الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطفى الحسينى يعود إلى -الساقية-

سعد هجرس

2012 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


نفس هذه الرحلة الحزينة قمت بها مرتين من قبل .. حين ذهبت إلى سنتريس – منوفية – مرة مشاركاً فى جنازة الكاتب الكبير جلال السيد ومرة ثانية مشاركاً فى جنازة الصحفى المخضرم عبد الستار الطويلة.
ويوم السبت الماضى.. قمت بالرحلة للمرة الثالثة.. لكن بدلاً من التوقف فى سنتريس اكتفيت بعبورها إلى "ساقية أبو شعرة" على مرمى حجر... للمشاركة فى وداع الزميل والصديق الكاتب الكبير جدا مصطفى الحسينى.
وفى الطريق أجريت بعض المكالمات الهاتفية للزملاء فى الصحف القومية والخاصة والحزبية لإبلاغهم بالخبر الأليم من اجل نشره فى صحف الأحد.
وكانت صدمتى الثانية – بعد صدمة وفاة مصطفى الحسينى – هى أن كثيراً من الزملاء الصحفيين لا يعرفون القيمة الكبيرة لهذا الكاتب الصحفى الفذ، أو لا يعرفونه من الأصل.
لكنى التمست لهم العذر وأنا استعيد شريط الذكريات مع مصطفى الحسينى والمحطات الرئيسية لحياته بينما السيارة تشق طريقها فى قلب ريف المنوفية.
فهذا الكاتب الاستثنائي واحد من تلك الكوكبة الذهبية التى تفتح وعيها فى حقبة النضال الوطنى من أجل "الاستقلال" و"الدستور". فكانت تحارب الاستعمار الإنجليزي بيد" و"السراى" والنظام الملكى باليد الأخرى. وتفتح العينين فى كل الأحوال على تجارب العالم للخروج من أطواق التخلف والفقر والتبعية والخرافة.
لذلك نجد ان معظم هؤلاء – على الرغم من تنوع انتماءاتهم الفكرية والسياسية – أيدوا ثورة 23 يوليه 1952 بدرجات شتى من الحماس... ولكنه حماس بعيون مفتوحة وبعقلية نقدية، ومن الموقع المستقل لا التابع.
لكن هذا التأييد "النسبى" لم يكفل لمصطفى الحسينى – والعديد من زملائه – النجاة من الاضطهاد لأن من نجحوا فى القضاء على النظام الملكى لم يكونوا يقبلون بأقل من التأييد "المطلق".
ولم يكن مصطفى الحسينى من أولئك الذين يعطون "شيكاً على بياض" لأى نظام حاكم، حتى لو كان نظاماً وطنياً. بل تمسك بموقفه المستقل والانتقادى، فى وقت لم يكن فيه هذا الموقف "مجانياً". فدفع ثمنه من حريته ومن أحلى سنوات العمر.
ولم يمضى وقت طويل على إطلاق سراحه حتى وقعت الهزيمة الموجعة فى يونيه 1967... وكان رده على هذه الهزيمة المروعة بالانضمام إلى صفوف المقاومة الفلسطينية، فى عصرها الذهبى، مع تمسكه بموقفه النقدى من قادة منظمة التحرير الفلسطينية.
****
وبعد هذه التجربة النضالية الثرية فى صفوف المقاومة الفلسطينية عاد الحسينى إلى ساحته الأصلية وسلاحه الأقوى... الصحافة والقَلم.
وبعد صولاته وجولاته فى بلاط صاحبة الجلالة فى مصر فى الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات سافر مصطفى الحسينى ليثرى الصحافة العربية منذ الثمانيات.
ومن المفرح – والمؤلم فى الوقت ذاته – أن تنعاه الصحافة العربية أفضل من الصحافة المصرية. ففى اليوم الثانى لوفاته كتب الزميل العزيز الكاتب الكبير طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير كلمات مؤثرة للغاية قال فيها "يعز على السفير أن تنعى لقرائها، بل إلى الأمة جميعاً، كبيراً من كتابها، وركنا من أركان عمارتها المهنية، فكريا وسياسياً، هو الزميل مصطفى الحسينى". ويضيف طلال سليمان "جال مصطفى الحسينى لسنوات فى عواصم القرار، بعد القاهرة، ومنها عبرها، فأقام فترة فى واشنطن ولفترة أخرى فى لندن، ولفترات أطول فى بيروت التى كان يتركها ليعود إليها عاشقا. وهو قد عرض وناقش الكثير من المفكرين والمبدعين، كتابا وبحاثة، فى السياسة كما فى الاقتصاد، وفى الاجتماع كما فى الفنون... وجال فى السفير محررا وكاتبا ونائبا لرئيس التحرير ومراسلا متجولا ومحللا استراتيجيا. وبقى فيها حتى وهو غائب عنها.. هو المناقش الذى لا يتعب عبر رحلة البحث عن اليقين ، مهما طالت، وهو الذى لا يطمئن إلى صواب الرأى إلا بعد تدقيق مضني، وإن ظل على إيمانه بالبديهيات فكريا وسياسيا واجتماعيا".
****
وبمناسبة الحديث عن بيروت فأن نظام حسنى مبارك لم يكتفى بمطاردة قلم مصطفى الحسينى داخل مصر، بل لاحقه خارجها، لدرجة أن زكريا عزمى شخصيا قام بالاتصال بكل الصحف والمجلات العربية التى تستكتب مصطفى الحسينى من أجل شيء واحد هو منعه من الكتابة. وأذكر أنه كتب بعد ذلك رسالة مطولة إلى الزميل جلال عارف نقيب الصحفيين وقتها تحتوى على تفاصيل ذلك طالبا تدخل نقابة الصحفيين.
****
وبمناسبة بيروت أيضا أظن أننى لم أعرف العاصمة اللبنانية الجميلة إلا عندما سلمنى مصطفى الحسينى مفاتيحها. وهو نفس ما فعله معى عندما كان يقيم فى لندن.. ولم تكن علاقتى بمدينة الضباب تتجاوز علاقة "السياح".. فجاء مصطفى الحسينى وأدخلني شرايين هذه المدينة الإمبراطورية.. وهو الذى لايترك "شاردة أو واردة".
****
وكل الكلمات لا توفيه حقه.. لكن يكفى الآن أن أردد ما قاله طلال سلمان أن مصطفى الحسينى كان الشاهد على عصره والذى لم يسمح للزور أن يمر لأنه بقلمه كان يحاول حماية الحقيقة.. ولقد حماها حتى النفس الأخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن