الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوميديا عروس السيد

كافي علي

2012 / 3 / 10
الادب والفن


تعالت زغاريد النسوة وامتلأ هواء الحي القابع في احدى زوايا الفقر ألازلي برائحة البارود فرحاً وابتهاجاً بإعلان وصول موكب سيارات عرس السيد. ركض صغار الحي حفاة الأقدام مندفعين بحبهم لطعم الحلوى المنثورة على العروس صوب الموكب وهم يصيحون والمرح يقهر فقرهم وحرمانهم... أجت العروس...أجت العروس ... حتى أن احدهم جر اخته الصغيرة بقسوة بعد ان استوقفتها شظية من الزجاج اخترقت احدى قدميها. سألها وهو يشد على يدها أن تقفز على ساق واحدة كي تتلافى ألم انغراس الشظية في لحمها، لكن دون جدوى سقطت الصغيرة ارضاً واجهش أخوها بالبكاء وهو يتابع بمرارة اتساع المسافة بينه وبين جموع الصغار. توسلت اليه ان يتركها مكانها ويلحق بالاخرين على ان يخبئ لها شيئاً من الحلوى لان جدتها تقول أن حلوى بيت السيد مذاقها لذيذ وفيه شفاء وبركة وهي لم تذق في حياتها حلوى بطعم البركة.
تجمع النسوة، اللاتي لم يحضين بالوجاهة الكافية لدخول بيت السيد، قرب اسوار البيوت كي يتسنى لهن القاء نظرة ولو عابرة على العروس. أخبرت احداهن جارتها الأرمل بأن لا تحمل هم اطعام ايتامها في هذا اليوم لأنها سمعت أم السيد وهي تأمر الخدم بتوزيع الطعام على سكان الحي جميعاً تبركا بعروس ابنها الجديدة. أما السيد الكبير فقد نذر لئن ولد له حفيد فإنه سوف يكفل ايتام الحي جميعا. بكت الأرمل لسماعها الخبر وبسطت قامتها المنحنية بحماس، ورفعت ذراعيها نحو السماء كنخلة من الفاو جارت عليها الحرب ثم صاحت مستغيثة بربها أن يمنحه بدل الحفيد عشراً. كان هذا قبل أن تتلفت هنا وهناك وتسأله في سرها أن يرحمها برجل يؤنس وحشة ليلها بعد أن تطمئن على صغارها.
أصطف الرجال معممين ومعقلين وافندية يتوسطهم السيد الكبير عند باب الدار وهم يهللون ويكبرون ثم تقدم احدهم مذعناً كدابة لغريزة حب الظهور وأنشد ابياتاً مجد فيها سلالة السيد وتأريخ بطولاته، فهتف ورقص بعده باقي الرجال مأخوذين بسطوة الموروث. اما الشباب فقد نحاهم تمردهم على العادات والتقاليد جانباً وراحوا يختلسون النظر بين الحين والأخر الى الصبايا اللاتي يدخلن ويخرجن من وإلى الدار وهن متوشحات بالخجل المغمور بلذة الفضول.
في باحةِ دار السيد المعطر بماء الورد والبخور جلست أم السيد متكئة على عصاها تراقب بصمت نار القدور المحيطة بها وكذلك النسوة المنهمكات في العمل. لقد بدى الأنزعاج وعدم الرضى واضحاً على وجوه النسوة اللاتي أمرتهن العجوز بعدم الخروج لأستقبال العروس مراعاة للحشمة والحياء. توقف غمزهن ولمزهن الخفي عندما نزلت امرأة في مقتبل العمر من على السلم وهي تصيح وتقسم بأعلى صوتها بأنها ليست السبب في عدم الانجاب- بل السيد ذاته. نهضت الأم التي تمرد غرورها على حكمتها وضربت المرأة بالعصا، ثم اشارت وهي تطبق على شفتيها الشاحبتين إلى النسوة بسحلها الى السطوح وأغلاق فمها خشية من الفضيحة. أدركت المرأة المغلوبة على أمرها بأنها قد وضعت في خانة العتيق كسابقاتها من زوجات السيد، فسبت واقسمت ان تضع السم في الطعام لتقتل الجميع انتقاماً لكرامتها.
عند باب الدار توقف موكب السيارات بهدوءٍ مثير للتساؤلات. نزل السيد الصغير من سيارته كممثل هوليودي ثم اصلح هندامه وفتح الباب لعروسه، وما ان نزلت العروس حتى خيم على المكان سكون مطبق وكأن الارض اهتزت تحت اقدام الجميع. ساد الصمت والناس ينظرون في وجوه بعضهم البعض بحثاً عن جواب لتساؤلاتهم. إلا الأرمل التي لم تتمالك نفسها من البكاء فقد صرخت وضربت على وجهها وسط قهقهات صغار الحي الذين رقصت اسمالهم على ايقاع تشنجات بطونهم الخاوية. لقد كانت عروس السيد رجلاً بثوب امرأة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما