الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجودة مرتبطة بتأهيل النظام التعليمي لموارده البشرية، حوار مع نائبة إقليم صفرو الأستاذة فائزة السباعي

رشيد شاكري

2012 / 3 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


أجريت هذا الحوار مع الأستاذة فائزة السباعي نائبة وزارة التربية الوطنية بإقليم صفرو، لفائدة الجريدة التربوية، وهي بالإضافة إلى تحملها مسؤولية تدبير الشأن التربوي بالإقليم، مفتشة مركزية وباحثة تربوية وفاعلة حقوقية وجمعوية.
نظرا لأهمية مضامين هذا الحوار يسعدني أن أنشره على موقع الحوار المتمدن:

- بداية، أشكركم على قبولكم دعوة الجريدة التربوية لإجراء هذا الحوار، الذي أستهله بعلاقة المرأة والمسؤولية بالمغرب، فكيف تقيمون من زاوية رأيكم كمسؤولة على تدبير الشأن التربوي بإقليم صفرو، تجربة المرأة المغربية في مواقع المسؤولية والقرار على مختلف مستويات التدبير، وهي تخوض غمار معترك مجتمعي مازالت تتجاذبه وتتقاذفه تيارات العقلية الذكورية في واقع متشبع بمثل هذه النزوعات القوية والجارفة أحيانا ؟
+ أعتقد أن الذاكرة الجماعية للنقاشات المحتدمة حول القضية النسائية، ترعرعت في سياقات البحث المضني عن تشخيص دقيق لنوعية التخوم الطبيعية والنفسية والفكرية الفاصلة بين الرجل والمرأة، وعن التقاطعات المرشحة لإرساء حقهما الطبيعي في التعايش والإنتاج المشترك لتوزيع الأدوار والمهام بينهما. كما تجاوزت راهنيا مستويات الإشكالية الاعتبارية للمرأة ،وترويض المجتمع للمنابر الخطابية من أجل الاعتراف بجدارتها في قيادة المشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي، وصياغة قوائم بنوعية التجاذبات والتفاعلات بين الجنسين. ذلك أن المغرب سعى وبجرأة كبيرة في عقده الأخير لتكريس نموذج المرأة القادرة على احتلال مواقع القرار الكبرى، وخوض مجالات التحكيم والتفاوض والتعبئة والانفتاح والتدبير على رأس المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في شتى حقول التنمية ببلادنا. فالمرأة المغربية سجلت وبقوة على مستوى النخب السياسية، فعاليتها على رأس القطاعات الحكومية المصيرية البارزة كاشفة عن كفاءتها الكبيرة إلى جانب الرجل في التفكير والنقد البناء والتأثير والاستقطاب والإنتاجية والإشعاع الواسع. وبذلك تعد تراكمات المعركة النسائية أحد أكبر انتصارات المغرب التاريخية التي تتربع فكره الانتقالي وتلغي مفهوم الحضور النسائي العابر في التمثل المجتمعي ، من خلال خلخلة مرجعيات النظرة الضيقة للمرأة ولتأثيراتها.
فالعمق الإشكالي لهذا الخيار، يتأسس على اعتبار المرأة عبورا إلى النصف الآخر من المجتمع، والذي يأبى النماء والتطور بنسق تنموي مبثور وبدون تجدير للموقع النسائي في مسيرة التحديث، مما يؤهلها إلى جانب الرجل لركوب أبراج التحول وقيادة إيقاعاته، واحتراف مشاتله التاريخية. ولعل المكتسب النسائي في نص الدستور الجديد، يعد قفزة نوعية كبرى للمجتمع المغربي نحو المناصفة سعيا لالتئام حقيقي للنسق المجتمعي، وتتويجا فعليا لتاريخ النضالات النسائية ببلادنا ، والتي لن تكتمل برأيي دون إرساء مسلسل إصلاحات استراتيجية عميقة تعني بالمرأة المغربية التي تعاني من التهميش الاجتماعي والاقتصادي والهشاشة خاصة بالوسط القروي وهوامش الحواضر، مع الانفتاح التام على القطاعات والجمعيات والمؤسسات الشريكة المهتمة بهذا المجال.
أما عن التهاب الحضور المتصاعد للمرأة في مواقع المسؤولية تحت وطأ مخلفات العقلية الذكورية بمجتمعنا، فهو أمر وارد وغير خفي على أحد منا ، حتى على ممارسيه من الرجال أنفسهم. ويطرح مؤهلات المرأة المسؤولة لإثبات الذات وتسخير طاقاتها الظاهرة منها والكامنة للعطاء الناجع ، وقدرتها على بلورة مناعة قوية لامتصاص مواطن الترسبات في هذه العقلية لتحصين أدائها من شتى تمظهرات المقاومة الذكورية الموجهة لمحاصرتها. وهي الوجه الآخر لمسؤوليتها في حقل متشعب ومركب كالتربية والتكوين والمتفتح على جميع مكونات المجتمع المغربي .
- في هذا السياق نجد أن تحملكم لمقاليد المسؤولية على رأس نيابة إقليم صفرو يندرج في إطار تجربة غنية لا محالة، تدخل في تركيب مفهوم مركب لحدود هذه المسؤولية، فما هو تعريفكم لطبيعة أهم التحديات التي أفرزتها أرض الواقع في حدود ممارسة المسؤولية الموكولة إليكم ؟
+ التقويم الذاتي لتجربتي بهذا الشأن ، يصعب في الواقع اختزاله والإلمام بشموليته. أعتبرها تجربة قمة في الغزارة والتنوع والتشعب للإحاطة بفعل التدبير من زوايا مركبة تتوارى معها نظرة المربي المتخصص نحو فضاءات ممارساتية أكثر شمولية وتشابكا، تتقاطع فيها مجالات التدبير المالي والإداري والتربوي والبيداغوجي لتصب في نسق استراتيجي مسؤول على تنزيل الخيارات الكبرى للسياسة التربوية العامة بشكل يستوعب إكراهات وخصوصيات الإقليم والذي يحتضن 20% من ساكنة الجهة ويهيمن عليه الطابع القروي ) 80% ).
فالتدبير المعقلن للقطاع في تطبيقه للمساطر والقوانين المرجعية والتوجيهات الرسمية، يراهن على تكييف أوراش التنزيل مع واقع الوسط القروي وما يرتبط به من انقطاعات وهدر مدرسي وتمدرس الفتاة القروية، وهشاشة البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، وصعوبة المكون التضاريسي والمناخي وتعدد المكون السوسيوثقافي...
كما أن المسؤولية تدعو إلى التحلي أيضا باليقظة والحنكة لانتشال التدبير اليومي المفرط في حل الإشكالات المطروحة بتوجيه طاقات الإدارة للتدبير الاستراتيجي المبني على المشروع الموجه والهادف بتناغم تام مع مخططات العمل الجهوية ومقررات الوزارة الوصية. كما أن طبيعة القطاع تدعو للانفتاح على واقع فسيفسائي حي بتنسيق وتشارك مع ممثلي السلطة والهيئات المنتخبة والقطاعات الحكومية والمؤسسات النشيطة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين وكافة المهتمين بالشأن التعليمي بنهج التواصل المثمر واللامشروط وممارسة القرب ، لتنزيل ثقافة التغيير بعقليات جديدة تمس عمق المؤسسة التعليمية كبوثقة مركزية مدعوة لاستيعاب التغيير وقادرة على إذكاء ديناميتها الذاتية للإبداع والإشعاع، على اعتبار شخص المفتش والمدير أكثر الفاعلين المرشحين لتحريكها. كما أن نهج القرب من شانه إذابة هوامش التنافر بين مكونات الإدارة ، ومحركا أساسيا لآليات المصاحبة والتتبع والتقويم المؤسساتي الموجه بالميدان...
- لقد راهن قطاع التربية والتكوين على انفتاح المدرسة العمومية على شتى مكونات المحيط الحيوية، فما هي الحدود الحقيقية لإسهام الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين في تنزيل توجهات هذا الإصلاح وإذكاء هذه الدينامية ؟
+ واقع القطاع تجسيد لمجتمع نظامي قائم بالذات يعج بالحياة ، ويصب في فضاءات تربوية مهيكلة بشكل خاص، يتمتع بآلياته التدبيرية ونظامه الداخلي ، وبترسانته القانونية والمرجعية، ويتميز بإيقاعاته الزمنية ومنظومته التربوية، ونسيجه العلائقي المتمحور حول القيم الإنسانية للتواصل والتعايش والتعاون والقدرة على تخليق الذات والإنتاج والخلق والانفتاح الإيجابي على المحيط بسيماته الأسرية وموروثه الثقافي المحلي. مما يفسر سرعة امتصاص المجتمع المدرسي لشتى التجاذبات والتفاعلات الرائجة بالمحيط بحكم استقطاب المؤسسة لجميع الشرائح السكانية كمؤسسة نظامية للتنشئة الاجتماعية. فلا يمكن قطعا الانكباب على انشغالاتها دون الانخراط الإيجابي للفاعلين والمهتمين بشؤونها للدفاع عن مقوماتها والإسهام في تطوير أداءاتها وتأهيل فضاءاتها التحتية .
لذا أعتقد أن إخراج المدرسة العمومية من عزلتها ومصالحتها مع محيطها وتكييف توجهاتها النظامية مع خصوصياتها، مشتل خصب يدعو لتعميق التعاون مع جميع الفاعلين الديناميين المحليين من سلطات ومنتخبين وقطاعات حكومية وغير حكومية وجمعيات وشركاء اجتماعيين واقتصاديين والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإعلام، خاصة وأن الجهوية الموسعة خيار مهيمن على الأفق المستقبلي ، وإسقاطها على الحقل التعليمي يدعو إلى تعميق الاستقلالية الذاتية لمؤسسات التدبير التربوية المختلفة وتوسيع دائرة شراكاتها المحلية ، لأن المدرسة العمومية شأن الجميع وقاطرة للتنمية المحلية والوطنية. وتحلينا هذه الدينامية على الخلفية المفاهيمية والنفعية للشراكة انطلاقا من تفعيل مقومات التعاون والتكامل ونظرة التصالح مع الإدارة لتطوير القطاع وتذويب بؤر الاختلالات وترشيد الموارد البشرية والمالية المسخرة "لخدمة المتعلم وجعله في قلب التفكير والاهتمام "وتستدعي تقوية وإذكاء هذه الدينامية شحنة كبيرة بالوسط القروي لتحسين شروط الاستقبال بالوحدات المدرسية والارتقاء بجودة الأداءات، وتأمين حزامها المجالي وحمايتها من طرف الساكنة. وهو ورش كبير لازال مفتوحا ويحتاج إلى المزيد من التعميق حتى نصل إلى مستويات متقدمة من طموحاتنا في هذا المجال .
- عند اطلاعنا على البرنامج الحكومي نجده يستند إلى مرتكزين أساسيين لإصلاح الشأن التعليمي ببلادنا: الحكامة وجودة النظام التعليمي. بصفتكم باحثة تربوية، ما هي أهم مداخل الإصلاح التي يمكن المراهنة عليها لتنزيل الحكامة المنشودة والارتقاء بجودة الأداءات بالقطاع؟
+ أعتقد أن الحكامة تتربع مداخل الإصلاح كبوثقة محورية لعقلنة تدبير الموارد البشرية والمالية المؤطرة للمستلزمات الضرورية للمنظومة.
فالحكامة في مجال تدبير الموارد البشرية على اعتبارها العقل المدبر للمنظومة، ورش وطني هائل ومصيري في غاية الإصلاح ، ويتطلب برأيي البدء لإعادة بناء هندسة وبنيات الهياكل الإدارية الحالية لتتكيفها مع استراتيجية اللاتركيز واللاتمركز والجهوية الموسعة والاستقلالية الإدارية والمالية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ونياباتها، وصولا إلى الاستقلالية الذاتية للمؤسسات التعليمية . والتأثيث المعقلن لهذه الهياكل يتطلب :
- التحديد الدقيق للمسؤوليات والمواقع والأدوار والمهام لكل فئة من الأطر الإدارية والتربوية للمنظومة مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا.
- تحديد الإطارات المرجعية للكفايات والمهن لمختلف فئات الأطر الإدارية وأطر المراقبة التربوية وهيئات التدريس .
- تحديد برامج التكوينات الأساسية والمستمرة الملائمة.
- تحيين وتبسيط الترسانة القانونية والتنظيمية للموارد البشرية والمالية لتكييفها مع الهياكل الجديدة ومع خصوصيات القطاع .
- مقاربة المردودية المهنية لمختلف الأطر بأساليب المكافئة والتشجيع المادي والمعنوي في مقابل أساليب الزجر والعقاب الإداري في تحديد سلم الترقي للموارد البشرية تكريسا لثنائية الحق والواجب ، وتحيين وتسريع الإطار المسطري للرخص بما فيها المساطر الخاصة بالملفات الطبية.
- إرساء نظام مراقبة وافتحاص داخلي مواز يهم كل الفئات من الأطر والمستويات في المسؤولية بالقطاع.
- تعميم وترشيد الانتشار بتلبية العرض وتغطية الخصاص الناتج عن حركية الموارد البشرية. وعن مدخل الجودة بعلاقة مع تحسين الأداءات والخدمات الإدارية والتربوية برأيي يتضمن شقين:
* الأول خاص بتحسين شروط الاستقبال المادية واللوجيستيكية للتلاميذ: من بناءات وتجهيزات مدرسية وخدمات للدعم الاجتماعي والأمن الإنساني وباقي مجالات التسيير... ولا يمكن للجودة في هذه المجالات أن تتحسن دون تعميم هذه الشروط بكل من الوسط الحضري والقروي لتتساوى الحظوظ في التمدرس ، مع الانفتاح المثمر على الشراكات لدعم هذه الأوراش.
* الثاني خاص بالمجالات الموجهة مباشرة لتطوير الفعل التربوي والبيداغوجي الصفي للتلميذ المغربي : من مناهج تربوية ومداخل بيداغوجية ، وكتب مدرسية ودعامات ديداكتيكية، وإيقاعات مدرسية ، وبرامج الدعم التربوي، والأنشطة المدرسية الموازية والنوادي المدرسية، ومشاريع المؤسسات المهتمة بتطوير النموذج البيداغوجي وتخليق الحياة المدرسية وإرساء منظومة القيم والحد من الظواهر المخلة بالنظام العام ...
وأعتبر الجودة بشقيها، ترتبط بتأهيل النظام التعليمي لموارده البشرية بشكل أساسي في نطاق اضطلاعها باختصاصاتها الإدارية والتربوية لتساهم بنجاعة في الارتقاء بمؤشرات ومعايير الجودة المتوخاة ...
وبذلك يتأكد الارتباط العضوي للجودة بمدخل الحكامة في إطار نظام تعليمي عمومي وخصوصي موحد، يسعى إلى تعميم التعليم والحد من ظواهر الهدر المدرسي، والتشجيع على التنافسية البناءة لضمان حق التعليم والتربية لجميع أبناء المغاربة بدون شرط أو ميز.
- في ختام هذا اللقاء أطلب منكم كلمة أخيرة من اختياركم.
أوجه تحية عرفان وتقدير كبيرين لكل الأطر العاملة بالحقل التربوي من نساء ورجال التعليم خاصة بالوسط القروي والذين يؤدون واجبهم الوطني في الكثير من الوضعيات في ظروف صعبة ويجزلون العطاء بروح وطنية عالية .
كما أن انتظاراتنا في القطاع التعليمي لازالت كبيرة ونتمنى للحكومة الجديدة كل التوفيق في المزيد من دعم مسلسل الإصلاح لهذا القطاع الوطني التنموي الحيوي بامتياز. وأدعو بصفتي الحالية كنائبة للوزارة جميع مكونات المنظومة للتعبئة الشاملة كل من موقعه لإنجاح هذه الغايات والأهداف النبيلة التي يتوخاها إصلاح نظامها التعليمي والتربوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو