الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة : التجميل و عولمة الجمال

نزهة المكي

2012 / 3 / 8
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي


إن ما نشهده الان هو تتويج لذلك الاحتكاك الذي اتسم بالعناد و التحدي بين ما يمكن تسميته بالحداثة بشكلها الغربي و الثقافات الوطنية و الشعبية التي تشكل الاديان عمودها الفقري في بلداننا العربية و الاسلامية ، الاحتكاك الذي اتسم بالفعل و رد الفعل و كلاهما يرتد نحو التطرف ، فمن تعطيل بعض بنود الشريعة الاسلامية كتعدد الزوجات و تشريع الدعارة ، الى الرد بفرض انواع من الحجاب و حرمان المرأة من التعليم ، لتبقى المرأة هي الخاسر الاكبر في هذه المعركة السخيفة ,,,
اسمحو لي ان ان اتناول الموضوع من زاوية تخصصي كخبيرة تجميل ، هذا الجانب الذي طالما اسقطه الدارسون و المحللون لوضعية المرأة و قضيتها رغم ما يشكله من خطورة على مستقبلها بل مستقبل المجتمع كله على اعتبار ان المرأة هي قلب المجتمع النابض .
المرأة : التجميل و عولمة الجمال

يمكننا ان نعرف التجميل على انه عملية تطبيق لمفهوم الجمال لدا الفرد او المجتمع وهو عملية يرسم بها الانسان قناعاته و يعكس بها ثقافته و افكاره و يعبر بها عن قضاياه في كل مفردات حياته : زيه و زينته و سلوكياته و في ادواته او صناعاته ورسوماته و منتوجه الفني و الثقافي بمختلف اشكاله في الرسم او الموسيقى او العمران أو التشخيص و التمثيل على المسرح او السينما وغيرها من الحرف و الفنون ...
الا ان العامة ربطته بالانسان و تحديدا بالمرأ ة ، ربما لكونها تعكس في الغالب الثقافة التي تسود بالمجتمع كما ان للمرأة تاثير قوي في حياة الانسان الاجتماعية فهي من تتحكم بمفردات حياته الدقيقة و الحميمية ، هذه المفردات التي من شانها ان تقلب موازين حياته اذا ما تم العبث بها او التعامل معها بشكل يلبي اغراض ثقافات معينة تلعب لصالح سياسات خارجية غرضها التخريب او الاحتلال كما سيجري توضيحه لاحقا
إن اخطر ما اصاب عالم التجميل و الجمال هو عملية العولمة ، التي حولته لسلاح دمار شامل اشد فتكا من اسلحة الدمار التقليدية ، وقد انطلقت الشرارة الاولى لهذه العملية سنة 1951على يد البريطاني ايريك مورلي بالمملكة المتحدة كان الغرض منها اختيار ملكة جمال محلية لغرض استثمار التظاهرة لاغراض خيرية تقوم الفائزة بالترويج لها الا ان المسابقة سرعان ما اتسعت رقعتها لتصبح عالمية و تتنوع اغراضها و رسائلها لتخرج عن نطاق اعمال الخير لاعمال الدمار و التخريب و الارهاب الدي ستكون المرأة سيدة المجتمع اول من سيكتوي بناره
بعد ان وضع ايريك مورلي اللبنة الاولى لعولمة الجمال اجتهد بعده خبراء و مثقفون غربيون لدعم قواعدهذه العملية و ذلك عبر قنوات متعددة اعتمدت كلها على الصورة ، من سينما و صحف و مجلات و عروض للازياء قدمت كلها الجمال حسب مقاييس غربية محددة ، فالمرأة الجميلة هي ذات البشرة البيضاء ، الشقراء ، الطويلة القامة التي تميل للنحافة ، كما اوهموا المرأة ان بامكانها ان تصل لهذه المواصفات بسهولة او على الاقل الاقتراب منها و ذلك بواسطة مواد التجميل و بالتالي فبامكان المرأة ان تتحكم بجمالها و صورتها و بذلك اصبح شغل المرأة الشاغل هو مغازلة المرآة و ادمان النظر اليها لدرجة الهوس و تتبع صيحات الموضة و ما تفبركه دور التجميل من نماذج للجمال الصناعي المغشوش
ولم يعد هاجسها الاول أن تهتم بتثقيف نفسها او تنوير عقلها بقدر ما صار همها الاول العناية بجمالها الخارجي و تطويع جسدها لمقاييس الجمال الموضوعة فترسخ في وعها أن جمال الشكل هو معيار النجاح في العمل ، و دليل التحرر و التحضر وليس الكد و الاجتهاد و الابداع ، وقد تاثر الرجل بدوره بهذه النطرة و المفهوم السطحي للجمال ، ففي استطلاع للراي بالولايات المتحدة الامريكية اوئل الثمانينات صرحت اكثر من 55% من المستطلعة آراءهن من النساء أن اكثر ما يجذب الرجل للمرأة هو جمالها في حين كان 1 % فقط لصاح ذكاءها نتيجة لهذا المفهوم و هذه الثقافة صارت النساء يعشن حالة من الرعب و الضغط النفسي لدرجة الكآبة بسبب التوقعات التي صارت تسيطر عليهن فيما يخص جمالهن و مدى انسجامه مع المقاييس الموضوعة مما سبب لهن الكثير من القلق و انعدام الثقة بالنفس حتى صنف بعض الاطباء و الباحثين حالتهن كونها نوع من الاعاقة العقلية او المرض الجسدي ففي تقرير اً صدر عام 1985 في نيويورك تايمز جاء : (غالباً ما يظهر المعاقون جسدياً رضاً كاملاً عن أجسادهم، بينما النساء القادرات جسدياً اللاتي رأيناهن لا يظهرن ذلك). وصرّح الدكتور آرثر كي بالين الذي كان رئيساً للمنظمة الأميركية للشيخوخة في 1988م: "إنه سوف يفيد الأطباء النظر للقباحة ليس كشيء تجميلي بل كمرض".
لقد هيأت هذه المفاهيم و الثقافة السائدة عن الجمال الفرصة كاملة لهيمنة مصممي الازياء و دور التجميل و منافسة هؤلاء لرجال السياسة و القرار ، فعندما تصل النفقات العالمية على الجمال و الموضة لاكثر من 100بليون دولار و تفوق ميزانية التسلح يجدر بنا ان نتوقف وقفة تأمل امام هذه القضية ، فنحن نعلم جيدا ان الدول الكبرى لا تفارقها النزعة الاستعلائية و الاستعمارية التي ابادت لاجلها شعوبا و قبائل مستعملة في ذلك القوة و القهر لكن بعد ان ذاقت من نفس الكاس بعد الحربين الكونيتين اصبح لزاما عليها ان تفكر بوسيلة اخرى لاخضاع الشعوب باقل الخسائر و من ثم بدأت رحلتها الاستعمارية الثانية اعتمدت فيها على خبراء التجميل و صناعة الجمال ليمهدوا الطريق لسياساتهم و جيوشهم و يذللوا العقبات امام مشاريعهم الاستعمارية فبرز عدد كبير من دور التجميل العالمية صارت شركات عابرة للقارات تستنزف ميزانية هائلة من دخل الشعوب تضخ من ارباحها لصالح خزينة التسلح كما تتحكم في توجيه سياسات الدول
في كانون اول من سنة 2002 نطمت في لندن المسابقة الثانية و الخمسون لاختيار ملكة جمال العالم ، فازت بها التركية المسلمة آزرا أكين وقد سجل هذا الفوز اول اختراق للعالم الاسلامي و بقلبه العالم العربي ، فقد كانت النتيجة سياسية اكثر من كونها خاضعة لمعايير الجمال الموضوعة لان الغرض كان مغازلة المجتمعات الاسلامية و العربية من اجل تصدير ثقافة الجمال الغربي و تمهيد الطريق امام شركات التجميل و صناعة الموضة لفتح اسواق جديدة لها من اجل الترويج لبضاعة الجمال المصطنع و مفاهيمه الدخيلة التي ستأثر على ثقافة هذه الشعوب و سلوكياتهم و تربك حياتهم الاجتماعية خاصة بعالمنا العربي ، اذ بدأ الرجل يتطلع للبيضاء ، الشقراء صاحبة العيون الخضراء او الزرقاء ، معرضا عن السمراء ذات العيون العسلية التي بدورها دخلت في صراع ضد الطبيعة و راحت تبحث عن تلك المادة السحرية التي تحقق لها حلمها في الحصول على تلك البشرة البيضاء و الشعر الاشقر و بهذا ارتبكت مفاهيم الجمال لدى مجتمعاتنا و توارى مفهومه الجميل الذي تعامل معه الاجداد و عاشوا في ظله في استقرار و سكينة ، و الامر من كل ذلك اننا فتحنا صدورنا لسهام القذف و التجريح و الحط من حضارتنا و ثقافتنا ففي تصريح صحفي لعقيلة رئيس الوزراء البريطاني شاري بلير معلقة على الزي التقليدي لاحدى البلدان العربية " لا أعتقد أن هناك ما يمثّل تخلّف المرأة أكثر من البرقع " كما علق السياسي الفرنسي جان ماري لوبان العنصري المتطرف عن الحجاب في سخرية : " إنه يبعدنا عن النساء القبيحات "
لقد كانت مثل هذه التصريحات و التعليقات تتويجا لغزو ثقافي غربي لاغراض استعمارية محكم التركيب و واضح الاستراتيجية فمع الغزو الامريكي لافغانستان ادخلت دول التحالف مشاريع لترسيخ احتلالها للدولة كان ضمنها مشروع " حرية احمر الشفاه الافغاني " وهو عبارة عن مشروع ممولاً من الولايات المتحدة، لتزويد المرأة في أفغانستان بمدرسة جمال ذات طابع غربي، تبنى في كابول، وسط مجمع وزارة أفغانستان لشؤون المرأة، على أن يكتمل إنشاؤها في أيار 2003، هدفها تدريب بعض نساء أفغانستان على قص الشعر، وتجارة الجمال، مع تزويدها بمساحيق التجميل، من أرقى شركات أدوات التجميل مثل (ريفلون) و(ماك). فقد تم القفز على كل المشاكل الكبيرة التي تغرق فيها المرأة الافغانية مثل الجهل و الجوع و المرض ، الى تعليمها طرق التجميل الغربية و ما يرافقها من سلوكيات املا في تغلغلها في المجتمع الافغاني لتشويه شخصيته و خلق صراع حضاري يفكك نسيجه الاجتماعي من اجل تاجيج الصراعات الداخلية التي كما راينا بدأت تطل بنفسها عبر طوائف و تيارات دينية متطرفة امتد تاثيرها لعالمنا العربي و أثرت بشكل كبير على قضاياه المصيرية مثل القضية الفلسطينية ، و العراقية و الان المصرية او دول الربيع العربي التي تفجرت بها الثورات .
اذن فقضية المرأة هي قضية صراع حضاري ، قبل ان يكون سياسيا او اجتنماعيا ، الحل فيه هو كامن في احترام حضارات الشعوب و خصوصياتها ، عند استنباط و بلورة القوانين الخاصة بالمرأة و لا بأس من الاستفادة من القانون الدولي بهذا الخصوص بما لا يربك حياتها داخل مجتمعها و يتسبب لها بالمزيد من التردي .
بقلم : نزهة المكي
خبيرة تجميل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات