الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب المعارضة السورية الملتبسة.. في أوج صعوده وسافلة انحداره

المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)

2012 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



خطابان ملتبسان، رافقا خط سير الثورة السورية، تقاربا في الاتجاه بالنسبة للقول عن نفسيهما أنهما معارضة وأنهما في ذات الوقت يدعوان للحوار مع النظام، واختلفا دون اختلاف بالنسبة لاتجاههما الإيديولوجي، الديني من جهة، والقومي اليساري االنخبوي من جهة أخرى. الأول بزعامة محمد حبش أزيح كمعارضة لأنه جزء واضح من خطاب النظام.. والثاني أزيح منه الجزء الممثل بقدري جميل لاكتشاف أنه مسرحية أمنية ولّفها النظام تحت اضطراره لإعادة إنتاجه بمعارضة. وتمثل ما تبقى من هذا الخطاب بهيئة التنسيق الوطنية التي برزت على الساحة العربية والدولية رغم صغر حجمها وتأثيرها في الداخل ضمن محاولات قوى هذه الساحة إيجاد مخارج للنظام العاجز عن إخماد ثورة السوريين التي تتسع وتترسخ رغم استخدامه أعتى أجهزة القتل.. وقد بلغ هذا الخطاب أوج صعوده ومعاناة انحداره في ذات الوقت مع الفيتوين الروسي والصيني وارتكاب النظام في محاولة إنهائه المستحيلة للثورة مجازر ضد الإنسانية، ووصول النظام إلى يأسه من الحسم وانتقاله إلى الخطة النهائية السافرة التي يجسّدها بمحو حي باباعمرو، كاملاً بأبنيته وناسه وصحفييه الأجانب، ويمددها بـ: إدخال سورية في أتون الحرب الأهلية، ليكون طرفاً في تسوياتها مع الدول العظمى.. وفي أوج هذا الصعود أعاد ممثل هذا الخطاب الكاتب ميشيل كيلو تدوير اسطوانة الحوار مع النظام في مقاله بجريدة السفير تحت عنوان: "لحظة تحوّل في سورية: الله يستر"، بترجمته إلى: "قبول تسوية تاريخية.. يتم تجسيدها في مرحلة انتقالية رسمها الحل اليمني، تقوم على قبول تسوية تاريخية بين جميع أطراف العمل العام السوري، بما فيها البعث والنظام، تأخذنا على مسار حرية لن يكون تحقيقه سهلاً إلى الديموقراطية" كما يقول. وفي معاناة انحدار هذا الخطاب، برفض الثورة السورية لهذه التسوية وانتقالها إلى الردّ أولاً بالإصرار على استمرار سلمية الثورة من خلال امتدادها إلى قلب دمشق في حي المزة، وفي حلب وبقية المدن السورية، وثانياً بالدعوة إلى تسليح الجيش السوري الحرّ ودعم انشقاقاته لحماية المدنيين وتحرير البلاد من عصابات بشار الأسد التي انتهى إليها النظام السوري.. نشط ممثلو هذا الخطاب لدعم هذه التسوية أولاً بالتأثير على مؤتمر أصدقاء سورية، وعلى بعض القوى اليسارية العالمية من خلال التخويف بالتدخل الخارجي والحرب الطائفية، وثانياً بالهجوم على المعارضة التي تعاني من طعناتها لبعضها ومن طعنات الدول العربية والأجنبية لها، للإجهاز عليها، وفي هذا السياق، شكل المقال السيبَويهي الثاني لأبرز ممثلي هذا الخطاب الكاتب ميشيل كيلو في جريدة السفير: "مجنون من يصدّق وجود تناقض بين الحوار والتفاوض" نموذجاً عن معاناة هذا الانحدار، حيث تتكشف القوة الظاهرية النابعة فيه من الهجوم على مخالفيه "المجانين" من أهل الثورة والسخرية من منطقهم وشتمهم بعبارات وجمل من نوع: (غبي، حمار، مجانين، لا يفهمون، أصحاب ترهات تسيطر على عقل متخلف غير سياسي وغير ثوري، ثوار آخر زمن، متعامون عن واقع الثورة، ولا يتعلمون من أعظم عبقري في الاستراتيجية والتكتيك عرفه التاريخ اسمه فلاديمير إيليتش لينين).. عن ارتباك يكشفه منطق الدفاع عن النفس في المقال وتبرير انعزال منطق معارضته للثورة في المسألتين الأساسيتين في الصراع: دعوة الحوار مع النظام، وتجنب طرح شعار إسقاط النظام، بزيادة الالتباس في منطق هذا التبرير، وبحيز يحتل ثلاثة أرباع المقال، بينما يحتل الباقي منطق الشتائم ومنطق تبرير الذات التي يكشف هشاشة منطقها إصرارها على تأكيد خبرتها الماركسية للآخرين وتأكيد معلميتها في تدريس التكتيك والاستراتيجية لدى لينين...

ويبدو أن زيادة الالتباس بهذا المقال في تبرير دعوته للحوار مع النظام بـأنها مشروطة، في ظل رفض النظام لأي حوار غير حوار دباباته مع أجساد المتظاهرين السلميين، وزيادة الالتباس في تبرير تجنبه لطرح إسقاط النظام لأنه "هدف أخير لا يجوز وضعه كشعار تكتيكي يرفعه الثوار ويرددونه على طريقة الدراويش في التعزيم" كما يسخر من المتظاهرين، مع إغفاله أن شعار إسقاط النظام لدى الثورة هو هدف أول لتحقيق هدف بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وزيادة الالتباس في وضعه، كما يفعل عادة بإلباس واقعٍ ثياب واقع آخر، رسماً بيانياً يمنياً لإسقاط النظام أشبه برالي سباق الديمقراطية الذي "يمرّ بخطوات عملية متتابعة".. وردية الأوهام بمباركة سيد الوطن بشار الأسد ترافقه سيدة الوطن الأولى وعم أسياد الوطن القادمين ماهر الأسد وحاشية زومبيي السلام وأولياء الفقيه الصالحين!.. لم تفعل أكثر من زيادة انحداره إلى صف (دان وليبر وانتهازيي المناشفة/ البكادشة، أصحاب التخلّي السافر عن شعار "كل السلطة للسوفيتات"، والتخلي السافر عن انتفاضة أكتوبر وذهابه مع الحل الوسط الذي قال عنه لينين حاسماً: "ليس ثمة من وسط") في اللحظة الثورية السورية الناصعة بإسقاط النظام...

ويزيد هذا الخطاب بؤساً معرفة أن مخالفي هذا الخطاب الذين شتمهم دون تسميات ليسوا "الإسلاميين المزعومين الذين يتحولون اليوم كما يقول بالتباس: "إلى ظاهرة منفلتة من أي عقال، غامضة وخطيرة، تهدد بالإسهام من جانبها في تحويل معركة مجتمعية من أجل الحرية إلى معركة طوائف ومذاهب متنافية"، ويلتقي مع خطاب النظام في اتهام قوى الثورة بأنها من يقود البلد إلى الحرب الطائفية، في ظل تغاضيه عن إدانة النظام الصريحة كطرف وحيد ومستفيد من محاولة إشعال الحرب الأهلية.. بل إن هؤلاء المخالفين هم: أحد رموز الثورة السورية المعارض اليساري البارز رياض الترك، الذي ثبّت في مقالاته ولقاءاته وعمله داخل قوى الثورة مبدأ عدم الحوار مع النظام، وشعار إسقاط النظام بكل أركانه. والناقد الباحث اليساري العلماني صبحي حديدي، الذي حلل خطاب ميشيل كيلو وكمال أبو ديب كاتجاه فقير بائس وضار دون أن يذكر اسميهما تجنباً لتأثير خلافات المعارضة سلباً على الثورة. والسياسي الخارج من معتقلات النظام كعضو في الأمانة العامة لحزب الشعب الديمقراطي السوري/ اليساري العلماني جورج صبرة، الذي حلل وحارب الخطاب البائس الذي يخيف الأقليات من المذهبية الموهومة لدى قوى الثورة، وأنا اليساري العلماني الذي حلل تضليل هذا الخطاب في تصويره لطبيعة قوى الثورة ومراحل تطور الثورة، وبؤس منطق السياسة الانتهازية المبتذلة في هذا الخطاب، إضافة إلى اليساريين الديمقراطيين االناقد والروائي اللبناني الياس خوري، الذي ثبت في مقال "لغة السياسة ولغة الثورة" وباعتزاز، الشعبَ السوري الثائر كطرف أساسي أول وفارض في معادلة الصراع على سورية، مخالفاً إلغاء هذا الشعب في الخطاب الملتبس لميشيل كيلو والذي مايزال يعتبر الثورة مراهقة وعليها أن تأخذ بآرائه الخبيرة وإلا كانت "غبية وحمارة". والكاتب السياسي اللبناني زياد ماجد، الذي ثبّت باعتزاز ما خلقته الثورة السورية من قيم تعلّم الثورات. هذا إن لم نذكر شهيد لبنان وسورية الكاتب اليساري سمير قصير، الذي دفع حياته ثمناً لربطه صراع الشعبين السوري واللبناني من أجل الديمقراطية ضد نظام بشار الأسد، إضافة إلى شخصيات معروفة لا تعدّ ولا تحصى من اليسار السوري والعربي والعالمي، الذين لم يفهموا وفقاً للمختص بشروحات فلاديمير إيليتش أوليانوف لينين، هذه الشروحات...

بين صعوده وانحداره، في كفتي ميزان قوى النظام والثورة، يضع خطاب المعارضة الملتبس جميع بيضاته في كفة النظام، ويحاول إقناعنا أن هذه هي كفة الثورة، ليصل بمعارضته الملتبسة إلى أوج صعودها وسافلة انحدارها، مختتماً دراما محنتها بالرهان على كسب العالم من خلال خسارة شرف الانتماء إلى الثورة السورية، لكن ماذا ينفع أي معارضة، وأي عالم تكسب بزراعتها للأوهام غير حصد الريح!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شتان بين النظرية والتطبيق
نايــــــــــــــــــا ( 2012 / 3 / 8 - 00:30 )
في مقابل خطابك الثورجي هذا حبذا لو تعطينا، أنت الإنسان اليساري بالإضافة إلى أولئك النقاد والكتاب والصحفيين الأشاوس، حلاً أو اقتراحا يوقف شلال سفك دماء الشعب السوري الأعزل ولوقف المجازر الأسدية ضده اليوم قبل غدا... ألا يكفي انتقادا وتنظيرا لا يؤخر ولا يقدّم لحلٍ موضوعي يحقق مطالب الشعب السوري وللانتقال من نظام حكم دكتاتوري قمعي انتهازي وفاسد إلى نظام ديمقراطي تعددي وعادل !!!0


2 - ليس ثمة من وسط
المثنى الشيخ عطية ( 2012 / 3 / 9 - 10:32 )
مع احترامي لرأيك
يحاول المقال كشف الخطاب الملتبس الذي لا يقدّم حلاً موضوعياً يحقق مطالب الشعب السوري، بل تعمية لحقيقة أن النظام لم ولن يقبل أبداً بمنطق أي حوار، ووصل بحله الأمني إلى المجازر التي قلنا رأينا بغاياتها في المقال، والحل أو الاقتراح الذي تطلبينه مقابل خطابنا (الثورجي) هو خط الثورة الذي بدأته بالإصرار على السلمية وفرضته بإبداع وتضحيات شعبنا ليشمل سورية بأجمعها، واستمرت به في الإصرار على السلمية مع حماية الجيش السوري الحر الذي انشق رفضاً لأوامر قتل أهلنا، وتسليحه ليدافع عن نفسه وعن المتظاهرين السلميين. قدرنا أن نستمرّ في مظاهراتنا السلمية وأن نقاتل تحت راية الثورة السورية بيسارييها وإسلامييها ومسيحييها وعلوييها ودرزييها وعربها وأكرادها. هذه ثورة الشعب السوري الواعية والمقادة من شبابها ومنظريها الواعين، ومكشوف هو الخطاب الملتبس المخادع بأنه يساري في تنظيره حول الحوار وإسقاط النظام وتصويره القادة وكأنهم رعيان يجب أن يقودوا غنماً، وحول الشعب وكأنه غنم يجب أن يأخذ برأي ولاة أمره من مشايخ اليسار. الثورة سائرة، نعم، تحت النار، لكن لا خيار إلا في التقدم.
مع احترامي لرأيك
.

اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل