الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قسم الأولويات بوزارة التربية الوطنية

رشيد شاكري

2012 / 3 / 18
التربية والتعليم والبحث العلمي


إنه قسم لا وجود له في هيكلة وزارة التربية الوطنية حاليا، و لا مقترح له ضمن الهيكلة المتداولة بين مسؤولي القطاع، غير أنه يبقى حاضرا في عالمنا الافتراضي، ومفترض حضوره لدى من تحمل مسؤولية قطاع التربية، لمواجهة التحديات المستعجلة، وإنعاش الملفات والقضايا التي في حاجة إلى ذلك، حتى تعاد للجسم التعليمي عافيته المفقودة، وحيويته الشاردة.
في جولة سريعة بهذا القسم، نجد أنفسنا أمام العديد من الملفات التي تنتظر الحسم، دون مسكنات ولا مهدئات، نعرض لبعضها في عناوين كبيرة:
I. تنامي الاحتجاجات، وتعدد تمظهراتها
يعايش مقر وزارة التربية الوطنية ومقرات أكاديمياتها ونياباتها، مختلف الأشكال الاحتجاجية، ومن طرف معظم الفئات المنتمية إلى هذا القطاع، أو الراغبة في الالتحاق به؛ علاوة على الإضرابات المتتالية التي تعلنها النقابات بقرار من مركزياتها أو مكاتبها الجهوية أو الإقليمية وكذا المحلية.
وضعية لم تعد مرتبطة بالإطارات النقابية، بل تولدت عنها تنظيمات تنافسها في هذه الوظيفة وقد تتجاوزها، ومنها التنسيقيات، والجمعيات المهنية، التي تعبر عن مطالبها واحتجاجاتها ـ بشكل مستقل ـ وكأنها نقابات.
قد يرى البعض في هذه الحالة تعبيرا عن الانفتاح السياسي الذي يعيشه المغرب، بينما يعتبرها البعض الآخر مظهرا من مظاهر الفوضى يقتضي مساءلة النقابات عن مدى قدرتها على تأطير مناضليها، واستيعاب مطالبهم، كما تقتضي مساءلة المسؤولين عن مدى فعالية قنوات الاتصال مع هؤلاء الشركاء، ومدى قدرة القوانين الحالية على ضبط وتأطير فعل الاحتجاج.
لكن قبل ذلك وبعده، يبقى السؤال المستعجل، هو كيف نحد من تنامي هذه الاحتجاجات، أ من خلال حلول تفييئية وتجزيئية، أم بنظرة شمولية تعمل على إعادة تشكيل المنظومة التربوية وفق نسق تتكامل فيه كل الفسيفسائيات التي تؤثثه؟
II. الشلل في التدبير الإداري بالمؤسسات التعليمية الابتدائية
يعرف التدبير الإداري والتربوي بالمؤسسات التعليمية الابتدائية خاصة حالة استثنائية، بفعل انقطاع التواصل بين المديرين ومصالح النيابات والأكاديميات، نتيجة قرار جمعيتهم بمقاطعة البريد من وإليها؛ مما أدى إلى حالة الإرباك في تنفيذ عدة التزامات يقتضيها المرفق العمومي كما هو الحال بالنسبة للإحصائيات، وإلى تعثر بعض المشاريع المرتبطة بالبرنامج الاستعجالي كبرنامج تيسير.
إن للمديرين دورا أساسيا ومحوريا في المنظومة التربوية، عليهم الاضطلاع به وفق ما يقتضيه الواجب والمسؤولية، كما أن لهم مطالب وإكراهات تحتاج إلى من ينصت إليها.
وإذا كان وزير التربية الوطنية الجديد قد رفض المحضر المشترك الذي وقع سابقا بين الجمعية و الوزارة السابقة لعدم قانونيته ما دام أن الجمعية الوطنية لمديرات ومديري التعليم الابتدائي لها طابع تربوي وجمعوي وليست إطارا مطلبيا، وأغلق باب الحوار معها ؛ فإن هذا الإجراء لم يغلق الملف ولربما سيؤدي إلى التصعيد الذي ستكون ضحيته المؤسسة التعليمية بكل روادها. مما يستدعي الإسراع في حسم مسار التعاطي معه، إما من خلال الاستجابة لهذه المطالب وإن عبر بوابة النقابات، أو الإقرار بعدم شرعيتها، ومن تم التفكير في وسيلة فاعلة لضمان السير العادي للمدارس العمومية والخروج من حالة الركود التي تعيشه.
III. الالتزامات السابقة للوزارة مع الفرقاء الاجتماعيين
معظم المواقف التي عبر عنها الفرقاء الاجتماعيون، تتأرجح بين التنديد بالتسويف وعدم الالتزام بالمواعيد المحددة في الالتزامات السابقة مع الوزارة، أو داعية الوزارة الحالية إلى ضرورة التعجيل بتسريع أجرأة وتنزيل الاتفاقيات المبرمة. وهو ما يبرز التخوفات التي تنتاب هؤلاء الشركاء من تنصل وزير التربية الوطنية الحالي من التزامات سابقيه.
وإذا كان رفض المحضر الموقع بين الوزارة وجمعية المديرين سيقوي التوجسات لدى بقية الفئات، فإن ذلك يستدعي طمأنة عاجلة تحمل في طياتها مؤشرات إيجابية تساهم في تلطيف الأجواء وبعث الأمل لدى جميع المتدخلين.
IV. الاختيارات البيداغوجية
بررت وزارة التربية الوطنية اختياراتها البيداغوجية برغبتها في تحقيق جودة التعلمات لدى المتعلمين والمتعلمات من خلال تعزيز إرساء المناهج الحالية في ضوء المقاربة بالكفايات والتصريف البيداغوجي لهذه المقاربة؛ لذلك كان القرار هو تبني بيداغوجيا الإدماج لكونها من الأوجه التطبيقية للمقاربة بالكفايات المعتمدة كاختيار بيداغوجي ينسجم مع التوجهات والمرتكزات الكبرى لإصلاح المنظومة التربوية؛ ويستجيب للمتطلبات المدرسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وبعد سنوات من التجريب والتعميم، فإن الحصيلة هي مقاطعة هذه البيداغوجيا في العديد من الأكاديميات، وبمباركة من النقابات الخمس، وذلك من خلال بيانات مشتركة على الصعيدين الجهوي والإقليمي.
تعلل مختلف النقابات قرارها الداعي إلى المقاطعة بمبررات عديدة، وسنقتبس من أحد البلاغات الصادرة عن مكاتبها الإقليمية بعضا منها:
- استحالة تطبيق بيداغوجيا الإدماج في ظل الظروف الحالية
- غياب رؤية واضحة وموحدة في الفهم والتنزيل
- غياب نتائج تقويمية للمراحل الأولى من تجريب بيداغوجيا الإدماج
- اعتماد سياسة الإنجاح خدمة للخريطة المدرسية فقط (تغليب الجانب الكمي عن الجانب النوعي)
- الطابع التقني المعقد للمذكرة 204 المتعلقة بالتقويم
- ضعف التكوين وقصر المدة المخصصة له التي شابها الاستعجال والارتجال
- غياب المصاحبة الفعلية على مستوى الأقسام
- تعقيد طريقة التصحيح بنظام شبكات متعددة توحي بعقوبة للأستاذ
- توقف حصص الدروس مما يؤثر سلبا على إتمام البرنامج في الوقت المحدد
- برمجة السنة الدراسية دون مراعاة اختلاف البنيات التربوية (الاكتظاظ- الأقسام المشتركة...)
- التركيز على الأستاذ وجعله السبب المباشر وراء كل فشل محتمل
- عدم احترام الخصوصية النفسية والعمرية للتلميذ (الامتحانات الموحدة في الأقسام الزوجية 2-4-6)
والأكثر من ذلك أن النقابة المقربة من الحزب الذي يقود الحكومة الحالية تدعو إلى تجميد العمل بما سمي "بيداغوجيا الإدماج" (كما جاء في بلاغها الأخير) إلى حين توفير الشروط المناسبة مع ضرورة السحب الفوري للمذكرتين 122 و204.
حالة التصادم هاته والامتناع عن تنفيذ اختيارات الوزارة الوصية، يستدعي تعميق النقاش مع الفرقاء الاجتماعيين، لإقناعهم بجدوى هذا الاختيار، والتفكير في كيفية تجاوز المثبطات التي رافقت تنزيله؛ أو الاعتراف بالفشل في الاختيار والبحث عن اختيارات أخرى، ما دامت بيداغوجيا الإدماج هي مجرد وجه واحد من عدة أوجه لتطبيق المقاربة بالكفايات.
V. مشاريع البرنامج الاستعجالي، التدبير أم التبذير
يسعى البرنامج الحكومي إلى إعادة الثقة في المدرسة العمومية، من خلال التركيز على قضايا الحكامة وجودة النظام التعليمي واستعادة وظيفته التربوية والاهتمام بوضعية الأطر التربوية إلا أنه في الوقت ذاته لم يشر إلى مشاريع البرنامج الاستعجالي باعتباره ورشا كبيرا كبقية الأوراش التي اعترفت بها الحكومة (مخطط المغرب الأخضر مثلا). فهل هذا الصمت يحيل على القطيعة معه، والتفكير في استراتيجية بديلة لتنزيل مضامين البرنامج الحكومي؟ أم أن وضع مسافة معه هي من أجل تقويم التجربة وإعطائها نفسا جديدا في ظل الاستمرارية؟
المؤكد هو تعالي العديد من الأصوات المطالبة بتقييم البرنامج الاستعجالي، وفتح تحقيق نزيه وشفاف في أوجه صرف الاعتمادات المخصصة له وطنيا وجهويا وإقليميا. فهل سيتم الإسراع بتنفيذ هذا المطلب؟
VI. القرارات الوزارية بين التنفيذ والتأجيل والإلغاء
عديدة هي المذكرات التي أصدرتها الوزارة، ولم تحقق مبتغاها، نتيجة ما اعترى تنفيذها من صعوبات، أو ما واجهها من ممانعة من طرف الفاعلين في الميدان، فكان مصيرها إما التوضيح أو التأجيل أو التعديل، ومن أمثلة ذلك:
- المذكرة الوزارية رقم 40 الصادرة بتاريخ 18-03-2009 تم بموجبها تأجيل العمل بالشبكات المتضمنة في دليل تقييم الأداء المهني.
- المذكرة الوزارية عدد 204 الصادرة بتاريخ 29 دجنبر2010 والمتعلقة بالتقويم والامتحانات بالتعليم الابتدائي ،والتي استنسخت المذكرتين 174 و179، المذكرة المُستنسِخة ذاتها لم تحظ بدورهما بالأجرأة والتنفيذ.
- المذكرات رقم 09 و10 و11 و12 الصادرة بتاريخ 2 فبراير 2009 في موضوع مباراة الدخول إلى مسالك تكوين المفتشين التي تم توضيحها بمذكرة عدد 17 بتاريخ 11 فبراير 2009.
- المذكرة الوزارية عدد 122 بتاريخ 31 غشت 2009 في شأن تدبير الزمن المدرسي بسلك التعليم الابتدائي، حيث لم تعرف التنفيذ إلا في بعض مؤسسات المجال الحضري.
قد يعود هذا التأرجح في تدبير القرارات الوزارية، إلى غياب التنسيق بين أقسام الوزارة ذاتها، أو إلى عدم الدراية الكافية بمعطيات الواقع الذي يتباين من منطقة لأخرى، أو إلى ضعف التواصل مع مختلف الفاعلين.
وقد يرجعها البعض إلى ثقافة الممانعة والرفض لكل مستجد يسعى إلى تكسير وثيرة النمطية المألوفة.
لقد بلغ الاستهتار بطريقة إصدار القرارات والتراجع عنها إلى درجة التنكيت، حيث سأل أحد الأعوان المكلفين بالنسخ في إحدى النيابات زميله عند قيامه بطبع إحدى المذكرات: هل أنسخها أم أنتظر المذكرة التي ستلغيها؟
إن قوة المرفق العمومي تتمثل في مصداقيته وقدرته على اتخاذ القرارات وتنفيذها وفق مقتضيات القانون، وللحفاظ على هذه المصداقية وعلى هذه السلطة ، لا بد من التفكير في الضمانات التي تجعل من المذكرات التي تصدرها الوزارة أداة فاعلة في تنزيل تصوراتها دون تأويل أو تأجيل أو إلغاء، ومن أهم الضمانات الواقعية والانسجام وآليات التتبع والتقويم.
في ختام هذه الجولة، نغادر هذا القسم دون أن نتمكن من معاينة جميع الملفات، غير أنه يمتلكنا الأمل والطموح للنهوض بمؤسساتنا التعليمية، حتى تستجيب لانتظارات المجتمع المغربي؛ هذا المبتغى ليس رهينا بوزير جديد أو حكومة منتخبة، بقدر ما هو نتاج لتلاقي إرادة كل المتدخلين في الشأن التعليمي؛ ومع ذلك علينا أن نستحضر دائما عند تحمل بعضنا لمسؤولية جديدة الحكمة التي تقول: "اعمل على أن يحبك الناس عندما تغادر منصبك، كما يحبونك عندما تتسلمه".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وضوح الرؤية
حسن احساين اعلي ( 2012 / 3 / 18 - 15:25 )
عندما تتضح الرؤية و تسطر الاهداف من العملية التعليمية التعلمية بشكل متفق عليه بين الوزارة ومختلف الهيئات النقابية الرسمية )مع امكانية الترخيص لنقابات جديدة( ونبدأ باعمال قانون الاقتطاع من الاجور اثناء الاضراب و دعم النقابات لتعوض منخرطيها حينها سنرفع من جودة التعليم لا محالة.

اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو