الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النشيد الوطني الجديد ليس للجواهري ..فحذار!

علاء اللامي

2012 / 3 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



أعلن في بغداد قبل أيام قليلة، أنَّ لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، انتهت من صياغة مشروع قانون النشيد الوطني الجديد وسترسله إلى رئاسة المجلس خلال بضعة أيام. الخبر يقول أيضا، إن النشيد يتكون من مقطوعة "سلام على رافديك " للشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري. النائب عن دولة القانون، علي الشلاه، وهو شاعر أيضا، أكد الخبر وقال إن هذا " القانون سَيُقَرُ مع بداية الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب العراقي كونه له أهمية في سيادة الدولة والعراق الجديد"، ولكن الشلاه لم يؤكد أو ينفي إنْ كان هذا النشيد يعود للجواهري وأنه بهذا العنوان تحديدا.
أصوات كثيرة، خصوصا من الغالبية البرلمانية " الإسلامية الشيعية"، كررت أن كلمات النشيد الجديد هي للشاعر العراقي الراحل، محمد مهدي الجواهري، غير أن الواقع يقول لنا شيئا آخر: فبحسب نقاد وأدباء عراقيين، فإن هذه المقطوعة هي أغنية وطنية متواضعة ومعروفة منذ سنوات قليلة للمطرب العراقي المعروف "كاظم الساهر"، أما كلماتها فهي لشاعر شعبي " زجلي" و يكتب بالفصحى أيضا، يدعى أسعد الغريري، يقول مطلعها" سلام عليك، على رافديك، عراق القيم". التوثيقات التي تؤكد هذه الحقيقة كثيرة، ويمكن أن نأخذ فكرة عنها وعن الموضوع بكتابة اسم الشاعر أو عنوان النشيد في إحدى محركات البحث على شبكة النت فسنجد الكثير من التأكيدات والوثائق وهناك أيضا تسجيلات لهذه الأغنية في موقع يوتيوب العالمي تؤكد أن الكلمات للغريري.
السؤال الذي طرحه متابعون ومحللون كُثر يقول: لماذا هذا الإصرار من قبل البعض في الغالبية البرلمانية على تمرير هذه الأغنية بالذات كنشيد وطني؟ ولماذا يروِّج الجميع لفكرة أنّ كلماتها للشاعر الجواهري وهي ليست كذلك؟ هل هناك نص آخر بهذا العنوان للجواهري، أم إنها للجواهري وانتحلها الغريري؟ الأكيد، هو أنّ الغريري لم ينتحل كلمات الأغنية "النشيد" من الجواهري، إذْ لا وجود لنص بهذه الكلمات في كل تراث الجواهري الشعري إنما هناك نص آخر له وسنتطرق له بعد قليل.
هناك خبر حول النصوص الثلاثة التي اختارتها اللجنة البرلمانية واستقر عليها رأيها نشر قبل بضعة أشهر، وتعود لثلاثة شعراء هم الجواهري و السياب والبصير، غير أن المحيِّر هو أنّ النص الذي يكثر عنه الحديث الآن، والذي نال "شرف" الاختيار النهائي، ليس لأي واحد من هؤلاء الثلاثة.
بعض المحللين تساءلوا: إذا كانت اللجنة قد استشارت شعراء ومثقفين عراقيين وخبراء حول الموضوع كما تدعي، فهل استشارت، مثلا، نقادا متخصصين بشعر الجواهري وغيره؟ نشك في ذلك، يقولون. وفي المناسبة، ما رأي رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي تقول سيرته الذاتية المعلنة، إنه يحمل شهادة الماجستير في النقد الأدبي وكان موضوعها أشعار جده الراحل، وزير المعارف في العهد الملكي سنة 1925، وأحد قادة ثورة العشرين، محمد أبو المحاسن المالكي، ما رأيه الشخصي بهذا الموضوع؟ ثم لماذا، يتساءل البعض، لم تجرِ عملية الاختيار وصياغة مشروع القانون بشفافية وعلنا أمام الجمهور؟ ولماذا لم تنشر النصوص الثلاثة التي تم اختيارها ليدلي المتخصصون و الرأي العام برأيهم فيها؟ ثم لماذا لم ينشر النص الأخير مع ذكر اسم الشاعر رسميا ؟ التحفظات التي أثارها خبر اختيار هذه الأغنية الوطنية كثيرة، فقد قال بعض النقاد أن كلماتها تخلو من الهيبة المفترضة للنشيد الوطني، كما أن العاطفة البسيطة والمبالغات الذاتية و مديح الذات طاغية على النص. إضافة إلى أن بعض العبارات في النص تفوح بالإيحاءات ذات النكهة الطائفية والتي قد لا ترضي وتُريح جميع العراقيين، وكان الأحرى، كما كتب أحدهم على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، "أن يتم تغليب الحياد المجتمعي على تمرير الإشارات والرموز المحملة بالروائح الطائفية من خلال نص النشيد".
لم تنته متاعب النشيد الوطني الجديد والهواجس والتساؤلات التي أثارها هنا، بل أن ممثلي الأكراد السياسيين، وإنْ كانوا قد وافقوا على كلمات النشيد، قائلين بأن الجواهري شاعر عراقي كبير ومن الرموز التي تجمعنا ولا تفرقنا، ولكنهم طالبوا بإضافة أبيات لشاعر كردي باللغة الكردية إلى النشيد وبعضهم كان أكثر تواضعا فطالب بأن ينتهي النشيد بعبارة كردية كأن تكون "بيجي عيراق"، أي عاش العراق. ممثلو التركمان العراقيين دخلوا على خط السجال، فطالب النائب التركماني أرشد الصالحي بإدراج أبيات باللغة التركمانية في النشيد، مضيفا "أن عدم إدراج أبيات باللغة التركمانية في النشيد الوطني الجديد، يدل على أن التهميش ما يزال يطال التركمان وفي جميع مفاصل الحياة". ويُنْتَظَر أنْ يطالب ممثلو الكلدان والآشوريين، وهم سكان العراق الأصليون، بما طالب به زملاؤهم الأكراد والتركمان. ولعل أطرف ما قيل في هذا الخصوص، ضمن باب التندر والدعابة، هو القول بأنّ طلاب المدارس العراقية سيرسبون جميعا في مادة "النشيد الوطني" لأنها ستكون بثلاث لغات على الأقل!
يسجل المؤرخون والمتخصصون عدة وقائع في خصوص تاريخ النشيد الوطني العراقي، فهذا النشيد قد تغير، مع كل تغيير جذري في نظام الحكم منذ قيام الدولة العراقية المعاصرة، خمس مرات. أخرها كانت مع وقوع الغزو الأميركي سنة 2003 حيث اختير نشيد "موطني" الشهير للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان وألحان الموسيقار اللبناني محمد فليفل و يبدو أن مصيره سيكون التغيير فالاختفاء قريبا.
يبدو أن مصير النشيد الجديد لن يختلف عن مصير سابقيه، فالغالبية البرلمانية التي تُصرُّ على تمريره تحت اسم الجواهري ستنجح في مسعاها بحساب الأصوات، ولكنّ مراقبين ومحللين مستقلين يعتقدون بأن مصير النشيد الجديد سيكون معلقا على مصير هذه الغالبية و قد يسقط بسقوطها ومجيء أغلبية ديموقراطية وعلمانية محايدة طائفيا.
مثقفون عراقيون، ومتابعون للشأن العراقي، تمنوا أن تكون التسريبات بخصوص أغنية" سلام على رافديك" غير صحيحة، وأن الأمر يتعلق فعلا بقصيدة شهيرة للجواهري تدعى "المقصورة" ويقول مطلعها " سلام على هضبات العراق .. وشطَّيـه والجرف والمنحى"، أما سماح البرلمان بتمرير أغنية وطنية شعبية، لتكون نشيدا وطنيا، فقد رأى فيه مراقبون مستقلون ونقاد وأدباء سقطة ثقافية معيبة في بلد لا يحتاج إلى المزيد من عوامل الفرقة والتشتت والتمزيق المجتمعي، طائفيا وعرقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجل شاه إيران الراحل لـCNN: زيارته لإسرائيل ودعم -الضغط الأق


.. ما مصلحة إيران من عرقلة المفاوضات بين لبنان وإسرائيل؟ | #الت




.. أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جيرمان الفرنسي


.. ضباط إسرائيليين سابقين: الوحدة 8200 تشهد أسوأ أزمة في تاريخه




.. ترمب متفاجئ من أن أكثر من نصف المحتجزين الإسرائيليين في غزة