الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيريالية ... المصرية

سعد هجرس

2012 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


"السيريالية" مدرسة فنية نشـأت فى فرنسا فى بدايات القرن الماضى وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب ومتناقض من خلال إطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام. ورغم أن هذه المدرسة أنتجت فناً مدهشاً فأنها ظلت رمزاً للغموض المحير الذى يستعصى على الفهم فى ذهن الغالبية العظمى من البشر.
وأظن أن الذين حاولوا إيجاد تعريف لهذه المدرسة الفنية الغامضة كانوا سيضعوا الأحوال المصرية الراهنة نموذجاً لها عند محاولة تقريب المعنى لمن لا يفهمه.
فأوضاعنا "سيريالية " بامتياز .. وإلا ما هو تفسير وقائع من النوع التالي:
1- المادة الرابعة من الإعلان الدستوري الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة تنص على إنه ".. لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس آو الأصل".
ومع ذلك تم السماح بقيام العديد من الأحزاب على هذا الأساس الدينى وتم السماح لها بمباشرة النشاط السياسى، بما فى ذلك دخول الانتخابات.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
2- بعض هذه الأحزاب الدينية كانت حتى وقت قريب – بل لا تزال غالبيتها – تجاهر بتكفير الديموقراطية وتعتبرها رجساً من عمل الشيطان، ومع ذلك فأنها مارست اليوم ما كانت تكفره بالأمس، والأعجب أن غالبية الناخبين فضلوها على الأحزاب الديمقراطية.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
3- هؤلاء الذين احتلوا معظم مقاعد البرلمان لم يكن ممكناً أن يحلموا بالمشاركة فى الانتخابات أصلاً، ناهيك عن أن ينجحوا فيها، لولا اندلاع شرارة ثورة 25 يناير. ومع ذلك فإنهم حصدوا ثمارها بينما الثوار الذين قاموا بها تم استبعادهم وتشويه صورتهم حتى من جانب بعض نواب مجلس الشعب.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
4- الإسلاميون الذين حصلوا على أغلبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى لم يفكروا فى تشكيل حكومة بعد الانتخابات، فإذا سألتهم لماذا؟
أجابوك: إن الإعلان الدستورى يحرمنا من هذا الحق ويضع سلطة اتخاذ القرار فى يد المشير والمجلس العسكرى.
ومع ذلك فإن مجلس الشعب اتخذ يوم الأحد الماضى قرارا، أو توصية، بإقالة الحكومة بينما يعلم كل أعضائه أن الإعلان الدستورى لا يعطيهم هذا الحق.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
5- تم فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية فى ظل عدم وجود دستور للبلاد، أو قبل وضع دستور دائم للبلاد، بما يعنى أن المصريين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس لا يعرفون – ولا يعرف هو نفسه – صلاحياته.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
6- تجرى اجتماعات لمجلسى الشعب والشورى لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية الذين سيصيغون دستور البلاد الذى يفترض انه سيكون الوثيقة الأعلى، ومع ذلك سيحدد مصيرها من هم أدنى.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
7- فى ظل كل الأوضاع السيريالية المشار إليها تجرى أمور أكثر سيريالية، بعيداً عن "الامتناع" المطلق عن الاقتراب – مجرد اقتراب - من تحقيق أهداف الثورة التى قال الجميع فى أول الأمر أنها مشروعة ومقبولة، منها اختلاق أزمة لا مبرر لها مع الولايات المتحدة الأمريكية من جانب أشخاص وهيئات أدمنت التغزل فى "ماما أمريكا" والدفاع المستميت عن العلاقات الاستراتيجية معها لسنوات وعقود، ورفع شعارات عنترية عن استحالة "الركوع" أمام الأمريكان "الأوغاد"، ثم نفاجأ بما هو أكثر من الركوع.. الا وهو الا الانبطاح أرضاً.
8- والأعجب ان يحدث ذلك كله ويتظاهر جميع الأطراف بأن القافلة تسير وأن الخطة التى وضعها المجلس العسكرى لمسار الفترة الانتقالية صحيحة وعبقرية، بينما التخبط هو سير الموقف، وبينما الأغلبية الساحقة المسحوقة من المصريين تعانى من سوء الأحوال حيث أصبحت أوضاعها المعيشية أسوأ مما كانت عليه قبل 25 يناير، ومع ذلك يتظاهر الجميع بأن كل الأمور تمام.
أليس هذا موقفاً سيريالياً؟
وهل فهمتهم الآن معنى كلمة سيريالية؟!
وكيف أن السيريالية المصرية أكثر غموضاً من السريالية الفرنسية؟!
الفارق الاساسى أن الفرنسية تجريب فى الفن بينما المصرية تجريب فى الشعب، والفارق الأهم ان الفرنسية إبداعية بينما المصرية تخريبية ومدمرة وعبثية.. فإلى متى؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة