الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأزمة السورية، تحوّلات دولية وارهاصات اقليمية متصارعة..!
عماد يوسف
2012 / 2 / 18مواضيع وابحاث سياسية
سيسجل التاريخ بأنَّ الأزمة التي تعصف بسوريا منذ ما يُقارب العام شكّلت أحد المنعطفات التاريخية في المنطقة والعالم.فهي ليست أزمة مجتمعية تقليدية تعصف ببلد صغير الحجم، كبير التأثير كسوريا. على طريقة الأزمة المصرية أو التونسية، أو تلك التي عصفت باليمن أو ليبيا، حيث انتهت تلك الأزمات جميعها دون أن تترك أية آثار على المنطقة الإقليمية والدولية التي تتموضع فيها هذه البلدان.
يحكم الموقع السوري الجيو- سياسي مفاصل وتداخلات دولية واقليمية بالغة التعقيد. فسوريا كانت ومازالت عبر التاريخ مركزاً لصراعات تحتدم بين امبراطوريات، وقوى عظمى دولية واقليمية تحاول مدَّ سيطرتها ونفوذها على المنطقة. ففي قلب الشرق الأوسط تقع سوريا، وفي قلب العالم يقع الشرق الأوسط، ومن يتحكم به وبممراته، وقدراته الاقتصادية و العسكرية، يتحكم بمصير العالم وهذا بات من الثوابت في عالم السياسة الدولية، لذلك بقي الشرق الأوسط عبر آلاف السنين، وسيبقى تلك المنطقة التي تتجاذبها الصراعات السياسية، السلمية والعسكرية.
لايكمن جوهرالصراع في تمركز النظام السوري في هذا الموقع أو ذاك، فلو كان هذا النظام متحالفاً مع أمريكا والمعسكر الغربي، ربّما كان سيشهد نفس التجاذبات والصراعات من قبل المعسكر الشرقي ممثلاً بالامبراطورية الروسية والصينية، وتأثيرات الهند وايران وغيرها من دول اقليمية ذات تأثير أقوى، أو هي تدور في فلك التحالفات الدولية التي ما فتأت تسعى إلى صهر هذه المنطقة وتطويعها لخدمة أغراضها السياسية، والاستراتيجية. طبعاً، لعب النفط ومنابع الطاقة لاحقاً مع بدايات القرن العشرين دوراً هاماً، بل ورئيساً في زيادة هذه الصراعات وتأجيجها، واحتدامها على منابع هذه الثروات ومستقبلها حيث أن البشرّية تعيش على توازنات وامدادات منابع الطاقة هذه، وأي خلل فيها سيخلق حالة من الفوضى الاقتصادية، واللاتوازن الدولي في الوضع الاقتصادي العالمي.
جاءت لحظة التغيير، أو الأزمة السورية الراهنة على مفترق تحوّلات عالمية واسعة، وعميقة في النظام العالمي الجديد، ذاك الذي شهد انحساراً للقطب العالمي الأوحد بسبب من تصاعد أزماته المجتمعية والاقتصادية، وبالمقابل تراكم معدلات النمو والتراكم الرأسمالي في الطرف المقابل ممثلاً بروسيا والصين وغيرها من البلدان الصاعدة والتي حققت نمواً كبيراً في غضون السنوات العشر الأخيرة، وشهدت تطورات اقتصادية عالية، في الوقت الذي كانت فيه الدول الرأسمالية الغربية في أوروبا وأمريكا تصارع لتحافظ على موقعها الاقتصادي والعالمي، ولكنها بدأت تتآكل بسبب الضربات الاقتصادية الموجعة التي شهدتها أيضاٌُ في السنوات العشر الأخيرة. حتى أنَّ الكثير من بلدان هذه المنظومات قد شهد انهيارات كبيرة طالت كل مفاصل المجتمع، وانكفأت من موقع الدول ذات القرار الاقتصادي العالمي المؤثر والفاعل إلى دول تسعى إلى الاقتراض والإستدانة لحل أزماتها العميقة كايطاليا واليونان وفرنسا وغيرها من بلدان.
الأزمة السورية لم تعد أزمة داخلية، أو عربية. بل هي تحوّلت من صراع داخلي مجتمعي، إلى صراع اقليمي ودولي. وأسسّت لولادة الثنائية القطبية العالمية. وكما أنها كانت السبب الرئيس في ولادة هذه الاستقطابات الدولية. فإنَّ أزمتها باتت أيضاً مرهونة بهذا الاستقطاب الدولي وتوافقاته. فالحراك السوري اليوم لا يأخذ مشروعيته من حقوق مطلبية نادى بها أو أرادها، بل هو يأخذ مشروعيته من الغطاء الخارجي والدولي الذي يدعم، ويُقوي، ويدفع باتجاه التسعير الدائم لهذا الحراك، موظفاً بذلك كل الأدوات والأساليب الممكنة لتحقيق الأغراض السياسية البعيدة المدى عبر هذا الدعم للآحتجاجات في الشارع، وللعناصر المسلّحة التي تدبُّ الفوضى في طول البلاد وعرضها. والغاية من ذلك كله طبعاً ليس مطالب الحرّيات والتحوّلات الديمقراطية، التي يقتنع بعض الساذجين بأنَّ أمريكا تُحارب النظام من أجلها، بل هي دفع في اتجاه تلك التحوّلات الجيو- سياسية في المنطقة التي تسعى إلى هدفين أساسيين وهما أولاً؛ وضع اليد على منابع الطاقة وسيطرة الغرب عليها لعشرات السنين القادمة. وثانياً؛ الوقوف في وجه المدّ الصيني والهندي، وتصاعد الدور الروسي والإيراني في المنطقة، وهذا من شأنه أن يخلق تحالفات سياسية وعسكرية خطيرة على المنظومة الأمنية والاستراتيجية للمنطقة، مما يحرم المعسكر الغربي من الإفادة من امتيازاته التي عرفها طيلة عقود في هذه الدول الغنيّة بالنفط، والتي تملك أكبر احتياطي عالمي.
لا يسعنا القول بأنَّ الأزمة السورية على وشك الإنتهاء، ولا القول بأنها ستزداد سعاراً ولهيباً، لقد باتت مرتبطة بالأجندات والتحالفات السياسية العريضة على مستوى العالم. فمعركة كسر العظم قد بدأت منذ زمن. وجاءت اللحظة السورية الضعيفة لإعطاء الفرصة لهؤلاء لقلب الطاولة واعادة توزيع أدوار اللعب. وما يحصل في الداخل السوري ماكان له ليستمر لولا الغطاء الخارجي، الذي يعطيه مشروعية البقاء ويُشكل الأوكسجين الذي يتنفسه هذا الحراك. طبعاً هذا الخارج يتمثل بقطر، والسعودية، وتركيا، وفرنسا، وأمريكا وغيرها من بلدان. وكلّها تحالفات هرمية تبدأ من الأقرب إلى الأبعد لتشكل رافعة اقليمية ودولية لبقاء هذه الأزمة واستمراريتها.
سوريا اليوم، أمام تحدّيات خطيرة جداً ليس في مستوى الداخل الذي تمتلك فيه أغلبية كبيرة تدعم بقاء النظام كحامٍ من انهيار الدولة ومؤسساتها، وليس بسبب ما لايزيد عن عشرة أو عشرين بالمئة من الشعب السوري الذي ينتفض في بلدات ريفية وأحزمة فقيرة ومهمّشة تفتقد المدنية والخدمات وعوامل التنمية الأساسية، بل تأتي هذه التحدّيات من قدرتها، وقدرة حلفائها في المنطقة وفي العالم على خلق توازن يضمن مصالح الجميع ويراعي تطلّعات كل طرف وامتيازاته. فإمّا أن يتحقق ذلك، وإمّا أن تذهب الأزمة السورية إلى عنق الزجاجة الأخير، وتتراكم داخلياً لتصل إلى مرحلة الإنفجار العام، والذي سيطال المنطقة برمّتها، وربّما العالم أيضاً. لأنَّ التناقضات والصراعات العنيفة عندما تحتدم، تُصبح معها الحلول السلمية ولغة الحوار رفاهية يتجنبها الجميع، مقابل لذّة سماع أزيز الرصاص يعلو سماءات المنطقة التي فاضت بتناحراتها البينية، والدولية..؟!!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. صحف فرنسية : -العرجاني من تهريب أسلحة عبر الأنفاق إلى احتكار
.. السعودية.. تنظيم عملية خروج ملايين الحجاج من الحرم المكي تثي
.. غارات إسرائيلية على حلب تقتل أكثر من 40 عسكريا سوريا.. ما ال
.. المرصد السوري: أكبر حصيلة من القتلى العسكريين السوريين في غا
.. شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري