الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة العربية والربيع المأمول

بشرى البستاني

2012 / 3 / 6
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي



(1)
لا يخفى على المنصفين اليوم ان المرأة العربية ناضلت نضالا متواصلا في ظروف شديدة الحساسية والتعقيد ، وأنها استطاعت أن تحقق انجازات لا بأس بها على مستوى القضية التي كافحت من أجلها ولا سيما في مجال التعليم ولا أضيف العمل لأنها لم تعد تجد فرص العمل متاحة لها بالرغم من تعليمها الجامعي المتنوع التخصصات ، لكن هذه المنجزات وعلى أهمية حضورها في مجالات مختلفة للأسف لم تكن بمستوى الطموح ، إذ صار من المعلوم اليوم أن حركة التحرر في المجتمع العربي تسير عبر تيارات مشتبكة بالتناقضات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، فكيف يمكن عزل قضية إنجاز المرأة عن قضية حركة المجتمع وانجازاته ككل ، ونحن محكومون بالمنطق العلمي والإنساني الذي يعد المرأة والرجل من ثنائيات الحياة الأساسية ، وهي ثنائية مؤتلفة ومحكومة بالانسجام والعلاقة التواصلية من أجل الحياة التي هي قضية القضايا ، ومن أجل المستقبل وبنائه على الأسس السليمة . ولعل قصور المنجز عن الكفاح المبذول من أجله يعود لأسباب شتى أهمها فضلا عن قصور التشريعات التقدمية ، تراكم عصور التخلف وقدرة هذا التخلف على بناء مفهومات قيم مضادة للتحضر استطاعت أن تتغلغل في الوعي الجمعي للمجتمع وعبر تركيبته البنيوية حتى صار النضال ضده يحتاج لزمن طويل أولا ، ويحتاج لتداخلات علاجية من السلطة ( التشريع ..) ثانيا بحيث تكون هذه المعالجات شاملة وجذرية تطول كل البنى ذات العلاقة ببرامج التنشئة و التربية والتعليم والإعلام والتثقيف والمناهج التعليمية من رياض الأطفال وحتى الدراسات الجامعية العليا بما يؤدي إلى ثورة ثقافية تهز جذور التركيبة المجتمعية من جديد وتسأصل القيم العشائرية والقبلية المتخلفة التي هيمنت حتى على القيم الدينية المتفتحة والخيّرة والمرنة والمرتكزة على الإباحة قاعدةً ، وعلى التقييد المنحصر في التحريم استثناء ، لتقيم مجتمع العدالة والتحرر والبناء الهادف ، بناء الإنسان رجلا وامرأة وطفولة وأسرة وأمة ، وتطول القوانين وخطط عمل الدولة وتوجهاتها بحيث يكون حضور المرأة في الحياة العامة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا مكونا أساسيا من مكوناتها وليست قضية شعارية أو رموزا للزينة والمباهاة السياسية ، إن قضية تحرر المرأة وتكافؤها وحضورها وإعادة تشكيل شخصيتها من جديد ليست قضية فئة مجتمعية ، بل هي رؤية شاملة للحياة في كل جوانبها وذات علاقة بمختلف أبعادها وقضاياها المستقبلية ومن شأنها أن تلقي آثارها على مجمل تطلعاتها المصيرية .
(2 )
إن المرأة العربية الواعية تسير على النهج الصحيح في درب الحرية والتكافؤ ، لكنها بحاجة إلى الدعم الشامل والمتواصل ، لقد اعتمدت في مسيرتها العلم والعمل الجاد ومقاومة عوامل التخلف والسلب منتبهة إلى ضرورة تحقيق الإرادة الحرة الواعية ، لكنها للأسف كانت تسير في معظم الأحيان وحيدة لأسباب شتى أشرنا لأهمها فيما سبق ، وهي في وعيها للحرية تدرك إدراكا كاملا أن الحرية مسؤولية وواجب بنائي نوعي وليست حقا للتمتع على المستوى الذاتي حسب ، مع أهمية هذا الحق الإنساني النبيل الذي يجب أن يتكاتف الجميع من أجل تحقيقه ، لكن المنطلق العلمي يحتم علينا التأكيد أن المجتمع العربي الذي غبن المرأة في كثير من حقوقها هو نفسه الذي غبن ويغبن الرجل كذلك في ظل غياب العدالة الاجتماعية ، وغياب الحقوق الأساسية للإنسان العربي في توفير متطلبات العيش في جوانب الحياة كافة ، ولذلك لا بد من تكاتف الأطراف جميعا في ميدان جهادي واحد يرتكز على الوعي وعلمية الطرح القائم على احترام الحقوق وقبول الرأي الآخر والحوارية المثمرة .فإرادة الحرية الحقة تقتضي تحرير المرأة وإنسانيتها من الخوف والضعف ومن الهشاشة والتردد في صنع القرار الذاتي والعام ، كما يقتضي تحرير الرجل من تضخم الذات والتسلط ومن أحادية التفكير ليكون صنع الحياة داخل الأسرة وخارجها نتاج حوار متوازن بينه وبين المرأة في شراكة إنسانية نبيلة وهادفة .
( 3 )
لعل من السهل تشخيص العقبات على درب نضال المرأة العربية ، لكن من الصعوبة البالغة وضع الأسس الكفيلة بإزالة هذه العقبات أو التخفيف من حدتها في وقت يعاني المجتمع فيه من إشكاليات تهدد وجوده ، وتتطلب تلاحم أفراده رجالا ونساء من أجل القضية الواحدة والهدف الذي لا خلاف عليه ، وهو الوطن ومستقبله ، ووقوف المحتل متربصا داخله مرة وعلى أبوابه أخرى ، فإذا ما صفا هذا الأمر واستقر سيكون من المهم رسم برامج جديدة تقوم على الوعي الشامل بخطورة عزل نصف المجتمع عن بناء الحياة ، وتعطيل طاقاته وشل قدرته على الإبداع . إن إبعاد المرأة عن معترك الحياة وحرمانها من فرص أن تحيى حياة كفيلة بإثراء إنسانيتها هو باعتقادي واحد من أهم أسباب ضعف الأمة العربية وتفكك أحوالها وطمع الطغاة بها ، إن الجانبين التشريعي والتنفيذي / التربوي الثقافي والمعرفي المتفتح وتمدين القرى العربية والحد من سطوة الأدلجة الدينية والعمل الجاد على تمكين المرأة من أجل إدماجها في كل جوانب الحياة وتسليع العمل المنزلي ورفع مشاركتها في التخطيط والتنفيذ وتمكينها من الوصول الى مستويات صنع القرار ، كلها عوامل إشكالية يجب الالتفات اليها كون معالجاتها ضرورية لتحديث المجتمع الذي سينظر نظرة جديدة لطاقة المرأة المغيبة نوعيا بالرغم من كونها النصف المهم في كل مجتمعات الدنيا .
إن عدم الاهتمام بتطبيق القرارات المهمة الصادرة لضمان حقوق المرأة سواء على المستوى الوطني او الدولي تعد واحدة من المعوقات المهمة في هذا المجال فالمتأمل لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يراه ينص على الآتي :" يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء".علما أن اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة تضمنت ثلاث مواد أساسية:
المادة الأولى : للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.
المادة الثانية : للنساء الأهلية في أن ينتخبن جميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.
المادة الثالثة : للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز ، لكن التأمل في تطبيق مثل هذه البنود يجد البون شاسعا بين النظرية وما يُنفذ فعلا في مجمل دول العالم ، فضلا عما في طرائق الانتخابات في وطننا العربي من عيوب جذرية جراء غياب الوعي والتعليم وهيمنة الطبقية الحادة ما بين شرائح معدمة تُعدُّ بالملايين وأقلية تمتلك وفرة المال والجاه والسلطة وتشتري أصوات الناخبين بكل الوسائل وما ينتج عن ذلك من تشريع ذرائعي يخدم مصالح الأقلية ، حيث لا يجدي وعي النساء المناضلات . ومن المعيقات الخطرة هنا تولي كتابة الدساتير من قبل هذه الفئات غير المسؤولة وعدم احترام بنودها المهمة وسهولة العبور على المواد التي تتضمنها وإهمالها دون مساءلة من الشعب أو النخب الشريفة ، وغياب المهمشين والمقهورين بالصمت يأسا وخوفا وتجهيلا مما يجعل من واجب الثورات المعاصرة تجاوز مفهوم تغيير الحكام فقط إلى قضايا أكثر خطورة وصعوبة لأنها تتعلق ببناء الإنسان الجديد المتفهم لأحواله ومتطلبات تغيير واقعه . إن قراءة المواد الدستورية العراقية المتعلقة بإشكاليات المرأة العاملة وأعباء عملها المنزلي يأمل خيرا كثيرا ، لنتأمل المادة المادة 17 التي تقول : " تكفل الدولة التوفيق بين دور المرأة في الأسرة وعملها في المجتمع ، ومساواتها بالرجل بما يتيح لها المساهمة الفاعلة والكاملة في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما لا يتعارض مع هذا الدستور.." ولنا أن نتساءل بمشروعية : ماذا تم في التطبيق العملي من هذا الكلام المهم ...؟؟ وهل وضع مثل هذا البند موضع التنفيذ أصلا ، فصار للأسرة مؤسسات تعين المرأة على تقديم الخدمات في ميدان العمل المنزلي وبناء حضانات الأطفال القائمة على فلسفة تربوية رصينة وتهيئة الأطعمة الجاهزة او نصف الجاهزة وأعباء تنظيف المنزل وغير ذلك من العمل المتكرر الذي يبتلع وقت المرأة ويستهلك قواها .. ؟
كما أن من الخطورة التي تحدق بالمجتمع العربي استبدال المواطنة ومؤسسات الحكم التي من المؤمل ان تلامس التقدم الذي هز أركان العصر بالمعلوماتية ووسائل الاتصال الهائلة ، بأسس طائفية ضيقة أو مذهبية ومحاصصية مخجلة في القرن الحادي والعشرين لان من شأن هذه المحاصصة القائمة على التعصب والانغلاق والتحيزات غير المنطقية أن تمزق الشعوب وتفتت وحدة المجتمع وتهوي بالوطن ووحدته ومستقبله نحو مستويات متردية حين تغيب الكفاءات البانية والرؤى المعرفية والمستقبلية وتعم الفوضى ويسود الاضطراب والخراب .
( 4 )
تُرى .. ما المتوقع من الهبات الشبابية في ربيع الوطن العربي المأمول ومن تغيير الأنظمة .. لقضايا النساء ..؟ لعل من المفيد القول ، ومع إلإيمان المطلق بأهمية ثورات الشعوب ضد الطغيان والاستبداد والدكتاتوريات بأنواعها ، ومع الانحياز التام لأهمية التغيير الذي يقود للتطور والتنوع وإثراء الحياة التي لا يهبط بها شئ كالسكونية والركود ، إلا أن هذه التغيرات التي لم يمض عليها أكثر من عام لا يمكن لها أن تحقق التغيرات الجذرية المطلوبة لان العمل على تغيير أي جانب من جوانب العادات والتقاليد والموروثات والقيم المجتمعية يحتاج لزمن وجهد نوعيين كي يطوله التغيير . إن ما صحب هذه الانتفاضات من سمات الافتقار إلى دقة التخطيط لاستقرار وأمن الأوطان يُسلم هذه الأوطان وأهلها لازمات جديدة استغلت من قبل فئات أخرى لاعتلاء دفة الحكم ، مما يؤكد أن الثورات ليست هي تغيير حكام بل هي تغيير بنى مجتمعية كاملة مما يجعلها تحتاج إلى زمن نوعي لاستيعاب التغيير. إن ما حدث من ردّات وفوضى وضياع - وهذا أدهى وأمر ما يمكن أن تعيشه الشعوب - ، هو ما جعل الكثير يتوجسون من مرجعيات هذه الثورات ومن نتائجها كذلك ، ولعل الزمن كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي حينما تستوعب الثورة ما اكتنفها من وقائع وأحداث وتلجأ إلى تحليله والإفادة من خبرات نتائجه في تغيير تكتيكها عبر الستراتيجيات الرئيسة لعملها على طريق التغيير .
لقد شاركت المرأة بحراك مهم وشجاعة فائقة وجرأة وقوة في هذه الانتفاضات التي حصلت في تونس وفي مصر وليبيا وما زالت في اليمن ، وكان حضورها في هذه الميادين فاعلا ومؤثرا عبر إسهامها مع الرجل جنبا إلى جنب بالتظاهر وطرح المطالب العادلة حيث ضربت وجرحت واستشهدت وقدمت أحبابها ضحايا وهدمت البيوت عليها وعلى أطفالها وأسرها ، إلا أن القطاف في النهاية لم يكن بمستوى التضحيات حتى اليوم ، لكن الإحباط لن يتسرب لعزيمة النساء الواعيات ولا لقوى الثورة الحقة ، فالمرأة الواعية تدرك بعلمية أن المستقبل للعدل والخير والحرية ، وأن النصر للحق أبدا مادامت المرأة قد أمسكت بالقلم وأشهرت هويتها في عمل اقتصادي ومعرفة متطورة ومواكبة للعصر . إن المرأة تنتظر من هذه الثورات الكثير .. أن تفتح لها أبواب فرص العمل على مصراعيها لتدخلها بكفاءة وجدارة ، وأن تمارس تخصصاتها قي هندسة الكهرباء والميكانيك والري والزراعة والصناعة وفي البناء والتخطيط للمستقبل عبر خطوات جريئة وحاسمة ، دامجةً تطلع المرأة بصميم ما يصبو إليه المجتمع المتحرر ، لكن لا ننسى في الوقت نفسه أن جزءا كبيرا من المشكلة يقع تأثيره وأثره كذلك على عاتق ملايين النساء اللواتي ما زلن غير قادرات على إدراك أبعاد القضية المهمة التي تبعد ممثلاتهن وممثلات الشعب الحقيقيات عن مواقع صنع القرار ، ذلك أن المرأة بالرغم من مشاركتها الواسعة في تفعيل عملية الانتخابات السياسية ترشيحا وتصويتا ، إلا أنها لا تنتخب المرأة الواعية التي يمكن أن تمثلها وتمثل شعبها بجدية ، بل تنتخب الرجل انقيادا لإرادة رجل الأسرة زوجا أو أبا أو أخا أو ابنا ، وهذا نفسه دليل تبعية وتغييب رأي وقرار ، مما يحمّل المرأة والرجال الواعين معا مسؤولية ما هي فيه وعليه ، ويجعلها عاجزة عن التحقق الذاتي الذي هو واحد من أهم مظاهر حضورها الفعلي في الحياة ، وأجد من الواجب هنا التذكير بما ورد في حقل الحقوق المدنية والسياسية ، المادة (1 ) من الدستور العراقي الحالي : " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ..."
ولعل من حق أي مواطن أن يتساءل ، أين هي تطبيقات مثل هذه النصوص البالغة الأهمية ...؟؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطريق الطويل
ابراهيم جاد الكريم ( 2012 / 3 / 9 - 00:01 )
لا شك أن الطريق أمام المرأه العربيه ... طريق طويل ... أن لم يكن مستحيلا ... وخاصة فى ظل الأميه التى تصل الى 75% فى بعض المناطق !! الى جانب الأرقام المرعبه لما تتعرض له الأنثى فى مجتمع تصل به نسبة التحرش الى 84% ( منهن 76% محجبات ) !!!! وفى ظل مجتمعات أصبح فيها الصوت الأمى والرجعى عالى وما على أى جاهل أمعه الا اطلاق اللحيه وعمل (زبيبه) والظهور فى فضائيه ليقول ما فيه هجوم !! على الحريم أو الديانات الأخرى ليصبح نجما اعلاميا وبالتالى ينضم اليه المريدون والداعمون سواء من الخارج أو الداخل ... وكأن المرأة هى أصل البلاء فى التخلف العربى عن ركب التقدم الأنسانى والتكنولوجى العالمى ومنهن مظلومه ( عضوه فى مجلس الشعب ) على قناة أون تى فى ومع الأعلامى يسرى فوده ... قالت نحن لسنا ناقصات عقل ودين زى ما بيقولوا !!!!!!! ولم تذكر مين اللى بيقولوا !!!وكأنها لا تعرف ولا تعرف بالتالى - الرجال قوامون على النساء !!- والذكر كحظ الأنثيين !!- وفى الشهاده ذكر أو أنثيين !!- و قرن فى بيوتكن !!! - وكل هذا وغيره تتعرض له الأنثى الى جانب متاعب اللون أو الشكل أو الأقليم ...وهى بعض ما تتعرض له الأنثى فى المجتمع

اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال