الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيدٌ .. ولكنْ لا أقولُ سعيدُ

عادل بشير الصاري

2012 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أيام قلائل تمر الذكرى الأولى لثورة السابع عشر من فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي .
هذه الذكرى تمثل العيد الأول لنا ـ نحن الليبيين ـ بعد عقود من النكد والهم والغم ...
يوم السابع عشر من فبراير هذا العام هو يوم عيد ، لكنه ليس عيدا سعيدا لكل الليبيين ، ففرحته ناقصة مشوبة بالقلق والخوف من المستقبل .
كيف يسعد الليبي الحر بهذا العيد ، وهو يرى الدموع تنهمر من عيون الأرامل واليتامى والمغتصبات ؟ ويرى العائلات المشردة ، والبيوت المهدمة ، والمدن الكئيبة ؟
وكيف يسعد الليبي الحر بالعيد ، وهو يرى البلاد تسيرها هياكل إدارية شاحبة تسمى المجالس المحلية والعسكرية ؟
أعيدٌ وبلاد شاسعة الأطراف يصول ويجول فيها شباب أغرار يتسلون في النهار بالسلاح وفي الليل يسكرون ويعربدون ؟ .
أعيدٌ وأطراف من البلاد تتقاسمها القبائل والمليشيات وزمر من أعوان النظام السابق ؟
كان عهد القذافي عهدا ذهبيا بامتياز للغوغائيين والمهرجين والمجرمين والقبليين والقتلة ولصوص المال العام والخاص ، لذلك هم دافعوا عنه بشراسة لأنهم اقتنعوا بأنهم لن يستطيعوا العيش في ظل نظام دستوري مدني محترم .
لقد أجبر القذافي بعناده وسوء تقديره للأمور الليبيين على الحرب ضده وضد كتائبه ، فخاضوا غمارها ودفعوا فيها أثمانا باهظة جدا ، عشرات ألاف الضحايا والمشوهين واليتامى والأرامل ... حكومة مشلولة لا تستطيع فعل شيء يذكر ، تنمية مجمدة ، اقتصاد مهلهل ، نسيج اجتماعي ممزق ، أحقاد وبغضاء ودماء بين الأفراد والمدن والقبائل .
ولكن مع هذا فإن المشهد العام في ليبيا ليس سوداويا قاتما على الدوام ، فهناك ومضات أمل وبروق واعدة ، تلمع هنا وهناك بين الحين والآخر ، وتبشر بعهد جديد وغد سعيد .
خلال العام الفائت تحسنت الصحة النفسية لعدد من الليبيين كانوا مرضى الخوف والظلم والكبت والحرمان ، فاستعادوا ثقتهم بأنفسهم ومواطنيهم وببلدهم ...
اكتشفوا فجأة أن لهم وطنا يحبونه ، كادوا ينسون اسمه وتضاريسه ومدنه وقراه ..
تنفسوا الصعداء لما أحسوا بآدميتهم وبوجودهم ، فزهَّر الياسمين في الحدائق ، واخضر الزيتون في المزارع ، واستعاد البحر المتوسط زرقته ، وارتوت الأرض ، ولعب الأطفال بحبات البَرَد .
أيها الليبيون الطيبون المحبون للحياة ...
انتبهوا وتيقظوا ... فإن وراء الأكمة ما وراءها ...
إنْ أردتم أن تنهضوا ببلدكم فانسوا أحقادكم وتساموا عن نزوات نفوسكم ، وقدموا أهل العلم والخبرة ليسوسوكم ...
تصالحوا وتسامحوا فيما دون الدم والعرض ، فالدم لا يورث إلا الدم ، ولا تكونوا كالأفغان أو الصومال الذين ثاروا على طاغيتهم ، فطغوا بثورتهم وعاثوا في بلادهم رعبا ونهبا وتقتيلا فيما بينهم ، فصاروا بأفعالهم المخزية هزأة وأضحوكة بين الأمم المتحضرة .
يا ثوار ليبيا الأشاوس .. يا من أزحتم عن صدورنا ثقل السنين العجاف .
لا تجعلوا الثورة حالة دائمة وسلوكا محببا يسلكه بعضكم للعبث بمقدرات البلاد ومصالح العباد ، فإن الأحوال لا تستقيم بالثورة المستمرة كما كان يفعل القذافي ، بل بالحكمة والروية والسياسة الرشيدة ، فالثوار الواعون يدركون أن الثورة على نظام الحكم فعل اضطراري وحالة مؤقتة يفرضها ظرف استثنائي ، ثم يعقبها استقرار وتفكير واع في المستقبل ، وإلا تتحول الثورة إلى انقلاب عسكري غير شرعي ، ويتحول الثوار إلى رجال عصابات .
يا أبناءنا الحلوين ... يا من تعافى بكم وجداننا المطعون .
ضعوا أسلحتكم ، ولا تأخذكم عزة انتصاركم بالإثم والعدوان على أهاليكم .
امتثلوا للحكومة الشرعية ، وأعينوها على بسط سلطاتها ، وإن ساءكم منها أمر فاصبروا ، فالصبر من خلق الأبطال .
لقد أضأتم لنا الأنوار فلا تطفئوها ، ومهدتم لنا الطرقات فلا تقطعوها ، ومسحتم أعيننا فلا تفقؤها .
لا تهدموا ما بنيتموه بسواعدكم ، لا تكونوا بديلا عن اللجان الثورية ولا عن الأجهزة الأمنية القمعية السابقة ... إلا تفعلوا تكن فتنة كبيرة وشر مستطير، وستجعلون أبناء بلدكم يندمون على التعاون معكم ، وسيتمنى بعضهم عودة ذاك العهد البغيض وسيتحسرون على زواله ....
سيقول المغرضون إنكم صنيعة الغرب ودمى الناتو فصمُّوا آذانكم عنهم ، وسيقول آخرون إنكم أخطأتم هنا ، وأفسدتم هناك ، فانصتوا إليهم ، وراجعوا أنفسكم ، وانبذوا من بينكم المنافق والمهرج والمتسلق ، ولا تغتروا بما لديكم من سلاح وسلطات ، فما أنقذت القذافي يوم أزفت الآزفة أسلحته ، ولا نفعته سلطاته وزبانيته ، وفي ما حدث له ولأمثاله من الطغاة عبرة لمن اعتبر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير