الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تنقلب الأماني المفوَّتة إلى تخوين وإفلاس

منير شحود

2005 / 1 / 13
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


في هذا الضجيج المستعر من الانفعالات والهيجانات لا يمكن للحوار أن يتقدم ليحقق الفائدة المرجوة منه؛ فالحوار يحتاج إلى عقل منفتح, وبصر وبصيرة, لرؤية الواقع كما هو, وليس كمتخيَّل من الماضي, أو متوهَّم في المستقبل. وسيبقى الحوار انفعالا وصراخا بمعظمه طالما لم يعرف كل امرئ دوره من خلال فهم حقوقه وواجباته, وطالما لا توجد انتخابات حرة وروائز تقيس حجم القوى السياسية في المجتمع, أو مقاييس للكفاءة, نعرف من خلالها دور كل مواطن وفائدته لوطنه ومجتمعه, وعندها أيضا سيكون القانون العادل والنزيه هو الفيصل في الحكم على المواطن, فيما إذا كان خائنا أم لا, تبعا لما يتوافر من الأدلة.
لم يعد خافيا ذلك الاصطفاف الجديد بين قوى الاستبداد الحليفة الموضوعية للمحتل الخارجي, وقوى الحرية والديمقراطية. ويقف مطلقو حملات التخوين صفا واحدا مع المستبدين والقوى الخارجية المتطرفة, مثل المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وفي الجبهة الأخرى يقف كل الخيرين والمتسامحين والديمقراطيين, وهم موجودون في كل مكان من هذا العالم, لخدمة الإنسان المشخصن, وليس ذلك الفرد المجرد الذي يبني المستبدون وأزلامهم الأمجاد والكرامة المتوهَّمة على حيونته, إي اعتباره مجرد كائن حي قطيعي يكفيه أن يعيش غرائزه, والتي تبقيه على قيد الحياة, وتؤمن له أن يتكاثر؛ لأن انتقال الفرد إلى مرحلة أسمى, ليتحرر ويبدع, تجعله غير محتاج لمستبديه ونخبهم المنافقة, والتي تتحدث عن كرامته, بينما تسلبه مواطنيته وحقوقه كلها, وبالتالي إمكانية الإحساس بهذه الكرامة.
في الحلقة الأخيرة من برنامج "الاتجاه المعاكس" كدت أصعق, عندما اتجه أحد المتحاورين (إذا اعتبرنا مجازا أن ما يحصل في هذا البرنامج حوارا) العراقيين بوجهه العبوس صوب المشاهد ليحرض على القتل باسم المقاومة. لست هنا بصدد الحديث عن المقاومة والإرهاب, إنما سأركز على انتشار ثقافة التخوين وتجانسها في فرز جديد يعبر عن مرحلة تاريخية مستجدة بالفعل. فـ "الشيوعي" العراقي من فصيل الكادر, كما عرّفته الجزيرة, يستغرق في خطاب تخويني, صابا جام غضبه "الثوري" على الآخرين الذين يخالفونه الرأي, حتى أنه يدعو إلى قتلهم تحت تعويذة المقاومة ضد المحتل والمتعاونين معه. و"المقاومة" العراقية هنا هي السحابة التي يختفي خلفها أصحاب هذه الأفكار المتطرفة, لعلها تُشرعَن. وإن مثل هذه الأفكار وتعبيرها المقاوم على الساحة العراقية, والخالية من أية برامج سوى العنف, وإن طردت المحتل, فهي لن تبني سوى معسكرات "وطنية" مثل النظام "العلماني" لصدام, أو "الأصولي" لطالبان.
ومثل هذه التيارات الشيوعية العراقية موجودة في بلدان أخرى أيضا, ومنها سورية. وهنا لا بد من الحذر عند الحديث عن التطرف كصفة لبعض المنتمين إلى الإسلام. إن التطرف هو سمة لثقافتنا السائدة والمروجين لها, سواء كانوا من القوميين أو الشيوعيين أو الإسلاميين. ولعل الإسلاميين المتطرفين هم الأكثر براءة بين هؤلاء كلهم؛ لأن ما يدفعهم للتطرف كأفراد هو عاطفة إيمانية منزاحة عن مسارها السوي. والمتطرف المتدين مدفوع بعاطفة صادقة, فهو منسجم مع نفسه, تبعا لعقيدته, وإلا فكيف يندفع للموت ليلاقي ربه يوم القيامة؟. ويبقى المجال مفتوحا أمام هؤلاء للتوبة وتصحيح مسارهم الإيماني. ولكن كيف لهذا "الشيوعي" أن يتوب وإلى أية جنة سيذهب؟!. والفرق بين هذين النوعين من التطرف هو في درجة النفاق, وهي أقل عند المتطرف المتدين.
إن العالم العربي والإسلامي يعيش مخاضا جديدا بالفعل, تترتب عليه تحالفات جديدة أيضا. و"المقاومة" العراقية هي النواة التي يجتمع حولها القليل من أصحاب النوايا الطيبة والعواطف الصادقة, بتأثير الشحن العاطفي والحديث المنافق عن الكرامة, والكثير من المفلسين عقائديا والمتطرفين والمنتفعين السابقين والحاليين, ومن شتى الأصناف. وهذا يفسر عدم اللجوء إلى مختلف الوسائل الديمقراطية الأخرى في المقاومة, لسبب يتعلق بعدم الإيمان بها أصلا.
والغرب, وعلى رأسه الولايات المتحدة, مسؤول عما يحصل مسؤولية مباشرة؛ فما لم يعمل بسرعة لإيجاد تسوية عادلة قدر الإمكان للمشكلة الفلسطينية, والضغط على الأنظمة العربية, مع تشجيعها في الوقت نفسه, للمضي قدما في إجراءات إصلاحية حقيقية, فإن قوى الظلام والاستبداد ستحيل الحياة في بلداننا إلى صورة عن الجحيم نفسه.
ويعتقد الشيوعي الدوغمائي بعامة, أنه يمتلك الحقيقة التاريخية الناجذة التي وفَّرتها له النظرية الماركسية, وبالتالي فمن لا يوافقه في الرأي هو خائن أو عميل أو جاهل, وهي العبارة المكافئة للكافر والملحد والزنديق في القاموس المقابل. وباسم هذه النظرية, كما باسم الدين, ارتكبت أفظع المجازر في التاريخ. ولا يستطيع بعض الشيوعيين تجاوز تراث الاستبداد الستاليني, وربما نظلم "ستالين" إن قارناهم به, لأنهم ليسوا سوى نماذج مشوهة وحسب. ونحمد الله لأن أمثال هؤلاء لم يصلوا إلى كراسي الحكم؛ لأننا كنا سنترحم على البعث ألف مرة, وربما ترحمنا على "بول بوت" نفسه.
وأمثال هذا الشيوعي العراقي في سورية يتهمون من يخالفهم في الرأي بأنهم "ذباب", تبعا لتعبير أحد السفهاء من العقائديين المفوَّتين تاريخيا؛ وبالتالي فإن التصفية الجسدية تصبح مسألة وقت وحسب. ومهما بلغت درجة السفاهة عند البعض في عشائر بعض الشيوعيين السوريين وقبائلهم (مع أن شهامة أهل العشيرة ستبقى بعيدة عنهم), فإننا لن نوصِّفهم إلا بشريا وسياسيا؛ فهم بشر بالفعل, ولكن منهم من لا ينطبق عليه وصفٌ سوى السفاهة. ولم يتطرق أي من الذين ردوا على مقالنا (28809http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=) إلى الفكرة المركزية في المقال, وهي الاجتهاد الماركسي الذي أرجعنا فيه سلوك أحد "زعماء" الفصائل الشيوعية ونضاله ضد العولمة بكونه برجوازيا وليس شيوعيا, فهل هذه شتيمة؟. وتم تضخيم العبارات الجانبية في المقال وتأويلها. أما فيما يتعلق بالباص مدفوع الأجر فأحيلكم إلى الملحوظة في نهاية هذا المقال, لتعرفوا الحقيقة, ومن هو الكاذب!. وثمة الكثير من السفاسف الأخرى التي يمكن لصاحبها أن يتلذذ بقراءتها ويصدق نفسه, مع أنني أخشى عليه من عذاب الضمير...ولو بعد حين.
لقد قطعت البشرية شوطا كبيرا في الانتقال إلى مرحلة أكثر إنسانية, من الأمثلة عليها التضامن في الكوارث على الأقل, مثلما حدث مؤخرا في الشرق الأقصى. وفي الوقت الذي يتخلص فيه العالم من المستبدين واحدا واحدا, يأتي من يحاول إيقاظ ستالين من رقدته!.
إننا لا نصادر حق أي كان في التعبير عن رأيه, ولن نخوِّن أحدا, فهذا ليس من اختصاصنا, ولكننا نشير إلى أن التخوين, وشقيقه التكفير, هما الطريقان المفضيان إلى الرصاصة. إننا نعذر هؤلاء فقط لأنهم, مثلنا, ضحايا الاستبداد وعتمته, ولكننا ندعوهم لرؤية ضوء الحرية في نهاية النفق, والذي يخاف منه من اعتاد الحجرات الأيديولوجية المظلمة.
ولا بد من نصيحة نختم بها, متمنين على أمثال هؤلاء قراءة فصل من فصول رواية "مزرعة الحيوانات" لأطفالهم قبل النوم, فقد تفيد في عدم انتقال طاعون الاستبداد إلى الأطفال الأبرياء, والذين نحبهم ونتمنى لهم أن يتناموا ويعيشوا في وطن أكثر تسامحا مع أبنائه, على اختلاف عقائدهم وأفكارهم.
ملحوظة: عنوان البريد الالكتروني الذي يمكن الاستفسار من صاحبه هو:
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح