الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خير أمة أُخرجت للناس، وأوهام أخرى..

معاد محال

2012 / 2 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في كل مرة يتم فيها تناول موضوع العالم الإسلامي ومقارنة أحوال الإنسان والمجتمع فيه مع العالم الغربي، يطيب للكثير من رجال الدين والشيوخ التركيز على الأزمة الروحية التي يعيشها الغرب، والترديد-بكل ثقة واطمئنان- بأن المشاكل التي تعاني منها المجتمعات الغربية كاكتظاظ دور المسنين وارتفاع نسبة الإدمان والانتحار و"الانحلال الخلقي" سببها الافتقار إلى الدين، وفي كل مرة ينتابنا القلق والانزعاج من سوء معاملة الغرب لنا خصوصا فيما يتعلق بالدين يطمئننا هؤلاء- بثقتهم المعهودة -ولسان حالهم يقول إنهم يهاجمون ديننا لأنهم يعلمون أننا على حق، والحال أن هذه التفاسير الذاتية والسهلة التي لا يتبناها سوى السذج، ما هي إلا وجه من الأوجه العديدة التي نبرر بها تخلفنا وتأخرنا على اللحاق بالدول المتقدمة، ومع تنامي إحساسنا بالعجز والدونية كان سبيلنا هو العودة إلى الماضي، نبحث عن ذواتنا في الجذور والقومية وفي التراث الإسلامي، لتخلف هذه العودة إلى الوراء مشاعر أكثر تدميرا للعقلية الإسلامية أبرزها تضخم الذات والتكابر على باقي الأمم باعتبارنا خير أمة أُخرجت للناس، وحينما تمتزج هذه المشاعر مع واقع بلداننا العربية الإسلامية و ما يميزها من فقر وظلم وفساد وطغيان فإن النتائج تكون كارثية.
لأسباب ولعوامل معروفة يكن العديد من العرب والمسلمين مشاعر عدائية هائلة لأمريكا أبرزها موقفها المساند للكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وسياستها الامبريالية التي تحاول فرضها في الشرق الأوسط، ولنفس الأسباب برز إلى الوجود تنظيم القاعدة الذي رفع راية الجهاد ضد هيمنة الصليبيين على العرب وليزيد في حدة المشاعر المعادية لأمريكا والغرب. وبسبب شعورهم بالخطر والتهديد كان رد فعل الأمريكيين هو مواجهة العداء بالعداء تجاه أي امرأة ترتدي حجابا أو نقابا وتجاه أي رجل ملتح بجلباب قصير على جبهته زبيبة، لأن منظر المسلمين الذين يكنون الكره للحضارة الأمريكية وفي نفس الوقت يعيشون فوق التراب الأمريكي اعتبره بعض الأمريكيين استفزازا لهم، ومن المعروف أن أحداث 11/09 قد زادت من حدة موجة العداء للإسلام باعتباره دين ينشر الإرهاب في العالم-على حد زعمهم-. لكن المؤسف في الأمر أن الاضطهاد الذي عانى منه المسلمون في الغرب شكل مادة تسويقية جيدة لبعض شيوخ الفضائيات خاصة حينما وصل العداء والسخرية من الإسلام ذروته في الرسوم الدانمركية وما أثارته من تداعيات استمرت لفترة من الزمن، وخلال تلك الفترة كان الإقبال على خطب رجال الدين كبيرا، فبدؤوا يمطروننا بخطابات وهمية لا تمت للمنطق بصلة مفادها أن الغرب يسخر من الإسلام ويهاجمه لأنه دين الحق، وأن مظاهر تديننا تزعجهم كما تنزعج الشياطين من آية الكرسي، ولولا أننا الأفضل ما عادونا...الخ، وعليه فإن الحلول التي اقترحها هؤلاء كسلاح نواجه به الغرب هو التمسك بالتعاليم الدينية وبالجذور أكثر، والعجيب أن هذه الخطابات ألهمت الكثيرين، وبالتالي عوض البحث عن حلول واقعية جادة نتمكن بها من استرجاع كرامتنا ونتغلب بها على عجزنا وتخلفنا يدفعنا تجار الدين هؤلاء إلى الرجوع إلى الوراء أكثر وعليه الانحدار أكثر وأكثر نحو مستنقع الأمم.
ومع هذا التوجه الجارف نحو الماضي لم تبقى في اليد حيلة نواجه بها عجزنا وانحطاطنا سوى تمجيد الأسلاف والافتخار بمخلفاتهم أمام منتجات العصر، فصرنا نواجه العلماء الأحياء بالعلماء الأموات، والطب الحديث بالأعشاب البدائية، هكذا دون أن نكلف أنفسنا عناء بذل الجهد وتقديم شيء جديد للأجيال التي سنكون نحن أسلافها، وعوض ذلك، قررنا –ومع قسط وافر من الكسل- الاستغناء عن كل كتب العلوم، والتشبث بكتاب الله وحده الذي يحتوي على كل ما تم وما لم يتم اكتشافه بعد، وبالرغم من امتلاكنا هذا الكنز الهائل من الإشارات إلى جميع هذه النظريات والاكتشافات العلمية-حسب ما نزعم-، لا أحد من "علمائنا" استطاع في الواقع أن يستخرج منه اكتشافا علميا واحدا لم يُكتشف بعد.
إن فكرة الدين بصفة عامة تتجلى في وجود قوة كونية تنشر العدالة في الأرض بين الناس، تجازي من أحسنوا وتعاقب من أساءوا عملا، وبسبب تفاوت إيمان الناس واختلاف معتقداتهم، أنتج الفكر البشري قوانين وضعية وضعها بنفسه، فالعدالة إذن كانت مطلب الإنسانية منذ الأزل. والمتأمل في أوضاع عالمنا العربي اليوم سيجد أن أهم ما نفتقر إليه هو العدالة، فكم من فاضل مُهمش وكم من مجرم مُمجد، وكم من أعراض تُنتهك و أملاك تُغتصب، وكم من بذيء رديء يضع نفسه فوق القوانين ويدوس عليها ولا من رقيب، فلجأ الضعيف منا الذي لا حول له ولا قوة إلى السماء كي تنصفه بعد أن عجز عن إيجاد من ينصفه على الأرض، ويستمطر منها اللعنات على كل ظالم غاشم، ومن هذا الشعور باليأس والظلم والتهميش يتولد الانجذاب نحو ثقافة احتقار الحياة، ومن هناك يتولد الميل نحو التعصب. لكن، أبالرجوع إلى الوراء يحقق الإنسان النصر والتقدم؟ أباعتناق التعصب يسترجع الحقوق؟
أبدا، ومما لا شك فيه أن الثورات العربية التي شهدناها مؤخرا منحت الإنسان بديلا آخر لاسترجاع حقوقه وكرامته، بعد أن مل هذا الإنسان-عن وعي أو عن غير وعي- الدعاء الغير المستجاب، وإن كان الحدث الذي أشعل هذه الثورات هو إنسان يُحرق نفسه في تونس وهو نفس المشهد رأيته يتكرر في الرباط بعد نجاح ثورات تونس ومصر وليبيا، مما يدل على أن فكرة الموت لا تزال تراود البعض، ومع تزايد الفساد والقهر والظلم فإن العدد حتما في تزايد.
بالإضافة، فبالرغم من أن هذه الثورات كانت مرتبطة بمصطلح التغيير، على مستوى العقليات لم أشهد أي تغيير، وهو ما أثبته النتائج الانتخابية الأخيرة في تلك البلدان، لا تزال فكرة العودة إلى الوراء تستوطن ذهن الأغلبية، لا تزال الأغلبية تعتقد في أن الحل الأفضل الذي سيساعد الأمة في التغلب على كل أزماتها هو الاقتداء بالسلف الصالح، لا تزال الأغلبية تصدق ما يُسمى ب"الإعجاز العلمي" وما يصاحبه من دعوة إلى الكسل والغطرسة المرضية، ومع كل هذا وغيره نبرر كل مظاهر عجزنا وفشلنا بالمؤامرات التي تسعى للقضاء علينا، وأي محاولة فكرية جادة تعري واقعنا وتفضح شكلنا نعتبرها –هي الأخرى- مؤامرة تسعى لتشويه صورتنا وصاحبها هو بالضرورة عميل، وبهذا نكون قد أجدنا-بالشكل الجيد- التآمر على أنفسنا للدفع بها نحو مزيد من الانحطاط والتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة


.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر




.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ