الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من -وحي الأحداث-.. نقد ذاتي محتشم..

مصطفى بن صالح

2012 / 3 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كان لا بد من انعقاد "منتدى دافوس"، حيث التقى الأخطبوط الإمبريالي المعزٌز بذيوله، التي لا تتوانى عن تنفيذ أقسى وأخطر البرامج التفقيرية المهددة بإبادة شعوب بأكملها، والتي يمكن تعدادها الآن بالملايير، في قارات بأكملها كإفريقيا، وأمريكا الجنوبية، والجزء الأكبر من آسيا.. كان لابد لبعض النبهاء، من التئام هذا الملتقى الذي نقلت وقائعه جميع القنوات المرئية وجميع الصحف والمجلات المختصة، الورقية والإلكترونية، حتى تصل أصدائه للبيت اليساري المغربي، وبدرجة أدق لبيت "النهج الديمقراطي"، الحزب المغربي اليساري الإصلاحي، الذي استقطب لحظة إنشاءه ما تبقى من أطر وقيادات منظمة "إلى الأمام" ممن أعيتهم وأنهكتهم سرٌية السبعينات وشعاراتها الثورية التي لم تعد تلائم، على ما يظهر، حالة الشيخوخة والشيب الذي عمٌ واجتاح رؤوس قيادات الحزب المهترئة.
فمن خلال إحدى الأعمدة الثابتة في الجريدة الرسمية للحزب، والتي تحمل نفس الاسم أي "النهج الديمقراطي"، وهو الاسم الذي يعتبره البعض من المناضلين سرقة واسترزاق تجاريين، لما شكله هذا الاسم من رمزية نضالية داخل الفضاء الجامعي، حيث كان اسم "النهج الديمقراطي القاعدي" نهاية السبعينات، شامخا ملعلعا في سماء الجامعة وفي صفوف الحركة الطلابية المكافحة، ممثلا لجبهة طلابية يسارية تقدمية، استندت في خطها وبرنامجها النضالي على التراث اليساري السبعيني الذي خلـٌفته "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" خلال المحطات التنظيمية الثلاث، المؤتمرات الوطنية للمنظمة الطلابية إوطم 13 و14 و15 بدرجة أكبر، وعلى ما خلفته تجارب أخرى خلال مرحلة الحظر القانوني لاتحاد الطلبة إوطم، تحديدا من خلال تجربة المجالس القاعدية السرية.. بالإضافة لما أنتجته وطورته الطلائع الشبابية الطلابية من خلال تجاربها الميدانية والعملية لحظة رفع الحظر واسترجاع قانونية المنظمة ابتداء من نونبر 78، خلال تجربة الهيكلة القاعدية لاتحاد الطلبة إوطم والإعداد للمؤتمر الوطني السادس عشر، دون أن ننسى استفادة هذه الجبهة الطلابية/النهج الديمقراطي القاعدي من تجارب الحركات الطلابية اليسارية المنتفضة ضد الرأسمال والإمبريالية والصهيونية والحروب.. في أغلب البلدان والمجتمعات الأوروبية والأسيوية والأمريكية والعربية بكل من لبنان وفلسطين والأردن وعمان..الخ
وبالرجوع لما جاء في عمود "الحبيب التيتي" في عدد الجريدة 154 الذي أتحفنا باكتشافه غير المسبوق لموقف وممارسة سياسية انتهازية، عميلة وخيانية، لمن سمٌاهم، لطفا منه، بزعماء "الإسلام السياسي"، متسائلا باندهاش حول هرولتهم، أي هرولة قوى الظلام والإظلام المعروفة أهدافها ومراميها للجميع، "لتطمين الطغمة الإمبريالية على حفظ مصالحها والاستعداد للتعاون المشترك"
والحال أن من يحترم مبادئه وتاريخه وتضحيات رفاقه الشهداء والشهيدات وكل من عايش حالة المتابعة والاعتقال والاختطاف والتعذيب.. على طول تجربة اليسار الثوري المناضل داخل المغرب وخارجه، ويقدر تضحيات الشعوب وتضحيات الطبقة العاملة وحلفاءها في صفوف الكادحين، ومناضلي اليسار الجذري.. أمام بطش هذه القوى وتآمرها مع أنظمة الاستبداد والاستعباد، ضد وتجاه قوى التقدم الكادحين والمحرومين، التواقين للحرية والتحرر والديمقراطية والاشتراكية.. لم ولن يغفل ولو للحظة، حقيقة هذه القوى التي لم يعد يجادل أحد في اعتبارها طابورا خامسا للقوى الإمبريالية، بل لن يتردد في اعتبارها الوجه الآخر لنفس العملة، الامبريالية من جهة والقوى الظلامية من الجهة الأخرى.
فمن ينسى عمر بن جلون، ومهدي عامل، وحسين مروة، والمعطي بوملي، وأيت الجيد بنعيسى.. فيمكنه بسهولة أن ينسى زروال وسعيدة وأمين والبريبري والدريدي وبلهواري وشباضة..الخ ولن تتوقف اللائحة.
أصل هذا التذبذب والارتباك، أنه مع انطلاق احتجاجات حركة 20 فبراير، تم نسج تحالف سياسي مبطٌن داخل هذه الحركة، يمتنع مهندسوه عن إشهاره مخافة التشهير بهم، بحيث تشكل هذا التحالف أو التنسيق أو التفاهم.. بين مكونات اليسار الإصلاحي في المغرب، المشكل من قوى سياسية شرعية انتمت إلى عهد قريب إلى ما سمٌي لحظتها "بتحالف اليسار الديمقراطي"، وهي أحزاب "النهج الديمقراطي" و"الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" و"الاشتراكي الموحد" و"المؤتمر الاتحادي" هذا من جهة، مع جماعة "العدل والإحسان" الظلامية، من الجهة الأخرى.. حيث تمتـٌن التحالف من خلال إعلان أرضية الحركة وإشهار مواقفها وشعاراتها، ثم الدخول في أجندة احتجاجية تتفاهم وتتوافق حولها المكونات، التي عززت صفوفها ببعض التيارات الشبابية اللبرالية وبعض المجموعات اليسارية التروتسكية والماوية والفوضوية والقومجية الأمازيغية، على خط المسيرات وتوقيتها، وعلى شعاراتها المركزية، وعلى لافتاتها وأماكن احتجاجاتها ونقط انطلاقها ونهايتها..الخ
حينها، انتقدنا هذا المنحى، وحاولنا بكامل جهدنا فتح النقاش والحوار مع حلفاءنا من نشطاء الحركة اليسارية التقدمية، بجناحيها الإصلاحي والثوري، حول خطورة الموقف والموقع الذي خندقت فيه القوى اليسارية نفسها، بغض النظر عن الحشود الجماهيرية التي استقطبتها الحركة العشرينية، والتي تبين أنها لا تعدو سوى "أتباع للجماعة"، خصوصا أنها بيٌنت، أي الحشود، على ارتهانها بـ"الجماعة"، تحضر حين تحضر "الجماعة"، وتنسحب حين تنسحب "الجماعة"!
حينها تم رفض الحوار والنقاش، عبر الجري إلى أمام، وغطس الرؤوس في الرمال، بتبسيط الموقف، وإعلان فتاوي الإقصاء والحصار "بأن من هو خارج الحركة، فهو عدو لها، ومن يعادي الحركة فهو معادي لكل مكوناتها.." المدعمة بنظرية المؤامرة ضد "النهج الديمقراطي" التي وجدت مرتعا لها على صفحات الجريدة النهج وبعض مقالات أنصارها من هنا وهناك، على شبكة الإنترنيت..
وفق هذا السياق الذي فضٌل فيه زعماء ومنظرو "النهج الديمقراطي"، عوض النقاش والحوار بين الديمقراطيين الحقيقيين حول مصير الحركة الاحتجاجية ومصير الكادحين المغاربة المتطلعين للحرية والتحرر.. التقوقع في أحضان الظلاميين وتقديم أنفسهم كضحية مؤامرة، مساكين لا حول ولا قوة لهم ضد العداء الذي يستهدفهم من النظام والقوى اللبرالية والقوى الإصلاحية والقوى الشوفينية والقوى اليسارية المغامرة.. عدا "العدل والإحسان" الحليف الإستراتيجي والمضمون..! مقدٌما أسباب هذا الهجوم وهذا الاستهداف، بكونه أي "النهج الديمقراطي" لا يتأخر عن المشاركة والمساندة لجميع الاحتجاجات الشعبية عبر التأطير والتنظيم مذكٌرا بتضحياته السبعينية والثمانينية في السجون والمعتقلات ومخافر التعذيب.. وكأنه عاش تلك المحنة لوحده ودون غيره.. مع العلم أن محنة الحريات والاعتقال ما زالت مستمرة لحدود الآن، ولم يسلم من آثارها ومضاعفاتها أي كان من مناضلي جميع التيارات التقدمية المكافحة.
ردٌا على دعواتنا وعلى العديد من الأصوات التي تتقارب مع خطٌنا النضالي، الدعوات التي لم تصدر عن أشباح أو عن حركات أشباح، بل عن تيارات وإطارات مناضلة وتقدمية، شاركت وساهمت إلى جانب هذه الأحزاب أو جلٌها، مجمل النضالات الاحتجاجية خلال العقد الأخير أو خلال ما سمٌي بـ"العهد الجديد" "عهد محمد السادس"، كان أبرزها نضالات المساندة للشعوب الفلسطينية والعراقية واللبنانية، نضالات الدعم لحركة المعطلين وضحايا "النجاة"ّ، نضالات المناهضة لخوصصة قطاع الماء والكهرباء ـ ريدال، أمانديس وليديك ـ، نضالات الدفاع عن الحريات الديمقراطية والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، نضالات المناهضة للغلاء، نضالات الدفاع عن الحق في السكن..الخ اعتبر "النهج" هذه الأصوات، وبشكل قدحي ومقيت، صادرة عن "مجيمعات" وفقط، "تستهدف الحركة ومعها، "القوى الحية" في وحدتها، باعتبارها "قوى مناضلة" وقوى هادفة إلى خدمة مصالح الطبقات الشعبية وكل الحركات الاجتماعية المناضلة".. هكذا إذن! والحال أن واقع حركة العشرين، كشف بسخرية حقيقة "المجيمعات" كلها بدون استثناء، أي بما فيها "المجيمعة" التي ضخٌم من حجمها "الإعلام المخزني" "مجيمعة النهج الديمقراطي" نفسها.. حقيقة الضعف والحلقية والارتباك والمزايدات الصبيانية..الخ
ووفق هذا التصور الخاطئ والقاصر الذي أجهد النفس بما فيه الكفاية، من أجل اختزال حركة الصراع الطبقي في الحركة العشرينية ومطالب الكادحين والمحرومين والعمال المغاربة في مطالب وأرضية الحركة بعنوانها وسقفها المحدود "الملكية البرلمانية".. حيث أصدرت قيادة الحزب وكتابته الوطنية سلسلة من الاستنتاجات المتسرعة، والفتاوي الخطيرة التي قدٌمتها بكل جرأة وبراغماتية ووقاحة كذلك، كانت إحدى نماذجها على الشكل التالي "فالحد الفاصل هو بين من يناضل ويضحي من أجل أهداف الحركة ومن يحاول إجهاضها، وليس على أساس اعتبارات مذهبية" هكذا إذن، مرة أخرى تنتصب نظرية "الحركة هي كل شيء.." والاختيارات المذهبية لا تأثير لها، هي ماركسية العصر إذن، ماركسية "النهج" الذي فهم الوحدة منذ زمان "الجوهر الحي للماركسية".. خلاصة تذكرنا إلى هذا الحد أو ذاك بنصيحة عبد الرحيم بوعبيد أرض الله واسعة" في وجه منتقديه ومعارضيه داخل حزب الاتحاد الاشتراكي بداية الثمانينات.
فهل يعني هذا، وفقا لهذه الاستنتاجات، ووفقا لهكذا نظريات تجريبية، أن "ضياع" سنة من النضال والاحتجاج، لا يهم؟! وبأن جدوى التقييم لسنة من الصراعات الطبقية العارمة، لا تؤرق أحدا، فقط يكفي أن نصنف بعض القوى السياسية، باعتبارها معارضة ومعادية للنظام القائم، دون أن نؤكد في نفس الوقت على أنها تعادي وتعارض كذلك طموحات الكادحين والعمال وفقراء المدن والبوادي من الفلاحين والتجار والحرفيين والموظفين.. التواقين لمجتمع الحرية والكرامة، الخالي من الاستغلال والاستعباد والاستبداد وشر الرأسمالية، طموحات لا مصلحة لها في تغيير "الاستبداد الحداثي" بالاستبداد الظلامي" الأخطر منه، والأعمق والأعنف منه.. فهلاٌ أوحت لكم وقائع تونس ومصر وليبيا.. بشيء ما في هذا الاتجاه؟
في هذه الظرفية التي لا يمكن اعتبارها كما يدٌعي المنبطحون أنها ظرفية تراجع وارتداد، بل ظرفية تنوع النضالات والاحتجاجات وانفتاح الحركات على مجالات وقطاعات وملفات جديدة.. ما زال التشبث الأعمى من لدن البعض بالمنهجية الضيقة التي تريد قياس حركة النضال والصراع الطبقيين بحركة 20 فبراير المتآكلة.. على هذا القياس اعتبر وما زال، البعض من المبسٌطين تقدٌم الصراع الطبقي من تقدم حركة العشرينية، وخفوته من خفوتها انسجاما مع نظرية الإسقاطات، ونظرية عبادة الأصنام التي حوٌلت الحركة العشرينية إلى صنم يستوجب الركوع والسجود وقراءة الفاتحة في انطلاق ونهاية احتجاجاته، تعويضا للفكر والمنهجية المادية الدياليكتيكية النقدية التي لا تقدس شيئا، حركة كانت أو جماهير، والذي يجب أن يواكب جميع الحركات باعتبارها حركات تاريخية، تتطور وفقا وعلى حساب المصالح المتناقضة لمكونات الحركة، وضدا على نقيض وأعداء الحركة.
وبعيدا عن الوهم، أو الأوهام، التي خامرت البعض، باستقطاب أتباع جدد من ظلال الحركة، أو بوضع اللبنات الأولى لبناء الحزب الثوري أو الأحزاب الثورية العديدة، بالنسبة للبعض الآخر الذي رسم لها اتجاه العمل من أجل الوحدة في جبهة ثورية تجمع جميع من يعادي النظام من أجل الإطاحة به.. معتمدا على الحركة العشرينية ومعتبرا إيٌاها محور الصراعات الطبقية في المرحلة.. ندعو جميع الرفاق التقدميين والديمقراطيين، وبدرجة أولى الرفاق الماركسيين الاشتراكيين، لفتح النقاش والحوار من جديد، من أجل تطوير حركة الصراع الطبقي القائمة في قلب المجتمع، والتي لا تنتظر منا قرارا، هي قائمة رغما عن أنفنا فإمٌا أن يكون لنا مبرر وجود، وإمٌا مزبلة التاريخ تنتظرنا لا محالة إن أخلفنا الموعد مرة أخرى.. فأمام هذا التنوع وهذا التعدد الحاصل الآن، من وداخل الأشكال الاحتجاجية والانتفاضية الاجتماعية والطبقية، وما عرفته من ارتفاع في الدرجة والحدٌة والإبداع، لا يمكن إلاٌ التأكيد على أن نضالات الكادحين والمحرومين المغاربة، المتصاعدة والمستمرة، قد حققت الكثير من مكتسباتها الميدانية والجريئة دون تدخل أو توجيه من "الحقوقيين المحترفين" الذين عوٌدونا بالانبهار بالأحداث.
وبعيدا عن أية عدائية تجاه كل المتشبثين بحركة العشرين، ندعو الجميع للاستفادة من أداء العديد من المناضلين الذين زاوجوا بين التواجد في الحركة والتواجد إلى جانب جميع الحركات الاحتجاجية الأخرى، خصوصا الحركات ذات العمق الطبقي الشعبي والعمالي، ضد الغلاء وضد البطالة وضد التسريحات العمالية وإغلاق المصانع.. لدعم جميع الحركات الاحتجاجية المستميتة في الدفاع عن ملفاتها المطلبية، كمرتكز للاستمرار في التعبئة وحشد القوى اللازمة، وفرز الآليات التنظيمية الملائمة لخوض الصراع من أجل القضاء على النظام القائم، تعبيدا لطريق الحرية والتحرر والانعتاق والاشتراكية.

مصطفى بن صالح
مارس 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورة الوطنية الديموقراطية
محمد بودواهي ( 2012 / 3 / 25 - 10:51 )
ليس في المقال ما يمكن أن يؤخد به إلا ما أتى في الفقرة الأخيرة التي تمت فيها الدعوة إلى المزاوجة بين النضال في حركة 20 فبراير الشعبية وكل النضالات الأخرى التي تخوضها مختلف القوى والطبقات والهيئات والحركات الاحتجاجية الأخرى خاصة منها تلك المرتبطة بقضايا العمال والفلاحين وعموم جماهير الشعب .....
إن الظرفية الحساسة التي يمر منها الصراع الطبقي في المغرب لا تحتمل أكثر من أن تتضافر جهود كل القوى التقدمية والديموقراطية على اختلاف توجهاتها الإصلاحية والثورية من أجل تحقيق الثورة الوطنية الديموقراطية و بعد دلك يكون لكل حدث حديث ....
الثورة الوطنية الديموقراطية هده قد تكون لها تسميات عدة حسب كل فصيل أو حزب أو تيار سياسي غير أن المضمون الدي يجب أن تتضمنه هو تحقيق الديموقراطية الفعلية التي تكون فيها السلطات كلها من الشعب وإلى الشعب .....

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن