الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة القروية ونخبوية العمل النسائي بالمغرب

محمد السلايلي

2012 / 3 / 12
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


بدأ اهتمام الجمعيات النسائية المغربية بالمجال الحقوقي، منذ مرحلة متقدمة. وهو اهتمام مرتبط بمجال النضال السياسي بوجه عام. وباختصار شديد، لقد تمت ولادة النسخة الأولى من العمل النسائي بين أحضان ورعاية الحركة الوطنية في عهد الحماية، ثم تحولت الى قطاعات حزبية موازية بعد الاستقلال السياسي. وابتداءا من ثمانينات القرن الماضي، ستستقل الحركة الحقوقية عن العمل الحزبي، وعلى رأسها طبعا النسائية، بعد أن بدأت الأحزاب المتفرعة عن هذه الحركة الوطنية، التي تعد الوحيدة من أخواتها التي لم تتمكن من الحكم بعد الاستعمار المباشر، تبتعد عن المجتمع وهو ما جعلها تفقد امتداداتها الشعبية. و تنسلخ عنها أغلب عناصر النخب التي كانت تؤمن مد جسورها نحو أكبر عدد ممكن من قطاعات المجتمع.
وبانفصال ما يسمى " المجتمع المدني" عن أحزاب المعارضة بشكل عام واليسارية بشكل خاص، نتيجة لتكلس العمل التنظيمي وغياب الديمقراطية الداخلية والتشبيب واتساع الهوة بين السياسيين والجماهير إلخ.. تكاثرت الجمعيات النسائية " المستقلة" و اختلفت مقارباتها لوضعية المرأة المغربية. وعن طريق الشراكة، سواء مع الدولة أو مع منظمات أجنبية ذات نفس الأهداف والتخصص، سيتم تجزيء وضعية المرأة المغربية و فصل أجزائها عن بعضها البعض و يصبح الاهتمام بها في أحسن الأحوال إما مجزءا الى محاور موضوعاتية من خلال مقاربة النوع ( مثل مرأة في وضعية صعبة، أمهات عازبات، محاربة الامية والهدر المدرسي، العنف ضد المرأة ..) أو في أسوء الأحوال مادة إعلامية تزين بها الدولة واجهتها بمناسبة أو بدونها.
انتقال العمل النسائي من مجال السياسة الى العمل الحقوقي التكويني، وفق منظومات وبرامج تسطرها المنظومة المهيمنة دوليا عبر مؤسسات الامم المتحدة أومؤسسات البلدان الراسمالية الغربية ، يجسد من وجهة نظر ثانية، التحكم في مسارات الشعوب والمجتمعات من خلال صناديق الأمم المتحدة ومانحيها الكبار. حيث تم تحيين نظريات التحديث التي رافقت حصول شعوب العالم الثالت عن استقلالها في القرن الماضي، وتنظر للمجتمعات داخل مسار واحد ( الرأسمالي ) تسير فيه هذه الشعوب على سرعات مختلفة، وأحيانا متعثرة، بالأطوروت الاممي الذي يمكنها من الوصول للحداثة والتحديث؟
وأمام هذا التحول، أصبحت القطاعات النسوية التابعة للاحزاب والنقابات مجرد هياكل جوفاء، بعد أن هجرتها أطرها النسوية للمجتمع المدني الذي يتيح امكانات أوفر لاستقلالية العمل النسائي وأيضا بسبب الاغراءات التي تتيحها مصادر الشراكة المتنوعة. ولم يعد العمل النسائي تؤطره الرؤية الفكرية والسياسة بقدرما تؤطره البرامج والمبادرات الفردية أو الجمعوية ، وخاصة الأنشطة المدرة للدخل حيث يلتقي العمل النسائي بالبرامج التنموية.
تقدم هذه الجمعيات فائدة كبرى للمرأة ككيان بيولوجي، ولكنها مع ذلك لا تمتلك الأدوات الفعلية للإصلاح الجذري لوضعيتها داخل المجتمع. وأوكلت وظائف جديدة للجمعيات النسوية ورئيسية، أهمها "اصلاح" عطب السياسات الرسمية عبر حلول ترقيعية مجزءة، محدودة في الزمان والمكان، ولا تؤثر في عمق البنيات العامة للمجتمع.
ورغم أن تجربة هذه الجمعيات بالعالم القروي تعدت عقدين من الزمن، فان تدخلها محدود و لا يمس عمق المخططات والسياسات العامة ، لان وضعية المرأة هي جزء من وضعية الانسان القروي المكبل بأغلال التخلف و التهميش الممنهج و الاقصاء الذي يفصله عن السيرورة العامة للمجتمع.
لا يمكن أن ننكر نضالية بعض عناصر النخبة النسوية والمجهودات التي يقمن بها في سبيل التخفيف من معاناة المرأة القروية، ضمن شروط معقدة واكراهات ادارية وسياسية بارزة. الا أن نتائج مبادراتها تبقى محدودة وليست لها أطر كافية مستعدة لاقتحام البادية وفك عزلة هذه المناطق الشاسعة االتي أصبحت أي ممارسة سياسية حكرا على مؤسسات السلطة منذ فرض حالة الاستثناء سنة 1967 بعد الاحداث الاجتماعية والسياسية الكبرى المعارضة لطبيعة النظام السياسي بالمغرب.
تختلف مقارابات العمل النسائي الحديث جذريا عن النظم القروية التي توزع الادوار بين الرجل والمرأة . بحيث أن نظام الكدح القروي يساوي بين الرجل ولمرأة، بل أحيانا، بعد هجرة الرجال للعمل بالمراكز الحضرية، تزداد المرأة عبء الاعمال التي كان يقوم بها الرجل لتأمين الحد الادنى من متطلبات العيش.
المرأة القروية، منذ القدم، عاملة و منتجة و كادحة و مساهمة في جلب المِونة للاسرة وتوفير الاكتفاء الذاتي من متطلبات العيش، إضافة الى مهمة تربية الاولاد ورعاية شؤون البيت. ما جعل بعض العلماء قديما يقترحون حلولا جذرية تحمي المرأة من جور البنيات الاجتماعية والذهنية والعقائدية، التي تحرمها من الاستفادة من كدحها و فائض انتاجها الذي يتم مصه من طرف المؤسسات التقليدية التي تضع المرأة في أسفل الهرم الاجتماعي .
وبإطلالة سريعة للتاريخ الفقهي بالمغرب ، سنجد بونا شاسعا بين الفترة التي كان فيها رجال الدين " متنورين " و احتهدوا لتحرير المجتمع من قيوده خاصة المرأة وبين رجال الدين المعاصرين. من ضمن هؤلاء العلماء، التي لا يجرأ، جهلة الدين المستحدثين، انكار ما قدموه من اجتهادات فقهية وفكرية عالجت مشاكل مجتمعاتهم خلال حقبهم الاجتماعية، الفقيه أحمد بن عرضون الذي شغل منصب قاضي شفشاون بشمال المغرب ( توفي يوم 18 يوليوز 1584 )، الذي أفتى بوجوب أن تقاسم المرأة في البادية زوجها في كل ما يملك. و نجد في نوازله الفقهية مواقف جريئة من مؤسسة الزواج. وقد قال المؤرخون أن لابن عرضون " أراء شذ فيها وخالف فقهاء عصره، منها أنه يرى أن المرأة في البادية يجب أن تقاسم الزوج فيما ينتج بينهما من زرع وضرع .." وأن لها النصف في مال الزوج اذا وقع طلاق أو وفاة ... هذا الفقيه القاضي كان واعيا بأن تحرر المرأة واستقلالها التام عن السيطرة التي يفرضها الرجل والمجتمع الذكوري تبدأ من الارث.. أي من مجال الاقتصاد وتقاسم الثروات ومادمنا نتحدث عن النوازل الفقهية بخصوص المرأة،لابد أن نشير الى أن ابتعاد العمل النسائي عن النضال السياسي العام ( وهو ما لاحظناه طيلة الحراك الشعبي ل 20 فبراير) وانغماسها في في الشراكة التي تفرض عليها ضغوطا وتحملات أصلا هي سياسية، وضعف الاحزاب والنقابات، جعل الحركات الاسلامية بمختلف تلاوينها، مستفيدة من صرامة تنظيمها تنشأ مجتمعا أهليا تصرف من خلاله مواقفها المتحجرة من المرأة بهوامش وأطراف المدن.
ولحسن الحظ، أن هذه الحركات فشلت في تجذرها بالبادية، ويمكن القول أن منطق السلفيين يتناقض مع شروط الكدح القروي، حيث الأهمية القصوى لتأمين الحاجات الضرورية للعيش ومن الصعب مقاومة التقاليد والاعراف المحلية المرتبطة بالأرض و التي ظلت صامدة على مدى السنين في وجه المؤسسات الدينية الرسمية وشبه الرسمية.
مؤخرا تطرقت احدى حلقات برنامج " مسرح الجريمة " الذي تبثه ميدي سات، لقصة مجرم تخصص في سرقة أموال ومجوهرات النساء بكبريات المدن المغربية. وهذا النصاب استغل ايمان المرأة المغربية بالسحر و الشعوذة ليتمكن من سلب ممتلكاتهاعن طيب خاطرا. وكان لافتا أن تقع ضحية نصبه واحتياله نساءا متعلمات وراقيات حسب البرنامج، من ضمنهن، طبية وكاتبة ؟
الفكر الخرافي و استمرار المعتقدات التقليدية* التي تجد فيها المرأة بغض النظر عن انتماءاتها الاجتماعية، وسيلة للدفاع عن نفسها ضد ضغوط المجتمع الذكوري، هي علامة بارزة على تخلف المجتمع رغم المساحيق الاعلامية التي تتحدث عن تحرر المرأة و والانجازات التي تسوقها الدولة في هذا المضمار؟
من الناحية اللوجيستيكية، أصبح بامكان العمل النسائي أن يقود المسيرة التحررية، لكن من خلال الانخراط في الصراع الفكري والسياسي العام الذي يحقق المواطنة الكاملة للمرأة والرجل معا باعتبارهما ضحية البنيات الثقافية والسياسية والاقتصادية والعقائدية التقليدية رغم مظاهر التطور والتحديث؟ وربما حان الوقت، بعد انتفاضة الشعوب العربية ضد الاستبداد، لكي تتحرر هذه الجمعيات النسائية من النخبوية والطروحات الموضوعاتية التي لا تستهدف البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في مصر بعد اغتصاب رضيعة سودانية وقتلها


.. المحامية انتصار السعيد




.. في يومه الثاني ملتقى العنف الرقمي يناقش الوقاية والاستجاب


.. اليمنيات بين التحديات والإنجازات المسيرة مستمرة




.. الحروب والكوارث الطبيعية تُعرض الأطفال للإصابة بالاكتئاب