصيري أصدق من مدح محمدا بن عبد الله .... وربِّ الشِّعرى إن محمدا ليستأهل هذا المديح وأكثر .... يا سوء ما فعلتُ ، ويا سُخف ما قلتُ في محمد ودينه .... أيمدح محمداً العربُ والعجم والبربر والسودان والجرمان والوندال والسكسون وأنا أسبُّه وأسخر منه ؟ .
والله لا يستوي المادح والسابُّ كما لا يستوي الأعمى والبصير ، والله إن مادح الرجل العظيم عظيم وشاتمه وضيع .
توقف ابن الراوندي عن الكلام هنيهة ، ثم تنهد وأشار بسبابته لعوَّاده قائلا :
أحلامَ الأطفال وعقولَ ربات الحجال ... لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم ... معرفة والله جرتْ ندما ، وأعقبت سدما ...
قاتلكم الله ... لقد شجعتموني على الجهل والسفاهة والكفر حتى جهلتُ على محمد بدون حق وكفرت بدينه ... أغربوا عن وجهي .. أغربوا عن وجهي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا