الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مفهوم الأدب وغايته
عادل بشير الصاري
2012 / 2 / 25الادب والفن
إذا أردتَ أن تدرس الأدب قديمه وحديثه ، نثره وشعره ، وأن تتذوق نصوصه وتتفاعل مع إبداعاته ينبغي لك أن تُلِمَّ بمجموعة من المبادئ التي تعينك على تحقيق بغيتك ، ولعل أول ما ينبغي لك معرفته هو المفهوم العام لمعنى ( الأدب)، والغاية منه .
اعلم أن الأدب في أبسط وأوجز تعريفاته هو فن تعبيري مادته الكلمة ، لذا فهو يتميز بالكلمة عن باقي الفنون التعبيرية الأُخَر كالرسم والنحت والموسيقا ، ذلك لأن الكلمة ليست كريشة وألوان الرسام ، وليست كأزميل النحات وآلات الموسيقار، إنها وعاء الفكر ومرآة النفس ، وبها يتواصل الإنسان مع بني جنسه ، ويعبر لهم عما يجول في خاطره من خواطر ومشاعر وأفكار وقضايا تشغله .
وهذا يعني أن الأدب هو كلام فني متميز عن الكلام العادي ، أو لنقلْ هو الاستخدام الفني للغة ، أي أن تضع المفردات وتصوغ التراكيب بطريقة تختلف عن الطريقة التي تستخدمها في حديثك العادي ، وذلك بتقديم ما حقه التأخير، أو بتأخير ما حقه التقديم ، أو بالتشبيه أو بالاستعارة أو بالتمثيل والترميز ، ونحو ذلك من الأساليب التي تجعل الكلام أكثر جاذبية وتأثيرا في متلقيه .
ومن المتوقع أن تسألني الآن عن الغاية من أن يكتب الأديب مقالة والقاص قصة أو مسرحية والشاعر قصيدة ، وما الفائدة من قراءة هذه الأجناس الأدبية ؟ .
سأجيبك الآن بإيجاز ، وفيما سأقوله لك بعدئذ مزيد من التوضيح ...
قد تقول إن الغاية من الكتابة الأدبية هي التنفيس الشعوري أو طلب الشهرة أو طلب المال ، كل هذا وارد بالنسبة لبعض الكتَّاب وللمتطفلين على الأدب ، لكن عليك أن تفهم أن الأدباء والشعراء الحقيقيين يكتبون لأجل غاية واحدة هي نقل تجاربهم الشعورية وخبراتهم الفنية والجمالية إلى غيرهم لأجل الإفادة منها والاستمتاع بها .
ولعلك تستنج مما قلته لك أن الأدب رسالة لها مضمون وغاية نبيلة ، وليس تسلية أو تزجية فراغ كما يتوهم بعض الناس ، لذلك فإن الكتابة الأدبية ليست سهلة ، بل عملية شاقة تسبب معاناة لممارسها ثم لمتلقيها ، فالكاتب تُضْنيه الكتابة والمتلقي يُضْنيه التلقي ، لكن ضنى المتلقي تعقبه متعة ، وهذا يعني أن الغاية من الأدب هو المتعة الفنية ، وليس المقصود بالمتعة هنا هو إدخال السرور على قلب المتلقي ، بل المقصود بها اللذة التي تحصل للمتلقي حين يكتشف ما يكتنزه النص الأدبي من دلالات وإيحاءات غير متوقعة .
3 ـ الأدب معاناة :
إن الأديب أو الشاعر كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بما حوله ، ولديه كسائر خلق الله الطبيعيين حساسية مما يحدث له أو لغيره ، لكنها حساسية تتميز عما لدى عامة الناس بماهيتها المبهمة ، فهي شفافة وحادة ولها اتجاهات متباينة ، المهم أنها حساسية فنية تستجيب للمؤثرات الخارجية ، وتدفع الأديب والشاعر دفعا للكتابة ، ويلقيان منها صنوفا من المعاناة ، ومن المفيد أن أذكِّرك بجملة الشاعر الفرزدق الذي عبَّر بها عن معاناته في نظم الشعر ، فقال : إن ألم الضرس أهون عليَّ من نظم بيت من الشعر، ولا بأس أن أذكِّرك أيضا بأن الشاعر نزار قباني كتب جزءا من قصيدته ( حبلى ) ثم توقف ، وحاول بعد أيام أن يكملها ، فلم يفتح الله عليه بحرف ، ونظم بعدها قصائد كثيرة وطبع عددا من الدواوين ، وبعد عشر سنوات تذكرها فأكملها في جلسة واحدة .
ولو شاهدتَ المسوَّدات التي تركها الكتَّاب والشعراء وتأملتَ ما فيها من تشطيبات وتعديلات لتبينتْ لك مدى معاناتهم .
تبدأ معاناة الأديب والشاعر من لحظة التفكير والتخمين في فكرة أو رؤيا أو هاجس ما ، يسميه بعض الكتَّاب بـ ( الوارد ) الذي يرد على الخاطر ويجيِّش المشاعر، حيث يظل الأديب مشغولا به فترة من الزمن لا تنتهي إلا بعد أن يُفْرغ الفكرة أو الهاجس في قالب لغوي على الورق ، حينها يستريح وينام ملء جفونه ، وتنتقل معاناته بعدئذ إلى متلقي نصه الذي يجاهد لأجل فهم وسبر أغوار النص ، ولعل هذا ما عناه المتنبي من قوله :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلماتي مَنْ به صممُ
أنامُ ملءَ جفوني عن شواردِها ويسهر الخلقُ جرَّاها ويختصمُ
غير أن معاناة الأديب أو الشاعر تزداد حين يطيل التفكير في طريقة تشكيل ما ورد عليه من خاطر في قالب لغوي ، ولك أن تتصور صعوبة تحويل خاطر أو هاجس مبهم من هواجس النفس إلى بنية لغوية ، فالتعامل مع اللغة ليس أمرا هينا، وهي ليست على الدوام طيعة تستجيب لمن يكتب بها ، لكن مع هذا يحاول الأديب أو الشاعر بما لديه من موهبة خلاقة وخبرة أصيلة اختيار المفردات والتراكيب الملائمة لحالته الشعورية ، ليعبِّر بها إلى المتلقي عن عواطفه ومشاعره ورؤاه ، لكن قدرة اللغة فيما يبدو على التعبير وإيصال الرؤى والخواطر والمشاعر إلى المتلقي هي قدرة نسبية ، إذ لا تستطيع أية لغة تبيان ما في العقل والوجدان بدقة متناهية لا لبس فيها ، وحتى إن استطاعت أن تعيّن لُبَّ المعنى وجوهره فإن حدوده تظل عامة دون تحديد أو تخصيص .
ولو كانت اللغة قادرة حقا على تبيان الأفكار والمشاعر تبيانا حقيقيا دقيقا لاختفت من الوجود المشاحنات والمهاترات والحروب الكلامية التي تنشأ عادة بين الأفراد والشعوب بسبب سوء فهم دلالة المفردات ، ولما احتاج الناس في تعاملهم اليومي إلى الاعتذار وطلب الصفح من بعضهم حين يتلقى أحدهم كلام غيره بدلالة غير التي عناها المتكلم أو الكاتب ، ولما اضطروا إلى شروح وتفاسير النصوص المنطوقة والمكتوبة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية
.. -مساء العربية- يفتح صندوق أسرار النجم سعيد العويران.. وقصة ح
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي