الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرس و الأستاذ و الأعيان التربويون

بودريس درهمان

2012 / 3 / 3
التربية والتعليم والبحث العلمي


خلال أحد البرامج التلفزية الفرنسية تحدث أحد الوجوه السياسية الفرنسية البارزة و هو وزير الدفاع الفرنسي السابق جان بيير شوفينمان الذي قدم استقالته رافضا انضمام بلاده إلى الحرب على العراق تحدث، إلى هذه التلفزة و هو بصدد تحليل وضع العدالة الفرنسية بداخل وزارة العدل فقال:"في فرنسا لدينا عشرون ألف قاض Magistratsو لكن لدينا فقط ألفين قاض عادلJuges" و هذه القولة إذا كانت تنطبق على وزارة العدل الفرنسية و تنطبق حتى على وزارة العدل المغربية فهي تنطبق كذلك حتى على وزارة التربية الوطنية حيث لدينا أكثر من ثلاث مائة ألف مدرس و لكن نتوفر فقط على ما يقل عن ثلاثة ألف أستاذ. فما هو الفرق بين الأستاذ و المدرس. الفرق بينهما بكل بساطة هو الفرق بين من يستطيع تملك النظام المعرفي للتربويين و من لا يستطيع تملك هذا النظام.
النظام المعرفي للتربويين كما هو ملمح إليه في هذه المقالة هو النظام المعرفي المتعارف عليه ما بين الأمم و الشعوب الذي يخص مجال التربية و التكوين و المحدد في المدارس الفكرية المعروفة و النظريات المعرفية المعروفة، بالإضافة الى مجموعات الخبراء و المحللين التربويين. من يتملك هذا النظام التربوي المعرفي و يدرك مكنوناته فهو أستاذ و من ليست لديه القدرة على ذلك فهو فقط مدرس، و القواسم المشتركة بين المدرس و الأستاذ تتحدد في انضواء الإثنين تحت سقف واحد هو سقف قانون الوظيفة العمومية و سقف القانون الخاص لرجال التعليم بالإضافة إلى التوفر على رقم تأجيري، أما النظام المعرفي للتربويين فيبقى بعيد المنال و مستعصي لهذا السبب الأغلبية الساحقة من المدرسين، و ليس من الأساتذة، يرفضون التحدث في البيداغوجيا، بل و يكونوا هم الأوائل الذين يرفضون حدوث أي تغيير بيداغوجي و تربوي.
الفرق بين المدرس و الأستاذ هو فرق واضح جدا و لا يحتاج لأي برهنة أو تعليل و هذا الفرق يلمسه الإنسان العادي كما يلمسه المثقف و الخبير. الأستاذ ينهل من النظام المعرفي للتربويين، و المدرس ينهل فقط من التداولات اليومية مما يجعل انصرافه بسهولة إلى مهن أخرى شيء هين و عادي و لا يشكل له أي إحراج، لكن رغم كل الإختلافات العميقة بين الأستاذ و المدرس، فالإثنان معا يتعايشان تحت سقف واحد هو سقف النصوص التشريعية المحددة لوضعيتهم الإدارية و الغير محددة تماما لمسلكياتهم، سواء بداخل المؤسسات، أو في علاقتهم بالنظام المعرفي الذي من المفروض أنهم يتملكونه.
الأنظمة التربوية الرسمية للدول الغير ديمقراطية، تفضل المدرس على الأستاذ لأن المدرس يحافظ، يطبق و في أقصى الحالات يتماهى، في حين الأستاذ ينتقد، يجدد و يدفع دائما إلى التغيير و إلى استشراف أفق المستقبل، لهذا السبب في الأنظمة التربوية للدول الغير ديمقراطية يحتاج الأساتذة المجددون إلى الحماية القانونية و التشريعية و هذا ما اهتدت إليه معظم الأنظمة التربوية للدول الديمقراطية حيث قامت معظم هذه الدول بسن قوانين و تشريعات تخص مدونة سلوك على شكل قانون للتربية و التكوينcode de l’éducation.
لكن حتى في الحالات التي يتم فيها سن قوانين و تشريعات عبارة على مدونة سلوك للمدرسين، حتى في هذه الحالات، في غياب نظام معرفي محلي يمتح من العلوم و المعارف يصعب على النظام التربوي المحلي إنصاف الأساتذة و المدرسين المجددين لأن غياب نظام معرفي محلي يمتح من المعارف و العلوم يجعل مهمة تقبل أي بيداغوجيا جديدة أو مجددة، شيء مستحيل لأن البيداغوجيا لا تنبني على التمثلات الإيديولوجية و السياسية المحلية، بقدر ما تنبني على التداولات اليومية التي تستند على النظريات التربوية و النظريات المعرفية المتعددة و المختلفة، و التي لديها تسلسل معرفي تاريخي و منعرجات و محطات بارزة، و جد محددة.
الفراغات الهائلة و الفظيعة التي تميز النظام المعرفي التربوي الذي لا تستند تداولاته اليومية على المعارف و العلوم تجعل تقبل أي بيداغوجيا شيء مستحيل لأن المفاهيم البيداغوجية و التربوية التي يتم توطينها بداخل النظام التربوي المعرفي يتم توطينها على مستوى اللفظ و المصطلح فقط و لا يتم توطينها على مستوى السلوك و على مستوى الفهم العميق و مستوى الوضوح و القناعة مما يحول هذه الألفاظ و المصطلحات إلى سلوكات نمطية بئيسة.
غياب انتشار العلوم و المعارف و الإنتشار المكثف للمدارس الفقهية المتعددة بداخل التداولات اليومية يجعل من أي استثمار مالي في القضايا البيداغوجية ذريعة فقط لاستقبال و استباحة رؤوس الأموال سواء منها الوطنية أو الدولية عن طريق حقن هذه الأموال بداخل مالية التربية و التكوين، لكن المستفيدون الحقيقيون من بعض هذه الأموال هم الأعيان التربويون.
حقيقة وجود الأعيان التربويين بداخل المملكة المغربية لا يمكن ملامسته إلا بالقيام بمقارنة بين أطر المؤسسات التربوية للتكوين و التأطير لدول الاتحاد الاوروبي و الأطر التربوية للتكوين و التأطير للمؤسسات التربوية الوطنية، بل و حتى لكل أطر التربية و التكوين لدول شمال افريقيا و لدول بقايا الرجل المريض. أضعف إطار في هذه المؤسسات، كما هو الشأن لمدراء المؤسسات التكوينية بفرنسا، أضعف مدير لأحد هذه المؤسسات تجده أصدر ما لا يقل عن أربعة كتب و عشرات من المقالات و البحوث، أما مدراء المؤسسات التكوينية و التأطيرية للمملكة المغربية فهم يتأبطون السجادة و التسبيح متحايلين حتى على التقوى.
بعض خصائص النظام المعرفي الاوروبي للقرون الوسطى و لعصر النهضة نجدها جلية في نظامنا المعرفي المتداول بداخل النظام التربوي بالخصوص. لهذا السبب، حفدة الشريف الإدريسي لم يعودوا يعرفون الجغرافيا و حفدة ابن بطوطة أصبحوا يجهلون العالم، هكذا فالوضع الحالي للنظام التربوي المغربي و حتى الوضع الحالي للنظم التربوية لشمال افريقيا يجعل اي عملية تفكير في البيداغوجيا ربما بدون أي جدوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف