الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن امتهان السلطة وامتهانها

ماجد الشيخ

2012 / 3 / 24
المجتمع المدني


الذين أرادوا ويريدون امتهان السلطة، أي احتكارها كمهنة دنيوية، سرعان ما تمتهنهم السلطة بدورها، وترمي بهم في لجج إجرامية دفاعا عنها وعنهم في قلبها. وفي البحث عن مصائر الناس، لا نجد أمامنا سوى سلطة لا تدافع عن مصائر هؤلاء، بقدر ما تستشرس في الدفاع عن مصالحها ونفوذها وجاهها واستعراضاتها، وكل ما آلت وتؤول إليه سلطة الفرد أو النخبة أو المجموعة/ الطغمة المنقطعة عن الناس/المجتمع والكيان/الدولة. وبهذا المعنى صار الاستبداد الطغياني للسلطة، يتماهى وطبيعة الاحتلال لجهة قيامه باستباحة كل المقدسات المواطنية أو الدولتية، في بلاد تفتقد لهذين الأقنومين افتقادا تاما.

هكذا أتاحت وتتيح السلطة المغتصبة من أصحابها )الشعب)، امتهان من امتهنوها، ومن يقع تحت ولايتهم بالقمع مرة، وبمصادرة الحقوق الطبيعية مرة، وبامتهان التاريخ وتزويره مرات، والانكباب على استعادته كمهزلة المهازل السلطوية، وهي تسجل لذاتها كل "الأحقية" بامتلاك مغانمها بالغلبة وبالإكراه وبالقوة الغاشمة؛ وإن لم يكن بهذا، فبغيره من "الفتاوي الناعمة" وبإسقاطات دينية لا أصل لها، ولو زُعم أنها من قبيل القياس والناسخ والمنسوخ، وهي دنيوية أصلا وفصلا، ولا سبيل للاعتداد بها؛ إلاّ كونها نتاج المصلحة والمنفعة، والإدراك المتأخر لمقولة "الدين الحق" الذي يجري اللجوء إليه تقية مرة، وعلى رؤوس الأشهاد مرات، فيما الدين من هذا وذاك براء.

في السياق المعرفي والإدراكي، لا يمكن احتساب الدين كونه مرجع السياسة أو السياسيين، حتى الذين يدّعون أو يريدون احتسابهم إلى صف "الإسلام السياسي" أنما هم يناقضون ذواتهم حين يزاوجون بين الدين، وهو هنا فهم محدد لـطبعة من طبائع "الإسلام" وبين السياسة، وهي إدارة شؤون الناس في دنياهم بحسب معطيات وظروف زمانهم. بل هم على العكس من ذلك يريدون إخضاع الدنيا والسياسة لـ "الشريعة" التي لا دخل لهم أو للناس بها حسب اعتقادهم، فلماذا يسمحون لأنفسهم فوق كل هذا بالقبول بالعمل الدنيوي/ السياسي، فيما هم أقرب إلى العمل في ما يعتقدون أنه المجال "الشريعي"/ الديني، إلاّ إذا كانت المصلحة والسلطة والجاه والنفوذ هي العامل الرئيس الموجه لهم كمصلحة سلطوية لا تُبارى؟ تذهب مذاهب شتى في تقرير مصائر الناس والمجتمع والدولة والوطن، فيما هم لا دخل لهم بهذا التقرير كفاعل أول وأخير، بل هم جزء من كل الناس والمواطنين في مجتمعاتهم وأوطانهم ودولهم.

ما بين الدين والسياسة، قد لا يكون مثل ما بين السياسة والدين من اتصال معرفي أو إدراكي، هناك أضاليل ومزاعم تحاول إقامة رابط بين اشتغال الديني في السياسة، أو توسل السياسي بالدين لخدمة مصالحه السلطوية؛ وها هنا يقبع مجال من مجالات التعدّي على المصلحة أو المصالح العامة للناس/ المواطنين ولمجتمعاتهم الأهلية والمدنية، ولدولة منشودة، إما أنها تحولت أو هي قابلة للتحول إلى دولة إرهابية؛ كوريثة لدولة الاستبداد الطغيانية. وكل هذا بفعل التدخل أو التداخلات بين مجال اشتغال الديني بالسياسة، أو اشتغال السياسي بالغرائز ودغدغتها بما لا يخدم مصلحة قيام دولة المواطنين الأحرار، كدولة مدنية لا دينية، لا تتماهي مصادر ومرجعيات السلطة فيها بين الديني كسياسي، والسياسي كتابع للديني، والاثنان كتابعان لمصدر قوة خارجي إقليمي أو دولي، وهذا هو واقع العدد الأكبر من بلدان "الدولة الغائبة" العربية وغير العربية؛ جراء غياب أو عدم الإيمان بثقافة وديمقراطية الممارسة والسلوك الديمقراطي، والإيمان بضرورة حضور "الدولة الواجبة".

وهكذا يبدو أن شرط وجود السلطة، هو غياب المعرفة، وكل إدراك دولتي، والاحساس بضرورة تجسيد الحقيقة؛ بينما تقف الدولة وشرط وجودها على النقيض من ذلك؛ حيث حضور المعرفة وتلازم الإدراك الرابط بين تحقيق مصلحة الدولة العامة، عبر حرصها على إنجاز تحقق المصلحة والمنفعة العامة وقيامها بواجباتها تجاه مواطنيها، من قبيل تحقيق المصالح الخاصة والعامة لأولئك المواطنين، القائمين بواجباتهم في مقابل نيلهم لحقوقهم المنصوص عليها في العقود الناظمة. كل هذا يشكل الشرط الشارط لوجود المصلحة العليا المتحققة للدولة ولمواطنيها الأحرار.

هنا في ظل وجود "الدولة الواجبة" الداخلية، لا يحتاج المواطن لسلطة أخرى، تتضاد ووجودها، على عكس السلطة الدينية العاملة على تكريس "سلطة خارجة" بزعم أنها مستمدة من الدين أو من السماء أو من الله، من قبيل الدولة الخليفية الوراثية الاستبدادية بالضرورة، التي يقيمها البشر لتتحكم فيها نوازعهم وغرائزهم ومشاربهم المختلفة، بزعم أنها "دولة الدين" أو "الدولة الدينية" أي دولة الشريعة المستندة إلى الكتاب/القرآن، وهذا شطط مكرر منذ القدم؛ يكرس مسألة خروج الفرد على الجماعة، بمعنى خروج الفرد أو الجماعة على سلطة "الدولة الواجبة" الوجود، كدولة تسعى بالضرورة إلى تحديث بنياتها وأبنيتها على الدوام، انطلاقا من معايشة محايثة وليست مفارقة أو مغتربة عن العالم والعصر، حيث المهمة الأبرز والأشد إلحاحا المساهمة في صنع المصير الجماعي، والمضي نحو نفي الاغتراب المعرفي، وتأكيد مهمة لها سمات الطابع المعرفي للحداثة والتنوير، على الضد من مهمة وسمات الطابع الأيديولوجي لاستبدادية وطغيانية السلطة، أو مجموع السلطات الأهلية أو الفقهية التي أدمنت وتدمن إعادة بعث أفكار أيديولوجية، من أشد سماتها تلك "الإحيائية" الدائمة لثقافة أو ثقافات الهامش أو الهوامش غير الفاعلة، كاستعادة واجترار نقلي لكل ما سلف، ومعاداة حاضر يتشكل؛ ليشكل معه ما سوف يأتي في المستقبل، إلى حيث تتقدم حركات الشعوب وتفاعلاتها، نحو فضاء التثاقف العالمي الأكثر انفتاحا وتسامحا من بوتقات الاستبداد السلطوي، وأحلام الهيمنة والغلبة والإكراه من كل صنف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال