الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطر الإدمان على تعاطي المخدِّرات الأدبية والفنية

عادل بشير الصاري

2012 / 2 / 21
الادب والفن


تمثِّل الآداب والفنون الهوية الثقافية والفنية للأمة ، ولكل أمة من أمم الأرض نصيب منها ، فلم تأتنا عن الأولين أن أمة خلت من الأدباء والشعراء والفنانين ، ولكن دلت الدلائل والشواهد من الماضي البعيد على أن بعض الأمم كالعرب كان للآداب والفنون فيها شأن عظيم يفوق شأن علوم الطب والهندسة والفلك وغيرها .
وقد نشأت الأجيال الماضية من أمة العرب على الافتتان بالشعر والغناء ، فكان زعماؤهم يشجعون الشباب على تعلم الشعر وحفظه وروايته ، وينحرون الإبل ويقيمون الأفراح إذا نبغ فيهم شاعر، وكان خلفاء بني أمية وبني العباس يجمعون في قصورهم الشعراء والمغنين والمغنيات ، ويستمعون إليهم ، ويغدقون عليهم الأموال الطائلة ، لذلك حظي الشاعر والمغني عندهم بمكانة توازي اليوم مكانة العظماء والعلماء .
لكن بعد الذي شهدته البشرية من تطور هائل في جميع مناحي الحياة تراجع اهتمام الناس بالأدب ، فقد شغلتهم عنه مستجدات الحياة العصرية ، ولم يعد إلا القليل يهتم بقراءة الشعر والقصة والرواية ، وهكذا كسدت سوق الأدب ، لكن بقي سوق الغناء رائجا ، وإني أدعو الله أن يصيبه ما أصاب الأدب حتى تخف سطوته على عقول وقلوب الخاصة والعامة .
إني أمضيت في تدريس الأدب ثلاثين عاما ، وأحسب نفسي من عشاقه ومتذوقيه ومن المولهين بسماع الطرب العربي الأصيل ، وأقدِّر تقديرا كبيرا دور الأدب والفن في تهذيب الشعوب وإنضاج حسها الفني ، ولكن مع هذا أخشى سطوتهما على العقول والقلوب ، ذلك لأني أعتقد أن الهيام بهما والإدمان عليهما يورِّثان الكسل والخمول ، ويصرفان عن تعلم العلوم المفيدة للفرد والجماعة ، فالأمة لا يمكن لها أن تتقدم أو تكتسب لها مكانة وهيبة بين الأمم إذا ظل معظم شبابها يثرثرون بالشعر ممارسة وتلقياً ، ويدمنون على سماع المغنين ليلا ونهارا ، ويفتتنون بالراقصات والمسلسلات والأفلام .
وقد سمعتُ أن أهل موريتانيا يفتخرون بأن لديهم مليون شاعر ، وربما يقصدون من هذا أن لديهم خلقا كثيرا يستطيع نظم أي كلام على أوزان الخليل ، ولو صحَّ هذا فليس لهم فيه مزية على غيرهم ، وهو ليس مما يُفتخر به ، وكان من الأولى أن يكون لديهم مليون من الأطباء والمهندسين والاقتصاديين وعلماء الجيولجيا والفلك بدلا من العاطلين الذين يتسلون بتركيب الكلام الغث والسمين على تفعيلات الأوزان الخليلية .
لن تستفيد الأمة إذا انصرف أكثر شبابها عن العلوم والأبحاث والاكتشافات، وأدمنوا على تعاطي المخدرِّات الأدبية والفنية ، وباتوا لا يحسنون شيئا من المهارات والأنشطة غير الغناء والرقص ، ومضغ الكلام وليِّه ، واللعب بمفرداته استعارة وتورية وتجنيسا وتضادا ، في الحديث اليومي وفي وسائل الإعلام وعلى المنابر السياسية والثقافية والدينية .
إن المتابع لحالة الوسطين الأدبي والفني يعلم علم اليقين أن كثيرا من الأدباء والشعراء يعيشون في أبراج عاجية بأخيلتهم وشطحاتهم ، ويتصنعون التأمل والتفكير والتفلسف ، ويثرثرون على الأرائك بما لا يفهمونه ولا يفهمه غيرهم ، ورحم الله نزار قباني حين قال عنهم :
يتكلمون مع الفراغِ فما همُ .... عجَمٌ إذا نطقوا ولا أعرابُ
يتهكمون على النبيذِ معتَّقاً .... وهمُ على سطحِ النبيذِ ذبابُ
وأما الوسط الفني الذي توارى عنه الفنانون المحترمون وتصدره المخنثون والعاريات ، ففضائحه ومخازيه مطروحة في الطرقات العامة سمع بها الإنس والجن معا ، ولا أعجب من شيء كما أعجب من شباب يفتتن بهذا الصنف الرديء ممن يسمون زورا وبهتانا بالفنانين ، ولكن يبطل عجبي إذا تذكرتُ القول السائر : ( للناس فيما يعشقون مذاهب ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع