الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطراس الذكورة

زيد كثير الحمداني

2012 / 1 / 26
كتابات ساخرة


الطِّرْسُ: الصحيفة، ويقال هي التي مُحِيت ثم كتبت، وكذلك الطِّلْسُ. ابن سيده: الطِّرْسُ الكتاب الذي محي ثم كتب، والجمع أَطْراس وطُروس. الليث: الطِّرْس الكتاب المَمْحُوُّ الذي يستطاع أَن تعاد عليه الكتابة، وفِعْلُك به التَّطْريسُ. "لسان العرب"



I
في مخيلتي المكتظة بذكريات الماضي البعيد فيض من الأحداث الغريبة والمواقف المثيرة وهذه الواقعة غيض من ذلك الفيض. وقفت -ويومها كنت على مشارف السابعة من عمري- متراصا مع ابن خالي وابنة جار لنا في ظهيرة أحد الايام، لا لاستقبال ضيف عزيز او قريب يزور بيت العائلة العتيق، وانما كانت وقفة إضطرار لامناص منها كي نفرغ مافي اجوافنا الصغيرة من سوائل ضارة حاولنا حبسها كثيرا اثناء لهونا ولعبنا في حديقة بيت جدي الرحبة. وقد ارتأينا انتخاب احدى السواقي الضيقة كخيار حكيم وسريع لحل تلك الازمة المتفاقمة. الى هنا كانت الأمور تسيرعلى مايرام وحسبما خطط لها. حلت السراويل قليلا وتناوشت الأيادي المرتجفة أفواه المرشات وطفق رشاش اصفر ينهمرعلى التربة الرخوة. فجأة حدث مالم يكن في حسباننا. فرشاش ابنة الجيران في لحظة انفلاته صار يرتد الى الخلف مغرقا فستانها الأبيض بما لا تشتهيه الأنفس الصحيحة. هرعت خالتي وسط عويل الفتاة الصغيرة وضحكاتنا المكتومة وقالت لها بلهجة بغدادية غليظة: ولج ثولة -حمقاء- انت بنت وهذوله أولاد!
كبرنا واكتسبنا فضيلة قضاء حاجاتنا في بيوت الأدب لا في السواقي الطينية الرطبة أو خلف الابواب الخشبية المتهالكة. الا ان معضلة الجندر-نوع الجنس- التي كانت تواجه ابنة جارنا -الحمقاء بانوثتها- بقيت على حالها دون حل. فهي لا تستطيع الخروج من المنزل للتسوق او لزيارة صديقة لها الا بعد تصريح موثق ومصدق من ذكربالغ غير أحمق: الأب او احد الأخوة.
II
كان يهل بين الفينة والأخرى خاطب للزواج من قريبة لي أومن اخت لصديق عزيز او جار اليف. وعادة ماكان أهل الفتاة يتحرون عن احوال الخاطب المادية والطبقة الاجتماعية التي ينحدر منها وتحصيله العلمي. وفي كثير من الاحيان كان التقرير الصادر من مديرية شؤون الخاطبين يمكن تلخيصه بهذه الكلمات: "شاب طيب ومن عائلة كريمة وحالته المادية متوسطة، ولكن! كانت له مغامرات عاطفية قد ترتقي الى درجة العبث مع الجنس الآخر،اما الآن فقد صار ناضجا ويبغي الحلال. توكلوا على الله يا جماعة الخير."
كذاب أشر من يدعي أن العكس صحيح. حيث تقدم احد ابناء محلتنا لخطبة فتاة من محلة مجاورة ووصله التقرير الآتي عنها: " فتاة محترمة ومن عائلة راقية، ولكن! كانت لها في السابق مغامرات عاطفية ساخنة ترتقي الى درجة الوصال الحميم وقد تابت عنها الآن." يقال ان الخاطب بعد سماعه لذلك التقرير فر من الفتاة فرار المعافى من المجذوم. واكاد اجزم بأن موقفه هذا هو موقف السواد الأعظم من ذكور الأمة، اللهم الا ان كان الخاطب نبيا مرسلا اوصديقا منتجبا، والانبياء قد ختموا والصديقون في المعتقلات!

III
في الجهة الأخرى من العالم. هناك حيث تصنع الكومبيوترات والصواريخ العابرة للقارات وسفن الفضاء والغواصات النووية والواقيات الذكرية وووو... للعفة معنى آخرلا يرتبط بنوع الجنس وانما بطبيعة الفعل نفسه. فمفاهيم كالخيانة والخطيئة والفضيحة تلحق مستوى متماثلا من الضرر النفسي عند كلا الجنسين. ويمكن القول دون كثير تحفظ أن التمييز بين الجنسين في الغرب يرتكز والى حد بعيد على التمظهرات الخارجية. بل وصل الأمر عند البعض الى الدرجة التي يحاول فيها التقليل من أهمية تلك التمظهرات، حيث قرأت قبل سنوات خلت تصريحا للممثلة الامريكية الشهيرة جوليا روبرتس في معرض ردها على سؤال موجه اليها من قبل احد الصحفيين عن سبب اشهارها المفرط لتكورات ثدييها في فيلم آيرين بروكوفيتش. وكان جوابها جريئا وعجيبا: " يظن معشرالرجال انهم متميزون عنا بالبروز الذي يملكونه في الاسفل، وانا اقول لهم انتم مخطئون يااعزائي، لاننا في الاعلى نملك بروزا اكبر منه!"

VI
الغرب لم يصل الى درجة المساواة تلك بل والمغالات فيها احيانا الا بعد قرون عديدة من اضطهاد المرأة واعتبارها من قبل بعض المرجعيات الدينية المتطرفة روحا شريرة حلت في جسد انساني.
اما في شرق الكرة الأرضية، وتحديدا في البلاد العربية ذات الأغلبية المسلمة -في واقع الأمر حتى الأقليات الدينية الموجودة في هذه البلاد صارت تقترب فكريا من الاكثرية المسلمة في المنحى الذكوري- هناك حاجة حقيقية لخوض معارك ضارية ضد الذكورية الضاربة باطنابها في اعماق المجتمع والتي تؤثر سلبا على ممارسة التنويرالأجتماعي الذي يدعو اليه المصلحون الاجتماعيون وعلى العقلانية التي يدعو اليها الفلاسفة والمفكرون. ومن نافل القول ان مفهوم سيادة الذكر في البلاد العربية لا يستند على مرجعية دينية واضحة المعالم. لان الاسلام -وحسب فهمي- لا يمنح الرجل السلطة المطلقة التي يمارسها اليوم وخصوصا في المجتمعات الريفية البعيدة عن الحواضر المدنية. تفكيك سيكولوجية الذكورة الجاثمة في العقل الشرقي عموما والعربي على وجه التحديد -وكاتب هذه المقالة ينتمي دون شك إلى حظيرة العقل العربي- قد تحفز بعض الاصوات التوستيرونية المتطرفة على شتمي ونعتي بنعوت الرذيلة والتهتك لاني رمت نقد ذواتنا والكشف عن بعض عقدنا المسكوت عنها. وكل ذلك لايهم، لأن الاهم هو أن يأتي اليوم الذي تستطيع فيه المرأة القابعة في دياجير الذكورة اللارشيدة من مفاوضة قرينها الرجل والوقوف بوجه سطوته الشمولية بقولها له:"إن كنت مصرا على التحديق في عيني ميريام فارس فانا مصرة على التأمل في شفتي راغب علامة. وليست الشفاه كالعيون أيها المغفل"

سلامٌ عليكم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-