الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الفكر و الواقع في السياسة

نزهة المكي

2012 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


بين الفكر و الواقع في السياسة :
من الاخطاء الجسيمة و القاتلة التي تقع فيها احزاب اليسار شانها شأن باقي التنظيمات التي تستند لافكار او ايديولوجيات معينة ، محاولته التقيد بالنصوص و النظريات و فرضها على الواقع ، بادبياتها و شعاراتها و منهجياتها ، تماما كما يفعل ما يسمى بتنظيمات الاسلام السياسي ، هذا النهج يوقعه في المحظور وهو الغاء الآخر , هذه الآفة تاتي غالبا بسبب التثقيف الاحادي الجانب الذي يدور في فلك الفكر او العقيدة التي يتبناها المرئ ، فترى القارء من هؤلاء لا يتلذذ الا بالقراءات التي تدغدغ قناعاته كما لا ينصب اهتمامه الا على الجوانب المضيئة منها مما يملأ نفسه غرورا بان ما لديه هو الاصح و الاجدر بان يسود على الساحة ، فيبدأ بشحذ كل قدراته لبدأ معركته الاقصائية و الاستئصالية لكل من يخالفه مستعملا جميع الوسائل الممكنة من اجل بلوغ هدفه حتى وان كانت مشروعة كالانتخابات مثلا التي سيجيد استعمالها كذريعة حق يراد بها باطل ، و يسلط هدفه نحو السلطة فهي العصا الغليظة التي تمكنه من بلوغ هدفه في اقرب وقت ممكن , فالنصوص و النظريات تتاثر كثيرا بالنزعات الفردية و هي تندمج مع خلفيات الفرد او المجموعة الثقافية و النفسية و التجارب الخاصة و بالتالي فاننا نجد دائما عدد كبير من المجموعات تتبنى فكرا واحدا او عقيدة واحدة لكنها تتفرق في تنظيمات و مجموعات تكون احيانا متصارعة او متقاتلة ، لهذا لا يمكننا اطلاقا ان ننطلق من النصوص و النظريات و الافكار ، و انما من الواقع ، فالواقع هو المحك الحقيقي لصحة او نجاعة اي فكر او نظرية لانه يضعها في غرفة الاختبار و تحت المجهر فان هي انسجمت مع الواقع المعاش و المعطيات الحية التي تتحرك في الساحة و استطاعت الاندماج معها فانها ستضيف حتما ما ينفع الناس و يرتقي بحياتهم لكن ان لم تستطع الانسجام فستظل نشازا و مادة خارجة عن الموضوع حتى لو كانت من المعادن النفيسة و لها بريقها الجذاب .
فالواقع اذن كما وصفه الدكتور خالص جلبي في كتابه استراتيجية الحل السلمي : " ( الواقع ) أكبر من النصوص لإنه يشكل المصدر الذي يراه البشر جميعاً، ولإن الواقع هو النص مجسداً، في حين أن النصوص تتعلق بالخلفية الثقافية التي يحملها البشر والتي بموجبها يفهمون النصوص ويتعاملون بها ويختلفون بل ويتنازعون بل ويفتك بعضهم ببعض من أجل الخلافات في وجهات النظر وهم يواجهون النصوص ."
بالنسبة للفكر الماركسي فان صاحبه لم يبدع نظريته من فراغ ولم تكن وحيا اوحي اليه بل جاءت نتيجة لدراسات و ابحاث متنوعة شملت عددا كبيرا من مناحي الحياة و استفادت من الجوانب المضيئة لافكار و تجارب من سبقوه بعد ان تجسدت في الواقع
فقد انطلق اذن من الواقع سواء الذي و قع في الماضي أي التاريخ او الذي يعايشه فخرج بمنظومته الفكرية التي انسجمت كثيرا مع تطلعات اكبر مجموعة بشرية كانت في امس الحاجة اليها للخروج من واقع مزري و ظلم اجتماعي و بذلك كتب لها النجاح
بمرور الوقت فان الافكار تتبالى و الواقع يتغير فتتسع الهوة اكثر فاكثر بين الفكر القديم و الواقع الجديد و بالتالي يكون الانسان او المنظر و المثقف او المصلح مطالب بتجديد فكره و تطويعه لمستجدات الواقع و متطلبات المجموعات البشرية خاصة تلك التي تعاني من صعوبات في الحياة و لا تتمتع بكامل حقوقها الانسانية ، هذه المحاولة قد نجدها عند بعض المجموعات الضيقة او الافراد مثل ما حصل مع المفكر و الشيوعي الراحل محمود امين العالم في نظريته التي اسماها " تمصير الماركسية " فبعد صدامات مع السلطة ثم المجتمع خرج بنظيرته هاته في محاولة منه للتجديد في الفكر الماركسي و تطويعه للواقع المصري ، فاستطاع ان يخترق الفكر الاسلامي السائد الذي امتلك الساحة الشعبية و يصل بافكاره للطبقات الكادحة و العاملة بعيدا عن شعارات و ادبيات الماركسية المعروفة ، فانتزع قطاعات مهمة من هذه الطبقات من اوهام الحلول الخرافية و حرك فيها النزعات التحررية و انتصر لاول مرة في تاريخ الشيوعية في بلاد العرب من تهمة الالحاد و التنكر للدين مذكرا ان الشيوعيين كانوا اول من بنى مسجدا بالمعتقل الحربي الذي اجتمعت فيه كل التيارات و اصحاب الافكار المناهضة للسلطة بمصر آنذاك ، بمعنى كل التيارات و الافكار المطالبة بالاصلاح و التغيير حسب نظريات و مفاهيم متعددة ، فالمعتقلات السياسية تضم في العادة النخبة الحية من المجتمع و رؤوس التيارات التي لها وزن و صدى في المجتمع و تشكل ازعاجا للسلطة القائمة التي ترغب في استمرار نظامها و لا تقبل التغيير . وهي كذلك رغم ما يكتنفها من محن ، فرصة للمصلح او المطالب بالتغيير للاقتراب اكثر من الافكار و التيارات الحية في مجتمعه و مواجهتها بشكل مباشر بعيدا عن أي تاثيرات و عصبيات من شانها ان تعزز موقفه بشكل اعمى كما يحصل مع الاحزاب السياسية على الساحة التي كلما زاد اتساع نطاق الحرية امامها و رحب مناخها الا و ازدادت تعصبا لنهجها و فكرها . بالمعتقل السياسي اذن هناك فرصة للحوار البناء و المكشوف بين كل تيارات المعارضة و فرصة ايضا للوحدة و الاجتماع على الافكار و القناعات المشتركة التي غالبا ما تتراجع على الساحة لصالح الافكار النخبوية و الذاتية و الانانية للتيارات وهي تنعم بحرية التعبير و التدبير . من المعتقل السياسي اذن خرج محمود امين العالم بنظريته " تمصير الماركسية " التي لم تعطي اولى ثمارها و باكورتها الا في وقت متاخرمن حياته و ذلك حين تعهدها كفكرة للتغيير و الاصلاح بعيدا عن الكيانات التنظيمية و شعاراتها و ادبياتها و تغلغل باهدافها و غاياتها في المجتمع و بين الطبقات العاملة و النشطة التي تعرف الحيف و القهر مسترشدا بثقافة الشعب و ادبياته التي يغلب عليها الخطاب الديني . و كان من قبل قد استنفذ طاقة عظيمة و محاولات متكررة من اجل جعل الفكرة كنقطة او ركيزة لتوحيد التيارات اليسارية الا ان محاولاته باءت بالفشل لان التنظيمات السياسية عادة ما تتقيد بنصوص مشتقة من نص الفكرة الاصل فلا تقبل الحركة الا في اتجاه احادي و محدود يعجز عن استيعاب الافكار الاخرى التي يكون بينها ما يناقض فكرته و بالتالي لا يكون لها هامش مهم للحوار البناء او الاستعداد الكافي لتقبل الآخر .
يمكننا ان نرصد هذه الظاهرة في الساحة الفلسطينية و بالتحديد في الازمة القائمة الان بين فتح و حماس فواقع الفلسطيني المعاش سواء من هذا الفصيل او ذاك واحد سواء في المعاناة او التطلعات لكن الخلاف ياتي من تعلق القيادات بالنصوص و الشعارات ، اما النصوص فمن طبيعة الانسان ان يختلف في تفسيرها و من حقه ذلك ايضا ، لكن ليس من المفيد له ان يحتكم اليها بل الاحتكام دائما يجب ان يكون للواقع لان الواقع المعاش هو مخبر كل الافكار و الاطروحات الفكرية فمن انسجم مع نسيج المجتمع كان له البقاء و نعم بالاستقرار ومن لم يستطع الاستقرار فعليه ان يراجع نفسه و الا يناطح صخرة المجتمع او يعمد للقوة فحد السيف يمكن ان يقود للسلطة لكنه ليس المكان الانسب للجلوس و الاستقرار !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بين النظرية والتطبيق .. يجب ان يكون للواقع محلا
محمود هادي الجواري ( 2012 / 8 / 6 - 19:33 )
سيدتي العزيزة نزهة ... تحية طيبة .. ملدينا من الاخطاء هي ذاتها ما لديكم ، وليس الخطأ ان تكون هناك نظريات او لنخفف الشدة في الكلام ونقول اطروحات استمدت من الواقع والمجتمع ،، او ان تكون هناك نظريات مكتوبة سلفا ، سواء ا كانت الاولى او الثانية ،، النظريات التي افرزها الواقع او الاخرى التي كتبت كمنهاج ثقافي ، كلها لا يمكن لنا من تحقيق الحد الادنى في التطبيق مالم يكون الوعي الدعامة لفهم النظرية او الواقع ، نحن ما زلنا لم نشتطع بعد من معرفة هوية مثقفينا او ممن يريد ان يكون قائدا ،، نقول ممكن لنا تغيير الشخوص وكذلك يمكن لنا من التغيير في النظريات اذا عملنا بمبادئ متسامحة .. النزعة التسلطية وركوب الافكار الاحادية هي التي تقعنا في اشكالية التطبيق وتعال معي من الذي يمكن المراهنة عليه في زمن التسابق المحموم على السلطة ،، هذا حق شرعي في الوصول الى السلطة ولكن من الذي يمكن له من تغليب المصلحة الوطنية على مصاله الخاصة .. اذن ليس الخطأ في النظريات ولكن من هو القادر على السير بالامة نحو .. وتشاهدين وتسمعين ما يجري في العراق من حجم الفساد المالي والاداري .. فهل ان هؤلاء جاءوا من كوكب آخر او كفرة ..

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر