الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استكان شاي وناركيلة مع المثقفين العرب العراقيين

تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)

2012 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كتب السيد عماد العتابي مقالا بعنوان استكان شاي مع المثقفين الكرد ونشره في موقع ( عراق القانون ) بتاريخ الثالث والعشرون من الشهر الجاري ، كتابات اخرى كثيرة ظهرت في هذا الموقع وغيره من المواقع والصحف يعبر فيها كتّابها عن ارائهم حول الازمة الحالية بين حكومة المركز وحكومة اقليم كردستان ، بعض هذه الكتابات جدّية وحريصة على مصلحة البلاد والعباد وتدعو الى الهدوء والتعقل والحوار والتفاهم بين ابناء الطن الواحد ،وبعضها استعلائية واستفزازية متفسخة تدعو الى اشهار السيوف وطرح الكرد في ساحة الوغى حتى لا تكون لهم قائمة بعد اليوم .
مقال السيد العتابي لا يصنف ضمن خانة المنشورات المعادية ، وعلى ما يبدو انه حريص على مصلحة العراق والعراقيين. لكنه يخلط الكثير من الاوراق ولا يعرف القارئ بالضبط ماذا يريد الكاتب ان يقول . كما انه لا يتجنب في الطعن بالكرد والقاء اللوم عليهم في امور لا يعتبرون مسؤولين عنها ، ويفهم من المقال ايضا ان الكاتب ربما يهدد الكرد احيانا وان لم يعني التهديد مباشرة . على ان ما دعانا الى شرب الشاي معه هو دعوته المثقفين العراقيين الى اصلاح البيت العراقي وهذا ما نتمناه .
قبل ان ارد على ما طرحه السيد العتابي من نقاط ، كنت اودّ ان يبين موقفه الصريح من موضوع استقلال الكرد عن الدولة العراقية ، هل هو معه او ضدّه ؟ فمن جهة يشير الى ان الكرد يصرون على استلام نسبة 17% بالمائة ، مع انهم وحسبما يقول ((وأنتم تشاهدون قرانا و مدننا بحاجه الى تعمير) . فاذا كان مع بقاء الكرد في الدولة العراقية ، فلماذا يستكثر عليهم نسبة من الميزانية العراقية ، او ليس لاقليم كردستان حق في واردات العراق مثلما تملك البصرة والموصل والنجف مثل هذا الحق ، او ليست مدن وقرى كردستان بحاجة الى الاعمار ايضا ؟ . هل صدّق الكاتب ما تعلنه بعض وسائل الاعلام عن ( حالة الرخاء والازدهار الشاملة في كردستان ) ، ادعو الكاتب ان يقبل استظافتي له في مدينة دهوك ليرى الحال على ما هو عليه ، طرق رديئة تصلنا بالعاصمة اربيل وتسسبب في حوادث يومية ، وجموع من العاطلين تصطف على الشوارع بانتظار ارباب العمل ، وجيش من الشباب يهاجر الوطن ويختار الغربة ، وازمة سكنية خانقة ، واجور كهرباء باهضة ، ومدارس غير دافئة ومستشفيات تفتقد الادوية والاطباء،ووو .
واذا كان مع انفصال الكرد وبالتالي عدم احقيتهم في نسبة 17% ، او كما يقول
((هل طالبت دولة جنوب السودان 17% من السودان الأم أم دول الأتحاد السوفيتي السابق قد طالبت موسكو بنسبة 17% من واردات موسكو ؟؟..)) حسنا ،حالنا كحالة جنوب السودان اواوكرانيا ننفصل عن بغداد ولا نطالبها بالنسبة ، لكن الزميل الكاتب لا يمنح الكرد هذا الحق ايضا فيقول ((لا نريد من يمسك بسكين حادة يهدد بفصل جزء من جسدنا ليستمتع برؤيه النزيف العراقي(( .. اذن ما هو الحل ؟ هل يريد الكاتب ان يقول مثلا (( لا للأنفصال عن الجسد العراقي ولا لحق الكرد في نسبة من الوارد العراقي )) هل يعتقد الكاتب ان هذا عدل ؟ هل انها الاخوة التي يدعو اليها ؟ لماذا الضنون السيئة ، هل وجدنا الكاتب قبائل ما قبل الحضارة حتى ( نستمتع ) برؤية نزيف الدم ، ودم من ؟ دم اخوالنا واولاد شقيقاتنا وعمّهاتنا .
انا لا اشك في وطنية وعراقية الكاتب العتابي ، لكن من يؤمن بشراكة الكرد في الوطن العراقي حقيقة ، تأبى نفسه العفيفة من التحدث عن الاموال التي تصرف للكرد وكأنها منّة من احد ما . ثمّ ونحن شركاء لماذا لا يحق لنا ايضا ان نتحدث عن نسبة 83% التي تذهب الى المحافظات الاخرى . هل لنا ان نستكثرها وبالمقابل ؟ طبعا لا ، هنيئا للعراقيين اموالهم التي حرموا منها ولا زالوا .
ارجو ان لاينفعل الاخ الكاتب فجلسة الشاي العراقي تطول احيانا .
يشير الكاتب الى ان مناورات السياسيين وسياسات لي الاذرع ومحاولات حصول اكبر قدر من المكاسب ليست مشكلة المثقفين العرب ، فلماذا لا يعمم الحالة ، لماذا يضن ان المثقفين في كردستان ، او كلهم ينقادون للسياسيين في كل خطواتهم ؟.
احاول الان ان اناقش الكاتب على المواضيع الاخرى التي طرحها ، وهي كلّها موضع اهتمام العراقيين وتحتاج حلولا .
قضية الهاشمي :
ليست هذه اصلا قضية اساسية ولا مهمة في موضوعات الحوار بين المثقفين الكرد والعرب في العراق ، ولكن الكاتب العتابي جعلها محور موضوعه وكأن ليس لنا ما نتحدث عنه من شأن عراقي الا هذه القضية .

في موضوع الهاشمي يقول الكاتب ((ما ألمنا حقا هو أصرار الأخ مسعود البرزاني على حماية مجرم .. أنتم تعرفون أجرامه أكثر منا)). ويقصد به السيد طارق الهاشمي . كان على الزميل وهو يخاطبنا كمثقفين كرد ان يكون اكثر دقّة في اطلاق حكمه علينا ، نحن نعرف من وسائل الاعلام ان السيد طارق الهاشمي ليس مجرم لأنه لم يصدر بحقه اي حكم قضائي بعد ، انما هو متهم وفق قانون الارهاب ومطلوب للقضاء العراقي ، فمن اين لنا ان نعرف اجرامه اكثر منكم ايها الزميل ؟ ثمّ من قال اننا نتشرّف بوجوده في كردستان ، الحقيقة ان المثقفين في كردستان ، وفيما يخص قضية الهاشمي حائرون ، فهل يعقل ان يلجأ نائب رئيس الجمهورية الى قتل سواد الناس من مواطنيه ، وبالمقابل هل يعقل ان يفتقد القضاء العراقي استقلاليته فيصدر احكاما وفق مزاج السياسيين واهوائهم ؟ ، مع الاسف احدى الحالتين حصلت وكلاهما شرّ. واوافق الكاتب الرأي ان على الهاشمي ان يثبت برائته امام القضاء ان كان بريئا وان لم يكن كذلك عليه ان يتقبل جزاء ما اقدمت عليه يداه . اما مسألة تسليمه وحمايته فهي لا تخص المثقفين في كردستان وحتى لا نعرف ماذا يجري بشأنها ، فقد اتهم النائب الاسدي في البداية السيد الطالباني بحمايته ودعا الى مسائلته ثم تراجع واعتذر ، واليوم تتهمون السيد مسعود البارزاني . ان الازمة بين المركز والاقليم ازمة حقيقية لا يحلها حلّ قضية الهاشمي .
قضية كركوك :
بشأن القضية يخاطب السيد الكاتب الكرد بقوله ((وأذا كنتم تتصورون أنكم ستأخذون كركوك فبالتأكيد لن يكون هذا سهلا أن لم يكن مستحيلا .. )) . نحن نقر ان مسألة كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها ، معقدة وصعبة ولها تداعيات كثيرة ، محلية واقليمية ودولية ، ولكنها تحتاج الى حل . من جانبنا ننظر الى كركوك على انها جزء من كردستان تاريخيا وجغرافيا ، على ان الكثير منا يأبى ان تراق قطرة دم من اجل ربط كركوك باقليم كردستان عن طريق العنف . فلماذا الحديث عن معارك دموية وساحات حرب من قبل مثقف ؟ الا توجد حلول اخرى تجنبنا الطعن بالرماح والضرب بالسيوف ؟ . انا اعرف قبلك ايها الزميل ان امريكا وبريطانيا وغيرها من الكبار لن تكون الى جانب الطرف الكردي ، ولكن اتمنى ان لا نحتاجها اصلا لتكون الى جانبنا . اتمنى ان نترك امر تقرير مصير كركوك لأهل كركوك ، اليس حريا بنا نحن المثقفين ودعاة احترام ارادة الناس ، ترك الناس يختارون نمط حياتهم ويقرروا امورهم بانفسهم . لقد ولّى ايها الزميل عصر المستحيلات ، فلماذا تدّق على العصب . ان الكثير من العراقيين ، ومن ضمنهم انا ،يؤمنون ان الكويت ارض عراقية لكنهم لم يؤيدوا صدام في ضمها عنوة ، الا يستفز هؤلاء العراقيين ان نقول لهم (( انه يستحيل عليكم ان تأخذوا الكويت )). فمن يضمن ان الكويتيين لا يقررون الاندماج مع العراق في زمن لاحق ؟.
تركيا وايران وسوريا :
كلّما طالب كرد العراق بحقوقهم ، اطلّ عليهم حاكم عراقي يذكّرهم ان الحقوق التي حصلوا عليها في العراق هي اكثر مما حصل عليه الكرد في تركيا او ايران او غيرها ، ومن غير الحاكمين يردد القول هذا العديد من الاشقاء العرب العراقيين وحتى العديد من المثقفين من بينهم . سمعنا مثل هذا الكلام من نوري السعيد وقاسم والاخوين عارف ومن صدام ، وللاسف سمعناه في الاونة الاخيرة من السيد نوري المالكي ايضا ونأمل ان تكون المرة الاخيرة وان يعدها هفوة . وها ايها الزميل نسمعه منك ايضا ، ونسمعها من النائب عن دولة القانون السيد ( صالح الحسناوي ) الذي يذكّرنا ان الترك يسمّون الكرد ( اتراك الجبال) وكأني بهذا السيد النائب لا يعرف ان العالم تغيّر وتركيا تغيّرت و مصطلح ( اتراك الجبال) لم يعد موجودا في قاموس اللغة التركية وان القادة الترك يؤكدون على الاخوة التركية الكردية ، وان السيد رجب طيب اردوغان قد اعتذر للكرد عن بعض مظالم الحكومات التركية السابقة ، وان هناك محطة تلفزيون حكومية تبث برامجها باللغة الكردية وصحف ومطبوعات كردية وان هناك مثقفون وكتاب ترك يدعمون الحقوق الكردية بكل قوة .
لم يعجبني ابدا ان يعيّر السيد النائب الكرد بمصطلحات الترك واخشى ان يذكّره كردي يفقد اللباقة بمقولة الترك عن العرب ايضا (( بيس عرب ، خائن عرب)) او مقولة الايرانيين عن العراقيين (( شيعة العراق سنة ، وسنته كفار)) .
ولأن (هذا العجين استهلك الكثير من المياه ) كما يقول المثل عندنا دعني ان ادعوك الى قراءة التاريخ . ادعوك ان تعرف منهم الكرد وكيف اصبحت كردستان جزءا من تركيا وايران والعراق .
بداية لا يليق بالمثقفين مقارنة وضع الشعب الكردي في العراق بوضع اشقائه في البلدان الاخرى ، لاننا ايتها الاخوة لسنا غجرا مبعثرين هنا وهناك حتى يتفضل علينا احد الحكام في دولة ما بحق فيقتدي به الاخر، لسنا البدون . نحن شعب عشنا ونعيش على ارضنا ورغبت بريطانيا ( صانعة الدول العربية ) ان نتجزأ على اكثر من دولة وان لا تكون لنا دولتنا القومية . عصر مضى ومن الممكن ان عصر الدولة القومية قد مضى ايضا .
ما يليق بالمثقف ان يحكم دون المقارنة ، ان كان الشعب الكردي في العراق يستحق حقا فيكون مساندا له ، وان دعا الكرد الى حقوق لا يستحقونها يسدي لهم النصح بان لا يعتدوا على حقوق الاخرين .
وان كان لابدّ من المقارنة ، اود ان يعرف الكاتب والقراء ان حالة الكرد في العراق تختلف عن حالتهم في غيرها من الدول . الكاتب نفسه يقر ان (( حدود العراق الحالية من صنع الاستعمار البريطاني الفرنسي )) والاجدر به ان يعرف ان كردستان لم تضم الى العراق الا بعد سنوات من انشاء الدولة العراقية ولأسباب منها
1- اكتشاف النفط في كردستان ورغبة الانكليز في الاستفادة منه
2- شكوى الملك فيصل من انه يحكم بلدا شيعيا فطالب بولاية الموصل ( كردستان) السنية لتقليل الفارق بين السنة والشيعة .
ان بعض الكرد قبلوا بانضمامهم الى العراق مقابل احترام الدولة العراقية لحقوقهم وتمتعهم بلغتهم وثقافتهم ، ولم يقبل العراق عضوا في عصبة الامم عام 1932م الا بعد تعهدات باحترام حقوق الكرد . وهذا لا ينطبق على تركيا وايرن .
ولنعود الى المقارنة ، الا يحق لنا ايضا ان نتسائل ، هل حصل العرب في تركيا وايران على حقوق مثل تلك التي حصلوا عليها في العراق؟ هل حصل الشيعة في البحرين والسعودية والكويت على ما حصل عليه الشيعة من حقوق في العراق؟ وهل حصل السنة في ايران وسوريا على ما حصل عليه السنة من حقوق في العراق ؟ . ان حالة كل بلد تختلف عن الاخر ولا تفيد المقارنات ، في تركيا مثلا هناك نواب كرد في البرلمان التركي ضمن قائمة حزب العدالة والتنمية او الاحزاب التركية الاخرى بقدر عدد نواب الحزب الكردي المعارض ، فهل توجد هذه الحالة في العراق ؟. وفي تركيا ايضا رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء وسفراء كرد وقادة جيش وغيرهم في اهم الوظائف الحساسة ولا يقول احد انهم اختاروا كرديا ، فيما في العراق كان نائب صدام كرديا ولكنه كان يخشى من موظف استعلاماته ، واصبح الان السيد الطالباني رئيسا تشريفيا، لكن نسمع يوميا اعتراضات او تذكيرنا بمنصبه ومنصب وزير الخارجية وكأن لا غبار على حقوق الكرد او ان العراق سباق في هذا المجال . ونسمع احيانا من يقول لنا ( هذا من فضلنا عليكم )!
في تركيا ، المواطن هو مواطن ( وتن داش ) ، ولا غبار على وطنيته وحقوقه ان لم تخالف الدستور . صحيح هناك في تركيا مشكلة كردية تحتاج الى حل سلمي ، وهناك اعتقالات للمعارضين الكرد وقتال بين حزب كردي والحكومة التركية تسقط خلاله الكثير من الضحايا . لكن صدام كان يقتل الكرد حتى من الذين يقفون الى جانبه ويدافعون عن نظامه .
انا لا اريد ان ازكي النظام السياسي التركي ، لكن لا احد يستطيع ان ينكر ان الدولة التركية دولة ديمقراطية ، وحتى النظام السياسي فأن الترك متفقون على وجوب تعديل نظامهم ودستورهم وصولا الى دولة اكثر عدالة وديمقراطية، فلماذا الاقتداء والاشارة دائما الى تجربة بحاجة الى التغيير والتعديل . وابشر العازفين على هذه الاسطوانة المشروخة ان لا قوة على وجه الارض تستطيع حرمان الكرد في ايران وتركيا وسوريا من حق لهم الى ما لا نهاية .
الحديث عن الدول الاخرى والمقارنة معها مردودة اصلا ، لأن شعوبها لم تحصل على حقوقها ، فمن الطبيعي ان لا يشذ الكرد عن القاعدة ، ففي سوريا مثلا يمارس النظام القمع والظلم والقتل ضد كل الشعب السوري ، فهل من المعقول ان نتصور حقوقا عادلة للكرد في سوريا ، وهل تضع حكومة العراق نفسها موضع الحكومة السورية حتى تأتي حقوق الكرد في سوريا والعراق متشابهة ؟ اذا كانت الحكومة العراقية بشكل الحكومة السورية كان علينا نحن العراقيين ان نسبق الشعب السوري في الربيع العربي . انا لا اتصور حاكما يلجأ الى مقارنة الحقوق الكردية في العراق وغيرها من الدول الاّ وانه من تلاميذ مدرسة صدام ، صدام الذي كان يقول ان العراقيين كانوا جياعا فاشبعهم هو ، وكانوا شعبا من الحفاة فألبسهم هو ، صدام الذي كان يهب ويمنح المكرمات ، وعلى حكامنا الجدد في العراق ، ولا استثني احدا ، ان يعوا ان العراقيين استعادوا حريتهم بدمائهم وليس بفضلهم ، بل بالعكس ففضل الشعب عليهم كبير ، هذا الفضل الذي جمعهم من الشتات والغربة وجعلوا منهم حكاما .
العراق الذي نريده :
وهنا اطرح على الكاتب العتابي سؤالا قد يكون ساذجا ، وهو لماذا يحب الانسان بلده ووطنه ؟ لا اريد الجنوح نحو العاطفة والمثاليات والشعارات الوطنية ، واعود للاجابة . الانسان يحب وطنه لكي يشعر فيه بحقوق المواطنة وتحفظ فيه كرامته وتتوفر له فرص العيش بسعادة ويشعربالعدالة الاجتماعية والمساواة امام القانون وتكافئ الفرص . وما خلا ذلك يصبح الوطن سجنا كبيرا يحاول المواطن الهروب منه .
هل حققت الدولة العراقية الحالية هذه الطموحات المشروعة للشعب العراقي ؟
الجواب كلا . حالة الحريات الشخصية بائسة ، وحالة حقوق الانسان رديئة بشهادات المنظمات العالمية ، والسجون تكتظ بالمواطنين ، عراق اذ سرق فيه الضعيف عاقبوه وان سرق فيه ( الشريف ) تركوه ، وموارد العراق تنفق بسخاء على الاحزاب والكتل السياسية ، وفيما يعيش المسؤولون بترف ،غالبية الشعب شبه جائع ، الخدمات مفقودة ، الوظائف توزع على الاقارب والاصدقاء او تباع وتشترى ، الفساد في كل مرافق الدولة ، الشخص المناسب ليس في مكانه المناسب ، هناك المحاصصة في كل شئ ، لا اعتبار للكفاءات والخبرات . انا لا احمل حكومة السيد المالكي وحدها المسؤولية ، فالمسؤولية يتحملها الجميع بما فيها قادة الكرد ، لكن اليس من واجب المثقفين العرب والكرد السعي لتغيير العراق الى بلد ديمقراطي يتمتع فيه الفرد بالحرية وتحترم حقوق الانسان وتسود العدالة وحكم القانون ؟. هل من الحكمة ان ننتظر الى ان يفرجها الله فيبعث لنا بحاكم يبذّل عسرنا يسرا . انا لا اؤمن بوجود حاكم ظالم او دكتاتور بوجود شعب واع ومدرك لحقوقه ورافض للخنوع والركوع . وان وجد فان مستقبله لن يكون سعيدا بل لن يكون مصيره افضل من مصير صدام والقذافي وتشاوسيسكو .
الدولة الكردية :
قلت فيما سبق انه يمكن القول ان عصر الدولة القومية قد مضى ، ولكن العيش في ظل دولة غير عادلة وغير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الانسان وحريات الافراد ولا توفر للمواطن كرامته وحقه في العمل والعيش بهناء وسعادة ويخشى فيها على مستقبل اطفاله ، يدفع بالانسان الى البحث عن حلول اخرى قد تكون انشاء دولة بديلة .
لندع السياسيين يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون ، ولكن لنفترض ان الكرد قرروا اقامة دولتهم اليوم او بعد حين . فهل هي نهاية الدنيا حتى يتحدث الكاتب عن الاقوى عسكريا وعن الدماء والارامل واليتامى ؟. اليس بامكاننا ان نتفق مثل ( جيكوسلوفاكيا ) السابقة ، ونذهب كل منا لحاله يبني مستقبله ،
لماذا يرى الكاتب ان الدولة الكردية تقطيع للجسد العراقي ، الم تكن الدول العربية دولة واحدة في ظل الحكم الاموي والعباسي ثم توزعت على اكثر من عشرين دولة ، الم يكن الفرنسيون يعتبرون الجزائر ارضا فرنسية ؟. الا نسمع بنشوء دولة بين حين واخر . لماذا تعظم الامور في اعيننا دائما ونركن للعاطفة بدل الاعتراف بالامر الواقع ، ماذا نجني من دولة وتراب موحدة اذا بقي الشعب منقسما ومتقاتلا وعدائيا بعضه للبعض ، اليس الانفصال اهون الاحتراب ؟ اليس من الافضل لفلسطين ان تنقسم بين غزة والضفة من احتراب داخلي ، حتى نحن في الاقليم انفصلنا الى حكومتين وادارتين ومنطقتين بعد ان شعرنا ان الحكومة الواحدة غير ممكنة وان ضريبة الاقتتال الداخلي ثقيلة ومخزية . يجب ان لا تأتي وحدة التراب العراقي على حساب هدر دماء العراقيين .
ان ما يحفظ العراق موحدا هو شعور كل اعراقه واطيافه بالامان فيه وبحقوق مصانة ومساواة امام القانون ، ان عصرنا يتجه الى الاتحادات الكبيرة ، فالشعوب الاوربية رغم تباينها في العرق واللغة والثقافة منضوية اغلبها تحت راية الاتحاد الاوربي ، ويستطيع الفرنسيون او الالمان او الايطاليون في سويسرا الانفصال بكل سهولة ، والفرنسيون في كندا صوّتوا ضد الانفصال لانهم لا يشعون باي تمييز بينهم وبين غيرهم من الكنديين ، والسويسريون حالة سواء فلا يفكر احدهم في دولة اخرى . ان مهمة المثقفين السعي لتكوين دولة عراقية على النموذج الحضاري واعطاء كل ذي حق حقه وهو الضامن لوحدة العراق ،اما القوة والتهديد والوعيد فهي ليست سبلا ناجعة لحفظ وحدة العراق . انا اسأل السيد الكاتب كيف للكرد الاطمئنان في العراق والشعور بالمواطنة فيه وهم يسمعون كل يوم ، وكلما ضجر سياسي من سياسي ، دعوات لقطع ارزاق الناس . ويسمعون يوميا ان حقوقهم في العراق اكثر من حقوق اشقائهم في هذه الدولة او تلك وكانهم يقولون لنا ( انتم لا تستحقون هذه الحقوق ) . هذا بدلا ان يدعو تلك الدول الى حل مشاكلها ليس من معيار انساني وحسب بل تصحيحا لمسار خاطئ يفرز تعقيدات اجتماعية واقتصادية ما عدا الخسائر البشرية .
اقول اخيرا ، ان الشعوب حين يلحقها الظلم والغبن وتنتهك كرامتها لا تعترف بالخطوط الحمراء ولا تحسب حسابا لما تنص عليه الدساتير التي تحرم عليها تغيير الحدود التي هي في حالة تغيير دائم .
امامنا حالتين لا ثالث لهما ، اما ان نبني عراقا يكون وطنا للجميع ، وطنا بكل معانيه . او نتفرق باحسان ومعروف ونبارك كل منا للاخر حياته الجديدة وكفانا حروبا ودماء باسم قدسية الارض التي لا تعلو على قدسية حياة الانسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى حضرة الكاتب المحترم
مسعـــــــــود ( 2012 / 3 / 24 - 02:03 )
اخي العزيز تيلى احيي فيك روح نقاش الهادئ والمتزن وروح المسؤولية في طرح وجهات النظر على الرغم من اختلافي معك في كثير من الافكار التي طرحتها. نعم هناك الكثير ليقال في علاقة المركز بالاقليم ولكن لا المركز مركز ، ولا الاقليم اقليم ، الطرفان يعملان على هواهما وجعلا اللغة الوحيدة السائدة والممكنة هي لغة الانفصال ، بلا رؤية موضوعية لواقع اوطاننا ولا للتغيرات التي تطرأ في العالم ، فالكل ينظر الى مصالح انية ضيقة ليس لها اي بعد يرتبط بمصائر الوطن ، انا لست من مقدسي التراب على حساب الانسان، لكن انظر الى مايغرز في عقل المواطن العربي من طائفية كريهة على حساب المواطنة ونحن في القرن الحادي والعشرين ، وبالمقابل انظر الى مايغرز في عقل المواطن الكردي من شوفينية قميئة
على حساب الوطنية والمواطنة والمساواة طبعا انا لا اود المقارنة لانك تكرهها كما بينت ، لكن ما اود قوله هو من يقول لي ان احد الطرفين يعمل لمصلحة الدولة التي انشأوا دستورها هم وكتبوه وصوتوا عليه، سأقول له انك تجانب الحقيقة. الكل يعمل للوصول لفرصة ليغتنمها ونستطيع انا وانت سوية ان نعدد الامثلة لذلك . تحياتي لقلمك الرصين والمسؤول .

اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال