الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمعات العربية ومعضلة البحث عن هوية

خيري حمدان

2012 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



تبدو المجتمعات العربية المعاصرة، كأنها مجتمعات في مهبّ الريح، تبحث عن مكانها فوق خريطة الشرق الأوسط، قبل أن تحلم بالتواصل مع المجتمعات الدولية. مع أن بدايات الربيع العربي جاء نتيجة للتواصل مع العوالم المتقدمة عبر نافذة الانترنت، وبعد أن أدرك المواطن العربي بأنه من الممكن الحصول على حياة كريمة أفضل بكثير مما تعرضه الأنظمة العربية، وهكذا اندلعت الثورات الواحدة تلو الأخرى من تونس وحتى سوريا.
إذا جاز القول بأن المجتمعات العربية غير ناضجة، فهذا لا يعني بأن الأنظمة الحاكمة أكثر نضوجًا من المجتمعات التي تحكمها بقوة السلاح والنار. ولو كان الأمر غير ذلك لما واجهت هذه الأنظمة الثورات العربية بهذا العناد الغريب، مهما كان الثمن المتوقع. وها نحن الآن نقف أمام صورة دراماتيكية مؤلمة في سوريا، حيث انقسم المجتمع وبات هناك في كلّ بيت قتيل ومشروع لثأر. لا يمكن فهم موقف النظام االسوري، مهما بلغ حجم الدعم الروسي والإيراني، لأنه ليس من المتوقع أن تقف روسيا ضدّ المجتمع الدولي إلى أجل غير مسمّى، ونحن ندرك طموحها بالضغط على حلف الناتو ومنعه من نصب عناصر الدرع الصاروخية في الدول الأوروبية ليس بعيدًا عن الأهداف الروسية الاستراتيجية. بل وتمّ عمليًا نصب أول رادار لإرسال إشارة إنذار مبكر فوق الأراضي التركية، وهناك نوايا بنشر المزيد منها في رومانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى. لروسيا أهداف واضحة، وترغب بالحصول على جزء من قطعة الجاتو التي قد يتمّ تقسيمها بمنأى عن الروس، ولن يتبقى للنظام الروسي من داعم وسند سوى الشعب السوري حال تخلّي روسيا عنه.
التعنت الذي أصرّت عليه الأنظمة العربية، خلق حالة من العداء الشديد، ما سيؤدي بلا شكّ إلى تأخير إعادة بناء هذه المجتمعات، وهي تبدو ألآن تائهة في مهبّ الريح، فلا هي استفادت من التغيير لتسارع في بناء المؤسسات الديمقراطية، ولم تبقِ على الإنجازات التي خلفتها هذه الأنظمة. وأكبر مثال على ذلك ما نشهده في مصر من تخبط واضح على كافة المساقات. شاهدنا عمليات قتل على خلفية كروية، وهو أمر يصعب تصديق حدوثه في مجتمع متماسك، ما أدى إلى حالة من الكراهية ضدّ رياضة كرة القدم الجميلة، والتي تعدّ بمثابة امتحان لمعرفة مدى التسامح بين طبقات المجتمع على اختلاف مشاربها. الشأن الآخر الذي لفت الأنظار، محاكمة الفنان عادل إمام مرتين. المرة الأولى حين وقف ضدّ الثورة الشعبية وناصر الرئيس الدكتاتور حسني مبارك، والثانية محاولة الإسلاميين محاكمته لإساءته للإسلام في أفلامه وأعماله السابقة العديدة، التي صفقنا لها مقدّرين لموهبة هذا الفنان الفذّ. وبالرغم من كلّ هذا التناقض نرى بأن محاولات طمس شخصية المواطن مستمرة من قبل الأنظمة الجديدة، لكن جاء القمع والتهميش هذه المرّة على خلفية إسلامية عقائدية، وهذا ما كان يتخوف منه المجتع الطامح للمدنية بحقّ، بعيدًا عن سلب الإرادة والإسكات وبالتالي الإذلال. كأنّنا لم نحرّك ساكنًا للأسف ولم نعتبر من أخطاء ودروس الماضي القريب.
ندرك جيدًا بأن أعمار الثورات طويلة ولا يمكن قطف ثمارها بهذه السرعة، لكن لا بدّ من وضع أسس للبدايات، فنحن لسنا حقل تجارب دائم، ونستحق الحصول على حرياتنا، ولا يمكن السماح مجددًا لأصحاب اللحى بأن يفرضوا على المجتمعات العربية طرق التعامل الحياتية اليومية، وتحديد القدم التي ندخل فيها الحمام ومتى نأتي نساءنا وكيف نشرب ونأكل وماذا نقرأ ولمن نكتب! لا يمكن قبول هذا النمط الجديد من الحكم تحت مسميّات عقائدية. أغلبية المجتمعات العربية مسلمة، وقد تكون مختلفة في طريقة إسلامها، هناك أيضًا المسيحيون واليهود وأقليات عديدة أخرى، ولا بدّ من احترام إرادة الأقليات المختلفة والمطالبة بإقامة نظام سياسي قادر على جمع كافّة طبقات المجتمع حقنًا للدماء، واحترامًا للاختلاف فهو وحده القادر على خلق حالات الإبداع والارتقاء بالمجتمعات العربية إلى آفاق واسعة وكبيرة، تسمح بالتالي بنطور الاقتصاد وفتح المجال لقطاع العمل للنمو والتطور، وجذب الاستثمارات الأجنبية، التي تخشى التوتر وتأمل بوجود تربة مستقرة آمنة لوضع الأسس الملائمة لاستثمارات واعدة.
الاستثمارات الأجنبية ليست صعبة أو مستحيلة، لكن يجب أن ندرك بأن أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة هم بشر مثلنا، يرغبون بأن يذهب أبناءهم إلى مدارس في مناطق مستقرة آمنة، ويريدون أن يستمتعوا بحياة هادئة بعيدًا عن القلاقل والحقد والثأر والخطف والموت.
جميع المؤشرات تقول بأن المجتمعات العربية ما تزال قلقة متوترة، لكنها مجتمعات شابّة، وعنصر الشباب هو القادر على التغيير فهو الذي يحمل جينات التطور. المجتمعات العربية تملك الفرصة لأن تصبح فاعلة وقادرة على التأثير، كما يوجد من الخيرات والنفط ما يكفي للارتقاء باقتصاد هذه الدول إلى مستويات جيدة، يكفي بأن يُفسح المجال للإبداع والعطاء ووضع برامج جادة لمكافحة البطالة بين الشباب، علمًا بأن تقارير "اليورو ستات" تشير إلى أن البطالة آخذة بالارتفاع بين عناصر الشباب في القارة الأوروبية، التي وصلت إلى معدلات مقلقة، ففي أسبانيا بلغت هذه النسبة 20%، أما اليونان وإيطاليا والبرتغال فحدّث ولا حرج، ولا يختلف الوضع عنه في دول البلقان.
في ظلّ الأزمة العالمية التي تركت ظلا ثقيلا في معظم الدول، نجد بأن العالم العربي يمتلك فرصة تاريخية للتميز وتحقيق معجزة. ويمكن خلط الأوراق بطريقة جيدة والاستفادة من أزمة المديونية الأوروبية، وإقامة جسر اقتصادي مع الصين، التي تمتلك سلة النقد والقادرة على الاستثمار بمليارات الدولارات واليورو أينما طاب لها ذلك، وهي تسعى حاليًا لبناء خط سكك حديدة سريع جدًا وعابر للجمهوريات السوفييتية السابقة حتى إسطنبول، ومن ثمّ تجاه اليونان وبلغاريا فأوروبا، بغية الوصول إلى الأسواق الأوروبية بأقل التكاليف الممكنة. تُرى، ما الذي يمنع من الاستفادة من هذا المشروع العملاق، وسوريا تقع على الحدود التركية. نعم لكن لا بدّ قبل ذلك من وقف تيار الدمّ المتدفق من الشريان السوري، ولا بدّ من إعادة المياه إلى مجاريها. من يدري متى يمكن أن يتحقق ذلك؟ قد تفكر الصين عندها في بناء خط سكك حديد إلى المريخ! وهذا منتهى التشاؤم. وقد تصل هذه الخطوط إلى الحدود التركية السورية قبل الربيع المقبل، وهذا منتهى التفاؤل!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن