الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمة التي تكره نفسها

عادل بشير الصاري

2012 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما الحجج التي احتج بها أهل مكة وغيرهم من العرب حين رفضوا الإسلام ؟
لقد ذكروا الحجج الآتية :
1 ـ إن ما جاء به محمد مخالف لدين آبائنا .
2 ـ إن الدين الجديد يسفَّه آلهتنا ، ويسخر منها .
3 ـ إن الدين الجديد ضد عاداتنا وتقاليدنا ، وما ورثناه عن جدودنا .
الآن .. عندما يأتي مفكر أو كاتب أو شيخ مجتهد برأي جديد ، قاصدا به إصلاح حال هذه الأمة المفتونة إلى حد الهوس بموروثها ، كيف وبماذا يرد عليه أغلب الناس عندنا ؟ .
الجواب : هو أننا نكرر نفس الحجج التي ساقها أهل مكة وعرب القرن السابع الميلادي ، فكلما حاول مصلح إقناع عامة الناس بأمر يراه مفيدا لهم قابلوه بالاستخفاف والرفض .
ففي المجال الاجتماعي ، كلما طالب مفكر بعدم جدوى التمسك بسلوك اجتماعي سيء ، نهض له الحمقى والغوغاء قائلين : نحن أمة نتمسك بتراثنا ، ولا نفرط فيه ، وأذكر في هذا المقام أن كاتبا انتقد حرص عموم اليمنيين على ارتداء الأزياء الشعبية ، وعدم إقبالهم على ارتداء الملابس العصرية ، كما انتقد خروجهم للشارع وهم يتمنطقون الخناجر، ويمضغون القات ، ثم يتفلونه على الأرض ، وهي مناظر لا شك مقرفة ومجافية لطبيعة التمدن والذوق العام ، لكن ذاك الكاتب قوبل بهجوم لاذع ، ورد عليه أحدهم : لماذا تريد أن تمسخ شخصيتنا وتحولنا إلى خواجات ؟ .
وقد طالب منذ زمن بعض المفكرين السعوديين بالسماح للمرأة بقيادة السيارة ، فقوبل طلبهم من قبل العوام ورجال الدين بالرفض ، بحجة أن هذا الأمر مخالف للعرف الاجتماعي ويهيئ للمرأة سبل الفساد والانحراف .
وفي المجال السياسي ، كلما طُرح رأي وجيه أو انتُقد وضع سياسي معين واجهه المهرجون بتهم العمالة والتآمر والخيانة ، وهو ما حدث حين أيَّد بعض الكتَّاب والشيوخ الاستعانة بالغرب في موقفين : تحرير الكويت ، وحماية المدنيين في ليبيا من جنون القذافي .
وفي المجال الديني ، كلما أعلن أحد المفكرين رأيا في الدين كُفَّر على الفور، ونُعت بأقبح النعوت والأوصاف ، وتاريخ العرب القديم والحديث حافل بأمثلة كثيرة ، ولكن يكفي أن نذكِّر بما حدث للدكتور طه حسين والشيخ علي عبد الرازق والدكتور صادق العظم والدكتور نصر أبو زيد والدكتور سيد القمني.
بل كلما اجتهد شيخ في قراءة نص ديني قراءة معاصرة ، أوتقدم بفتوى مخالفة لفتاوى القدماء صرخ في وجهه الجهلة وعبدة النصوص قائلين : يا شيخ هذا مخالف لديننا ، والأمثلة لا حصر لها في هذا المجال ، لعل أبرزها وأكثرها تأثيرا الفتوى التي أباحت فوائد البنوك وسفر المرأة دون محرم .
وهكذا تضيع جهود المصلحين منا ، وتذهب أدراج الرياح دون أن نستفيد منها ، وهكذا نحن ـ في الغالب ـ نستنسخ دون وعي منا أخطاء من سبقونا .
نحن لا نفكر ولا نسأل هل ما أتى به هذا المفكر أو ذاك الشيخ مفيد لنا ؟
إن الغالبية الساحقة منا إذا ما استمعت إلى رأي جديد تسأل سؤالا واحدا لا غير : هل الرأي الجديد لا يخالف أصلا من أصول ديننا أو موروثاتنا ؟ .
إن من أكثر الأشياء التي يحار في فهمها الإنسان الواعي أن يجد غيره يتساءل ببلاهة منقطعة النظير : لماذا نغير ما ألفناه واعتدنا عليه من الموروث الاجتماعي والسياسي والديني ؟ ولا يخطر في باله أن يسأل : هل لا زالت بعض تلك الموروثات صالحة لنا في هذا العصر ؟ ، أو أن يسأل نفسه : هل بقي شعب من شعوب العالم على نفس مورثاته ؟ .
إننا بهذا المنطق المتعجرف نكره أنفسنا، ولا نرجو لها صلاحا ، فلماذا إذاً نثور غضبا عندما يصفنا الآخرون بأننا أمة متخلفة ، تحارب كل جديد دون وعي أو تمييز .
إلامَ تظل سائدة فينا عقلية الأعرابي الكاره للمدنية والحضارة والتطور ، والمفتون بخيمته وسيفه وفرسه والمتوسد لبعر الآرام ؟
ما هذه الأمة التي تكره نفسها وتستعصي على الإصلاح .؟
ما هذه الأمة التي يرتفع فيها صوت الغوغاء والرعاع والجهلة على العلماء والمفكرين والمبدعين ورجال الإصلاح ؟ .
أي أمة هذه التي أكثر من ثلاثة أرباع المنتسبين إليها ينتفضون هلعا ورعبا من ذكر الحرية والديمقراطية والعلمانية ، وتعدها أعمالا شيطانية ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال صائب وفي الصميم
كنعان محمد ( 2012 / 2 / 24 - 02:10 )
تحية طيبة للاخ الكاتب على هذا المقال التنويري الذي يلقي الضوء على حالة امتنا التي ضحكت من جهلها الامم سبب التاخر هو ايقاف الاجتهاد في اي شان يخص الدين
فكل اجتهاد هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ومبروك التخلف على هكذا أمة ممنوعة من أستخدام العقل والتفكير المنطقي الذي يكفره اكثرية ابناء هذه الامة عدا القرأأنيون الذين اكن لهم كل الاحترام


2 - سر هذه التصرفات هى الخوف على الدين
Amir_Baky ( 2012 / 2 / 24 - 04:20 )
الدين الذى يحتاج للبشر و للسياسة و القوة العسكرية دين يتولد لدى من يعتنقوه خوف كبير علية. وهذا الخوف يجعلهم أسرى للماضى الذى كان فيه الدين قويا بسبب السياسة و القوة العسكرية. فمن يعتنق هذا الدين يشعر بأنه فى حالة حرب دائمة مع الغير و أن الله سيثابة لو حاوط على التراث و الأفكار الإجتماعية البالية بحجة الحفاظ على الدين. فالدين الذى يشترط مظهر إجتماعى و ظروف إجتماعية معينة لينتشر و يتغلل دين لا يصلح لجميع المجتمعات و جميع الثقافات. الدين الذى يروج لنصرة الله دين يحط من شأن هذا الإله الذى يحتاج النصرة من البشر. فالبشر أصبحوا درع الحماية لله و الدين. ومعيار ولاء البشر لله و الدين هو رفض أى فكرة لم يعتادوا عليها. فالإنسان الخائف لا يستطيع أن يفكر بمنطق سليم


3 - حددت مناطق الالم ولم تشخص المرض ولم تنصح ببعض
سامي بن بلعيد ( 2012 / 2 / 24 - 04:57 )
لقد حطيت يدك على الكثير من مناطق الالم
ولكنك لم تشخّص اسباب العلل ونظراً لذلك لم تكن هناك وصفه علاجيه
غير كلمات تشدد على الوقاية
من خلال كلامك تستطيع ان تقول ان مفكري العصر قد استخلصوا سؤالهم
من نفس طرحك اعلاه
والسؤال هو
لماذا العرب يتحركون عكس حركة التطور الحضاري العالمي ؟
وهناك اجماع على ان السبب هو حضاري
خلل في ذهنية الامة وفي قيمها الاخلاقية والادبية
خلل في الجميع حكام ومحكومين ومثقفين ونخب
خلل في اليساريين وفي اليمينيين وفي الديمقراطيين وفي الملوك والسلاطين والامراء
وعامة الناس
فعقلية العربي صارت عاطفيةٌ انفعالية وبنفس الوقت مادية
وهذا الجانب لا يفينا لشرح هذا الموضوع الكبير
في نظري نحن بحاجة الى تغيير جذري يخرج الامة من واقع الصراع والعنف الى واقع السلمية والعقل
وهذه المهمة هي مهمة الجميع
ولا يجوز لعربي ان يتحدث عن التغيير مثل معلّق او متفرّج مباراة كرة قدم
او كأنه من سكان مجرّة اخرى
نحن بحاجة الى اعادت صياغة الهوية الانسانية العامة التي تحمل المفاهيم الشاملة لبناء الامم والشعوب
وتقوم تلك الشخصية العامة على ركائز العقل المحايد وليس المنفعل


4 - مرحبا
عادل بشير الصاري ( 2012 / 2 / 24 - 08:30 )
الأستاذ المحترم كنعان محمد
شكرا لمرورك على المقالة وعلى تعليقك ، وأراني متفقا معك


5 - مرحبا
عادل بشير الصاري ( 2012 / 2 / 24 - 08:32 )
الأستاذ المحترم أمير بكاي
أتفق معك في أن من يخاف لا يستطيع يفكر تفكيرا سليما ، وأن مصدر الخوف قد يكون الفهم السطحي لعدد من النصوص الدينية ، لكن لا أرى من الحكمة تعليق كل الأخطاء وكل أسباب التخلف على المشجب الديني ، فالتدين في النهاية تصرف فردي ، بمعنى يمكن للفرد أن يفهم الدين بحسب فهمه هو ، وليس بحسب فهم غيره من المفسرين ، وعلى هذا فالمسؤولية تقع على متلقي النص الديني وليس بالضرورة تقع على النص نفسه ، لأن النص ليس إلا بنية لغوية يمكن التعامل معها وتأويلها وفق عقلية ومصلحة متلقي النص وليس وفق عقلية وإرادة قائله


6 - مرحبا
عادل بشير الصاري ( 2012 / 2 / 24 - 08:33 )
الأستاذ المحترم سامي بن بلعيد
أتفق معك في كل ما قلته ، والمقالة هي صرخة ضد المستنسخين فكريا وشعوريا ، ضد الكارهين لأنفسهم ولأمتهم .
هناك أسباب كثيرة للتخلف ، لعل أبرزها طريقة التفكير التي تعتمد على استنساخ أفكار وحلول من سبقونا ، ومن الأسباب أيضا عدم وضوح الرؤية التي تمكن من التفاعل الإيجابي مع المنجز الحضاري المعاصر والقديم معا .
ولا ننسَ أن من أسباب رفض ومحاربة الفكر الإصلاحي قد تعود أحيانا إلى حدة خطاب أصحاب هذا الفكر ، فعادة ما يستفز المصلح بكلمات قاسية وجارحة أحاسيس ومشاعر من يتوجه إليهم بخطابه ، وهنا يتم تجاهل القضية الأساس لينشغل المخاطِب والمخاطَب بتبادل اللكمات اللفظية

اخر الافلام

.. 12345


.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo