الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوطان تحترق-1- والشعوب في غياهب الجهل والاستسلام

فيفا صندي

2012 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق خمودا ثوريا لأسباب فسرها ابن خلدون في مقدمته، وترتبط في الأساس بعوامل تاريخية وجغرافية ومناخية بالإضافة إلى طبيعة وتركيبة الشخصية العربية.
لكن هذا الخمود غير دائم ولا مستقر، وبرهن التاريخ على أنه يمكن أن ينهض ويثور ويتحول إلى طوفان يدمر ويطيح دون مقدمات ويكون في الغالب هدفه اسقاط السلطان / رأس النظام.
فمهما طال النوم الخامد للشعوب إلا أنها تصحو دون سابق انذار وهذا ما يفسر فزعة الانظمة وتخوفها الدائم من أبسط فورات شعوبها المستضعفة، وتكثيفها الأمني الذي يعتبر أهم بند في ميزانيات حكام الشعوب الخامدة.

وفي أيام مثل أيامنا هذه، بعدما هبت رياح التغيير وقامت الثورات العربية، واطيح بالأنظمة الديكتاتورية.. ماذا تحقق لليوم؟ ماذا جنينا من ثمار "الربيع العربي" غير الضجة الإعلامية -الهوجاء التي تعكس بشكل ما حالة الخمود الفكري العربي-؟ مع استثمار الحراك الشعبي لتمرير خطابات ذات إيديولوجية دينية- ذو فكر رجعي مع إلباسها حلة الدين البراقة- جار عليها الزمن ولا تناسب الواقع الحالي من تطور فكرة الدولة بالعالم.

فبعد مرور عام وشهور من وصول هذه الإيديولوجيات ماذا قدمت للشعوب العربية غير حالات من الفزع والنفور من عودة السلطان الديني الذي افزع الناس بما يدار حول تحويل أو جعل ليبيا دويلة تخدم فكر نظام القاعدة في المنطقة العربية.. ونفس حالة الفزع والجدال الفكري الذي صار في تونس حول زيارة "وجدي غنيم بفكره الديني الرجعي".. وهي نفسها الحالة التي أفزعت الناس في مصر من فكرة إقامة الأذان في مكانه غير المناسب مع دعوات رجعية لمفهوم التعليم خاصة تعلم اللغات الأجنبية.. فماذا قدمت هذه الإيديولوجيات الفكرية؟ مع مراعاة حالة من التمرد ضد هذه النماذج / الإيديولوجيات التي تقدم الدين بمفهوم أحادي الرأي، بمعنى إن كنت توافقني فسوف تضمن الجنة وإن كنت معترضا وتخالفني الرأي فابشر بعذاب الله الأليم بنار جنهم).!

وبهذا الخمود الفكري نطرح هذه الأسئلة:

هل تحققت الديمقراطية أم لازلنا نعاني التهميش والقمع والعنف؟ هل سلكنا طريق التقدم والنهضة أم لازلنا نتخبط في مستنقعات الفساد واستغلال السلطة والنفوذ والدين؟
مرت اكثر من سنة على الثورات العربية، لكن لم نلمس بعد تغييرا حقيقيا يمكن أن يكون بداية التحول في المنطقة العربية، على العكس، فالأوضاع لا تقل سوءا عما كانت عليه من قبل.

وهنا وجب السؤال التالي: لماذا نخفق كلما قمنا....؟؟

سؤال محير، لا نستطيع الاجابة عنه إلا إذا عرينا بعض الحقائق.

والحقيقة الأولى تقول أننا شعوب تعاني الأمية والجهل. فالأرقام لا تزال مرتفعة رغم ضجيج الإعلانات الحكومية عن إنقاذ الالاف من براثن جهل القراءة والكتابة.. مسجلة بذلك ما يقرب الـ 30 في المائة من اجمالي سكان الوطن العربي البالغ 367 مليون نسمة. منهم 5 ملايين طفل خارج مقاعد الدراسة، رغم تفاخر هذه الدول بإلزامية التعليم فيها.!

أما البقية، فهي تعتبر متعلمة، لكن إلى أي مستوى؟ سؤال لا نستطيع الرد عليه إلا إذا حددنا النسب الدولية لأي مجتمع ناضج بما يدار حوله، وهذا بمعرفة مدى المستوى الكمي والكيفي للقراءة.. فهل أصبحت القراءة والكتابة تمارس خارج حصص المدارس والجامعات؟ هل أصبحت نتعاطاها بشكل يومي في المقاهي والقطارات والمطارات وعلى الأرائك والآسرة وفي أوقات الفراغ.. كهواية ونوع من الاسترخاء والتثقيف المعرفي حتى لو كانت معلومات بسيطة.؟!
فأين نحن من ذلك، وأين نحن من مفاهيم الغرب للامية، وهي عدم الحصول على شهادة علمية، إن لم نقل علمية عالية، إذا كان الواقع يحكم أننا شعوب لا تقرأ.. وإذا قرأت لا تستوعب. وهذا أكثر أنواع الأمية تعقيدا.

ربما هذه نتيجة حتمية لسنوات الخمود ولسياسات الحكام التي ارادت شعوبها دائما خارج نطاق العلم والوعي والتنوير. وهذا ما خلف اجيالا جاهلة وفارغة المحتوى، وإن ولجت المدارس والجامعات.

وما افرزته تلك السنوات لا يمكن أن تصلحه أي ثورة بين عشية وضحاها.


الحقيقة الثانية، هي أننا شعوب متقلبة في ميولها وأهوائها، تسوقها العواطف وتحكمها الأهواء لا العقل، مما يجعلنا فريسة للفتن والاشاعات وطعم سهل للأنظمة المستبدة التي تحسن العزف على اوتار الشعوب وتستغل جهلها لتزييف الواقع وممارسة الظلم والقمع، واستغلال السلطة والمال العام، وتتلاعب بعواطفها لتمرير خطاباتها وسياساتها، وبيع الحقيقة بالكذب.. فما الفرق ونحن لا يهمنا إن كُذب علينا، ما دمنا لا نطلب ولا نهتم بالحقيقة أصلا، ومادامت حدود طموحنا هي رغيف الخبز.
هكذا استغلت الانظمة السابقة سذاجة الشعوب، وهكذا تستغلها اليوم الحكومات الحالية، وسوف تسيطر عليها مرة أخرى بنفس خطى الاستدراج القديمة والتأثير على عاطفتها، مع ممارسة نفس التضليل الخطابي والقمع الفكري.. لكن هذه المرة بلغة الدين.


الحقيقة الثالثة أننا شعوب سلبية، فقدنا الاتجاه الصحيح في مواجهة قضايانا ومشاكلنا المصيرية. كثرة الظلم والفساد الاداري و تغلب سيادة الحاكم ومصالحه الشخصية على سيادة القانون، ربت في الشعوب فكرة عدم الجدوى في المشاركة في الامور العامة / السياسية، بل والتقاعس والانكماش داخل الذات مع الانفصال التام عما يدور في البلد، وترك زمامها لأقلية فاسدة، مما يكرس أكثر ثقافة القطيع. فالشعب يكتفي بالتبعية المطلقة، ويكون مستهلكا للحدث بدل أن يكون صانعا و منتجا له.


والحقيقة الرابعة أننا شعوب أنانية، وكما شرحها لنا علم النفس، الكل ينظر إلى العالم من خلال مصالحه ومنافعه الخاصة أو الشخصية، دون الاكتراث للمصلحة العامة ومصلحة الوطن. حتى في الصراعات على السلطة، ومهما كانت المرحلة حرجة ودقيقة فلا يهم سوى تحقيق النصر بشتى الوسائل الشرعية وغير الشرعية، حتى لو كان على حساب أمن البلد واستقراره حتى إذا وصل الأمر حد إحراقه.

وهذا كله يندرج تحت ما يمسى في اعتقادي بالخمود الفكري الذي أدى إلى الخمود الثوري.!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2012 / 3 / 2 - 18:37 )
شكرا للسيده الفاضله


تحليل منطقي وواقعي وهذا ما ذكرناه منذ اندلاع الثورات وقلنا لن يتغير اي شيء على الارض الواقع لان الثورات قامت على خلفيه اقتصاديه وليس فكريه بمعنى لم يطراء اي تغير فكري على الجهله فالذين كانوا يوما قاعده للاستبداد اصبحوا قاعده للديموقراطيه.. مجرد تحولات زمنيه شكليه مع بقاء المعظله العقليه والفكريه على مكانها ... رائع شكرا لك


2 - أين مسؤولية النخب
كاظم الأسدي ( 2012 / 3 / 4 - 19:10 )
الست فيفا ...كل الشكر والتقدير لمجمل ما زودتنا به من حقائق الواقع المأساوي اليوم .. وتحليلات موضوعية للأسباب الكامنة وراء هذا التراجع المستمر في الحياة بأركانها السياسية والأجتماعية والثقافية !!.. ولكن هل هناك من جانب محدد تتحمله النخب الواعية والمثقفة خصوصا- في هذا التراجع ؟؟ فلم ألحظ إشارة بينة لذلك ؟ عسى أن أقرأ ذلك في أوراق الوطن المحترق التالية ... مع وافر التقدير ...

اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو