الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس المثقف وتاريخ الهزيمة

محمد زكريا السقال

2012 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كان المثقف والخطاب الثقافي السائد من أسوأ القضايا بهذه الهزيمة المعممة للمنطقة العربية، حيث عمًَدوا الهزيمة والتي امتدت منذ الخامس من حزيران 1967 ولغاية الآن، و ساهموا مع النظام العربي بتطويبها وتأبيدها. بل وعملوا على تسويق نظام كالنظام السوري الذي أوغل في تعميد الهزيمة بأن حفر طرقاتها وعبدها بطريقة بنيوية. يبدو للرائي وكأنه ممانع ومقاوم، وهو بالحقيقة يقوم بدور التطويع الما قبل حداثي، وإنتاج صيغ أكثر تخلفا وأمراضا من باقي الأنظمة التي اكتفت بالجلوس على هرم السلطة تسرق وتنهب وتفسد، بينما هو يقوم بترويض ساحات مجاورة ويعفن قضايا مهمة كي تبقى المنطقة مستباحة، وحافظ على ان يبقي جوقة الهتيفة (الوطنية والقومية) لتلميعه لكي يبدو هو كمن يحرس هذه القضايا. قام هذا النظام وحتى هذه اللحظة من خلال هذا البريستيج الممانع بحراسة مصالحه بعقله الأقلوي التفتيتي والإستبداي. فكما فتك بالعقل الوطني الديمقراطي اللبناني، عمل على الفتك بالعقل الفلسطيني، وها هو يعمل على حقن العراق بسمومه. في الوقت عينه يجد هذا النظام من يترافع عنه، بل ويصوره مثقفوا العهر السياسي بأنه نظام الممانعة والمقاومة، ومن قبل قلدوه أوسمة نظام الصمود والتصدي، بل وجعلوا منه قلعة التحرر الوطني.
لا نريد العودة للوراء كثيرا، كيما نضع محطات هذا النظام، على أرض الواقع كنظام مطوع وتسووي، بل وأكثر الأنظمة التي روجت الحقبة النفطية، وارتباطها بالرأسمال العالمي وتمديد مشاريعه وخططه بالمنطقة، من ضرب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان 1975 ـ 1976 ـ الى سكوته عن احتلال الجنوب وصمته الذي وصفه كيسنجر بالإتفاق الغير مدون بين الكيان الصهيوني و نظام حافظ الأسد، الى انسحابه بطريقة مذلة وباتفاق مع فيليب حبيب إبان الإجتياح الصهيوني للبنان 1982، الى شطب المخيمات الفلسطينية، وشطب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وتطويب حزب الله ممثلا وحيداً للمقاومة. ومن ثم الإصطفاف بحفر الباطن مع قوات التحالف لإخراج صدام حسين من الكويت كغطاء للقوات الإمبريالية، هذا الإجتياج الذي مهد لإحتلال العراق 2003 .
ساهم النظام السوري بكل هذه الأحداث التي اخرجت الساحة العربية من مشروع الشعارات التي رفعت لتساهم ببناء المجتمع العربي، مثل ،،الوحدة والحرية والاشتراكية،، إلى ساحة مهزومة، بل والأكثر فاجعة أن النظام يدجل ويهرف بالصمود والممانعة، وهنا يأتي الدور الخطير لدور المثقف التافه الذي ساهم بالتطبيل والتزمير لهذا النظام، معرضا البنى الثقافية الوطنية السورية بشكل خاص للسحق والقمع، وبنفس الوقت رابطا مشروع المقاومة والرد على الهزيمة والإستباحة، بيد هذا النظام المجرم على مستوى المنطقة العربية .
هذه المقالة، هي حالة تأمل، وليست حالة رد على مقالة كتبها الإعلامي غسان بن جدو تحت عنوان أسطورة عزمي بشارة احترقت حتى النهاية وتفحمت.
حالة تأمل للأفكار التي أوردها السيد غسان بن جدو والذي كنت من متابعي برامجه بل ومعجب بها وبه لتميزه مع محادثيه بالأدب والخلق، وهي صفات محببة وجيدة، بل ونادرة هذه الأيام، إلا أنها لا تكفي كي يعمم السيد بن جدو أفكاره، وكما يقال بالمثل الشعبي يطيح بنا شرقا وغربا، وخاصة أنه، يرفض الثورة القائمة بالمنطقة، ويسفهها، لماذا لأنها لا تملك فلاسفتها.
فأولا. الثورات العربية تمتلك مبرراتها وأسبابها الجوهرية، ومن ثم شعاراتها كانت بغاية المدنية وكان الوطن بسيادته جوهرها ،،الحرية والكرامة،،. وهذا الذي يجب تأمله .
ثانيا. لاشك ان الثورات العربية جاءت والقوى الديمقراطية والوطنية منهكة وضعيفة ومنخورة من الإستبداد الذي مورس عليها، ولكنه ليس شرطا لأن ُنسَفِه الثورة، بل محفزا للإنخراط والدفع بها، وتجنيبها مخاطرها وعثراتها. قد ننجح وقد نخسر، ليست القضايا رغبات، ولكنها ميازين قوى. إلا ان الذي غاب عن ابن جدو هو الصيرورة التي فتحتها الثورة، وهي الشعب وكسره لمدن الصمت والإرهاب والخوف وهذه خطوة مهمة. قد تتعثر الثورة وتنزلق لكنها بالنهاية ستعرف طريقها عن طريق الحاجة، صحيح ان قيادة مجربة ووطنية قد توصلها طريقها بأقل الخسائر، لكن القوانين حالة والواقع شيء آخر.
ثالثا. نحن ندرك تماما ان المتضررين من الثورة هما إثنان لا ثالث لهما، يتصدر النظام العربي المتهالك ومنتهي الصلاحية كمتضرر مباشر ومواجه من قبل الشعب لسلطته واستبداده. وتأتي شركات الرأسمال العالمي في رأس قائمة المتضررين كطرف ثان وكممثل للخارج الذي استباح المنطقة ونهبها وسرقها بموافقة النظام العربي وهو من قام بدور الوكيل المحلي لها وشريكها بحالة البؤس التي أورثت.
لهذا فمن الضروري إدراك ان الثورة ستواجه بالكثير من التداخلات والمقاومات كي تحرفها عن طريقها، وهذا ما يحصل بكل بلدان الثورة من تونس لليبيا لمصر لليمن للبحرين لسوريا، ولكننا نرى إصرار الشارع العربي قائما ومازال بالميدان.
بغض النظر عن الفتك الذي أصاب المنطقة وتحديدا الفتك ببناها التقدمية والوطنية، إلا انه ليس صحيحا، ان الثورة تأتي هكذا بسماء صافية، وليس صحيحا، ان مثقفين ديمقراطيين لم يلعبوا دورا مهما وله الكثير من الأثر على الشارع العربي، رغم محاربة النظام وحصاره إلا ان مثقفين بذلوا جهدا وخلقوا مدارسا، أمثال ياسين الحافظ، والياس مرقص، وصادق جلال العظم، ومهدي عامل، ناهيك عن دور العروي والجابري وأركون ونصر حامد ابو زيد، وفاطمة المرنيسي، وفواز طرابلسي ، وجلبير الأشقر ، وبرهان غليون، ورجاء النقاش ومحمود أمين العالم وميشيل كيلو وكثيرين انبروا وسفهوا الواقع وحددوا ملامح لتغييره. كما لا ننسى أن الكثير من طلائع اليسار العربي انقلبت على المدرسة السوفييتية ونظريتها الشمولية من أواسط السبعينات، وأسست ليسار خارج هذه المنظومة الإستبدادية. يسجل لها أول فتح ديمقراطي بحياة التنظيم الداخلية، ويمكن لصديقنا بن جدو أن يطل على تجربة المصريين ،،حزب العمال الشيوعي المصري،، وحزب العمل الشيوعي بسوريا،، والتجمع الشيوعي الثوري ، لبنان ورابطة الشغيلة ، لبنان،، وحزب العمال الشيوعي الفلسطيني،، هذه الظواهر هي بمثابة انقلاب على فلسفة قائمة ومعتمدة، تشظت بعدها كل الأحزاب الشيوعية الرسمية، كما يمكن رصد كل الإنتفاضات التي عمت المنطقة من المغرب للجزائر وتونس ومصر وكل الحركات التي خرجت من كفاية، لسته اكتوبر. كثيرة هذه الإنقلابات والإنتفاضات والتحولات والارهاصات، صحيح أنها قمعت وسحقت ولكنها دليل مطاردة وتقصي لما يمكن أن يعيد للوطن حيويته وقدرته على النهوض بظل هذا الفساد والسحق والتهميش المعمم للشعب والمواطن.
لا نريد الذهاب بعيدا بل للتذكير بالعقل السوري المبدع، أليس من الإجحاف والتقصير مثلا، أن لا يسجل للوطنيين السوريين، ابداعهم عام 2000 عام توريث ووراثة بشار الأسد للسلطة، لبروز المنتديات الثقافية والتي ناقشت كل قضايا الساعة والتغيير الديمقراطي في سورية وقد استشعر النظام خطرها سحقها وأدخل رموزها السجون. ألا يسجل للمثقفين السوريين إبداع لجان إحياء المجتمع المدني والذي طرح على بساط البحث كل سبل تحقيق مدنية المجتمع والإنتقال الآمن والهادئ للديمقراطية، ألم يسحقها نظام الممانعة واعتقل رمزها ميشيل كيلو. ألم يلاحظ بن جدو رقي المعارضة السورية التي قررت ومنذ استلم بشار الأسد انها ستناضل من أجل تغيير ديمقراطي آمن وسلمي.
ان يتهجم بن جدو على د . عزمي بشارة أو د. برهان غليون وغيرهم مثل منصف المرزوقي للغنوشي للقراضاوي، هؤلاء افرازات ثورة، ولكنهم ليسوا قادتها، فمن المبكر كثيرا على الثورة ضمن تاريخ السحق ان تفرز قادة أو أسماء لامعة. سنلاحظ الكثير وسيخرج الكثير ولكن الثورة باعتبارها مخبر دقيق لكل تربيتنا وثقافتنا، هي التي ستحدد من منا سيكون جدير بشرف مواءمتها ومرافقتها بمسارها لتحقيق أهدافها، ولكنها بكل تأكيد لن تكون طوع أحلامنا وأوهامنا وإرادتنا، المهم ان نكون فاعلين بها وليس منفعلين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة