الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النجوم والأقزام البنية

هشام غصيب

2012 / 1 / 20
الطب , والعلوم



قلنا إن جوهر وجود النجم يكمن في التوازن الدقيق بين قوة الانهيار الجاذبي للكتلة الغازية الملتهبة المكونة للنجم وبين قوة ضغط الغازات المتنوعة الموجودة في هذه الكتلة (غاز البروتونات والإلكترونات والنيوترونات بصفة خاصة).



وفي المرحلة الأولى التي ينهار فيها النجم الأولي Protostar إلى نجم عادي كالشمس، تتم عملية الانهيار بوتيرة سريعة، فيتقلص نصف قطر النجم الأولي من حوالي مليون مليار متر (أي مليون مرة قدر نصف قطر الشمس) إلى حوالي مائة مليار متر (أي مائة مرة قدر نصف قطر الشمس) وذلك في زمن لا يتعدى عشرين ألف سنة فقط. ويعود السبب في ذلك إلى أن طاقة الانهيار الجاذبي في هذه المرحلة لا تتحول إلى طاقة حرارية لجزيئات الغاز، وإنما يستهلك جلها في تحطيم جزيئات الهيدروجين وتأيين ذراته، أي فصل ذرات الهيدروجين المكونة لجزيئاته عن بعضها من جهة، وفصل الإلكترونات عن البروتونات في ذراته من جهة أخرى. لذلك لا يبرز في النجم الأولي، إذ ينهار، ضغط قادر على إيقاف الانهيار أو إبطائه.

ويعقب هذه المرحلة إبطاء جلي في الانهيار، حيث إن عملية تأيين الهيدروجين تكون قد اكتملت تقريبا في نهاية المرحلة الأولى، فتبدأ طاقة الانهيار الجاذبي تتحول إلى طاقة حرارية للبروتونات والإلكترونات. كذلك، ففي نهاية المرحلة الأولى تصل كثافة النجم حدّاً يجعل من النجم كتلة كمداء، الأمر الذي يحد كثيراً من فقدان الإشعاعات المتكونة في النجم. وهذا بدوره يحافظ على حرارة الغاز النجمي، ومن ثم قوة ضغطه.



إذاً، يتباطأ انهيار النجم، في الوقت الذي تتعاظم فيه درجة حرارة باطن النجم. فإذا فاقت كتلة النجم المنهار ثمانية في المائة من كتلة الشمس، وصلت درجة حرارة باطن النجم درجات الحرارة اللازمة لبدء الاحتراق النووي قبل أن يبدأ تأثير ضغط الغاز الإلكتروني، ومن ثم توقف الانهيار واستقر النجم بوصفه مفاعلاً نوويا ضخما لمليارات السنين، وذلك بفعل قوة ضغط الغاز التي تغذيها طاقة الاحتراق النووي بصورة متواصلة. أما إذا كانت كتلة النجم دون (0.08) مرة قدر كتلة الشمس، بدأ تأثير ضغط الغاز الإلكتروني قبل أن تصل درجة حرارة باطن النجم إلى الملايين السبعة من الدرجات اللازمة لبدء الاحتراق النووي بين البروتونات. ومن المعلوم أن ضغط الغاز الإلكتروني لا يعتمد بصورة ملموسة على درجة الحرارة، كما إنه يتزايد إذ يستمر النجم في الانهيار من دون أن يصاحب ذلك تزايد في درجة الحرارة. لذلك فإن درجة حرارة باطن النجم تصل أوجها عندما تصل كثافته حدّاً يسمح لضغط الغاز الإلكتروني بالبدء بالتأثير على انهيار النجم. فإذا كان الحد الأقصى لدرجة الحرارة دون الملايين السبعة من الدرجات اللازمة لبدء الاحتراق النووي، تعذر تحول الكتلة المنهارة إلى نجم عادي مشع كالشمس، وحصلنا بدلاً من ذلك على ما يسمى قزماً بنيا، وهو “نجم” صغير الحجم بالنسبة إلى الشمس وخافت النور يكاد لا يرى بتاتاً. وهو يقع في الواقع ما بين الكواكب العملاقة، كالمشتري، والنجوم الصغيرة المشعة. فهو أكبر من أن يكون كوكبا عملاقاً وأصغر من أن يكون نجما عاديا مشعاً. وقد تمكن التلسكوب الفضائي “هابل” Hubble في غضون العام المنصرم من الكشف عن قزم بني تقل كتلته بالفعل عن ثمانية في المائة من كتلة الشمس. أما إذا فاقت كتلة النجم هذا الحدّ، وصلت درجة حرارة باطن النجم إلى أكثر من سبعة ملايين درجة، الأمر الذي يتيح حدوث الاحتراق النووي في باطن النجم لمليارات السنين، أي تحول الكتلة إلى نجم عادي مشع طويل العمر. وبالطبع، فإن النجوم العادية كثيرة التنوع من حيث كتلها وأحجامها وطاقاتها الإشعاعية وأعمارها. وبصورة عامة، فإنه كلما زادت كتلة النجم، زاد حجمه وطاقته الإشعاعية ونقص عمره. إذ تبين الحسابات والقياسات أن الطاقة الإشعاعية المنبعثة من النجوم تتناسب طرديا مع مكعب كتلة النجم. وعليه، فإنها تزداد بوتيرة متسارعة كلما زادت كتلة النجم. لذلك فإن النجوم العملاقة تستهلك وقودها بسرعة كبيرة نسبيا، الأمر الذي يقصر من أعمارها بالنسبة إلى النجوم العادية والصغيرة. وعلى سبيل المثال، فإن عمر شمسنا يبلغ حوالي عشرة مليارات سنة. أما النجوم التي تبلغ كتلة الواحدة منها نصف كتلة شمسنا، فتفوق أعمارها خمسين مليار عام. وفي المقابل، فإن النجوم التي تبلغ كتلة الواحد منها عشرة أمثال كتلة شمسنا، لا يتجاوز عمرها مائة مليون عام فقط. وعليه، فإن النجوم العادية والصغيرة تعيش حياة هادئة مديدة، وتموت موتا بطيئا. أما النجوم العملاقة، فهي تعيش حياة صاخبة قصيرة، وتموت موتا سريعاً وصاخبا، كما سنبين في مقالات لاحقة.



ولئن كان الحد الأدنى لكتلة النجم هو ثمانية في المائة من كتلة شمسنا، فإن الحد الأقصى هو حوالي مائة مرة قدر كتلة شمسنا. فإذا تخطت كتلة النجم هذا الحد، أضحت كتلة الغاز النجمي غير مستقرة وتناثرت بعيداً عن بعضها. وهذا ما تؤكده القياسات والحسابات المبنية على نظرية النسبية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم النجوم تبلغ كتلة الواحدة منها حوالي نصف كتلة الشمس، وأن حوالي عشرة في المائة من النجوم قريبة جداً من شمسنا من حيث الكتلة. أما النجوم العملاقة، فهي نادرة. ومع ذلك، فهي بادية جليا للعيان، حيث إنها تعلن عن نفسها بصورة دراماتيكية قل نظيرها في الكون. فجلها ينهي حياته بانفجارت عظيمة يطغى وميضها على وميض المجرة برمتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق طبي أردني ينطلق لشمال قطاع غزة لتقديم الخدمات الطبية


.. الأمير وليام يعود لممارسة مهامه الرسمية بعد تشخيص إصابة زوجت




.. ترسانة إيران.. تكنولوجيا قديمة لصواريخ حديثة


.. الأمير ويليام يعود لمهامه العامة بعد تشخيص إصابة زوجته بالسر




.. من إحدى مركبات مكافحة الشغب.. رش مسؤولين إيرانيين بالمياه في