الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول نفوذ منصور حكمت على الشيوعية والشيوعيين في العراق

عصام شكري

2012 / 2 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس الحزب الشيوعي العمالي الايراني - مقابلة صحيفة انترناسيونال مع عصام شكـري
------------------------------------------------------------------------

شكرا لإتاحة الفرصة لي للحديث عن تأثير منصور حكمت على الشيوعيين والحركة الشيوعية في العراق ككل.

أولا، أود أن أبدأ بإعطاء خلفية عن الحركة الشيوعية في العراق في الفترة السابقة لنفوذ منصور حكمت. كان العراق في الثمانينات في حرب مع ايران. وكان نظام صدام حسين القومي في ذروته، عقائديا وعسكريا. في بغداد والعراق عموما، عانت الحركة الشيوعية من ضربات كبيرة من قبل القوميين العرب، وكان الانتماء للشيوعية، أو للأحزاب الشيوعية يؤدي الى الملاحقة والمحاكمة وربما التعذيب والإعدام. فر مئات الآلاف من الشيوعيين من البلاد قبل حرب 1980. لهذا السبب كان الشيوعيون المتحزبون في الثمانينات، إما في الخارج، أو لاجئين الى كردستان العراق والجبال. عرف الرفاق الذين ارتبطت بهم في وقت لاحق بمنصور حكمت من خلال برامج الراديو والنشرات التي حررت باليد وهربت لهم الى كردستان، إلى جانب كراسات وادبيات لينين وماركس وانجلز. ولكن منصور حكمت كان الأكثر تأثيرا، فقد كان فعالا على قيد الحياة، ناشطا بنى بالفعل قاعدة فكرية ونظرية قوية للشيوعية العمالية داخل الحزب الشيوعي الايراني الذي كان قد أسسه بنفسه قبل ذلك بفترة. كان العديد من هؤلاء الرفاق يعرفون جيدا بكتاباته، وبنقده، وأجوبته على الأسئلة المعاصرة، إلى درجة أن العديد منهم من تحدث بالعربية أو الكردية قد انكب على دراسة الفارسية لمجرد ان يتمكن من قراءة منصور حكمت. كانت كلماته محررة لهم.

ومع ذلك، لم تكن تلك المجموعات الناشطة في كردستان العراق آنئذ متجانسة. كان هناك عنصر مشترك يجمعها وخاصة تلك التي شكلت في وقت لاحق الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وهو التأثير العميق والإعجاب الذي كان يجمعهم لمنصور حكمت. بالنسبة لهم كان منصور هو الحجة والمرجع الذي لا يرقى إليه الشك في الشيوعية. وكانت أفكارهم التي كانت لغاية ذلك الحين قد تأثرت، بدرجات متفاوتة، بالنسخ السائدة حينها من الشيوعية، يتم نقدها بشكل قاطع وتزاح تدريجيا، ولكن بثبات. حتى على المستوى الشخصي، كان منصور حكمت مختلفا. لم يكتب وينُُظر فحسب، بل كان في يعيش بينهم، يتجاذب اطراف الحديث ويضحك معهم، ويقوم باداء الأعمال المنزلية. توجت جهود منصور حكمت في دعوة جميع أعضاء الفصائل الماركسية لتشكيل الحزب الشيوعي العمالي. اذن، الحزب الشيوعي العمالي العراقي قد تأسس عام 1993 برعاية واشراف منصور حكمت وبذلك فتح فصل جديد في تأريخ الحركة الشيوعية في العراق.

انضممت شخصيا إلى الحزب الشيوعي العمالي العراقي في وقت لاحق، بعد ما يقرب من 5 سنوات من تأسيسه. أصبحت حينها مهتما جدا بكتابات منصور حكمت ووجهات نظره. حتى ذلك الحين، لم يسبق لي أن كنت عضوا في اي حزب او منظمة شيوعية، لم اذهب لحضور اية اجتماعات، ولم اقم باي مهام حزبية. ولكني عندما قرأت منصور حكمت شعرت بإنسانية أخاذة، بذهن متقد حاد، بسخرية كارل ماركس وفريدريك انجلز اللاذعة تنفث مشرقة من كتاباته. كانت افكار منصور حكمت متماسكة، واقعية، ومقنعة. قال بعض الرفاق لي حينها أنه لم يكن سهلا عليهم تقبل وجهات نظره في البداية بسبب انهم كانوا هم انفسهم تحت تأثير نفس تلك الاتجاهات التي انبرى منصور حكمت لنقدها وطرحها جانبا. قبل منصور حكمت كان لدي معلومات وافية عن ادبيات الماركسية الكلاسيكية، اغتراب العامل، نقد فلسفة الحق عند هيغل، الإيديولوجيا الألمانية، العائلة المقدسة ، وبقية الكتابات، ولكن عندما قرأت منصور حكمت، رأيت جوهر تلك الكتابات وقلبها النابض يضئ مرة اخرى في مسائل شديدة المعاصرة وذات صلة حية؛ الإسلام السياسي، تحقير النساء، والقدرة الاجتماعية للماركسية، وجميع أفكار منصور حكمت الاخرى. فكرت في نفسي: هذا هو بالظبط ما تحتاج لسماعه النساء في العراق، وهذا هو بالظبط ما أريد أن أفعله.

الماركسية قبل منصور كانت اشبه بعقيدة جامدة، طائفة مقدسة، أو فرقة باطنية افرادها المحظوظين المختارين بيد قدرية هم الوحيدون القادرين على فك طلاسمها واحجيتها. لم يكن لي ان واجهت قبل ذلك، نقدا بهذه الاصالة، اوبمثل ذلك الاخلاص، والصدق، والسخرية اللاذعة، والارتباط العميق والوفي بقضية الطبقة العاملة.

كان الشيء الأكثر إثارة لاهتمامي الذي عرضه بشغف بالغ، واثار انتباهي هو قضية المرأة. كنت أعرف أن الشيوعيين كانوا أكثر راديكالية في مطلبهم لتعزيز المساواة بين الجنسين، كنت اعرف أن المرأة العراقية في خمسينات القرن العشرين كانت شجاعة في الدفاع عن مساواتها، ولكني لم اعش تلك الحقبة. كنت فقط أعرف بما يفعله الاسلاميون بالنساء ولم اسمع قط كلمة نقد واحدة تخرج من الشيوعيين ازاء ذلك. اول دفاع معاصر عن النساء، اقوى هجوم متماسك على قوى الإسلام السياسي جاء من منصور حكمت.

كان الحزب الشيوعي العمالي العراقي قوة نشطة للغاية خارج العراق لسنوات. وضمن صفوف ذلك الحزب عملت ضد الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، ثم لاحقا، بعد غزو العراق وإسقاط النظام، كنت مع احد اول الأحزاب الشيوعية التي وصلت لبغداد، وفتح مكتب له بها. فوجئت جماهير العراق بجرأة وشفافية حزبنا. كانت لدينا مواجهات عديدة مع الاسلاميين في الأشهر القليلة الأولى. كنا من رفع راية الشيوعية والاشتراكية في بغداد في وقت كان الصوت الوحيد الذي يصم الاذان هو صوت الانفجارات المرعدة لقاذفات B52.

فيما يتعلق بمسألة كون الشخص عراقي أو إيراني، ارجو ان اقول شئ بهذا الصدد. لم أشعر مطلقا بأن منصور حكمت كان ايرانيا، ولا في اننا عراقيون. بامكاني فقط الحديث عن منصور كرفيقي، إنسان حديث متمدن لم يلتفت مطلقا الى اية انقسامات قومية بين الناس. على هذا النحو أنا لست عراقيا، كما انه ليس ايرانيا، أنا لست عربيا، كما انه لم يكن فارسيا. نحن لسنا عراقيين وهذه الصحيفة التي اتحدث لها (انترناسيونال) ليست فارسية، جميعنا بشر. هكذا تعلمنا من منصور حكمت.

احد الدراسات الأكثر نفوذا لمنصور حكمت، والتي قرأتها ومازلت اقرأها هو كتيب "اختلافاتنا". اعتمدنا في حزبنا هذه الرؤية ليس بمعناها الحرفي، فقد كتبت بالاساس نقدا لفصائل اليسار الإيراني ونسخه المتعددة من الشيوعية، ولكن بمفهوم الحياة اليومية، مفهوم الديالكتيك والمنهجية الماركسية الحاضرة. بمعنى أن كل تاريخ القرن الــ 20 كان تاريخ هزيمة الشيوعية العمالية وليس حكمها او انتصارها. كان ذلك الفهم قفزة كبيرة في اتجاه حل العديد من "الألغاز" التي شابت الفكر اليساري حول مالذي انهار بالضبط في الكتلة السوفياتية ؟، اي طبقة مثلها كورباتشوف وخروتشوف وستالين ؟، وهل كانت الشيوعية العمالية في الواقع ضحية العام 1989 ؟. وكما يقولون في الفلسفة كان ذلك "تساميا" ، وفي العلوم يسمونه "خرقا" معرفيا.

يمكنني أن أسترسل واسهب في الحديث عن نفوذ منصور حكمت في كل جانب من الجوانب المختلفة، ولكن يكفيني القول ان نفوذه كشخصية يمكن أن يستخلص من حضور قوة الشيوعية العمالية في العراق، وتنامي نفوذنا السياسي والنظري بين اليسار العراقي والعربي.

بامكاني ان أرى وأشعر، بأن هذا التأثير سوف ينمو بشكل أعمق وأوسع، خصوصا أن وقت الثورات قد أزف. ان أفكار منصور حكمت هي اليوم أكثر معنى وراهنية ومصداقية ومعاصرة وتحررية وتقدمية بحق، ومؤثرة بعمق، اكثر من اي وقت مضى.

أتقدم بخالص التهنئة إلى ذكراه والى تراثه، ولرفاقه في الحزب الشيوعي العمالي الايراني، تهنئة ودية في الذكرى 20 لتأسيس حزبه.

سيظل منصور حكمت حياً طالما ان حزبكم على قيد الحياة !

—————
اجري اللقاء باللغة الانكليزية وترجمه عصام شكري الى العربية ونشر في صحيفة الحزب الشيوعي العمالي الايراني - انترناسيونال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خيوط من نور تظهر لي في نهايه نفق طويل ومر
عدنان عبد الرحمن ( 2012 / 2 / 15 - 15:36 )
قرأت المقال واعجبني جدا ٠شكرا واتمنى التوفيق وعاشت الامميه٠


2 - وهم
سعد محمد حسن ( 2012 / 2 / 15 - 18:38 )
يحاول السيد شكري ان يجر القاريء العزيز الى أوهامه التي تدور في رأـسه ليس الا وهو يذكرني بمسرحيه المريض بالوهم
الرحاء الرحاء الرجاء لاتصدقو كل ما يقوله


3 - غريب أمر هؤلاء المتمركسين
حميد خنجي ( 2012 / 2 / 16 - 12:13 )
بالنسبة لهم كان منصور هو الحجة والمرجع الذي لا يرقى إليه الشك في الشيوعية

ما كتب أعلاه جملة غريبة جاءت في متن المقال، لا علاقة لها بالمنهج والرؤية الماكسية، ولكنها وهم من الأوهام المنتشرة والمضرة للفكر الماركسي وحتى مسيئة لشخص مثل منصور نفسه!!... أكيد -فطحل الماركسية الكبير- : الاستاذ شكري لايتواضع- كعادته- للنزول من برجه العاجي محاولا المثاقفة مع تعليقات المعلقين
لعله يرى نفسه مرجعا او الحجة ايضا التي لا يرتقي اليها الشك


4 - نفوذ منصور حكمت على الشيوعية
فؤاد النمري ( 2012 / 2 / 16 - 16:38 )
الكلام المرسل يسيء لصاحبه
حبذا لو ذكر الكاتب أثراً واحداً لحكمت على الفكر الشيوعي!!
ألا يشعر الكاتب بأنه أساء للشيوعية بهذا الكلام الخالي من كل معنى؟

اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري